الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تل السكن شاهد على الحضارة الكنعانية في غزة إعداد: د. وائل حمامرة

تاريخ النشر : 2017-11-21
تل السكن شاهد على الحضارة الكنعانية في غزة

إعداد: د. وائل حمامرة

يقع تل السكن الأثري على بعد 5كم إلى الجنوب من مدينة غزة، في المنطقة التي تعرف حاليا باسم مدينة الزهراء، ويبعد حوالي 1.5كم إلى الشمال من مجرى ومصب وادي غزة. وأقيم في موقع استراتيجي على شبكة الطرق الرئيسية في جنوب فلسطين، والتي كانت تربط الحضارات القديمة الممتدة ما بين مصر وبلاد الشام والعراق والأناضول. يأخذ تل السكن الشكل البيضاوي بمساحة تقدر بحوالي 66 دونم أو أكثر، ويعتبر تل العجول الواقع جنوبا على مسافة 500م استمرارا حضاريا لاحقا له.

تكمن أهمية موقع تل السكن بكونه الموقع الوحيد المكتشف في قطاع غزة والذي يقدم لنا تسلسلا تاريخيا زمنيا خلال العصر البرونزي المبكر 3300-2250 ق.م، ويُعرف هذا العصر ببدايات الفترة الكنعانية، ويمثل ظهور المدنية ودويلات المدن في فلسطين، حيث حدثت تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية أدت إلى ازدهار عمراني ونشاط تجاري واقتصادي ونمو  في الكثافة السكانية.

اكتشف موقع تل السكن بالصدفة في عام 1998م أثناء الحفر لإقامة بناء لمجمع سكني في المنطقة، إذ ظهرت أساسات لمنشأة معمارية  مبنية من طوب اللبن، وطبقات تدل على سكن الإنسان فيه، وعثر على العديد من اللقى الأثرية المتنوعة. ولأهمية هذا الاكتشاف قامت وزارة السياحة والآثار في حينه بإجراء تنقيبات أثرية مشتركة بالتعاون مع المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية في عامي 1999-2000م.

دلت نتائج التنقيبات الأثرية في موقع تل السكن بان سمك التراكمات الحضارية يزيد عن التسعة أمتار، وأن الموقع قد سكن في مرحلتين تاريخين: الأولى تعود إلى العصر البرونزي المبكر الأول (ب)، حوالي 3300-3000 ق.م، وكشف عن التحصينات في القسم الجنوبي من الموقع، والمتمثلة بثلاثة جدران (أسوار) دفاعية متتالية، أكبرها الجدار الخارجي الذي بلغ سمكه حوالي 3.8م، وقدر ارتفاعه بقرابة 8م، ويبدو بان هذه التحصينات قد احتوت على أبراج للدفاع والمراقبة، وإلى الدخل من هذه التحصينات كشف عن مباني سكنية تضم مواقد وصوامع للتخزين. عثر على العديد من المواد الحضارية، ومنها بعض الكتابات والرسومات على الأواني الفخارية وخاصة مقابض الجرار، ويشير إحداها إلى اسم الملك المصري نارمر (ويعتقد بعض العلماء بأنه من الملوك الذين ساهموا في توحد مصر العليا والسفلى)، ووجدت العديد من التماثيل الفخارية، والأدوات الصوانية، والأواني والمطاحن الحجرية للحبوب، وتبين كثرة الجرار الفخارية المكتشفة في الموقع عن النشاط التجاري المزدهر والفعال الذي ساهم بدور أساسي في اقتصاد الموقع. ارتبطت هذه المرحلة بتأثير قوي وواضح بالحضارية المصرية التي تعود إلى فترة ما قبل السلالات، وربما اشتمل الموقع على حامية عسكرية مصرية كخط دفاع أول عن حدودها، وكانت تهدف لحماية مصالحا في المنطقة.

وفي مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد هجر موقع تل السكن للمرة الأولى، وفسر ذلك كنوع من انحسار للنفوذ المصري في الجنوب الغربي من أرض كنعان، واستمرت هجرة الموقع قرابة الأربعة قرون إلى أن أعيد سكنه في حوالي 2600 ق.م، وتزامن ذلك مع بداية المرحلة الثالثة من العصر  البرونزي المبكر (2600-2250 ق.م)، و
تميزت حضارة هذه المرحلة بطابع محلي كنعاني أسوة ببقية المواقع المعاصرة الأخرى في فلسطين، وأقيمت مدينة محصنة جديدة بأسوار دفاعية قوية فوق تحصينات المدينة السابقة، وبنيت بطوب اللبن، بسمك يصل إلى 7.50م، وتبقي من ارتفاعها حوالي 4.40م، وأسندت تحصيناتها بمنحدر مائل لحمايتها من أي اعتداء، ولإضفاء المناعة عليها كنوع من الإشارات لقوة الحاكم وسلطته. وشيدت العديدة من المباني في الموقع، وكشف عن بيوت سكنية محاذية لأسوار المدينة، ترتبط بشارع، يبدو أنه كان يؤدي إلى شبكة طرق في المدينة، واستعملت غرف البيوت لوظائف متعددة كالمبيت والخزين والطعام، وأنشئت على أطراف جدران الغرف دكات والتي كانت إحدى وظائفها كمقاعد. وكشف عن مبنى مستطيل يتوسطه منصة ربما أستخدمت للأغراض العامة.

هجر الموقع في عام 2250 ق.م كبقية مواقع العصر البرونزي المبكر في فلسطين، إذ سادت فلسطين في تلك الحقبة حضارة اعتمدت في معيشتها على نمط أشبه بحياة البداوة مدة تقارب القرنين والنصف من الزمن، ويعتقد بأن ذلك كان ناتجاً عن حروب شهدتها المنطقة والتي قدمت إليها من الخارج، أو لأمراض ألمت بسكانها أو لتغير مناخي أدى إلى جفاف وقلة لمقومات العيش المدني، إلا أن حياة المدنية عادة إلى فلسطين مع بداية العصر البرونزي الوسيط عام 2000 ق.م.

إن الأهمية الأثرية والتاريخية لتل السكن تستوجب الحفاظ عليه ويجب العمل على استكمال التنقيبات الأثرية العلمية فيه لكتابة تاريخه بشكل اشمل، وإيجاد مشاريع تهدف إلى ترميمه، وإبرازه كمعلم سياحي ووطني، ويستوجب إيقاف جميع أنواع الاعتداء عليه أو تجريفه، وضرورة حفظه للأجيال القادمة، علما بأن ما كشف منه أثناء التنقيبات الأثرية السابقة لا يتعدى عن جزء بسيط من طرفه الجنوبي، فلو استكملت هذه التنقيبات الأثرية في الموقع فأنه ستكتشف معالم فريدة ومتعددة من مكونات المدن الكنعانية والمتمثلة في قصور ومعابد ومباني إدارية وتحصينات ضخمة وبوابات وشبكة شوارع ومساكن ومواد حضارية تدل على الصلة الوثيقة للإنسان الفلسطيني بأرضه وارتباطه بتاريخه على مر العصور.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف