الأخبار
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البحر والمرأة والثورة في ديوان "العبور إلى الضفة الأخرى" توفيق عبد العال

تاريخ النشر : 2017-11-18
البحر والمرأة والثورة في ديوان
"العبور إلى الضفة الأخرى"
توفيق عبد العال
بقلم: رائد الحواري

الطبيعة تأخذنا دائما إلى حالة السعادة، فما بالنا إن كانت هذه الطبيعة تمثل جغرافية الوطن؟، والمرأة التي يمكنها أن تخلصنا من كل الآلام والاحتقان الذي يصيبنا، والثورة التي نجد فيها ذاتنا الرافضة لما هو كائن، هذه العناصر الثلاثة يتناولها الشاعر "توفيق عبد العال" في ديوانيه "العبور إلى الضفة الأخرى" فنجد فيه كل ما يرضنا ويفرحنا، فاللغة التي استخدمها الشاعر كافية لوحدها لإمتاعنا، والمضامين كانت متألقة وإنسانية، أما الصور فهي بديعة تجعلها نهيم في عالم مترعة بالجمال، كل هذا نجده في هذا الديوان المميز.
البحر والطبيعة
الديوان مرقم من رقم واحد إلى رقم ثلاثين، فنجد ذكر للبحر أو ما يتعلق به من ألفاظ في أكثر من عشرين قصيدة، وهذا يشير إلى المكانة التي يأخذنا بحر فلسطين عند الشاعر:
" (3)
عبرت بسواعدي عباب اليم
لألغي آيات موسى
بعد أن شطره نصفين
البحر لا ينام على الغيم
والماء لا يغفر جرحه
والملح هو له الصبر
لا يرضخ للمشيئة والقدر" فالبحر حاضرا في المقطع وأيضا التمرد/الثور كذلك والتي جاءت من خلال:
" لألغي آيات موسى
بعد أن شطره نصفين" فالشاعر يستخدم القصة الدينية بشكل مغاير لما هو متعارف عليه، ولهذا يعمل على إلغاء شطر البحر، وكأنه بهذا الإلغاء يعمل على محو الفواصل التي أوجدها المحتل في الجغرافيا الفلسطينية، فالبحر الفلسطيني/السوري واحد.
ويأخذنا الشاعر إلى صيد البحر والصيادين بحيث نجد هناك الصراع بينهما:
"(6)
قذفت بالإزميل والألوان وصورة العاشقة
ارتفعت الأمواج ومزقت الشباك والأحلام
واختطفت معها السلال والأسماك وأجساد الصيادين
سمعت صوت آلهة الحب والخيال .. ينادي
إنه الطوفان... لا خلاص لكم ...جميعكم بحكم المفقود
شاعر وحالم ..فنان وبحار وحكيم
لا سفينة خلاص لكم
ولا نوح جديد"
تركيز الشاعر على القصة الدينة يأتي وكأنه يريدنا أن نتوقف عند العديد مما نعتبره مقدس، فهو في البداية "ضد شطر موسى للبحر" وهو هنا يدفعنا للبحث عن خلاصنا بعيدا عن تدخل السماء، وتأتي هذه الرؤية كحالة تأكيد على ضرورة العمل من خلال الواقع بعيدا عن الأفكار الدينية التي تربط كل شيء في السماء.
الثورة
دائما ما يميز الشعراء تمردهم على الواقع، على الأفكار، على النهج العقيم الذي يمارس، وهذا ما وجدنا بعضه عندما تمرد الشاعر على افكارنا المقدسة، فللثورة أدوات وعناصر، الخيل والفارس، فالشاعر يستخدمها بشكل غير اعتيادي، بشكل غير مألوف:
"(8)
...وواحة الصحراء العربية خالية
سراب ..سراب
والفرسان والجياد لفتها دائرة الضباب
وحدي في الزاوية أراقب الساحة من بعيد
عل الشمس تغير مسارها
ويولد فارس جديد يشق جدار الصمت
ويعلن بزوغ الفجر من جديد" حالة الصراع حاضرة في المشهد السابق، ورغم عدم وضوح نتيجة المعركة إلا أن الشاعر يضعنا أمام الأمل وحتمة النصر والخلاص من السواد وانقشاع الضباب.
ونجد الطرح الثوري بشكل ممنهج في هذا المقطع:
"(2)
البحر لن يغفر
يوم ولدت
كان الأفق جمرا ونارا
إله الحرب كان حاضرا
عمدني ضد الموت .. وضد الدم
نزع البرقع عن وجهي
ورسم الحرية على زندي وشما
وطلب مني الانحياز إلى خط الفقراء
والمتمردين على زمن اليأس
علق على صدري حجاب حرز
وفتح البحر واليابسة والفضاء ..
إلي طريقا" تأكيد على حالة الصراع والمعارك الطاحنة التي يخوضها الشاعر والأحرار، فنجد الطبقة التي ينتمي إليها الشاعر، ونجد العناصر التي تعطيه/تمنحه الارادة وترفعه من معنوياته، ونجد إيمانه المطلق بالنصر، ومن ثم نجد العالم يفتح له.
المرأة
يمكن أن تكون المرأة هي الشيء الوحيد الذي يقضي/يخلص/يمحو قتامة الواقع بشكل كلي أو شبه كامل، فعندما يتناولها الشاعر/الكاتب نجده عقله الباطن لا يعود يستخدم الألفاظ والكلمات والعبارات التي فيها سواد، وهذا دليل على الأثر الايجابي الذي يحدثه وجود أو ذكر أو حضور المرأة، وهذا ما أكده الشاعر في هذه القصيدة:
"(23)
هل تزهر النجوم؟
أيتها الواقفة محتارة
بين نجمة السماء .. ونجمة الصبح
عهدا ووعدا أن ىأنتظرك
ألف عام وعام
حتى يحملك البحر إلي
مع رائحة البخور ومواويل البحار
والأشرعة المتعبة من سفر الأيام
يا شطر قمري التوأم
يا نهدا مشرئبا
على صدر جزيرة غرقى
ما بين الشاطئ والشاطئ
عهدا ووعد أن أنتظرك
....
وينتصر حلمنا المبحر
إلى عكا إلى يافا وحيفا
حبك بوصلتي بين بحر المنافي
وشاطئ الأماني"
غالبية الألفاظ المستخدمة جاءت بيضاء، "رائحة، البخور، المواويل، الأشرعة، الأيام، قمري، التوأم، نهد، مشرئبا، صدر، الشاطئ، ينتصر، حلمنا، الأماني" وهذا يؤكد على الأثر الذي يحدثه حضور المرأة، حتى أن الشاعر جعلها تواكب عملية النصر، وكأن النصر بدونها لا يكون/لا يحدث بالمطلق، وما يجعلنا نتأكد بأنها قرينة النصر ذكره للمكان "حيفا ويافا وعكا" وإذا ما أخذنا العناصر الثلاثة التي تناولها الشاعر سنجد حضورها في قصيدة المرأة هذه، فهناك البحر/المكان، والثورة والمرأة، لكنه عندما استخدم الطبيعة/البحر لم يتناول المرأة، وهذا ما يؤكد أنها اكثر فاعلة وأثرا على الشاعر من كافة العناصر المهدئة الأخرى.
تغريب القصائد
في العديد من القصائد يستخدم الشاعر الأقواس () والتي من خلالها يخرج عن النص، وكأنه بهذا يريدنا أن نتوقف مفكرين فيما يطرحه، فهو لا يقدم صور أو أفكار، بل يريدنا أن نتأمل/نفكر بما يطرحه، فهو لا يؤمن المقدسات وبالمفاهيم المطلقة، ولهذا عمل على تغريب الديوان من خلال هذه الملاحظات التي جاءت بهذا الشكل:
"
(6)
أشعلوا القناديل..(أفضل حذفها)
ضاعت بين البحر والشاطئ"
"(20)
وهزمت عمالقة الجبل (الأفضل: وقهرت)
تلتهب الثلوج تحت قدمي
ويختفي البرق تحت خطوط راحتي (غير مفهوم)"
بهذا الشكل يخرجنا الشاعر من عالم القصيدة والهيام فيها إلى عالم التفكير والتوقف، فهو لا يريدنا مستمعين بقدر مفكرين، وهذا الأمر يحجسب له.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف