قانون التقاعد المبكر للموظفين المدنيين
حالة الموت السريري
زكريا السرهد
مرّ اكثر من شهرين على نشر قانون التقاعد المبكر للموظفين المدنين في الجريدة الرسمية، والذي يمتاز بقصر العمر بحيث لا يتعدي الستة شهور، أي انه قضى اكثر من ثلث عمره، الا انه ولغاية الآن ما زالت تكتنفه الضبابية، او على ما يبدو انه يمر بحالة "موت سريري"، وسترفع عنه "الاجهزة" في الحادي والعشرين من شهر شباط العام القادم.
المشكلة هنا لا تكمن في قصر عمره فحسب، بل في كون ان عددا من الموظفين المدنيين قد سارعوا الى التقدم بطلب الحصول على التقاعد المبكر وفقاً للقانون، وهم ما زالوا ينتظرون معرفة مصير طلباتهم، ولكنهم لا يحصلون على اية اجابة سواء كانت سلباً او ايجابا.
التكهنات والتحليلات والآراء حول الاهداف الحقيقية من اصدار القانون متعددة، وليس هناك صاحب رأي بامكانه ان يستند الى مصدر محدد ليخبرنا عن الهدف الحقيقي، وبالتالي ما زالت الاهداف التي تقف خلف هذا القانون مستترة، ولم تتعد حدود الشك. ولسنا هنا لمناقشة تلك الآراء والتكهنات لكوننا لا نملك مصدراً نستند اليه، وبالتالي، سنتراجع الى النقطة الاولى، وهي ان القانون اصبح سارياً، وقابلاً للنفاذ والتطبيق.
عندما يتم اصدار أي قانون تكون له اهداف وغايات من التطبيق، ويخدم سياسات وتوجهات لدى الحكومة، وهذا القانون ولد يتيما ولم ترفق معه مذكرة ايضاحية، ورغم النفاذ قانونياً، فهو لا يزال بلا تطبيق، وما زال المستفيدين من تطبيق القانون من الموظفين المدنيين ينتظرون، ما عليهم سوى الانتظار، وليس امامهم الا الانتظار.
قد تكون حسابات التكلفة المالية هي العائق امام تطبيق القانون، ولكن، أي قانون وقبل اصداره يجب ان يتم احتساب التكلفة المالية للتطبيق، والمشكلة في هذه الحالة، ان القانون قد اتاح لجميع الموظفين المدنيين دون تقييد بسنوات الخدمة ولا بالدائرة الحكومية، وبالتالي، تكون حسابات التكلفة مرنة جدا يصعب حصرها، مما يوقع الحكومة في اشكالية كبيرة.
كما ان هناك مشكلة اخرى، اذ كيف يمكن تطبيق القانون في حال ان عدد المتقدمين للتقاعد المبكر كان كبيرا جداً، مما يهدد الدوائر الحكومية المختلفة بالتفريغ من موظفيها بشكل مفاجئ، او في احسن الاحوال، خلق حالة من الارباك تحتاج الى فترة زمنية للتعافي منها. فعلى سبيل المثال، التقدم للتقاعد المبكر من قبل المعلمات/ المعلمين في وزارة التربية قد يفرغ العديد من المدارس دفعة واحدة، مما يخلق فراغاً قاتلا، يصعب ملؤه في وقت قصير، ونحن نعلم ان المدارس اكثر المؤسسات حساسية من هذه الناحية، فغياب معلم/ معلمة ليوم واحد يخلق ارباكا لدى ادارة المدرسة، فكيف عندما سيتغيب مجموعة من المعلمين/ المعلمات بلا رجعة، علما بأن وزارة التربية والتعليم العالي عادة ما تنظم آلية التقاعد للمعلمين والمعلمات بحيث تجري في العطلة الصيفية، ويتسنى ملء المراكز في المدارس قبل بدء العام الدراسي المقبل، فكيف ستتم الامور عند تطبيق قانون التقاعد المبكر والذي سينتهي في الحادي والعشرين من شهر شباط القادم، وقبل العطل الصيفية بأشهر؟!
كما ان هذا القانون كان "سيّالاً" بما يتعارض مع المنطق، اذ كيف يجيز التقاعد المبكر لموظف قد خدم لسنة او سنتين فقط، الامر الذي يهدد القانون نفسه من حيث امكانية التطبيق. كما انه يتعارض مع فلسفة قانون التقاعد "التكافلية" التي تقوم على ان حجم المنفعة اللاحقة، ينسجم وحجم المساهمة السابقة.
هذه الاسباب وغيرها قد توجهنا الى وجهات اخرى، بأن القانون قد تم "اخصاءه" بالمادة (2) والتي تجيز لمجلس الوزراء احالة أي موظف الى التقاعد المبكر بتنسيب من رئيس دائرته الحكومية، أي بمعنى انه في حالة عدم موافقة رئيس الدائرة، وزيرا كان ام رئيس هيئة برتبة وزير، لن يتمكن المتقدم بطلب التقاعد المبكر من الحصول عليه. وفي ذات الوقت تمكن الحكومة من الزام أي موظف بالتقاعد المبكر.
اذا كانت الحكومة في نيتها استثناء بعض الوزارات او المؤسسات الحيوية من الاستفادة من القانون المبكر، كان بامكانها ان تظهر ذلك في مواد القانون، وذا كانت تستهدف فئات معينة فعليها ايضاً ان تظهر ذلك بشكل واضح، بدلاً من اصدار قانون "كامن"، سيتعامل لاحقاً في التطبيق وفقاً للمتغيرات؛ لأن في هذا استهانة بالموظفين انفسهم، وعدم وضع أي اعتبار للأثر النفسي السلبي الذي ينعكس عليهم وهم يعيشون حالة "اللا يقين" الذي تسبب به اصدار هذا القانون الذي يكتنفه الغموض.
حالة الموت السريري
زكريا السرهد
مرّ اكثر من شهرين على نشر قانون التقاعد المبكر للموظفين المدنين في الجريدة الرسمية، والذي يمتاز بقصر العمر بحيث لا يتعدي الستة شهور، أي انه قضى اكثر من ثلث عمره، الا انه ولغاية الآن ما زالت تكتنفه الضبابية، او على ما يبدو انه يمر بحالة "موت سريري"، وسترفع عنه "الاجهزة" في الحادي والعشرين من شهر شباط العام القادم.
المشكلة هنا لا تكمن في قصر عمره فحسب، بل في كون ان عددا من الموظفين المدنيين قد سارعوا الى التقدم بطلب الحصول على التقاعد المبكر وفقاً للقانون، وهم ما زالوا ينتظرون معرفة مصير طلباتهم، ولكنهم لا يحصلون على اية اجابة سواء كانت سلباً او ايجابا.
التكهنات والتحليلات والآراء حول الاهداف الحقيقية من اصدار القانون متعددة، وليس هناك صاحب رأي بامكانه ان يستند الى مصدر محدد ليخبرنا عن الهدف الحقيقي، وبالتالي ما زالت الاهداف التي تقف خلف هذا القانون مستترة، ولم تتعد حدود الشك. ولسنا هنا لمناقشة تلك الآراء والتكهنات لكوننا لا نملك مصدراً نستند اليه، وبالتالي، سنتراجع الى النقطة الاولى، وهي ان القانون اصبح سارياً، وقابلاً للنفاذ والتطبيق.
عندما يتم اصدار أي قانون تكون له اهداف وغايات من التطبيق، ويخدم سياسات وتوجهات لدى الحكومة، وهذا القانون ولد يتيما ولم ترفق معه مذكرة ايضاحية، ورغم النفاذ قانونياً، فهو لا يزال بلا تطبيق، وما زال المستفيدين من تطبيق القانون من الموظفين المدنيين ينتظرون، ما عليهم سوى الانتظار، وليس امامهم الا الانتظار.
قد تكون حسابات التكلفة المالية هي العائق امام تطبيق القانون، ولكن، أي قانون وقبل اصداره يجب ان يتم احتساب التكلفة المالية للتطبيق، والمشكلة في هذه الحالة، ان القانون قد اتاح لجميع الموظفين المدنيين دون تقييد بسنوات الخدمة ولا بالدائرة الحكومية، وبالتالي، تكون حسابات التكلفة مرنة جدا يصعب حصرها، مما يوقع الحكومة في اشكالية كبيرة.
كما ان هناك مشكلة اخرى، اذ كيف يمكن تطبيق القانون في حال ان عدد المتقدمين للتقاعد المبكر كان كبيرا جداً، مما يهدد الدوائر الحكومية المختلفة بالتفريغ من موظفيها بشكل مفاجئ، او في احسن الاحوال، خلق حالة من الارباك تحتاج الى فترة زمنية للتعافي منها. فعلى سبيل المثال، التقدم للتقاعد المبكر من قبل المعلمات/ المعلمين في وزارة التربية قد يفرغ العديد من المدارس دفعة واحدة، مما يخلق فراغاً قاتلا، يصعب ملؤه في وقت قصير، ونحن نعلم ان المدارس اكثر المؤسسات حساسية من هذه الناحية، فغياب معلم/ معلمة ليوم واحد يخلق ارباكا لدى ادارة المدرسة، فكيف عندما سيتغيب مجموعة من المعلمين/ المعلمات بلا رجعة، علما بأن وزارة التربية والتعليم العالي عادة ما تنظم آلية التقاعد للمعلمين والمعلمات بحيث تجري في العطلة الصيفية، ويتسنى ملء المراكز في المدارس قبل بدء العام الدراسي المقبل، فكيف ستتم الامور عند تطبيق قانون التقاعد المبكر والذي سينتهي في الحادي والعشرين من شهر شباط القادم، وقبل العطل الصيفية بأشهر؟!
كما ان هذا القانون كان "سيّالاً" بما يتعارض مع المنطق، اذ كيف يجيز التقاعد المبكر لموظف قد خدم لسنة او سنتين فقط، الامر الذي يهدد القانون نفسه من حيث امكانية التطبيق. كما انه يتعارض مع فلسفة قانون التقاعد "التكافلية" التي تقوم على ان حجم المنفعة اللاحقة، ينسجم وحجم المساهمة السابقة.
هذه الاسباب وغيرها قد توجهنا الى وجهات اخرى، بأن القانون قد تم "اخصاءه" بالمادة (2) والتي تجيز لمجلس الوزراء احالة أي موظف الى التقاعد المبكر بتنسيب من رئيس دائرته الحكومية، أي بمعنى انه في حالة عدم موافقة رئيس الدائرة، وزيرا كان ام رئيس هيئة برتبة وزير، لن يتمكن المتقدم بطلب التقاعد المبكر من الحصول عليه. وفي ذات الوقت تمكن الحكومة من الزام أي موظف بالتقاعد المبكر.
اذا كانت الحكومة في نيتها استثناء بعض الوزارات او المؤسسات الحيوية من الاستفادة من القانون المبكر، كان بامكانها ان تظهر ذلك في مواد القانون، وذا كانت تستهدف فئات معينة فعليها ايضاً ان تظهر ذلك بشكل واضح، بدلاً من اصدار قانون "كامن"، سيتعامل لاحقاً في التطبيق وفقاً للمتغيرات؛ لأن في هذا استهانة بالموظفين انفسهم، وعدم وضع أي اعتبار للأثر النفسي السلبي الذي ينعكس عليهم وهم يعيشون حالة "اللا يقين" الذي تسبب به اصدار هذا القانون الذي يكتنفه الغموض.