
*حين تحفزنا الفكرة لقول أشياء كثيرة*
بقلم: م. أمين غانم
كان يحكي كمن تسنى له أن يضرب موعدا فاصلا لمواجهة كل الأشياء الزائفة، وبدا لي كفيلسوف يؤمن بالحقيقة المجردة حينما تعذر عليه أن يصف كل ما يكابده من ضيق مادي، كمجهد يرمق حصوات صغيرة وهي تمسك صخرة كبيرة من انزلاق محتوم للأسفل، نكاية بلؤم خصوم كثر، لطالما تسللوا من سدة الإيمان المكلف والذي لم يعد (من وجهة نظر قاصرة) كفيلا بترجيح كفة باتت تواجه أخطاء العالم كله، في تراجيديا المفارقة بين الفيلة والبعوضة.
كان هايل ولايزال ذلك المبدع الذي يؤمن بطاقة واحدة، خفية، في زمن قلما يستمد الناس معنوياتهم من التعويل على ما وراء الفعل والواقعة من حقائق، وقلما يثق الرجال بخياراتهم المؤجلة سيما تلك التي لم تجد سبيلا واحدا كي تتحول لعمل جدير خلال عقود خلت، يؤمن بالإبداع وبقدرته في الحفاظ على الذات في خضم الأسباب المحيقة.
فحين نؤمن بالمعنى علينا أن نتريث قليلا حتى تنقضي مظاهر اللامعنى واللاقيمة، وتلك فلسفة إنسانية بعيدة في قراءة وجودها الأزلي وكينونتها كنظرية إبداع غير محدود، وما بين حدوث المعنى وانقضاء مظاهره الوهمية تتمدد الإنسانية وتفني، ضمن إدراكات الإنسان وفي حدود معارفه النسبية للتفريق بين الوجود والعدم، البناء والهدم، العلم والضياع.
إنها أكثر من كلمات تلك التي يدونها الواقفون على الناصية، حينما يرمقون رفاق لهم وقد ترجلوا جافلين في الوجهة المقابلة، وإنها لأكثر اللحظات قسوة على الإنسان أن يظل على شاكلة المدافع الشرس ولو ضمن الثلة الأخيرة، رغم تغير موازين المعركة على الأقل إعلاميا.
لفت نظري مجرد الاشتغال على فكرة ما، كيف لها أن تجلب ما عجزت عنه قنوات رسمية يمنية من حضور لافت، مجلة مرئية ومسموعة وبجهود ذاتية، استطاعت أن تصل لبغداد ودمشق وبيروت والقاهرة، وباتت الإثبات العملي الوحيد لأوهام العزلة المصطنعة في المحيط العربي، فالعزلة هي في تجريد العقول من ملكاتها وحرمانها من التجربة ولو لمرة واحدة.
ليست المشكلة في عزلة اليمن من محيطها العربي طوال العقود السابقة، بل في عزلة كل بلد عربي عن جاره، في عزلة البلاد العربية عن العالم، وبقاءها رهينة حدود استبداد سياسي وثقافي عملت كل القوى على تجذيره وتقديسه كتابوهات عقائدية لا تمس او تناقش.
لم يكن فعل هايل المذابي إعجازا، ولم تكن فكرة مجلة صغيرة تستدعي كل هذا المديح، إنما كان الجديد في العمل الاعتيادي بامتياز، حين يمضي عربيا دون أن تعوقه الموانع الوهمية، لأنها قطعا غير موجودة، وغدى على الأجيال الجديدة أن تشتغل على هذا المنطق البسيط، وتستغل الزخم الإلكتروني في إذابة كل ما علق في الوجدان العربي من تكلسات وأزمات، بغية تلاقي العقول الفتية وتفاعلها بعيدا عن بلادة المؤسسات الرسمية.
بقلم: م. أمين غانم
كان يحكي كمن تسنى له أن يضرب موعدا فاصلا لمواجهة كل الأشياء الزائفة، وبدا لي كفيلسوف يؤمن بالحقيقة المجردة حينما تعذر عليه أن يصف كل ما يكابده من ضيق مادي، كمجهد يرمق حصوات صغيرة وهي تمسك صخرة كبيرة من انزلاق محتوم للأسفل، نكاية بلؤم خصوم كثر، لطالما تسللوا من سدة الإيمان المكلف والذي لم يعد (من وجهة نظر قاصرة) كفيلا بترجيح كفة باتت تواجه أخطاء العالم كله، في تراجيديا المفارقة بين الفيلة والبعوضة.
كان هايل ولايزال ذلك المبدع الذي يؤمن بطاقة واحدة، خفية، في زمن قلما يستمد الناس معنوياتهم من التعويل على ما وراء الفعل والواقعة من حقائق، وقلما يثق الرجال بخياراتهم المؤجلة سيما تلك التي لم تجد سبيلا واحدا كي تتحول لعمل جدير خلال عقود خلت، يؤمن بالإبداع وبقدرته في الحفاظ على الذات في خضم الأسباب المحيقة.
فحين نؤمن بالمعنى علينا أن نتريث قليلا حتى تنقضي مظاهر اللامعنى واللاقيمة، وتلك فلسفة إنسانية بعيدة في قراءة وجودها الأزلي وكينونتها كنظرية إبداع غير محدود، وما بين حدوث المعنى وانقضاء مظاهره الوهمية تتمدد الإنسانية وتفني، ضمن إدراكات الإنسان وفي حدود معارفه النسبية للتفريق بين الوجود والعدم، البناء والهدم، العلم والضياع.
إنها أكثر من كلمات تلك التي يدونها الواقفون على الناصية، حينما يرمقون رفاق لهم وقد ترجلوا جافلين في الوجهة المقابلة، وإنها لأكثر اللحظات قسوة على الإنسان أن يظل على شاكلة المدافع الشرس ولو ضمن الثلة الأخيرة، رغم تغير موازين المعركة على الأقل إعلاميا.
لفت نظري مجرد الاشتغال على فكرة ما، كيف لها أن تجلب ما عجزت عنه قنوات رسمية يمنية من حضور لافت، مجلة مرئية ومسموعة وبجهود ذاتية، استطاعت أن تصل لبغداد ودمشق وبيروت والقاهرة، وباتت الإثبات العملي الوحيد لأوهام العزلة المصطنعة في المحيط العربي، فالعزلة هي في تجريد العقول من ملكاتها وحرمانها من التجربة ولو لمرة واحدة.
ليست المشكلة في عزلة اليمن من محيطها العربي طوال العقود السابقة، بل في عزلة كل بلد عربي عن جاره، في عزلة البلاد العربية عن العالم، وبقاءها رهينة حدود استبداد سياسي وثقافي عملت كل القوى على تجذيره وتقديسه كتابوهات عقائدية لا تمس او تناقش.
لم يكن فعل هايل المذابي إعجازا، ولم تكن فكرة مجلة صغيرة تستدعي كل هذا المديح، إنما كان الجديد في العمل الاعتيادي بامتياز، حين يمضي عربيا دون أن تعوقه الموانع الوهمية، لأنها قطعا غير موجودة، وغدى على الأجيال الجديدة أن تشتغل على هذا المنطق البسيط، وتستغل الزخم الإلكتروني في إذابة كل ما علق في الوجدان العربي من تكلسات وأزمات، بغية تلاقي العقول الفتية وتفاعلها بعيدا عن بلادة المؤسسات الرسمية.