سمير غوشة ... القائد الإنسان والمناضل الصلب
بقلم/ أنور جمعة
حياتنا حافلة بأسماء القادة؛ لكن الذاكرة لا تحتفظ بالوجوه، بقدر احتفاظها بالمواقف، فالقادة أصحاب المواقف المشرفة لا ينساهم المرء، ويذكرهم التاريخ في صفحات من نور، كيف لا ؟! وهم من تركوا فينا من الأثر، وأشاعوا في نفوسنا من الأمل، ما شكل لنا هادياً في دروب الحياة والنضال.
سمير غوشة في مقدمة هؤلاء القادة أصحاب المواقف المشرفة، الذين قرنوا القول بالفعل، وصمدوا وثابروا من أجل تحقيق آمال وتطلعات شعبهم في العيش في وطن حر كريم، فمنذ نعومة أظفاره حمل هموم شعبه وقضية وطنه، كيف لا؟! وهو من ولد وترعرع في مدينة القدس، فعشقها بكل جوارحه، وبعد إكماله التعليم في مدارسها التحق بجامعة دمشق، وبفضل إيمانه بعدالة قضيته، وصدق انتمائه لشعبه وأمته، ونضاله الوطني والقومي الدؤوب، أصبح من قادة الحركة الطلابية الفلسطينية والعربية، وحركة القوميين العرب.
شارك سمير غوشة في تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، في أعقاب احتلال إسرائيل لباقي أرض فلسطين في الضفة الغربية وغزة والقدس عام 1967م، وبعد انتقال الثقل القيادي للجبهة خارج الوطن عام 1968م؛ بسبب ملاحقة ومطاردة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمناضلي الجبهة، كان غوشة أحد أعضاء الهيئة القيادية للجبهة التي تشكلت في الأردن، وتولت مسئولية النشاط السياسي والتنظيمي والعسكري، فعملت على التوسع والانتشار التنظيمي داخل الوطن وخارجه، وبادرت بإنشاء المكاتب والقواعد العسكرية للجبهة، حيث أنشأت أول قاعدة عسكرية للجبهة في جبال السلط، وتم تسميتها باسم "قاعدة القدس".
ساهم الدكتور سمير غوشة بشكل فاعل في تطور ونمو علاقات الجبهة السياسية على الصعيدين الوطني والعربي، فلعب دوراً مؤثراً في توطيد العلاقات الوطنية ما بين الجبهة والفصائل الفلسطينية سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو صيغ العمل الوحدوية المشتركة، فكان عضواً في قيادة الكفاح المسلح عام 1969م، ثم القيادة الفلسطينية المشتركة عام 1970م، وبعد ذلك عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني.
في عام 1971م انتخب المؤتمر العام للجبهة الدكتور سمير غوشة أميناً عاماً لها، فأشرف على تطويرها في كافة المجالات السياسية والعسكرية والتنظيمية والإعلامية، وأقام علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية منها: مصر، العراق، سوريا، ليبيا، الجزائر، اليمن، وأقام علاقات وطيدة مع العديد من الدول الاشتراكية منها: الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، بلغاريا، بولندا، كوبا، فيتنام.
كان سمير غوشة قائداً ومناضلاً ثورياً، صاحب فكر متجدد، ورؤية وطنية واعية، ونظرة وحدوية مستنيرة، وكان جريئا ومبدئيا بمواقفه السياسية والتنظيمية، لا مكان للمساومة والمجاملة في القضايا الأساسية، لم تنفصل حياته الشخصية اليومية عن حياته النضالية، فقد شكل له الانتماء الوطني والنضال ضد الاحتلال نهج حياة، فكان بحق نموذجاً نضالياً متكاملاً .
تمكن الدكتور سمير غوشة أن يبحر بسفينة الجبهة في لجج السياسة والمحطات التي مرت بها الثورة الفلسطينية بمهارة القبطان الذي لا تنحرف بوصلته، ، فلم يحيد عن الأهداف الوطنية والمبادئ التي انطلقت الجبهة من أجلها، وثبت في وجه كافة التحديات، ولم يتخلى عنها قيد أنملة، حتى لحظة رحيله في العام 2009م.
تحلى الدكتور سمير غوشة بالتواضع والإيثار في علاقاته وتعاملاته مع رفاقه ومع كل من عرفه، ولم يتوانى عن التبرع ورهن ممتلكاته الشخصية من أجل استمرار مسيرة النضال، ففي إحدى المرات عمل يانصيب على سيارته الوحيدة الخاصة التي يملكها لتأمين المواد الغذائية واحتياجات المقاتلين في القواعد العسكرية للجبهة، وعاش الظروف الصعبة مع رفاقه جنباً إلى جنب، فكان يأكل مما يأكلون، وفي إحدى القواعد عاشوا أياماً على العدس، وبلغ الأمر أن تناولوا سوية ثمار البلوط.
تجاوزت علاقة الدكتور سمير غوشة مع رفاقه علاقة القائد مع أتباعه، فحرص على بناء علاقات إنسانية مع الجميع، وكان بمثابة الأب الحريص على أبنائه في كافة شئون حياتهم، يقدم لهم المساعدة والنصيحة، ويحرص على مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، ولم يطرق بابه أحد من رفاقه إلا كان سنداً وعوناً له.
كان الدكتور سمير غوشة حريصاً على كل رفاقه صغيرهم وكبيرهم، وبغض النظر عن مراتبهم التنظيمية، كان ينصف المظلوم، ويمقت الظالم، ويحرص على إشاعة أجواء من الألفة والعلاقات الإنسانية بين الجميع.
كان الدكتور سمير غوشة متسامحا مع الجميع، كان يرفض رفضاً باتاً معاقبة أحد بحرمانه من مخصصه المالي، على اعتبار أن هذا المخصص من حق الأبناء والأسرة بالدرجة الأولى، وكثيرة هي الشواهد والمواقف التي تعكس شخصية الشهيد الدكتور سمير غوشة القائد والإنسان صاحب الذكر العطير، والقلب العطوف الكبير.
إن فلسطين، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والحركة الوطنية، والقومية العربية، فقدت برحيل الدكتور سمير غوشة قائداً فذاً، ومناضلاً صلباً، وإنساناً مميزاً حرّكته إنسانيته ووطنيته للنضال على مدى سنوات حياته ضد قهر وظلم الاحتلال، والدفاع عن أبناء شعبه من أجل نيل كافة الحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق العودة والحرية والاستقلال.
بقلم/ أنور جمعة
حياتنا حافلة بأسماء القادة؛ لكن الذاكرة لا تحتفظ بالوجوه، بقدر احتفاظها بالمواقف، فالقادة أصحاب المواقف المشرفة لا ينساهم المرء، ويذكرهم التاريخ في صفحات من نور، كيف لا ؟! وهم من تركوا فينا من الأثر، وأشاعوا في نفوسنا من الأمل، ما شكل لنا هادياً في دروب الحياة والنضال.
سمير غوشة في مقدمة هؤلاء القادة أصحاب المواقف المشرفة، الذين قرنوا القول بالفعل، وصمدوا وثابروا من أجل تحقيق آمال وتطلعات شعبهم في العيش في وطن حر كريم، فمنذ نعومة أظفاره حمل هموم شعبه وقضية وطنه، كيف لا؟! وهو من ولد وترعرع في مدينة القدس، فعشقها بكل جوارحه، وبعد إكماله التعليم في مدارسها التحق بجامعة دمشق، وبفضل إيمانه بعدالة قضيته، وصدق انتمائه لشعبه وأمته، ونضاله الوطني والقومي الدؤوب، أصبح من قادة الحركة الطلابية الفلسطينية والعربية، وحركة القوميين العرب.
شارك سمير غوشة في تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، في أعقاب احتلال إسرائيل لباقي أرض فلسطين في الضفة الغربية وغزة والقدس عام 1967م، وبعد انتقال الثقل القيادي للجبهة خارج الوطن عام 1968م؛ بسبب ملاحقة ومطاردة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمناضلي الجبهة، كان غوشة أحد أعضاء الهيئة القيادية للجبهة التي تشكلت في الأردن، وتولت مسئولية النشاط السياسي والتنظيمي والعسكري، فعملت على التوسع والانتشار التنظيمي داخل الوطن وخارجه، وبادرت بإنشاء المكاتب والقواعد العسكرية للجبهة، حيث أنشأت أول قاعدة عسكرية للجبهة في جبال السلط، وتم تسميتها باسم "قاعدة القدس".
ساهم الدكتور سمير غوشة بشكل فاعل في تطور ونمو علاقات الجبهة السياسية على الصعيدين الوطني والعربي، فلعب دوراً مؤثراً في توطيد العلاقات الوطنية ما بين الجبهة والفصائل الفلسطينية سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو صيغ العمل الوحدوية المشتركة، فكان عضواً في قيادة الكفاح المسلح عام 1969م، ثم القيادة الفلسطينية المشتركة عام 1970م، وبعد ذلك عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني.
في عام 1971م انتخب المؤتمر العام للجبهة الدكتور سمير غوشة أميناً عاماً لها، فأشرف على تطويرها في كافة المجالات السياسية والعسكرية والتنظيمية والإعلامية، وأقام علاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية منها: مصر، العراق، سوريا، ليبيا، الجزائر، اليمن، وأقام علاقات وطيدة مع العديد من الدول الاشتراكية منها: الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، بلغاريا، بولندا، كوبا، فيتنام.
كان سمير غوشة قائداً ومناضلاً ثورياً، صاحب فكر متجدد، ورؤية وطنية واعية، ونظرة وحدوية مستنيرة، وكان جريئا ومبدئيا بمواقفه السياسية والتنظيمية، لا مكان للمساومة والمجاملة في القضايا الأساسية، لم تنفصل حياته الشخصية اليومية عن حياته النضالية، فقد شكل له الانتماء الوطني والنضال ضد الاحتلال نهج حياة، فكان بحق نموذجاً نضالياً متكاملاً .
تمكن الدكتور سمير غوشة أن يبحر بسفينة الجبهة في لجج السياسة والمحطات التي مرت بها الثورة الفلسطينية بمهارة القبطان الذي لا تنحرف بوصلته، ، فلم يحيد عن الأهداف الوطنية والمبادئ التي انطلقت الجبهة من أجلها، وثبت في وجه كافة التحديات، ولم يتخلى عنها قيد أنملة، حتى لحظة رحيله في العام 2009م.
تحلى الدكتور سمير غوشة بالتواضع والإيثار في علاقاته وتعاملاته مع رفاقه ومع كل من عرفه، ولم يتوانى عن التبرع ورهن ممتلكاته الشخصية من أجل استمرار مسيرة النضال، ففي إحدى المرات عمل يانصيب على سيارته الوحيدة الخاصة التي يملكها لتأمين المواد الغذائية واحتياجات المقاتلين في القواعد العسكرية للجبهة، وعاش الظروف الصعبة مع رفاقه جنباً إلى جنب، فكان يأكل مما يأكلون، وفي إحدى القواعد عاشوا أياماً على العدس، وبلغ الأمر أن تناولوا سوية ثمار البلوط.
تجاوزت علاقة الدكتور سمير غوشة مع رفاقه علاقة القائد مع أتباعه، فحرص على بناء علاقات إنسانية مع الجميع، وكان بمثابة الأب الحريص على أبنائه في كافة شئون حياتهم، يقدم لهم المساعدة والنصيحة، ويحرص على مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، ولم يطرق بابه أحد من رفاقه إلا كان سنداً وعوناً له.
كان الدكتور سمير غوشة حريصاً على كل رفاقه صغيرهم وكبيرهم، وبغض النظر عن مراتبهم التنظيمية، كان ينصف المظلوم، ويمقت الظالم، ويحرص على إشاعة أجواء من الألفة والعلاقات الإنسانية بين الجميع.
كان الدكتور سمير غوشة متسامحا مع الجميع، كان يرفض رفضاً باتاً معاقبة أحد بحرمانه من مخصصه المالي، على اعتبار أن هذا المخصص من حق الأبناء والأسرة بالدرجة الأولى، وكثيرة هي الشواهد والمواقف التي تعكس شخصية الشهيد الدكتور سمير غوشة القائد والإنسان صاحب الذكر العطير، والقلب العطوف الكبير.
إن فلسطين، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والحركة الوطنية، والقومية العربية، فقدت برحيل الدكتور سمير غوشة قائداً فذاً، ومناضلاً صلباً، وإنساناً مميزاً حرّكته إنسانيته ووطنيته للنضال على مدى سنوات حياته ضد قهر وظلم الاحتلال، والدفاع عن أبناء شعبه من أجل نيل كافة الحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق العودة والحرية والاستقلال.