الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رمزية الأنوثة المعنفة في رواية " أثلام ملغومة بالورد" فادي المواج الخضير بقلم : صابرين فرعون

تاريخ النشر : 2017-10-21
في رواية " أثلام ملغومة بالورد" الصادرة للروائية الفلسطينية صابرين فرعون عن دار فضاءات للنشر، وفي بيت رجل نرسيسي لم تعرف الأبوة إلى قلبه طريقاً تقاوم البطلة الساردة وأخواها وأمها الغرق في مستنقع التعنيف والظلم من ذوي القربى، فتعيش الأسرة حياة على ذمة الموت تعلق في ذاكراتها ندوب روحية ونفسية خلفتها آثار تعنيف، مادي تمثل في الضرب والسياط والتنكيل والحروق، وتعنيف إداري تمثل في منع من الزواج وتحجيم - إن لم يكن تحطيماً للخيارات - وفساد موجه نحو المرأة في المحاكم والمستشفيات، وتعنيف معنوي لم يكن السباب والقذف إلا حده الأدنى.
وعلى هذا النهج تمضي حياة أسرة محفوفة بالعنف سيّرت الروائية أحداثها في فضاء زمكاني أحسنت تصويره خارجياً وداخلياً مستعينة بالوصف والسرد والحوار بنوعيه الديالوج والمونولوج، مراعية توظيف المستوى الخطابي الملائم، فتارة تستخدم اللغة الفصيحة كما في " بعد واحد وعشرين عاماً من زواج استنزف روحها باركت أمي لأبي زواجه من ضرة"، وتارة تجنح إلى المحكية، كما في "انبرى لساني وطلع عليه وبر "، وفي " أخت رجال بتسوي ثقلك ذهب يا بنت "، مستدعية من التراث ما يناسب المقام من مقال ومثل وحكمة، كما في " الهريبة ثلثين المراجل"، وفي " من يخرج من داره قل مقداره "، لتتآزر معاً - إلى جانب العتبات النصية وأدب الومضة - في رسم ملامح الرواية التي جاءت في وجه من وجوهها تذويتاً للسيرة، بينما جاء ربعها الأخير سيرة غيرية بامتياز مقصود يعظم من تأثيث الوجدان بالفكرة المهيمنة على الرواية والمتمثلة في العنف من جانب، والأمومة المبكرة وزواج القاصرات من جانب، بما يعنيه ذلك من فساد مجتمعي وقيمي وقصور في الوعي بقيمة الأنثى ومكانتها وحقوقها في الكرامة والعيش بسلام.

وفي فلسطين تتآزر هذه القضايا مع الطفولة المهدورة لتصوغ حياة برسم الموت والعذاب تتحول معه الدنيا جحيماً مصغراً، ولعل نظرية – موت المؤلف – التي جاء بها البنيويون في نهجهم تفسح للمتلقي مثلي مجالاً حراً لاستنطاق العمل الأدبي من زاوية رؤية خاصة قد تكون الروائية قصدتها وقد لا تكون، لكن البنية النصية وطبوغرافيا النص تفصح عنها أو تلمح – في وجه من الوجوه لها – ذلك أن هذه الأسرة ترمز إلى فلسطين الجريحة التي تعاني من ظلم ذوي القربى، الذي ظهر في أحداث الرواية من تضييق وتعذيب وتنكيل ومكائد وترصد ومؤامرات حاكتها زوجة الأب " هند" والعمات والأعمام، وتولت زمام الأمور فيها الجدة بمؤازرة من الجد، مثلما ظهر في أحداث الربع الأخير بما فيه من أمومة مبكرة معذبة، ولعل هذا يشبه قدر فلسطين التي رضعت الوجع والاحتلال منذ نعومة أظفارها، ففي الوقت الذي ترضع فيه الطفلات حليب أمهاتهن وتحتضنهن صدورهن الحانية، كانت فلسطين ترضع الموت والقتل والتهميش.

ولعل الروائية آثرت أن تُنطق الساردة بضمير المتكلم لتزيل الغربة والاغتراب عن الأحداث في إطار من تقريبها إلى وجدان القارئ ومخيلته وهو يقرؤها بضمير المتكلم الذي يجعل منه معايشاً حقيقياً للأحداث، فضلاً عن حقيقية الأماكن الفلسطينية مثل "شارع ركب" و "مستشفى المقاصد في القدس" وغيرها، إلى جانب كون الساردة باسم "حياة" في الرواية، وهو نوع من التعميم الذي أرادته الروائية لكي لا تحصر الأحداث بشخص دون آخر، إنما لتأتي الأحداث منسحبة على كل أنثى فيما يتعلق بالتعنيف وعلى كل فلسطيني وفلسطينية فيما يتعلق بالظلم والتعرض للتنكيل.

لقد انزاحت الروائية بلغتها إلى لغة مجازية قادرة على حمل محمولاتها الدلالية لكي لا تفقد بريقها ولكي تزاول فعل الدهشة الذي رافق العمل الأدبي منذ عتباته الأولى في الإهداء، فللأمهات عاصفة تثور في وجه بلادة الجيل، كما في "بهدوء ما قبل عاصفة الأمهات" والعمر يبدد، والأجيال تتصارع، والذاكرات معطوبة، وللغياب حقائب، وعلى الرغم من عمق ثقافة الروائية وشفيف إحساسها بالواقع استعانت بالتناص الذي رأته جوليا كريستيفا نوعاً من التشرب للنصوص السابقة تشرباً واعياً مقصوداً أو غير مقصود، لتزف الروائية مقتطفات من درويش الذي قالت ما قال " سأصير يوماً ما أريد"، وقبساً من التناص الديني "إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا" وغير ذلك مما يصعب حصره، فضلاً عن " عزرا باوند" الشاعر الأمريكي، وغيره.

وحرصت الكاتبة على توظيف الاسترجاع في السرد، الذي يعود بالأحداث إلى نقطة سابقة على زمن السرد، فتقول " في السنتين السابقتين بدأ موديل الساري الهندي بالدخول لأعراسنا، وقد برعت والدتي في تصميمه وخياطته"، وحرصت على توظيف الاستباق، الذي يتقدم بالسرد دفعة واحدة عن زمن السرد الراهن، فتقول مخاطبة أمها المريضة " لن تتركيني وحدي أواجه قذارة البشرية في هذه البلدة العقيم" وتقول " سأبقى ابنة الغريبة ابنة اللاجئة ".

لقد نقل أحداث الرواية غير سارد، وهذا يسجل للروائية التي تجاوزت مأزق الراوي العليم، لتدخل فضاء البوليفونية وتعدد الأصوات، فمرة سردت الأحداث على لسان حياة، وهي في وجه من وجوهها صابرين فرعون ذاتها، ومرة على لسان بطلة تسرد حكايتها دون أن تفصح الساردة عن اسمها، ومرة ثالثة تعود حياة لتخبرنا قصتها مع " رغدة " وابنتها " رؤى"، وهذا يسهم في منح الحكاية واقعية، ويعزز من فكرة الرواية، من خلال ما يشبه الشهادات والأدلة على واقعية ما تقول، وفي الرواية ما يكشف عن أن صابرين تصور حياة عاشتها، فكانت أديبة بالتجربة وليست أديبة بالملاحظة فقط، فأن تلاحظ شيء، وأن تجرب شيء أعمق ويثري التجربة الروائية، وهو ما كشفت عنه بنية الرواية الحكائية والخطابية من تفوق يسجل لصابرين على ذاتها وعلى ملكة السرد لتقدم لنا نموذجاً روائياً متكاملاً منسجماً محكماً مشفوعاً بجزء يشبه أن يكون سيرة غيرية، وقد بلغت الساردة من العمر ثلاث قصائد، وهي وحدة قياس زمنية جديدة أضافها مجاز صابرين باقتدار إلى وحدات القياس.

إن القرارات والمواقف التعسفية والمعنفة والمستبدة التي تضمنتها الرواية تدل على أن فلسطين كانت القضية المركزية في رواية "أثلام ملغومة بالورد"، بما في الأحداث من واقعية تنسحب على المرأة الشرقية عموماً، فالتضييق حد البحث عن بيت آخر محاكاة لحالة التضييق الإسرائيلي واللجوء الفلسطيني، وقطع الكهرباء والماء عن المنزل محاكاة للحصارات المتعددة التي يواجهها الفلسطينيون، وقرارات النفقة محاكاة للإنفاق غير المباشر الذي يصب في خدمة المحتل، وقرارات منع الزواج بما ينتج عنها من حرمان للأمومة يحاكي حالات القتل التي تستنزف المورد البشري، وغير ذلك.

وصفوة القول إن هذه الرواية نموذج مشرق يضاف إلى رصيد المكتبة الفلسطينية والعربية من أعمال قيمة تستحق التقدير والقراءة، ولعل " أثلام ملغومة بالورد" رواية جرح الأنثى وهل من أنثى تشبه فلسطين، بجمالها وصبرها وإصرارها على الحياة رغم وابل الموت المحيط، وهل من جرح كجرح يرافق أمومة مبكرة، فلا يبارحها أو تبارحه حتى يكويها، وهل من وجع مثل أوجاع يخلفها التعنيف المادي في الروح تاركاً ندوبه فيها وفي الوجدان، وهل من فساد كالذي يصيب الروح فلا يتبقى منا إلا هياكلنا المفرغة من إحساس ومن رحمة، وهل من تخلف كتخلف من يتخلف عن الإحساس بروح الأنثى، وهل من ضريبة كالضريبة التي تدفعها الأنثى في مجتمع يسلبها كينونتها وذاتها وكرامتها.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف