الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عشاق المدينة وتراث القدس بقلم:عبدالله دعيس

تاريخ النشر : 2017-09-21
عبدالله دعيس:عشاق المدينة وتراث القدس

صدر كتاب عشاق المدينة للكاتبة المقدسية نزهة الرملاوي قبل أسابيع قليلة،ويقع الكتاب الذي يحمل غلافه لوحة لشهاب القواسمي وصمّمته رشا السرميطي في 155صفحة من الحجم المتوسط.

تعلن الكاتبة نزهة الرملاوي منذ البداية عن هوية نصوصها وبطلتها الحقيقيّة.إنّها القدس، بشوارعها وحاراتها وأسواقها وأزقتها وحجارتها ومساجدها وكنائسها، وماالشخوص الأخرى إلا ظلال تتحرّك فيها، وأخيلة على جدرانها. وهي، أي المدينة، هيالقلب النابض الذي يحركهم في أرجائها، ويرسم حكاياتهم على جدران أزمانها.

فالكتاب، هو مجموعة من المذكّرات، تصيغ فيها الكاتبة حكايات البلدة القديمةبأسلوب أدبيّ مشوّق، تشدّ القارئ وتأخذه في رحلات عبر الزمن إلى الفترة التي سبقتحرب عام 1967، والسنوات التي لحقت هذه الحرب، وتتجوّل به الكاتبة في كلّ زقاق منأزقة المدينة الموغلة في التّاريخ، وتأخذه خلف تلك الجدران السميكة، ليعيش معناسها، ويرى بأمّ عينيه التفاعلات الاجتماعيّة المميّزة لتلك المدينة الصغيرة، وهيتتجرّع مرارة الهزيمة عام 1948 وتحتضن بعض اللاجئين الذين غادروا قراهم ومدنهم؛ليصبحوا جزءا من النّسيج الاجتماعي للمدينة، ويتفاعلوا مع أبنائها الذين يحملونأصالة مئات بل آلاف السنين، ويحملون مسحة من كلّ حضارة استوطنت داخل هذه الأسوار،وتركت خلفها إرثا في ثقافة أبنائها.

لم تستفق المدينة من مرارة النكبة حتّى هزّتها هزيمة جديدة، وهرع الأعداءداخل أسوارها يشتّتون نسيجها الاجتماعيّ من جديد، ويعملون في جسدها دمارا وخرابا؛حيث هدموا عددا من الحارات المقدسيّة العريقة، مثل حارة الشرف والمغاربة، ومحوامعها حكايات أناس استوطنوها لقرون. فالحارة ليست حجارة ومباني وأزقة وحسب، بل هيحكاية كل من عاش فيها، حظي بلحظات من السّعادة، أو ساعات من البؤس والشّقاء،فالحجارة كانت شاهدة على حضارة عريقة حاول العدوّ اجتثاثها، لكنه لم يفلح  باجتثاث تاريخها وإلقائه معها بعيدا عنالمدينة، كما ألقوا أهلها في مخيمات اللجوء.

لكنّ التاريخ يعيش في القلوب قبل أن ينقل إلى الورق، والعادي الطارئ لايستطيع، مهما حاول، أن يصنع تاريخا مزيّفا؛ لأنّ المكان لم يحتضنه يوما ولم يخلّدله حكايات في أرجائه. والكاتبة هنا، ومن واقع تجربتها الشخصيّة، ومعاصرتها لآلامالمدينة، واطّلاعها على حكاياتها، تخلّد هذه الحكايات؛ لتضع خنجرا في خاصرةالرواية الصهيونيّة المزيّفة، فتجعل القدس شخصيّة حيّة، تنبض بالحياة وتتحدّثالعربيّة كما كانت وما زالت، فهي مرّة الأمّ الحانية، ومرّة الحبيبة والعشيقة،تفرح وتحزن وتغضب وتتألّم، وتبقى حيّة في القلوب، تتزيّن بثوبها المطرّز الجميل،وتضع عنها كلّ الأسمال المزيّفة التي يحاول العدو أن يلبسها إياها، فتبدو بهيّة بسمرةوجهها التي اكتسبتها من أصالة المكان، ويبدو العدو بوجهه الشاحب غريبا طارئا لاعلاقة له بعراقة المكان وثقافته.

وتسرد الكاتبة حكايات النّاس وثقافتهم، بحلوها ومرّها، بإيجابيّاتهاوسلبيّاتها. فهناك نرى كلّ ما نستطيب سماعه من عادات الأعراس والمناسبات، والحياةفي أكناف الأقصى، والمدينة التي تتزيّن لشهر رمضان المبارك، وأهلها الذين يحوّلونالشهر إلى حلّة جميلة تستقبل زائريها، ونرى هيبة الرّجال وهم يجوسون الحواريبشواربهم المفتولة، فتنزوي النّساء وترتعد فرائصهنّ، ويفرّ الأطفال، ونرى عصاالزوج الغليظة وهي تنهال على جسد امرأة ضعيفة لا حول لها ولا قوّة، ولا تجد ملجألها غير الصّبر على الضّيم، وتقبّل الزوج مهما كانت صفاته وأخلاقه. قد يسوؤنا بعضذلك، لكنّ هذا الثوب وإن كان خلقا، يزيّن جسد هذه المدينة بأصالته وعراقته، وهيترفض ثوبا مزركشا يلبسه لها العدوّ بعيدا عن أصالتها.

تلجأ الكاتبة إلى لغة إنشائيّة بسيطة محكيّة، تتناسب مع موضوع الكتاب،ليعيش القارئ مع بساطة اللغة، بساطة الناس التي تحكي الكاتبة ذكرياتهم، وتركّزخلال كتابتها على المكان وأسماء الأماكن، وتحاول أن تستخدم الأسماء الشائعة فيالمدينة ولدى سكّانها، وتذكر الشخصيّات الشعبيّة البسيطة الذين عرفهم أهل المدينةوأصبحوا جزءا من تراثها، وإن لم تكن شخصيّات عامّة مؤثرة، أمثال (أبو ذان) المطهّرمثلا. ولذلك تلجأ الكاتبة إلى الاستطراد، فتنتقل من حكاية إلى أخرى ومن زمن إلىآخر حتّى لا تهمل أيّا من معالم المكان أو الزمان.

تروي معظم النصوص طفلة أنثى مجهولة، طفلة كانت تعيش في تلك المرحلة وتتطلععلى ما يجري في بيوت القدس، وترقب أمها وجاراتها ورجال المدينة وأطفالها، وتحكيعمّا شهدته من أحداث بسيطة، لكنّها مثيرة، وتعطي صورة واضحة عن الحياة الاجتماعيّةفي المدينة. والكاتبة تعطي لهذه الطفلة أسماء مختلفة في عدة نصوص، بينما تتركهامجهولة في نصوص أخرى. شعرت بأن هذه الأسماء كانت مقحمة لتعطي للنصوص طابع القصّة،وشتّت صورة الطفلة في ذهن القارئ، وكذلك اضطرته أحيانا لأن يصنع في خياله مكانامختلفا لينساب الشخصيّة الجديدة. تبدأ الكاتبة بعض نصوصها بضمير الغائب وبلسانراوٍ عليم، ثمّ تلتفت إلى ضمير المتكلّم وتصبح تلك الطفلة هي الرّاوي دون أن يشعرالقارئ بالنقلة المفاجئة. وتكثر من ترديد كلمة (أذكر)، (وما زلت أذكر) دون داعٍ،فالقارئ يستشفّ منذ البداية أن الحكاية ما هي إلا ذكريات، وهذا التكرار يبعد النصّوصعن كونها قصصا قصيرة كما أحبت الكاتبة أن تصنّفها.

تجربة قراءة هذا الكتاب رحلة جميلة ممتعة في حواري القدس وأزقتها، وفيتاريخها وأزمانها، وفي عادات أهلها وثقافتهم العريقة، رحلة تستحقّ الإبحار بهاوخوض غمارها. يخرج منها المتلقّي بالمتعة والفائدة، ويزداد عشقه لهذه المدينة؛فيسير في قافلة عشّاق المدينة. ومن ذا الذي لا يعشق القدس، التي تفرض حبّها علىكلّ من تنفّس هواءها وسار على ترابها!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف