الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الملف الكوري الشمالي قصة صراع نفوذ بين الصين و أمريكا بقلم:د.طارق ليساوي

تاريخ النشر : 2017-09-17
الملف الكوري الشمالي قصة صراع نفوذ بين الصين و أمريكا بقلم:د.طارق ليساوي
الملف الكوري الشمالي قصة صراع نفوذ بين الصين و أمريكا...

د.طارق ليساوي

التصعيد العسكري هو اللغة المهيمنة على خطاب قادة كوريا الشمالية خلال الفترة الأخيرة، ولم يتم الاكتفاء بالقول بل تم دعم ذلك بالفعل، حيث تم تنفيذ العديد من التجارب و أخرها إطلاق صاروخ "باليستي" فوق أراضي "اليابان" الخصم التاريخي للصين و الكوريتين..وقد سبق و أن أعلنت القيادة الكورية الشمالية عن النجاح في امتلاك القنبلة النووية، وهو ما أكده العديد من القادة العسكريين في الولايات المتحدة، ورجح بعضهم أن تكون القنبلة  الجديدة "هيدروجينية"، وهو ما يعني اعتراف ضمني بأن كوريا الشمالية دخلت النادي النووي و أصبحت من القوى العظمى..

"فالأسيويون ليس هم العرب"، وهذا ما استوعبته أمريكا والغرب ، وعلينا نحن العرب فهم مغزاه و دلالته، فالغرب عموما لا يحترم الضعفاء و لايردخ إلا لمنطق القوة و الغلبة، فان يصدر حلف الناتو بيان يدعو فيه إلى "رد عالمي" ضد استفزازات كوريا الشمالية، فذلك يدعو للسخرية، فهذه المنظمة العسكرية العتيدة والتي تضم أعتى الجيوش، عاجزة عن التصرف بمفردها و تطلب "ردا عالميا"، بينما في حالة التعامل مع العرب و المسلمين فالولايات المتحدة بمفردها قادرة على غزو بلدين في نفس الوقت، أفغانستان والعراق في معارضة سافرة للرأي العالمي المعارض للحرب..

لسنا من دعاة الحرب بل نؤمن بأن الحوار هو الوسيلة المثلى لصياغة التوافقات و تجنب الصدام، و من يعرف الثقافة الكونفوشية و الصينية، يدرك تماما أن هذه الشعوب أقرب لثقافة السلم منه للحرب، شعوب لا تقبل الذل و الإهانة، قيمها تقوم على الوسط و الاعتدال، و يؤمنون بما يعتقدون و لهم استعداد فطري للتضحية من أجل الجماعة، ثقافة جماعية بامتياز..ففهم هذه الثقافة مدخل مهم لفهم ما الذي يحدث في مجموع الإقليم، فشبه الجزيرة الكورية واليابان و الصين ينتمون تاريخيا للثقافة لكونفوشية و عليه سنحاول أن ننقل  للقارئ العربي  بعضا من ملامح هذه الثقافة التي سيجد فيها بعضا مما يؤمن به..

يرى "Mencius "(372-.289 قبل الميلاد)، وهو ثاني أهم فيلسوف كونفوشي، أنه "...بدون الشعور بالمساواة لا يوجد إنسان..بدون الشعور بالعار والكراهية لا يوجد إنسان..بدون الشعور بالتواضع ولين الجانب لا يوجد إنسان ..بدون شعور بالحق والباطل ...لا يوجد إنسان. فالشعور بالعار والكره هو الذي يدفع لشعور بالواجب، والشعور بالتواضع ولين الجانب هو الذي يدفع للتصرف بلياقة، والشعور بالحق و الخطأ هو الذي يدفع لتصرف بحكمة. ويتمتع جميع البشر بهذه التصرفات الأربع ". ويرى "Mencius" بأنه"..دون حب، دون حكمة، دون أخلاق، دون شعور بالواجب..فهذه هي الطريق للعبودية..".

والإنسان بنظر الثقافة التقليدية الكونفوشية، يقوم بأدوار اجتماعية متباينة : الأب، والابن، زوج، وزوجة، الحاكم، والمحكوم،  ويترتب على كل دور من هذه الأدوار وضعا مختلفا، و نمطا من أنماط السلوك مختلف.  لذلك فان الكونفوشية تقول بأن القانون تم وضعه من قبل رجال عظماء وفقا للقوانين الكونية . وهو ما ساعد الحاكم  على السيطرة على رعاياه والتلاعب بهم لخدمة أهدافه السياسية لإقامة دولة غنية وقوية.  وهكذا، وفقا لهذا المذهب، فإن القانون الوضعي ذو أصل إنساني. وهذا الرأي ظل هو السائد طيلة الفترة الإمبراطورية وحتى في الحقبة الشيوعية، فلم يكن هناك اعتقاد بوجود أحكام إلهية أو وجود حياة أخرى كالجنة أو الجحيم، بخلاف البوذية التي تم استيرادها من الهند فقد صاغت تصورا حول الجحيم.

وهكذا، فإن الفكر القانوني في الثقافة الكونفوشية القديمة، بني على فكرة رئيسية هي أن "اليانغ" (مبدأ الذكور) و"الين" (مبدأ الأنثى) . وهو ما انبثق عنه تسلسلات هرمية موجودة سلفا: فالسماء هي  "اليانغ" و الأرض "الين" فالسماء عالية والأرض منخفضة، الأرض توهب الحياة من المطر الذي ينزل  من السماء، مثل السائل المنوي الذي يرد لزوجة من زوجها. وهكذا، فالسماء هي الزوج والأرض هي الزوجة.

 وتمتد هذه الأفكار إلى الدولة: السماء / الحاكم والذي يسمى "ابن السماء"، فمثل هذا التصور شكل هوية النظام الكوني والاجتماعي المهيمن على التفكير و العلاقات الاجتماعية. ويمكن العثور على هذا التفكير في العلاقات الخمس الأساسية للإنسان: الأب / الابن، الزوج / الزوجة، الأخ الأكبر / الأصغر، الحاكم / شقيق الحاكم ، صديق / صديقة. والملاحظ انه ليس هناك أي تنظيم للعلاقات بين الناس الغرباء.

وتعد الأسرة ملاذا للفرد، فبواسطتها يحصل على التأييد النفسي والمادي دون قيد أو شرط، وفي الوقت ذاته يحصل على قيم أنشطة الحياة ومغزاها من الأسرة. و لايوجد لدى الفرد المصلحة الذاتية الخاصة، بل تعد المصلحة العامة للعشيرة هي الهدف الأسمى.لذلك، فعندما يحقق الصينيون الشهرة والغنى، يفكرون قبل كل شيء في التباهي والتفاخر بوسط المحيطين بهم: الأبوين، الأطفال، الزوجة والأقارب والأصدقاء والجيران. كما تفتخر الأسرة والعشيرة بإنجازاته وتنسبها إليها، وحتى في حالة الهزيمة والفشل فإن الفرد الصيني يعود للأسرة والعشيرة ليتزود بالقوة والعزيمة والثبات، فمشاعر الواجب تجاه الأسرة تمثل وقودا لشحن الهمم والتغلب على اليأس والهزيمة..

وعلى الرغم، من نجاح شعوب الإقليم في دخول العصر الحديث من خلال تفوقها في هضم علوم الغرب وتقنياته، بل تبني إيديولوجياته السياسية والاقتصادية، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار قنوات  التواصل الثقافي بين القدامى و المعاصرون، فقيم احترام  الأسرة وطاعة الوالدين واحترام الكبار لازالت من الأساسيات التي تحكم سلوك  مختلف أفراد القوميات المكونة للإقليم ، كما أن أسلوب الإدارة- الدولة أو مختلف المنظمات الاقتصادية أساسا - لازال يحتفظ ببعض سمات الثقافة التقليدية الصارمة  .

والجدير بالذكر، أن الصين مثلا، و هي أهم داعم عسكري و اقتصادي و سياسي لكوريا الشمالية، اختارت بعد نهاية الحرب الباردة، وتراجع الدور الذي لعبته في المسرح الدولي أثناء الحرب الباردة، باعتبارها زعيمة العالم الثالث، في مواجهة القوتين العظمتين. جعل الدولة الصينية تحدد لنفسها هدفين في عالم ما بعد الحرب الباردة : أن تصبح الصين الممثل الشرعي للثقافة الصينية، وان تلعب دور القيادة بداخل المجتمعات المنتمية تاريخيا للحضارة الصينية، واستعادة الدور الذي فقدته منذ القرن 19، وهو ما يعني التوجه نحو إحياء القيم الثقافية، وهو ما تجسد فعليا من خلال إطلاق حملة وطنية للاهتمام   بالتراث الكونفوشي، باعتباره همزة الوصل بين مختلف القوميات بداخل الصين، وبين الوطن الأم وصينيوا ماوراء البحار وبين شعب كوريا و اليابان..

وضمن هذه المظلة يمكن أن نفهم استعراض العضلات من قبل قادة كوريا الشمالية، فهم يدركون جيدا أن لهم مظلة عسكرية واقتصادية وسياسية متفوقة، و في نفس الوقت فالصين تدرك جيدا أن محاولات أمريكا توظيف الملف الكوري الغرض منها ابتزاز اليابان وكوريا الجنوبية، فالبرغم من المصالحة الصينية اليابانية، فان الخلاف التاريخي و الأحقاد الذي خلفها الاستعمار الياباني للصين وللكوريتين لم تنتهي بعد، لكن هؤلاء القوم امتلكوا القدرة والجرأة على تجاوز هذه الخلافات، و البحث عن أرضية مشتركة للتعاون الاقتصادي و التقني، فنهضة الصين الحديثة كانت بأيدي و أموال يابانية...

فبخلاف العرب الذين تحالفوا مع الأجنبي لاحتلال العراق و تدمير ليبيا و سوريا و اليمن ، فان الأسيويون و في مقدمتهم الصين، لن يسمحوا للغرب بمس كوريا الشمالية، بل ما تسعى له الصين هو ترسيخ مظلتها على مجموع الإقليم وإضعاف المظلة الأمريكية، و هي من أجل ذلك توجه رسائلها لليابان وكوريا الجنوبية، عن طريق الحليف الكوري الشمالي، فالاصطفاف وراء الأجندة الأمريكية سيكلف اليابان و كوريا الجنوبية الكثير، بينما القبول بالرؤية الصينية، سيقود إلى رفاه و رخاء المنطقة، والتاريخ يثبت بأن الصين كانت عبر التاريخ مملكة وسط و لم تقم بالتوسع على حساب جيرانها...كما أن تشابك المصالح الاقتصادية بين البلدان الثلاث يجعل من السلم و الأمن و الاستقرار أمر حتمي...

لذلك، فإن الصراع في شبه الجزيرة الكورية في جوهره صراع ثقافي و اقتصادي بالأساس، و ليس عسكري، فأهل الإقليم يدركون أن الحرب لن تكون في صالحهم بما في ذلك كوريا الشمالية، فالحرب و التصعيد يخدم السيد "ترامب" الذي يريد عسكرة المنطقة لرفع ثمن الجزية، لحماية اليابان وكوريا الجنوبية من التهديد الكوري الشمالي..و أهل المنطقة يدركون ذلك جيدا..نتمنى أن يدرك العرب أن تفرقهم و صراع الإخوة الجيران، لا يخدم إلا أمريكا و الغرب ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف