قصة قصيرة بعنوان "الرجل الحلم " مستوحاة من شخصية الرجل الحلم في رواية " القصيدة المتوحشة " لريتا عودة.
خصوصية ولا راحة بال ولا حتى حرية شخصية ، قالت لنفسها : ما أغباني رفضت ان أكون اسيرة زوج ، فامسيت أسيرة سبعين من غير الزوج ، كل يفصل يومي على مقاسه .
يا لغباء تلك الآنسة ، أدركت في هذا العمر انها اخطأت الحسبة منذ عشرين عاما او يزيد ، الان وقد بلغ منها الشيب كل مبلغ من يرضى بها زوجة ، الكل يريدها ولكن ثانية او ثالثة ، مربية للاولاد بعد وفاة امهم ، او ممرضة لزوج اكل الدهرعليه وشرب ، ياه كم كانت قاسية على نفسها ، أخذت تدب الكآبة في اوصالها ،
فأفقدتها الحكمة والروية ، بل وعادت تراهق بعد سن اليأس .
ما أشقاها ، لا قبل لها بكل هذا الكم من المعاناة ليتها كانت تنصت لحديث الناس ونصائحهم ، كم كانت شغوفة بالمغامرة حتى قضت مغامراتها على كل نواحي الجمال التي يرجوها العربي فيها ، فلا انجاب بعد الان ، ولا اسرة ، أصبحت تزدري الوحدة وتعتبرها كابوس يقلق مناماتها.
فكرت كثيرا بحالها وقررت ان تكتب معاناتها لعل قراءها يتعظون ، فلا يقعون في شباك الوهم ويمضون حياتهم خلف سراب الطموح وتحقيق الذات ، بدأت تفكر بواقعية
اكثر وتنازلت عن كل مساحيق التجميل التي فرضها عليها المجتمع ، راحت تتصرف على طبيعتها ، تكتب على سجيتها ، لا تكلف ولا خجل ،وتقول : ان رضي بي اي شخص وانا هكذا فليكن هو اميري ، لن اغير او ابدل في خلقة الله شيء .
لا مساحيق تعيد الشباب ، ولا مستحضرات تشد البشرة ، ولا الوان ساحرة تخدع الناظر اليها ، تعترف مباشرة بعمرها الحقيقي وان لم يبدو عليها ذلك ، حتى غدت منارة بصدقها ، ملكة بجبروتها ، فأرسل اليها القدر من شابهها خلقا وخلقا ، هو هدية السماء في صحرائها القاحلة .
نظر اليها باعجاب ، غاص في بحر خيالاتها ، نصب شباكه عبر قلمها ، فقرأت على صفحنه ما أثلج صدرها ، اهو بشر أم ملاك ؟
أخذت الهواجس تتسرب اليها كلما فرغت من مشاغل الحياة وارهاصاتها ، تلجأ لذاك الأمير، وكلما اشتد بها الشعور بالوحدة والاغتراب ، ناجته متوسلة هدوء نفسها وراحتها ، صار ملاكها الحارس ، وهي التي ما خبرت منه سوى الكلام الجميل المنمق
المهذب ، تقول في سرها : يكاد لا يشبه احدا قط ، متفرد في كل شيء، كأنه فارس على حصان أبيض ولكن على ورق .
لم تشأ أن تحلم فهي لم تعتاد على ترتيب أحلامها ، بل اعتادت الخوض في واقع تحكمه التناقضات حتى النخاع ، فهي على اهبة الاستعداد للدفاع عن حقها أمام جموح أطماع ورغبات المحيط.
هي محام الدفاع الاول عن حقوقها وحقوق بنات جنسها ، لا لن تكون لقمة سائغة لكلمات معسولة هنا واخرى هناك .
هذه المرة لم تنصب روادع ضد تلك المشاعر التي تنمو داخلها بتسارع لم يمنحها الوقت الكافي لتدرس ، وتحلل ، وتقارن كما العادة ، هذه المرة دخلت في دوامة لم ترحم ضعفها بل أجهزت عليها وانتصرت على مخاوفها ، فانبرت تدافع عن مشاعرها
وحقوقها ولكن هذه المرة بشكل مغاير تماما لما كانت عليه في السابق ، لذا أججت في نفوس الكثيرين أسئلة جريئة لا تخلو من المكر والخديعة ، فازداد حرصها على الحفاط على كل ما يخص فارسها طي الكتمان وان ظهر عليها بعض ارتياح غير مبرر
لدى من يعرفها .
هذه المرة اعتنقت السكوت والفته ، فلا أحد سيفهمها ، بل سيكيلون لها الصاع صاعين فهي المتمردة على كل العادات والتقاليد البالية ، فكيف لها الآن أن تنصب شركها للانقضاض على ما تبقى من موروث العائلة من الالتزام والتفاني في
التضحية لأجل الرجل ، فهي تكسر كل تلك التابوهات وتخرج منها منتصرة ، لا لا يجوز ، لا بد من ردع وبقوة ، استنفرت كل القوى الذكورية لوقف نزيف الانثى في داخلها !!! ولكن دون جدوى فهي العصية على الكسر الآن وقد خبرت كل المآمرات
التي تحاك ضدها في الخفاء ، فقد بلغت من الألم عتيا!