الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللغة الأشورية..الهوية ..والانتماء..ودورها في نهضة الأمة ووحدتها بقلم: فواد الكنجي

تاريخ النشر : 2017-08-19
اللغة الأشورية .. الهوية .. والانتماء.. ودورها في نهضة  الأمة ووحدتها

            فواد الكنجي

 في حياة أية امة ليس هناك من وسيلة تلعب دورا بارزا في وحدتها و نهضتها و ازدهارها بقدر ما تلعبه (اللغة) من دور عظيم في النهضة والتطور.

ولذلك تبقى (اللغة الأشورية)، لغة الأمة الأشورية، وسيلة وغاية وهدف باعتبارها هوية وانتماء الأمة الأشورية لايمكن تجاوزها بأي شكل من الإشكال من حياتنا كأبناء لهذه الأمة لنجاحها وازدهارها وتقدمها ورفع من شانها بين الأمم .

وعليه فان (اللغة الأشورية) لعبت على مر العصور دورا فاعلا ومهما في تعريف شعوب الأرض على أنشطتها الفكرية والإبداعية للمفكرين والمبدعين والفلاسفة وأدباء وفنانين الأمة الأشورية، و قد ساهمت (اللغة) في رفع من شان الأمة من خلال إثراء مجال الفكر والعلم والأدب والفن بنشر وعي ثقافتهم وحضارتهم، وقد استطاعت (اللغة الأشورية) إيصال رسالتها وعلى أكثر من صعيد فكري وفلسفي وأدبي وفني بما فاق انجازها أية لغة أخرى منذ ظهورها الموغل في عمق التاريخ والذي اليوم تجاوز عمرها على سبعة ألاف سنة قبل الميلاد. وقد واكبت (اللغة الأشورية) التعبير، كما عبرت الإعمال الفنية النحتية الضخمة بطريقتها عن الأمة الأشورية، بكون اللغة المدونة على الألواح الطينية قد أفصحت التعبير عن ذاتها عن طريق (اللغة الأشورية)، فعند اكتشاف المكتبة الكبيرة للملك الأشوري العظيم (أشور بنيبال) التي كانت تغص بالألواح المسمارية والتي وصل عددها إلى عشرات الآلاف لوحة من الألواح في شتى المجالات الفكر الدينية والطبية والتنجيم والرياضيات والتاريخ والأدب والقانون وسائر علوم التي كانت معروفة في زمانهم،  وهذا الأمر كان خير شاهد على عناية واهتمام الآشوريين بفن الكتابة، و هذا الأمر كان من أهم الأسباب الذي جعل العلماء إطلاق مصطلح (علم الأشوريات) و استعمال تعبير(اللغة الأشورية) على الكتابة المسمارية التي استطاعوا ان يفكوا رموزها .

فازدهار الأدب والشعر والكتابات الأسطورية لقصصهم وأفكارهم ما كأن يجدي دون (اللغة الأشورية) التي كان لها دور بفصاحتها التعبيرية والجمالية في قواعدها ومبانيها التركيبية واللفظية والبلاغية والتي منها اعتمدت الكثير من اللغات في اعتمادها على مباني اللغة وقواعدها، كاللغة العربية والعبرية ولاتينية، كون تراكيبها أسحرت النحويين الشرق والغرب لتكون مدار بحوثهم ودراساتهم .

فاللغة الأشورية عبر التاريخ برهنت على أصالتها كونها شكلت في مرحلة (ما) عامل أساسي لنشر حضارتها الأشورية العريقة وبعثته بين حركات شعوب الأرض وأممها، كون (اللغة الأشورية) واصلت رسالتها الحضارية لأنها حملت في طياتها قيم التحضر والإنسانية والرقي بربطها بين الإنسان والثقافة وبين الماضي والحاضر، وان كنا اليوم نلاحظ تراجعها لتصبح (اللغة الأشورية) هامشية إنما يعود لأسباب منها ما يتعلق بفعل الظروف المحيطة وأخرى تتعلق بأبناء الأمة أنفسهم ولأسباب كثيرة كان أبرزها سقوط دولتهم في( 612 ق.م ) لتصبح مواقع وطنهم في بلاد (أشور) بلاد الرافدين - العراق الحالي- جغرافية لغزوات واحتلال أقوام قدمت لغزوها من كل حدب وصوب، الأمر الذي أدى بهم إلى الاضطهاد والقمع، ولحجم الضغوط النفسية والجسدية التي ارتكبها الأخر ضدهم لانصهارهم في وعاء اللغات الأخرى وأقوامهم، مما اضطر الكثير من أبنائها يكتبون ويتحدثون بالغات الأخرى غير اللغة الأم الأشورية، مما جعل الأمة تفتقر لهذه اللغة، اللغة الأشورية الأصلية، فتراجع دورها وهمشت كما قلنا بفعل أبنائها وبفعل الظروف المحيطة بالأمة خلال الحقبة التي تلت ما بعد عام ( 612 ق.م ) اثر سقوط الدولة الأشورية،  والى يومنا هذا .

ومع ذلك تبقى (اللغة الأشورية) صامدة لم تمت كونها مازالت تدرس في كثير من كليات اللغات في أرقى جامعات العالم باعتبارها من أقدم اللغات  والتي عاصرت اليونانية واللاتينية،  كما أنها مازالت تتداول على السنة أبناء الأمة الأشورية ويواصلون الكتابة والتكلم بها، رغم كون أغلبية أبناء هذه ألامه يتحدثون اليوم بلغات أخرى في شتات الأرض، ولكن اعتزازهم بقوميتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومورثهم الشعبي، جعلهم يصرون على مواصلة تعليم اللغة الأشورية من حيث أصولها وقواعدها الكتابية ونحوها، وإنها ورغم ما أل بأبناء الأمة الأشورية من اضطهاد والتهجير والتميز العنصري القائم على أساس ديني وقومي إلا إن اللغة الأشورية لم تضمحل بل استمرت وواكبت الحداثة في بنيتها اللفظية والتركيبية والبلاغية، بما تتسم من خصائص متنوعة في تقبلها الاشتقاق والترادف وتذكير وتأنيث والقياس، فصمدت بفعل ناشطين ومفكريها وكهنة الكنيسة الأشورية بمختلف مذاهبها، والتي كان لها دور كبير بالاحتفاظ وتطوير بنيتها اللفظية الاستطيقية وسعت بكل ما أتى منها لمواكبة تدريسها على عموم أبناء رعيتها أينما وجدوا باعتبارها هوية القومية للأمة الأشورية ووقفت بالضد اتجاه كل محاولات تهميش وتغيب أللأمة تحت مسميات شتى للانقباض عليها وإجهاض نهضتها، رغم إن كل تلك المحاولات باءت بالفشل،  وظل الأشوريين وبفعل أنشطة كنائسهم المشرقية والشرقية والكدانية والسريانية يدافعون ويحافظون على تراثهم وثقافتهم ولغتهم التي تمسكوا بها كل التمسك وسعوا رغم الظروف ألقاهره إلى تعليم أبنائهم وفتح مدارس خاصة وبتمويل خاص باعتبار إن المحافظة على (اللغة الأشورية) هو ارتباط وثيق صلة بنهضة الأمة وبالمحافظة على الوجود القومي للأمة الأشورية واستمرارها وتوحيدها، بكون (اللغة الأشورية) لها دور عظم في تبلور مشاعر القومية والوطنية لان في أطر عناصرها يشمل تنوع التكوين النفسي والاجتماعي في الوعي والإدراك والإبداع والتي تسعى بهذه المفردات التواصل بين الإفراد بإشكال لسانية متعددة تنتج الثقافة والوعي والإبداع الفكري والأدبي والفني، وهو ما أدى إلى استيعاب ثقافة الآخرين من اليونان والرومان ولاتينيين، فترجموا مؤلفاتهم ونقلوا تراثهم إليهم طرحا لغويا موضوعيا و بمناهج لسانية منطقية و بالأداة لغوية منقحة وميسرة لتستوعب التواصل الإبداعي بشكل سهل وسلس في التطبيق والتمثيل المفردات وفق منهج علمي وفلسفي متكامل،  وهكذا وفقت (اللغة الأشورية) بنقل الفلسفة وعلوم الروم واليونان إلى لغتهم ومن ثم نقلها إلى اللغات الأخرى التي تعلموها نتيجة دخولهم واختلاطهم بالأقوام الأخرى ومنها العربية والفارسية والتركية وتم لهم أيضا وبالفعل العكس نقل من العربية والفارسية والتركية إلى اليونانية والرومانية واللاتينية،  وكل ذلك تم نتيجة استيعاب (اللغة الأشورية) مفردات والمفاهيم والمصطلحات العلمية والأدبية والفلسفية عن طريق النحت والاشتقاق والمجاز والقياس وهذا ما أعطى للغة الأشورية مقومات التواصل في المجتمعات الجديدة باعتبارها من عوامل التي أعطت أقصى درجات الوعي القومي بأهمية اللغة في نهضة الأشوريين  ووحدتهم .

ومن هنا فان (اللغة الأشورية) عبر تاريخها الطويل برهنت على قدرتها على التكيف مع المناخ الحضاري بشكل عام نظرا لقدرتها في استيعاب المصطلحات والمفاهيم،  وهو بالتالي يوحي لنا مدى أهمية (اللغة) في بناء الفكر القومي للأمة مع باقي عناصر الوجود القومي المتعلق بالعادات والتقاليد والقيم الموروثة وإعادتها إلى ذاكرة المكان والزمان والحضور والتحضر .

ومن هنا علينا إن نعي ونركز على مدى أهمية (اللغة الأشورية) على توحيد الطوائف الأشورية ومذاهبها ولم شملهم والثبات على هويتهم (الأشورية) من خلال التركيز على وحدة لغتنا الأشورية لا لكونها لغة القوية فحسب، بل إلى عمقها الحضاري الضارب في عمق التاريخ .

ان ثقة أبناء الأمة الأشورية بـ(اللغة الأشورية) تملأ نفوسهم بالأمل، رغم ما يحصل من انقسامات طائفية ومذهبية وصراعات التسمية والمصالح آنية لا تمس  جوهر وحدة الأمة الأشورية في (اللغة)، فهذا المدخل علينا ان نوسع أبوابه بكون لغتنا لغة غير قابلة لتغير والتبدل وعلينا إن نوسع حدود الوعي لدى أبناء امتنا بهذا الاتجاه لكي نضمن مستقبلنا بوحدتنا في ظل أوضاع المستجدة التي تعصف بعموم منطقتنا الشرقية والهجرة والتشتت في شتات الأرض وهذا الأمر يطرح سؤال نفسه إلى أين تقذف الإحداث بالأمة الأشورية في ضل هذه الأوضاع ......؟

رغم صعوبة هذا الموقف في الطرح والإجابة، إلا إن الرهان مهما كان واقعه يصبح أمره متعلقا بشكل رئيسي على دور (اللغة الأشورية) في بلورة مواقف المتفرقين والمختلفين لجمعهم ولم شملهم، ولكن في ظل الزمن الأشوري الصعب في هذه المرحلة يصبح الرهان على أمالي مخدرة وتخمينات ومواقف تلفيقية فقدت فاعليتها ومصداقيتها في ظل ما يحدث وما يجري على ارض الواقع وفي ظل الإهمال وعدم المبالاة بقيمة (اللغة) المشتركة بين الفرقاء، إلا إن قدرة (اللغة الأشورية)، والتي قدر لها العيش الخالد والأبدي، ورغم عدم الوعي بمدى أهمية تجنيدها واستعمالها لوحدة الأمة و بنائها فكريا وثقافيا واجتماعيا زاهرا، والتي بعكسها تتمخض بفقدان وشل قدرة الأمة في الصمود والتصدي والركود واضمحلال حركة الإبداع والتطور.

 فان الأشوريون اليوم وان انقسموا في ظل صراعات التسمية وتشظي الطائفي والمذهبي وصراع المصالح، فهم سيبقون يشكلون امة واحدة ولغة واحدة، وبفكرهم اللغوي سيصلون إلى مستقبل أفضل بوحدتهم مهما طال الزمن، تلك هي الحقيقة وان ساد طقسها اليوم الكثير من الضبابية نتيجة تصاعد أعاصير المصالح  ليس إلا، وهذا الضعف والانحطاط والتردي هو الذي يهدد كيان الأمة الأشورية ومستقبلها بما ينذر بخطر مسخ الهوية الأشورية واجتثاث أهم ركيزة من ركائز مقومات وجودها إلا وهو (اللغة الأشورية) التي أهملت نتيجة استفحال الصراعات وحرب المصالح بين المتنافسين من لاعبي الكبار في كل  المؤسسات القومية والاجتماعية، ليدب الركاكة ليس في الحياة الاجتماعية للأمة بل في اللغة المتداولة في مؤوسساتهم وفي المنابر الإعلامية وأصبحت (اللغة الأشورية) عرضة لانتشار الأخطاء الشائعة في لغة الإعلام والصحافة والإخبار المرسلة مما اقتضى إلى وجود مصححين لغوين بعد إن فقدت اللغة الأشورية مكانتها الحصينة في مؤوسسات الأشورية التي ضل همها في إدارة مصالحهم فحسب، وهذا حال الواقع الأمة، ما عاد يشير بأننا امة لنا تراث وارث حضاري مشهود وماضي مشرق، ما يضعنا واقع أمره إمام مسؤولياتنا القومية، فضعف أداء وحصاد (اللغة الأشورية) الذي بعوارضه يطالعنا اليوم هو ليس وليد في ذات اللغة وقصورها وإنما يطالعنا بعوارضه بسبب قصور وفقر نصيب كل واحد منا بلغتنا الأشورية نتيجة سياسة التعليمية وخطط مؤسساتنا الخاطئة التي هيمنت عليها شخصيات ضعف ولائها القومي  وانغمست بولائها التابع للممول وللمستعمر ولدول التي تكمن العداء لامتنا لإضعافها وليتم مسخ هويتها والقضاء على مقومات نهضتها .

ولما بات امن الأمة في خطر منذ سقوط الدولة الأشورية في 612 قبل الميلاد والى يومنا هذا فانه لا محال لن تسلم (اللغة الأشورية) من الخطر، لان (اللغة) ليست فحسب جمل وأصوات وكلمات، اللغة مقوم من مقومات الوجود والهوية فحاضر (اللغة الأشورية) ومستقبلها مرهون بما تتعهد به المؤسسة الكنسية والقيادات السياسية لتدارك وإنقاذ اللغة بمناهج علمية مدروسة وتوعية المؤوسسات الاجتماعية والأسرية والثقافية بأهمية تعليم اللغة الأشورية وتعامل  معها على أنها لغة الأم والتزام التحدث بها في المنزل وفي كل مؤسسات الأمة السياسية والثقافية والاجتماعية .

فضعف توظيف (اللغة الأشورية) في مؤسسات امتنا يقع على عاتق أبناء الأمة الأشورية أنفسهم، كونهم هم المسؤولين عن ذلك، وكحاصل تحصيل فأن السبابة تؤشر باتجاههم كمذنبين كونهم هم سبب المشكلة و جزء من المشكلة وكما هم يشكلون جزء من الحل، وحين يشعر الكل بذنبه فان المبادرة لخوض حملة قومية جادة ضد التخلف لنهضة (اللغة الأشورية) يصبح الحل ممكنا بعد إن يكونوا على بينة من أمرهم في استيعاب مسببات المشكلة، فقرار الشروع بالنهضة سيكون بيدهم في رصد طاقاتهم وبدا بحملة تتفرغ لها هيئات ولجان ومؤسسات ترتقي إلى مستوى المسؤولية و تحمل توجهاتهم على تنفيذ والمباشرة بتعليم (اللغة الأشورية) تعليما منهجيا مدروسا يشرف عليه ذوي الاختصاصات وعبر مراحل متعددة، لان بناء (اللغة) يشمل على عدة مراحل،  ومتى ما أوصلنا أجيال الأمة إلى مستوى عالي من التعليم في أصول ومناهج وقواعد النحو والصرف والبلاغة والإنشاء، أمكننا إن نأخذ الأمة إلى بر الأمان ونحو النهضة والتطور والازدهار، لان (اللغة الأشورية) هي مرآة لحضارة الأمة الأشورية ومستودعها الفكري، لكون اللغة هي القدر المشترك للأمة وأساس وحدتها، وفي إطارها تتفاعل الأفكار وأنشطتها،  فهي وطيدة الصلة بالمجتمع تتأثر بالحياة الاجتماعية فتزدهر بازدهاره وتتدهور بتدهور حياة المجتمع، وأي تباطؤ في نمو (اللغة) إنما أمره متعلق بتباطؤ نهوض أبناء الأمة،  لان تغذية (اللغة) يتم عبر التواصل والعطاء المتبادل بين أبناء الأمة الواحدة، لان (اللغة الأشورية) للأمة الأشورية هي الأساس الفكري والروحي التي شبت عليها نهضة الأمة الأشورية فأسست حضارتها العريقة في التاريخ وعلينا إن نتيقن ذلك لان نهضة امتنا كانت بوحدتها وبلغتها كون (اللغة) استطاعت إن تستوعب كل ما استجد من معطيات وانجازات المجتمع آنذاك وعلية إن نتيقن بان (اللغة)  هي هوية الأمة وحضارتها ومرآتها  وحاضنة تراثها وذاكرة الأمة ووجودها وتاريخها، فانقراض أية امة يصاحب كحاصل تحيل زوال (اللغة)، ولا بقاء لأمة إذ تخلى أبنائها عن لغتهم، ومن هنا تكمن أهمية (اللغة) في الحفاظ على هوية وكيان امتنا الأشورية، فالطفل الذي يتعلم اللغة بالفطرة تصبح لاحقا جزء من شخصيته، وعلينا إن ننمي هذه الشخصية بـ(اللغة) التي تعلمها وهي (لغة إلام) كما نسميها، ولان - وكما قلنا - بان (اللغة) هي وعاء الفكر التي فطن إليها الإنسان منذ ولادته وان هذا الوعاء يمتلأ بمقوماته من خلال ما يتم أخذه من محيطه الذي ينصهر في بوتقة الثقافة وتراث الأمة التي شب الفرد عليها ليستوعب ثقافتها، ولكونها  أداة التعبير ووسيلة التواصل والعطاء فهي التي توثق تاريخ الأمة وخلودها، ومن هنا تكمن مكامن اللغة القومية بكون الاهتمام بها هو اهتمام بالقومية التي ترتبط بهوية الأبناء فان هويتنا القومية الأشورية تظل مرتبطة بروح (اللغة الأشورية) اللغة القومية للأشوريين  المعبرة عن روح الوعي الجماعي لها لنستند عليها في وحدة الصف والهدف، لان (اللغة) هي هوية الإنسان تترك بصمتها على المجتمع  ذاته بطابعه الخاص وعليها على الدوام مراجعة ذاتها اتجاه المتغيرات ضمانا لبقائها وفق استحداث يتماشى التطور لتبقى قوية في بنية كيانها كما كانت في الماضي، وهذا ما يستدعى إلى الاهتمام بها، لان لغتنا الأشورية تغني بقيم التراث الأشوري الضخم وفي كل مجالات الحياة من الأدب والفن و النحو والفلك والرياضيات والكيمياء و الطب والصيدلة واستطاعت أن تستوعب تراث الأمم القديمة فأثرت بالفكر الإنساني وحضارته في كل مجالات البحثية والتطبيقية المختلفة لثبتت (اللغة الأشورية) بكونها قادرة على استيعاب كل ثقافات، فركز الباحثون الغرب بمبانيها وتراكيبها اللغوية فسعى لتعلمها ومما ساعد على ذلك لتصبح حركة (الترجمة) التي نشطت بين مثقفي امتنا في الألفية الأولى الميلادي، فكانت الأمة الأشورية حاضرة فقويت معهم لغتهم، وأقبل علماء اليونان و اللاتينية على تعلمها وترجمة تراثها لتصبح (اللغة الأشورية) لغة الحضارة وأداة التنوير لتأتي ظروف قاهرة على لأمة الأشورية حال بينها وبين تقدمها فيتلعثم نطقها وتتعثر كتابتها تصبح بمرور الوقت شبه غريبة على أبناء الأمة وخاصة بين أبناء هذا الجيل الذي نعيش فيه، فتعثرت ألسنتهم وصارت عبئا ثقيلا عليهم  بغياب المؤسسات التعليمية بعد إن تشتت أوصال الأمة في شتات الأرض حتى وصل الأمر بهم وهم لا يكادون يعرفون كتابة حروفها ولا يحسنون التعبير بها، بعد إن استهجنت ألسنتهم باللغات أخرى تحت ظروف الهجرة والإقامة الإجبارية في الشتات.

ومن هنا علينا إن نمعن النظر في تجارب الآخرين عبر التاريخ كيف اعتمد الأقوام على (اللغة) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الهوية القومية لامتهم من تداعيات الاضمحلال والزوال، فلو أخذنا تجربة (اليهود) مع لغتهم (العبرية) - على سبيل المثال وليس الحصر - التي اعتبرت قبيل القرن التاسع عشر من اللغات الميتة ولكن بفضل أبنائها من المتحدثين بها من المقيمين في شتات الأرض بحركة واعدة لإحياء لغتهم (العبرية) وقد قاد المفكر اليهودي (أليعازر بن يهودا) حركة إحياء لغتهم بشكل قل مثيله في التاريخ، إذ دعا اليهود المخاطبة بها في حياتهم اليومية ورفع شعار(( لا حياة لأمة بدون لغة )) ومن أوربا التي كان مهاجر فيها جاء إلى ارض فلسطين عام 1881 م وعمل على نشر الوعي بين الأسر اليهودية لإحيائها وجعلها اللغة العبرية لغة التخاطب بينهم في وقت الذي كانت هذه اللغة محصورة الاستخدام فحسب في الطقوس الدينية، فعمل على نشر الصحف المحلية باللغة العبرية وأسس رابطة للغتهم وتفرغ في إصدار معجم باللغة العبرية أنجز منه خلال حياته تسعة مجلدا ضخمه وأكمل المعجم من بعده تلاميذه ليخرج بحدود ستة عشر مجلدا، وعبر ما كان ينشره في الصحف، وما قام به من إنشاء العديد من المدارس تدرس اللغة العبرية لكل المواد المقررة إضافة إلى قيامة بفتح مراكز لتعليم اللغة العبرية واخذ بنشر توعية بين اليهود ودعا إلى تهويد أسماء القرى والمدن الفلسطينية، لتحي حركة اللغة العبرية بشكل ملفت لتشكل هذه الحركة في إحياء اللغة العبرية الهوية القومية لليهود وأصبح التحدث بها في كل مؤتمرات اليهود والتمثيل الدولي وإلقاء كلمات مسؤوليهم باللغة العبرية ليجبروا الآخرين إلى تعليمها وترجمتها لتفرض وجودها في المحافل الدولية بعد إن تم إحيائها بجهد إبائها من الاضمحلال والزوال .

وعلى نحو ذلك كانت تجربة (اليابان) مع لغتهم، فاثر احتلال الأمريكي لـ(اليابان) إعقاب الحرب الكونية الثانية عملت أمريكا على تغير كل شي في اليابان واجبروا اليابان اثر هزيمتهم في الحرب إلى التخلي عن كل شيء، ولكن اليابان رفضوا التخلي عن لغتهم،  وضلوا يستخدمونها في حياته اليومية وفي مدارسهم وصحفهم، رغم كل محاولات القمعية التي مارسها الأمريكان ضدهم لسلخهم من قوميتهم ولكن كل محاولات الأمريكية باءت بالفشل، لتقف اليابان مجددا على قدميها محتفظة بعاداتها وتقاليدها وبلغتم ويمضون بها قدما، وهذا كله يعود بفعل إصرار أبنائها على الاحتفاظ بلغتهم.

 وهناك العديد من هذه التجارب التي قامت من اجل إحياء اللغة ونهضتها، فكل امة تلتزم بلغتها ولا تتخلى عنها فان الأمة ذاته ستعش وستبقى خالدة ابد الدهر، لان أي محاولة لتخلي الأبناء عن لغة إلام، واخذوا يتحدثون لغة غيرهم فان لا محال سيتحول تفكيرهم تدريجيا إلى مخزون تلك اللغة ومع مرور الزمن ستتحول مشاعر انتمائهم نحو اللغة الجديدة بعاداتها وثقافتها وذخائرها ليصبحوا بعد حين عاجزين عن التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم بلغة الأم ، بكون من شب على التعليم بلغة وثقافة ما، انتسب إليها، ومن هنا تأتي أهمية المحافظة وحماية (اللغة الأشوري) من هيمنة اللغات الأخرى على أبناء الأمة وحمايتهم من العولمة، مما يقع على عاتق الكنيسة والمؤسسات القومية توعية الأبناء والسعي إلى تعليمهم لغة الأم وتعريفهم بالسلبيات التي قد تنتج في المستقبل على حياة أمتهم مما يقتضي على الأمة الأشورية حماية تراثها ولغتها وتسليط الضوء على الجوانب المضيئة من تاريخ حضارة أمتهم الأشورية التي يجب إن يتباهوا أبنائنا بها لحجم عمقها الحضاري وتأثر انجازاتها على كل شعوب الأرض .

لان (اللغة الأشورية) هي لغة الحضارة والتاريخ وعلينا ان نربي أجيال امتنا أينما تواجدوا في شتات الأرض على بنية هذه (اللغة) وعلى قواعدها وثقافتها وعلومها،  لأن المضي بهذا الاتجاه هو السبيل الأمثل إلى توحيد الأمة، وعلى منبرها تقوم الهوية القومية للأمة، بما تملك من دور محرك وفاعل وموجه للوحدة الأمة،  وتلعب محورا مركزيا في إنتاج الوعي القومي، بكونها وسيلة من وسائل للتنمية وتطور الاجتماعي والثقافي،  فعبر التاريخ والحضارة الأمة تتحرك الذاكرة الجماعية الوجدانية والعقلية، لان (اللغة) تعمق مشاعر الانتماء الفرد لجماعته ولامته من خلال تنمية الضمير والإحساس بوحدة الروابط النفسية والعقلية والوجدانية بين إفراد الأمة وتشدهم بعضهم مع البعض،  لان (اللغة الأشورية) هي مصدر الوحيد الجامع للأمة، لان التمسك بمواطنة الوطن (الأم) على ارض (أشور) في بلاد الرافدين، هو تمسك بـ(اللغة)، وهذا يأتي بالوعي الجماعي للأمة وبالعلم المعرفي والتبصر للوقوف بوجه من يضن بأنه سيحاول تفتت المتفتت من الأمة الأشورية، ولكن رهانه سيغيب كما خاب رهان من حاول تفتيت الأمة الأشورية خلال سبعة ألاف سنه الماضية وبقت امة الأشورية حاضره بتاريخها وحضارتها ولغتها وتراثها وعلومها وفنونها وبوجود أبنائها متكاثفين وموحدين في المحن والشدائد وساعين لبناء كيان مستقل على ارض الإباء والأجداد في بلاد الرافدين، بلاد (أشور)، العراق الحالي، كحق من حقوق الشعوب في تقرير المصير .

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف