مستقبل سوريا من منظور حقوقي إنساني
أسفرت الحرب المندلعة في سوريا منذ أكثر من ست سنوات، عن مقتل قرابة 400 ألف شخص وتشريد الملايين؛ حرب تشارك فيها العديد من الأطراف من دول وتنظيمات، واشتركت جميعها في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، ضاربةً القواعد الإنسانية والدولية أثناء الحرب في عرض الحائط، فدمرت القرى وحرقت المحاصيل، قامت بالتعذيب والاغتصاب، الحصار بهدف التجويع، القصف الجماعي للمدنيين، علاوة على استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة.
على الرغم من هذا كله، فإن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن يقفان موقف المتفرج العاجز، وقد قدمت "كارلا ديل بونتي" المحققة الدولية بشأن سوريا استقالتها في السابع من آب لعام 2017 معللةً استقالتها بقولها "سأستقيل من هذه اللجنة التي لا تدعمها أي إرادة سياسية.. ليس لدي سلطة طالما أن مجلس الأمن لا يفعل شيئاً. نحن بلا سلطة، ولا عدالة في سوريا[1]."
يرى "آلان فيرنر" مدير مؤسسة "سيفيتاس ماكسيما" السويسرية وهي مؤسسة قانونية مستقلة تعمل على ضمان تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية : أن "عدد الجرائم "مذهل". لذا، من غير المرجح أن تكون العدالة سريعة. وأضاف أن "سوريا قد تستغرق أربعين عاماً، وربما مئة عام، للتحقيق" في هذه الجرائم[2]."
إن هذا يعني أن سوريا قد لا تعرف معنى للعدالة والسلام لقرن من الزمان. وإن حدث وجرت محاكم لمرتكبي جرائم الحرب في المستقبل، فإن ذلك أيضاً يمكن أن يزرع بذور الخلاف في المستقبل، لا سيما إذا كان الضحايا من مجموعة عرقية، ومرتكبي الجرائم من مجموعة عرقية أخرى، وفي الحالة السورية فإن مرتكبي الجرائم ينتمون لعدة مذاهب وأديان فهناك السني والشيعي، العلوي والكردي، واليهودي والمسيحي !.
يرى المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين: "أن المقاضاة ليست سوى جزء واحد من العملية. ويقول: " لن يكون لدينا سلام دائم ما لم نتعامل مع القضايا العالقة". وهذا يعني، حسب قوله، أن يعترف جميع أطراف الصراع بسلوكهم وأن يظهروا "ندمهم" على ما فعلوا. وهنا يأتي دور المجتمع، حسب الحسين. وقال الحسين أنه خلال المحاكمات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك سبعة آلاف حكم إدانة، لكن قلة من المدانين هم من أبدوا الندم على الجرائم التي ارتكبوها. وجاءت الدعوة إلى الندم في وقت لاحق من خلال مؤرخين ومعلمين وسياسيين ألمان خلال فترة ما بعد الحرب"[3].
وفقاً لما سبق، وإذا ما قورنت الحالة السورية بنظيرتها الألمانية، فإن مستقبل سوريا لا يُبشر بخير، خصوصاً في ظل وقوع العقول السورية في دائرة الاستهداف من قبل جميع الأطراف، سواء من قبل النظام السوري أو المعارضة أو داعش وغيره. وهناك قائمة لا تُحصى من أصحاب العقول السورية التي تم اغتيالها منذ اندلاع الحرب السورية من خبير الهندسة النووية عبد الكريم خليل والمبرمج العالمي إبراهيم الصفدي، إلى عالم الآثار خالد الأسعد، وما زالت القائمة مفتوحة حتى اليوم.
إذا ما كان دور إعادة تأهيل المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الحرب ستقع على عاتق هؤلاء، فما العمل في ظل تغييبهم قسراً عن الصورة؟.
لا بد لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن واللجان المختصة المنبثقة عنها، أن تقوم بدور أكبر من مجرد التوثيق، وأن تقوم على الأقل بتوفير الحماية للعقول السورية المعاصرة لهذه الحرب وتداعياتها، حتى يقدموا للمجتمع السوري الأمل في إمكانية عودة العدالة والسلام، وهذا لا يعني أن تقتصر مهمة المجتمع الدولي في هذا المضمار ولكن ذلك أضعف الإيمان في ظل غياب الإرادة السياسة لإحقاق السلام والعدالة في سوريا.
فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
المراجع:
· " المحققة الدولية بشأن سوريا تستقيل بسبب "عجز" الأمم المتحدة،" سي أن أن. ( الدخول بتاريخ آب.9،2017).
· "هل يفلت "مجرمو الحرب في سوريا" من العقاب؟،" بي بي سي. (الدخول بتاريخ آب.9،2017).
[1] " المحققة الدولية بشأن سوريا تستقيل بسبب "عجز" الأمم المتحدة،" سي أن أن، ( الدخول بتاريخ آب.2017،9).
[2] "هل يفلت "مجرمو الحرب في سوريا" من العقاب؟،" بي بي سي، (الدخول بتاريخ آب.2017،9).
[3] المرجع نفسه (2).
أسفرت الحرب المندلعة في سوريا منذ أكثر من ست سنوات، عن مقتل قرابة 400 ألف شخص وتشريد الملايين؛ حرب تشارك فيها العديد من الأطراف من دول وتنظيمات، واشتركت جميعها في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، ضاربةً القواعد الإنسانية والدولية أثناء الحرب في عرض الحائط، فدمرت القرى وحرقت المحاصيل، قامت بالتعذيب والاغتصاب، الحصار بهدف التجويع، القصف الجماعي للمدنيين، علاوة على استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة.
على الرغم من هذا كله، فإن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن يقفان موقف المتفرج العاجز، وقد قدمت "كارلا ديل بونتي" المحققة الدولية بشأن سوريا استقالتها في السابع من آب لعام 2017 معللةً استقالتها بقولها "سأستقيل من هذه اللجنة التي لا تدعمها أي إرادة سياسية.. ليس لدي سلطة طالما أن مجلس الأمن لا يفعل شيئاً. نحن بلا سلطة، ولا عدالة في سوريا[1]."
يرى "آلان فيرنر" مدير مؤسسة "سيفيتاس ماكسيما" السويسرية وهي مؤسسة قانونية مستقلة تعمل على ضمان تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية : أن "عدد الجرائم "مذهل". لذا، من غير المرجح أن تكون العدالة سريعة. وأضاف أن "سوريا قد تستغرق أربعين عاماً، وربما مئة عام، للتحقيق" في هذه الجرائم[2]."
إن هذا يعني أن سوريا قد لا تعرف معنى للعدالة والسلام لقرن من الزمان. وإن حدث وجرت محاكم لمرتكبي جرائم الحرب في المستقبل، فإن ذلك أيضاً يمكن أن يزرع بذور الخلاف في المستقبل، لا سيما إذا كان الضحايا من مجموعة عرقية، ومرتكبي الجرائم من مجموعة عرقية أخرى، وفي الحالة السورية فإن مرتكبي الجرائم ينتمون لعدة مذاهب وأديان فهناك السني والشيعي، العلوي والكردي، واليهودي والمسيحي !.
يرى المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين: "أن المقاضاة ليست سوى جزء واحد من العملية. ويقول: " لن يكون لدينا سلام دائم ما لم نتعامل مع القضايا العالقة". وهذا يعني، حسب قوله، أن يعترف جميع أطراف الصراع بسلوكهم وأن يظهروا "ندمهم" على ما فعلوا. وهنا يأتي دور المجتمع، حسب الحسين. وقال الحسين أنه خلال المحاكمات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك سبعة آلاف حكم إدانة، لكن قلة من المدانين هم من أبدوا الندم على الجرائم التي ارتكبوها. وجاءت الدعوة إلى الندم في وقت لاحق من خلال مؤرخين ومعلمين وسياسيين ألمان خلال فترة ما بعد الحرب"[3].
وفقاً لما سبق، وإذا ما قورنت الحالة السورية بنظيرتها الألمانية، فإن مستقبل سوريا لا يُبشر بخير، خصوصاً في ظل وقوع العقول السورية في دائرة الاستهداف من قبل جميع الأطراف، سواء من قبل النظام السوري أو المعارضة أو داعش وغيره. وهناك قائمة لا تُحصى من أصحاب العقول السورية التي تم اغتيالها منذ اندلاع الحرب السورية من خبير الهندسة النووية عبد الكريم خليل والمبرمج العالمي إبراهيم الصفدي، إلى عالم الآثار خالد الأسعد، وما زالت القائمة مفتوحة حتى اليوم.
إذا ما كان دور إعادة تأهيل المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الحرب ستقع على عاتق هؤلاء، فما العمل في ظل تغييبهم قسراً عن الصورة؟.
لا بد لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن واللجان المختصة المنبثقة عنها، أن تقوم بدور أكبر من مجرد التوثيق، وأن تقوم على الأقل بتوفير الحماية للعقول السورية المعاصرة لهذه الحرب وتداعياتها، حتى يقدموا للمجتمع السوري الأمل في إمكانية عودة العدالة والسلام، وهذا لا يعني أن تقتصر مهمة المجتمع الدولي في هذا المضمار ولكن ذلك أضعف الإيمان في ظل غياب الإرادة السياسة لإحقاق السلام والعدالة في سوريا.
فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]
المراجع:
· " المحققة الدولية بشأن سوريا تستقيل بسبب "عجز" الأمم المتحدة،" سي أن أن. ( الدخول بتاريخ آب.9،2017).
· "هل يفلت "مجرمو الحرب في سوريا" من العقاب؟،" بي بي سي. (الدخول بتاريخ آب.9،2017).
[1] " المحققة الدولية بشأن سوريا تستقيل بسبب "عجز" الأمم المتحدة،" سي أن أن، ( الدخول بتاريخ آب.2017،9).
[2] "هل يفلت "مجرمو الحرب في سوريا" من العقاب؟،" بي بي سي، (الدخول بتاريخ آب.2017،9).
[3] المرجع نفسه (2).