الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2017-08-11
لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
(لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)

عادل بن مليح الأنصاري

خطيب الجمعة اليوم جزاه الله خيرا , ذكر من ضمن خطبته أن النظام الشيوعي أثبت فشله , لا شك في ذلك , وأن النظام الرأس مالي أثبت فشله , وهنا لي وقفة ليست دفاعا عن الرأسمالية , ولكن يجب أن نعي أن الناس لم تعد كما السابق لا تدرك ما يدور حولها , وليست مسألة عدم الاعتراض على خطباء الجمعة أثناء الخطبة تعطيهم الحق في تسطيح تعايش الناس مع الواقع , يجب على خطباء الجمعة والمسؤولين عنهم أن يوجهوهم بوجوب نقل الواقع كما هو حتى وإن كن مريرا , ثم يوجهون الناس على ضوء شريعتنا السمحاء بكيفية التعامل مع هذا الواقع وسلبياته والتقليل من الضرر الذي ينتج عنه , وشرح مكمن الخلل والبعد عن تعاليم الكتاب والسنة في توجه تلك الأفكار .
كان بودي أن اسأل خطيب الجمعة ( بعد انتهاء الصلاة ) من أين استقى تلك المعلومة من كون الرأسمالية فشلت في قيادة العالم ؟
( ليس دفاعا عن الرأسمالية , فقد سبق قديما أن كتبت مقالا عن أن النجاة للبشر لن تكون إلا بتحكيم النظام الإسلامي في كل مناحي الحياة وعلى ضوء الكتاب والسنة ) .
الواقع المفروض اليوم أن النظام الرأسمالي هو من يدير واقع الحياة المعاصرة في كل مناحي الحياة وحتى عند المسلمين أنفسهم , فتعاملاتنا الحياتية والمالية والسياسية وحتى الاجتماعية تدار ببوصلة الرأسمالية شئنا أم ابينا , بل وحتى حياتنا الدينية ( في أغلب المجتمعات الإسلامية ) تضع في اعتبارها سياسات وتوجيهات الرأسمالية في النواحي الدينية في واقعنا اليوم , وليس هنا مقام الأمثلة , ولكن وعلى عجالة كيف نفسر انتشار ثقافة الخمور والدعارة والتعري والجهر بكل أنواع المعاصي في عمق (أكثر) المجتمعات الإسلامية وبرعاية وتقنين الحكومات التي من المفترض أن تكون إسلامية , نحن نعلم أن الإسلام اليوم في ( أغلب ) الدول الإسلامية مغلوب على أمره , وأن الرأسمالية تعبث به وتوجهه كما تشاء وتريد , وليس هنا أيضا مقام تحليل الأسباب والمسببات , ولكنه واقع مفروض , فرضته سنة الواقع اليوم , ومازالت الرأسمالية ماضية بتمكن وبثقة في القضاء على ما تبقّ من محاولة تدخل التعاليم الإسلامية في كافة مناحي حياة المسلم قبل غيره , وليس من السر أن نقول أن الإسلام بات هو العدو الأول لدعاة التقدم والمدنية تحت قيادة ( الرأسمالية التي أثبتت فشلها كما يقول الشيخ غفر الله له ) , والمبكي أن هذه المقولة باتت ظاهرة لا يُستحى منها حتى في داخل الدول الإسلامية بدون مواربة أو حياء , فأي فشل تُوصف به الرأسمالية وهي تقود العالم بكل أديانه وطوائفه وصارت ( البوليس الدولي ) ضد تدخل تعاليم الإسلام في حياة البشر اليوم .
ليس المطلوب من خطباء الجمعة تدليس الواقع بحجة الدفاع عن الإسلام وكسب ( تعاطف ) المصلين بكلمات لا تمت للواقع بصلة , كان يمكن لهذا الخطيب (غفر الله له) أن يتعامل مع الواقع المُعاش كما هو , ويوضح للمصلين سوءات النظام الرأسمالي (المسيطر) على كافة نواحي الحياة اليوم و ويقارنه بعدالة وسماحة الإسلام , وأنها مرحلة تاريخية كتبها الله على البشر , ولكن الله حافظٌ لدينه وكاتبٌ النصر لعباده الصالحين أخيرا , وهذه سنة الله في الكون , كما مدّ لطغاة العالم قديما كفرعون وقارون والنمرود , وحديثا لهتلر وستالين والصهاينة , فكما أخذ القدماء أخذ عزيز مقتدر بعد أن تمكنوا في الأرض وعاثوا بها فسادا , وأخذ المعاصرين أيضا , ستتم كلمته الحق على من تبقّ منهم اليوم وفرضوا هيمنتهم ونظامهم الرأسمالي على العالم بذات المنطق والجبروت والثقة التي فرضت الرأسمالية كلمتها على المجتمعات الإسلامية اليوم .
سادتي التاريخ ليست سطوره عبثا , فلو قرأ الطغاة التاريخ جيدا لوجدوا تفاصيل فِعالهم تتكرر وبكل دقة عبر صفحاته , و لوجدوا كامل القصة من بدايتها لنهايتها دون عناء المحاولة والتجبر و التذاكي على ذاكرته التي لا تنسَ .
التاريخ والواقع أثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أن كل طغاة التاريخ أغبياء ولا يجيدون قراءة التاريخ ولا يجيدون ثقافة عدم تكرار ذات الأخطاء التاريخية مرارا وتكرارا , وهذا ديدن الطغاة دوما , الله سبحانه وتعالى يخاطب كل طغاة التاريخ ويضع لهم دليلا ملموسا قائما كوضح النهار وكوهج الشمس , ولكنهم بلداء حمقى , أوليس الله يخاطبهم ويقص عليهم قصو طاغيتهم الأول (فرعون) ويقول لهم مخاطبا فرعون ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) , والسؤال الأول لأولئك الأغبياء :

س / هل يهتم فرعون بتلك الكلمات وقد أصبح جثة لا حراك فيها ؟
س/ من هم المقصودون بــ(خلفك) ؟
س / هل تحتاج تلك الآية لعظماء الرأسمالية ومفكريهم وكل طغاة العالم ليتدبروها ويتأملوا مغزاها ؟

فرعون رمز تاريخي لمرحلة تاريخية من مراحل التطور الإنساني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنظيمي , ولا يمكن مقارنته بأي حال من الأحول بطغاة العالم عبر كل مكان وزمان , ولا حتى بمرحلة الرأسمالية فقد كان فرعون وقتها هو العالم ولا شيء عداه , وجاء بما لا تستطيع كل حضارات الأرض ولا رأسمالية اليوم ولا بأي نظام بشري آخر من تطبيق سياسة قتل أطفال شريحة بشرية كاملة وبقر بطون أمهاتهم لخوفٍ غامض من مستقبل لم يراه بعد !
أي رأسمالية أمام فرعون الجبار الأوحد على الأرض ؟
هذا الجبار فعل المستحيل وحاول كتابة التاريخ بثقة وبتفرد , ونسي ( أن التاريخ لا يُقهر ) , وكثير من طغاة اليوم نسوا أو تناسوا أن التاريخ لا يقهر , وتعمدوا بغباء وقصر نظر أن لا يقرأوه جيدا .
فرعون كان واحدا متفردا يحكم العالم , كان رأسماليا أوحدا , تبهتُ كل الرأسماليات اليوم في أمريكا وأوربا واليابان والصين وكوريا وكل الرأسماليات الصغيرة الأخرى أمام جبروته , هذا الجبار الرأسمالي الأوحد مرّ بالكثير من الدروس في مدرسة الرّب ولكنه سقط وترك شهادته بعد امتحانه النهائي لبقية الطغاة ليس تفضلا منه ولكنه بأمر خالقه الأوحد الذي قال له ( نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) , ولكن الله سبحانه وتعالى ترك لبقية طغاة التاريخ المزيد من الدروس الظاهرة الواضحة وضوح الشمس , ففرعون في امتحانه الأخير نسي تاريخه الظالم المتجبر وحلّت عليه فطرة الخلق الحقيقة لثواني قليلة ورأى عبر تلك الثواني مالم يكن يرى قبلها بسنوات طويلة , لقد تمكنت منه سنة الخالق ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) , ولكن ما الذي رآه فرعون في تلك الثواني ؟
ربما رأى حقيقة الظلام الذي كان غارقا به طوال حياته , وتجمعت أخطاءه في لحظات تحت بصره الحديدي الذي منحه الخالق له في امتحانه الأخير , فوصف الخالق سبحانه وتعالى لنا ولبقية طغاة الأرض عبر التاريخ تلك اللحظات ( حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
ذلك الدرس الأخير لفرعون لم يخبرنا الخالق بأنه حفظ الطاغية الرأسمالي ( ببدنه ) ليكون عبرة لمن بعده من طغاة التاريخ عبثا , ولكن ليحق الحق بكلماته ولو كره الكافرون .

ولكن التاريخ الحديث يخبرنا أن هناك ألف فرعون وفرعون هلكوا ( وحُفظت ) صورهم وأفعالهم وجرائمهم وحتى ضحكاتهم ومداعبتهم لعشيقاتهم ولزوجاتهم ولأطفالهم عبر وسائل التقنية الحديثة , وكلما جاء طاغية يشاهد الطاغية الذي سبقه عبر تلك الوسائل ويتجاهل دروس التاريخ ويمضي في نفس الطريق الشائك وبنفس الخطوات القذرة والمجرمة وكأنه لم يفهم تلك الدروس , وتلك الأبدان التي حُفظت عبر وسائل التقنية الحديثة ويستقي منها العبرة والآية لتجنب سلوكياتهم التي تلعنها شرائع السماء وصفحات التاريخ وعقول الحكماء ودموع الأطفال وصرخات النساء .

من يراهن , أن عشرات الطغاة قديما وحديثا وخاصة من المسلمين مرت عليهم تلك الآيات عن فرعون عبر مرحلة من مراحل حياتهم فتجاوزوها كحروف ليس لها معنى أو مغزى وكأن رب العالمين وخالقهم يقول لهم عبثا (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) ؟

أخيرا
لقد غيّرت وسائل التقنية الحديثة عقول الناس فأصبحوا أكثر إدراكا ووعيا بما يحيط بهم , فيجب على خطباء الجُمع أن يضعوا ذلك نصب أعينهم , ويغيروا من خطاباتهم بما يوازي ثقافة المجتمع حتى لا يقع الناس في شَرك الملل واتهامهم بالتظليل أو بالتسطيح أو الجهل والتجاهل , فتعاليم الإسلام ورقيه وانبثاقه من خزائن الخالق لا تحتاج لِلَيْ الحقيقة ومناورتها وإعادة تشكيلها حتى نُقنع أنفسنا أو غيرنا بأفضليتها لنا , فنحن بحاجة إليها وليست هي بحاجة إلينا .
ستستمر الحياة , ويستمر التاريخ في فرض دروسه علينا , وسيستمر الطغاة في الرسوب في مادة التاريخ من أول طالب وهو ( قابيل ) وحتى أخر طالب سيشعل الأرض حروبا ودمارا , ربما عندها سينكشف الغطاء علينا جميعا وتصبح أبصارنا حديدا , ولكن بعد انتهاء الامتحان .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف