الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عروس المدائن بقلم : محمد يوسف جبارين

تاريخ النشر : 2017-07-22
القدس ..عروس المدائن

بقلم : محمد يوسف جبارين( أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين


منذ أن هدأت الأرض ، وبدأت تنفلق فيها بذور الحياة ، كانت نواة وجودي تتململ في تراب القدس ، تنفلق ، تضرب جذورها ، تحرك التراب ، تباعده ، تفتش فيه ، ويأخذ عودها الأخضر طريقه الى الهواء ، يعانق الشمس ، ويملأ الروابي جنائن للحياة .
فما تنفس نهار في مجرى الزمان ، أو ضم رموشه وأغمض عينيه ، سامحا للفكر لكي يحرث في زينة السماء ، أو تكاثفت الغيوم وهطلت الأمطار ، فأنزلت بشارة الرخاء في الوجدان ، أو أطل شروق يتوعك ، تلوح في قسماته أمائر امتعاض وألم . أو مشى الجفاف ، أو بعضه في السهول والجبال والوديان ، وكادت تتصدع الصخور والحجارة من قلة الماء . أو دوى أنين الناي في الروابي . أو صاحت الديكة وشدت الأطيار من وداعة وامتلاء ،
أو مرت ظروف تتقلب بين هذا وذاك ، فما كفت يداي ، عن نبش ترابها ، وتقليب حجارتها وشق صخورها ، ولا عرف الزمان فاصلة ، في سيولة بذلي ، ودأبي على استنبات ربيعها ، واستخراج مقومات وجودي ، من وجودها .
فأنا بذرة الحياة الدائمة الوجود في زمانها .
فيا من بيده العلم ، وقد ناخ له كل ادراك وفهم ، وعرف كيف يفتش في التراب ، ويعرف كيف يقرأ ، كل علامة دالة على الوجود ، الذي رسم وجودها . هيا ، قم من فورك ، وأسأل ترابها ، استعمل كل أدواتك وعقلك ، ودعها تتكلم عن نفسها ، دع القدس تتحدث عن الدماء التي سالت ، مثل الأمطار ، في عز الشتاء . اسأل التراب عن الذين تحولت لحومهم وعظامهم ، الى هوية للتراب .. الى لغة يتكلم بها التراب .. دع التراب يتكلم ، دعه يروي حكايته ، وأصخ السمع ، واترك الصخور ، والعلامات عليها ، تشهدعلى الأنامل والأظافر وقد برت ، حتى ضاء للقدس ضياؤها ، ولمع سناها ، فأسرت الألباب ، وهوت اليها أفئدة البرية من كل واد .
دعها .. دع عروس المدائن ، تخترق بك حاجب الزمان ، فتعرف ما كان ، فتدلك على ما هو آت ، وانتبه الى قولها ، وهي تبث طمأنينة وتبعث أملا بقولها ، بأنه ما نزل فيها غبار ، حملته الرياح العاتية الآتية ، من الأصقاع البعيدة ، وحط صيبا أو وباء في أنفاس الحياة ، أو رجسا تمادى ، وراح يقلب عينيه في عينيها ، أو يزرع سكينا في نحرها ، الا وقعد له القلق ، مثل الجمر ما بين جانحيه ، حتى اذا ما نام ، فر به الفزع من نومه ، أو اذا استراح أراحته الهواجس من راحته ، أو اذا ركب ومشى احتواه الرعب ، وظن الموت ينتظره ، في كل ركن يدانيه أو يركن اليه .
فلا تجد له فهما ، لخلاصه مما هو فيه ، سوى استغراقه في اللعب بالنار ، وفي المزيد من جرائمه ، وما دري ، ولن يدري ، بأن كل قوة لو اجتمعت للغريب ، ما لها أن تخلصه ، من احساسه بغربته ، فما استراح قلب لنزف دمه ، ولا استكان كريم لهدم بيته ، ولا لاقتلاع زيتونه ، ولا لاهتراء ثيابه ، وقتل أطفاله وخلانه ، ولا لسحب الأرض من تحت أقدامه ، ولا تناهى ترتيب الأمور الى جمال يبهر النفوس ويجتذبها ، اذا ما وضع كل أمر في غير موضعه ، وذلك لأن للجمال بهاء ، لا يكتمل له ، الا بعودة كل أمر الى موضعه ، وما قام اللاعقل بتأسيس نظام ، الا وكان هو بعينه اللانظام قياسا على العقل ، ولا صفا للصفاء صفاؤه ، اذا ما دارت غيمة سوداء في سمائه ، أو حط غبار على خده ، ولا نبت وهم في حقيقة ، ولا تخرجت حقيقة من كذب ، ولا أقال الكذب صاحب الحق من حقه ، ولا استولد الكذب حقا، لمن هو ليس من أهله ، ولا ارتقى الكذب بحال ، الى حال ليس من حاله .
تراب الصفاء صفاء ، وصفاء التراب تراب . لا يمكنه عابر سبيل أن يبدل ، في هوية تراب ، فهوية التراب تراب ، فلا يصح تعريف ترابي ، من دون أن يقال فيه ، بأنه هو ذاتي .
ذات القدس ذاتي ..أمي ، أبي ، جدي ، جدتي ، دمائي ، لحمي وعظامي ، في مجرى الزمان .
لست طارئا على ذاتي ، ولا مرت أو تمر ذاتي ، في سماء ذاتي ، كما يمر السحاب ، ولا ضاقت ذاتي بذاتي ، ولا تمنت ذاتي ، أن تخرج من ذاتي .
هي أنا ، حتى لو لم أجد حفنة من تراب ، أقف عليها ، في طريق عودتي الى ذاتي .
فمن أول ما جرت ، في ربوع القدس حياة ، وأنا في فيافيها ، أشرب من ضرعها ، حليب الحياة .
فأنا بذرة الحياة الأولى ، أول من شرب من ماء عيونها ، وأول من ملأ أنفاسه من هوائها ، ومتع ناظريه بنجوم سمائها ، وأوقد نارا وشوى اللحم ، وطبخ وعجن ، ورعى الخراف والماعز والأبقار ، وساس الخيل فيها ، وأول من سلك الماء في بساتينها ، وجمع حجارتها ، ورفع مأوى لحياة الانسان ، وأول من صلى ورفع بناء لعبادة خالق الخلق فيها .
أنفاسي في أحشاء روائعها ، ما تزال تحكي حكاياتي ، وتقص قصة ابداعي .
ابتسامتها من طين ابتساماتي ، وأناتها تتكلم بآهاتي ، وما حزنها سوى أحزان ، تموج ما بين أقطاري .
فهي يبوس ، أورسالم ( مدينة سالم ) ، القدس ، الاسم الذي رسمته ، أبدعته ، فعرفته الدنيا من لساني .
هي عين الوجود ، وماء الهوية ، وراسم اتجاه الحرص على الذات . هي البدايات والنهايات في تاريخ عروبة ، ما استتب لها أمن ، في كل وقت ، كانت القدس فيه تئن من الآلام .
ما كنت وهما ولا سرابا ، ولا ريشة ، في جناح طير يفر ، من مناخ الى مناخ . ولا كنت نباتا في قوارة ، تباع في الأسواق ، لتذبل في وقت ، من الأوقات في الشرفات . ولا أرقت دما من أجل قروش ، أو كساء أو طعام تلوكه عضلات قلبي ، فتستعيد به بعض الدماء ، ولا خطر على بالي يوما ، أن أحمل عصاي ، وأشق بها فرح الآخرين ، حين كانوا نياما ، أو في شواغلهم ، أو في حفل عرس أو ميلاد . ولا استوى لي ضمير ، على راحة ، كلما وقعت عيناي ، على مرارة تموج ، في وجه انسان . ولا عربدت قوة بيدي ، ولا أفرغني غرور ، من عدل ومن حياء .
حكايتي في الزمان ، عدل سابح في مجرى الحياة ، وما ارتخى لي عود ، في أحلك ظرف ، مررت به تحت السماء . وما انفرط لي عقد محبة ، ولا تخللني شك ، في وجوب استواء العدل ، على مشارب الحياة .
لو كنت وهما ما ضجت آهاتي ، ولا ضمني ألم ، ولا سبحت النار في أحشائي ، ولا تناهت الى مسامع الدنيا أناتي ..
أضعت في مرحلة من الزمان نفسي ، وتلك كانت فرصة الغرباء ، للرقص على جراحي .
تلك أسوار القدس ، وروائع التاريخ تساورها ، تحكي قصة العقل الفاعل والابداع ، وتقول بأن العقل ، حين كان فاعلا ، فلم يبزه أحد ، في دنيا الأنام ، وبأن جفون القدس ما تشققت ، ولا التراب بكى على التراب ، الا بعد أن تم اقصاء العقل ، عن ارتياده صنعة الابداع .
لن تجف الدموع ، وتعلو البشاشة أسوار القدس ، وتضحك باحات الأقصى ، اذا لم يحترف العقل ، صنعة الحرية في صيرورتها ، في الزمان ، ولن تطل اشراقة ابتسامة ، على مداخل الأقصى ، من تأقلم وتخندق في أسوار الحصار والانتظار .
يعود العقل بعد اقصاء له عن دوره . يعود الى ابداعاته ، ويتربع سيدا لكل ابداع . وتعود ابتسامة القدس ، زغرودة النهار ، على لسان البشارة ، بزوال الحصار والانتظار ، من جغرافية مواطىء أقدام الانبياء .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف