الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تلميذي .. مريض بالقلب !!بقلم : أمير شفيق حسانين

تاريخ النشر : 2017-07-20
تلميذي .. مريض بالقلب !!بقلم : أمير شفيق حسانين
تلميذي .. مريض بالقلب !!

بقلم : أمير شفيق حسانين

" سلمان " طفل هادئ الطباع ، لا تظهر عليه علامات الشغب أو الشقاوة ، مِثل كثير من أقرانه ، ودائماً ما يتحلي بالمظهر الأنيق ، وكنت أُلاحظ كثرة غياب سلمان عن المدرسة ، فأجد مقعده داخل الفصل فارغاً معظم أيام الأسبوع ، حتي أصبح إسمه يتصدر أسماء الغائبين يومياً عن الحضور المدرسي ، مما دفعني بدوري كمُعلم أن أسأل والدته عن سر شبه الغياب الدائم ، لطفلها ، وهو لا يزال في الصف الثاني الإبتدائي .

وذات مرة إلتقيت والدة سلمان داخل الحرم المدرسي، وسألتني عن مستوي طفلها العلمي، رغم أنها تعي جيداً أن كثرة إنقطاعه عن المدرسة ، آثَر سلبياً علي تحصيله للمعلومات، وأفقده القدرة علي التفوق ، لعدم تلقِيه مُعظم الدروس مثل زملائه المنتظمين في حضورهم للمدرسة .

وعندما صارحت الأُم بذلك ، ، بدَت الأم علي حالة من الحزن والقلق الشديدين ، وأخبرتني بأن فلذة كبدها يغيب مُضطراً عن مدرسته وزملائه ، لأنه يُعاني من أمراض القلب ، وقد أجري عملية قلب مفتوح منذ فترة قليلة ، رغم أنه عمره لا يتعدي السبع سنوات .. بل ربما أنه لم يحضر للمدرسة طوال العام الدراسي الماضي ، بسبب معاناته مع أوجاع المرض الذي إعتدي علي قلبه ، غير آسفه علي ما فاته من تعليم ، بقدر ما شعرت به الأسرة من إرتياح وطمأنينة أن كُتِبَ لنجلهم عمر جديد ، وما شغلهم سوي سلامته .. وسعادته !!

وبعد حديث الأم عن قُرة عينها ، قُمت وتوجهت للفصل وأوصيت زملاء سلمان بالفصل ، بأن يُعاملوه بالحُسني ، ولم أُخبرهم عن ظروف مرضه ، حتي لا أجرح مشاعره ، فيشعر بنقص أو يُصاب بحزن ، وكنت أُوصي التلاميذ محذراً : " يا أولادي .. لا تمزحوا مع سلمان بأيديكم ، ولا تستغلوا هدوءه فتضايقوه ، فتثيروا غضبه " ، وكنت أَنصح سلمان :" يا بُني ..لا تسبق زملائك بالخروج من باب الفصل ، ولا تكُن في مُقدمتهم  ، إذا ما دقَ جرس الفسحة أو جرس الإنصراف ، فيتدافعوا عليك جماعات ومجموعات ، فيدهسوك أو يُوكزوك بأيديهم وأرجلهم في زحمة الخروج بلا قصد ، فيُصيبك الأذي " ، كنت في حالة عطف وشفقة من لعنات مرض ، يضجر منه الكبير ، فما بالكم وقد أصاب طفل صغير .

وذات مرة ، وبينما أن داخل فصلي ، وأشرح درسي ، فإذا بباب الفصل يُفتح فجأة وبقوة ، ويدخل سلمان ، حاملاً حقيبته المدرسية الثقيلة علي ظهره ، وهو في حال من الإعياء ، ويمسك قلبه المريض بيديه ، وكان يأخذ أنفاساً طويلة من الشهيق والزفير، ويظهر عليه آثار جهد ولغوب ..

 بادرت سلمان بحديثي " إهدئ يا بُني ، وإجلس في مقعدك ، ثم أخبرني ماذا بك ؟!" ، وبعدما هَدَئ سلمان أخبرني بأنه ظل يجري ، بعدما دخل من بوابة المدرسة ، حتي لا يمسك به مدير المدرسة ، الذي كان يُلاحقه ويُطارده بخطواته السريعة وصوته الصارخ ، ليُخوفه ويقذف بالرعب في قلبه العليل ، فتُصيبه الرهبة والفزع ،

 فلا يجرؤ علي  التأخير عن الطابور المدرسي مرة أخري !!

 رَبتت علي كتف سلمان ، وجعلت أبتسم في وجهه الذي أصابه العَرق والخوف الدفين ، ورأيته يحاول أن يصطنع الإبتسامة ، حياءً وحرجاً من ضحكات زملائه عليه .

كانت عيناي تحرُس سلمان دائماً ، مِن مزاح مَن يجلسون بجواره يميناً ويساراً ، وكنت اُراقبه فأستحسه فاقد للتركيز ، شارد الذهن والفِكر، وقد حوَله المرض إلي شخص هائم ، شِبه نائم ، كأنه في حالة سُكر وخمول، وربما كان سبب تلك الحالة التي هو عليها من التأثير الشرس للمرض وجُرعات الدواء الأليم ، ولذا كنت أنهر من يحاول إستفزازه ، مستغلاً سكونه ومسالمته وقلة عافيته ..

 وعندما كنت أسمع " كُحة " سلمان الشديدة ، كنت أتنهد حزيناً ، من المرض الذي يُلاحقه ويتشبث بقلب ذلك الطفل الصغير ، الذي يعيش مرحلة مرضية في سن مبكرة، وقد حُرِم من شقاوة الطفولة أواللعب مع صُحبته ، أو كثرة الضحك إلا بحذر !!

كنت مشغولاً آسفاً علي قلب الطفل ، الذي لا يتحمل جهداً ولا جرياً ، فيكفيه ما به من مرض ووهن جعلاه صاحب هموم مزمنة ، وأدوية وجلسات علاج ليلاً ونهاراً ، فكنت عندما أُبصره وهو يكُح ، أُشاهده يفتح فمه علي آخره ، ويمسك قلبه وصدره بيديه الصغيرتين ، حتي أنني كنت أشعر بأن روحه قد وصلت إلي حلقومه ، وأوشكت أن تفيض لبارئها ، ورغم آلامه ، كنت أجده مُبتسماً ، يحمد الله ،عندما أتحدث إليه وأدعو له أو أُواسيه ببسيط الكلمات التي تُفرحه ، فكنت أفرح لفَرَحه ، ذلك المسكين الذي لم يفقده مرضه بشاشة وجهه .

كنت مُندهشاً من إدارة المدرسة ، التي تستعين بطبيب مسالك بولية ، بعد بلوغة سن المعاش ، ليُتابع الصحة العامة للتلاميذ ، ولكن كيف له أن يتابع تلميذاً مثل سلمان ، يعاني أمراض القلب ، ويحتاج لمتخصص ماهر كي يُتابعه .  وكان عجبي أكبر أن مثل هذا الطفل المريض ، يُفترض أنه حالة مرضية خاصة ، أي لا بُد له من مُرافق " كمُمرض مثلاً " ، ليُتابع حالته الصحية جيداً ، إذ ربما تُداهمه أي أزمة قلبية مُفاجئة ، ثم لم يكن برفقة سلمان هاتف محمول للإتصال بأسرته إذا شعر بأية وعكات صحية ، وكنت أود أن يوضع في فصل خاص به ، بعيداً عن المشاغبين وذوي الصرخات العالية، حتي يتوفر له بيئة من الهدوء والراحة .

كان عجبي أكبر ، من تكليف وزارة الصحة لممرضة بالتواجد الدائم  داخل المدرسة ، لتُتابع صحة التلاميذ ، ولم يكن لدي هذه المُمرضة ، أي فتاوي علاجية للتلاميذ المرضي ، سوي " النُصح بالإفطار ، دون فحصها الجيد للمريض ، وكيف لها أن تفحصهم أصلاً ، وهي ليست طبيبة ، ولذا لم يكن لها أن تُتابع قلب سلمان المريض ، إلا أنني وجدت نفسي أتحدث عن المستحيل في وطن غلبت فوضاه علي أصوله !!

مسكين قلب سلمان ، فلقد أصابه البأس واليأس، ولعل ما به من مرض ، يحمل أوجاعه وآهاته قريباً ، ويرحل من قلب الصغير ، فيموت المرض ، ويتعافي سلمان ، ويسعد قلبُه وقلب والدته .

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف