"حين يلامسها الهواء"
تشعر بنعاس خفيف. لم تتمكن البارحة من النوم. راقبت النجوم بفرح. تحب النجوم منذ صغرها. تحب هذا الضوء الذهبي الناعم الخفيف المبعثر، الذي لا وجهة لديه. يغمرها الضوء منذ الصباح، تستيقظ على ضوء واسع، كبير. لم تشعر بشدة الضوء منذ زمن. يغمرها الضوء في جميع الاتجاهات، وكأن الحياة اتسعت. تشعر، وكأن الضوء يزيح حدود الحياة فتصبح فسيحة أكثر. يتسرّب شعاع ضوء من النافذة، يلامس وجهها، تبتسم في سرّها وتضحك. تضحك اليوم كثيراً، وكأن الضوء لفّها، فابتعدت عن تفاصيل يومية رتيبة. لم تسمع صوته حتى الآن، ولم يتصل. تخترع انتظاراً ما. نخترع جميعا انتظاراتٍ ما. ستحدثه عن الضوء، ستقول له إن شعاعاً تسرّب من خلف النافذة ولامس وجهها، وإنّها تكتب في انتظار أن يتّصل. كان نهاراً ماطراً، في مدينة بعيدة وغريبة. توقفت واشترت بطاقة بريدية جميلة. احتفظت بالبطاقة أشهرا عدة في الدرج. لم تتفقد البطاقة منذ فترة، وأدركت اليوم أنّها له. كان نهارا مشمساً، على شاطئ بحري جميل. كانت وحدها. لم ترتم في البحر، بل مشت حافية القدمين فوق الرمل الساخن. كان هناك بضعة أشخاص يتشمسون، أو يسبحون، أو يقرأون، أو يتحدثون. وكانت وحيدة. لملمت بهدوء صامت أصدافاً صغيرة. حملتها في حقيبتها، وعادت بها إلى ديارها. دارت بها أحياء وشوارع، وبعثرتها في حقيبتها كأنها تخترع قصة لها، قصة جميلة. تذكرت حين رأت محفظة بيضاء صغيرة، أنها تناسب الأصداف. وضعت الأصداف في المحفظة، وخبأتها في الدرج. في كل مرة، تفتح الدرج، تشعر بحزن ناعم، بحزنٍ حكيم. كأن تخاف على أصدافها في أن تبقى في الدرج. تموت الأصداف في الدرج، وتنتهي القصة. كانت ترغب في نهاية أخرى لقصتها، وأدركت اليوم أن الأصداف له. لم تتقن يوماً فن الانتظار. لم تتعلّم يوماً كيف ينتظر الأشخاص الحياة، كأن تمرّ بهم، وهم ينتظرون. كانت تحاول، وعلى قناعتها البريئة العنيدة، أن تخترع قصة، والقصة حياة. لا تعرف ربما، متى ظنت أنه يمكن لها تلوين اللحظات. كانت في كل مرّة تحاول أن تمسك بلحظة وتلوّنها، ظنّاً منها أنها تخترع لحظة، فقصة، فحياة، غير أنّها لم تدرك حتى الآن أن الحياة ليست اختراعاً، ولا يمكن الإمساك باللحظات. سينتظر المارُّون القطار، وهم ينتظرون، سيضحكون، ويبتسمون، ويأكلون، ويشربون، ويبكون، وسينتظرون أن تمر الحياة بهم، وحين تمرّ سيفرحون، وسيعيدون الانتظار. لم تتقن يوما فنّ الانتظار، كانت ربما أصغر من أن تنتظر. لم تكبر كفاية حتى تنتظر. حين تنتظر أمراً ما، تشعر بقلق شديد، وتفقد القدرة على التركيز وتخاف. لم تتعلم كيف ينتظر الأشخاص أمراً ما وهم يبتسمون. كأن ينامون في الهواء الخفيف، وينتظرون. حين يلامس هواء بارد لطيف جسدها، تتوقف عن الانتظار. تشعر وكأنّ الهواء يزيل عن جسدها الخوف من الانتظار. تشعر وكأن الهواء لطيف، ناعم، يدرك أنّها تقلق، وأنّها تتوتّر، وأنّها لم تتقن يوماً فنّ الانتظار. ستنام في هذه اللحظة، وسيمرّ الهواء بها، فوق جسدها، سيهمس لها أنّ الضوء واسع وكبير، وأن سماء الليل ملبّدة بالنجوم، وأن لا ريب في أنّها لم تتقن فن الانتظار، وأنّها ما زالت تخترع قصصاً، وتحاول الإمساك باللحظات وتلوينها. ماذا يفعل الأطفال حين يلوّنون البيوت، والشبابيك، وحين يلونون الوجوه والشفاه، وأغصان الشجر، والأضواء التي تتدلى في وسط البيوت. هم يخترعون القصة، ويلوّنون اللحظة، ثم يغطون وينامون.
خولة الوريدي
تشعر بنعاس خفيف. لم تتمكن البارحة من النوم. راقبت النجوم بفرح. تحب النجوم منذ صغرها. تحب هذا الضوء الذهبي الناعم الخفيف المبعثر، الذي لا وجهة لديه. يغمرها الضوء منذ الصباح، تستيقظ على ضوء واسع، كبير. لم تشعر بشدة الضوء منذ زمن. يغمرها الضوء في جميع الاتجاهات، وكأن الحياة اتسعت. تشعر، وكأن الضوء يزيح حدود الحياة فتصبح فسيحة أكثر. يتسرّب شعاع ضوء من النافذة، يلامس وجهها، تبتسم في سرّها وتضحك. تضحك اليوم كثيراً، وكأن الضوء لفّها، فابتعدت عن تفاصيل يومية رتيبة. لم تسمع صوته حتى الآن، ولم يتصل. تخترع انتظاراً ما. نخترع جميعا انتظاراتٍ ما. ستحدثه عن الضوء، ستقول له إن شعاعاً تسرّب من خلف النافذة ولامس وجهها، وإنّها تكتب في انتظار أن يتّصل. كان نهاراً ماطراً، في مدينة بعيدة وغريبة. توقفت واشترت بطاقة بريدية جميلة. احتفظت بالبطاقة أشهرا عدة في الدرج. لم تتفقد البطاقة منذ فترة، وأدركت اليوم أنّها له. كان نهارا مشمساً، على شاطئ بحري جميل. كانت وحدها. لم ترتم في البحر، بل مشت حافية القدمين فوق الرمل الساخن. كان هناك بضعة أشخاص يتشمسون، أو يسبحون، أو يقرأون، أو يتحدثون. وكانت وحيدة. لملمت بهدوء صامت أصدافاً صغيرة. حملتها في حقيبتها، وعادت بها إلى ديارها. دارت بها أحياء وشوارع، وبعثرتها في حقيبتها كأنها تخترع قصة لها، قصة جميلة. تذكرت حين رأت محفظة بيضاء صغيرة، أنها تناسب الأصداف. وضعت الأصداف في المحفظة، وخبأتها في الدرج. في كل مرة، تفتح الدرج، تشعر بحزن ناعم، بحزنٍ حكيم. كأن تخاف على أصدافها في أن تبقى في الدرج. تموت الأصداف في الدرج، وتنتهي القصة. كانت ترغب في نهاية أخرى لقصتها، وأدركت اليوم أن الأصداف له. لم تتقن يوماً فن الانتظار. لم تتعلّم يوماً كيف ينتظر الأشخاص الحياة، كأن تمرّ بهم، وهم ينتظرون. كانت تحاول، وعلى قناعتها البريئة العنيدة، أن تخترع قصة، والقصة حياة. لا تعرف ربما، متى ظنت أنه يمكن لها تلوين اللحظات. كانت في كل مرّة تحاول أن تمسك بلحظة وتلوّنها، ظنّاً منها أنها تخترع لحظة، فقصة، فحياة، غير أنّها لم تدرك حتى الآن أن الحياة ليست اختراعاً، ولا يمكن الإمساك باللحظات. سينتظر المارُّون القطار، وهم ينتظرون، سيضحكون، ويبتسمون، ويأكلون، ويشربون، ويبكون، وسينتظرون أن تمر الحياة بهم، وحين تمرّ سيفرحون، وسيعيدون الانتظار. لم تتقن يوما فنّ الانتظار، كانت ربما أصغر من أن تنتظر. لم تكبر كفاية حتى تنتظر. حين تنتظر أمراً ما، تشعر بقلق شديد، وتفقد القدرة على التركيز وتخاف. لم تتعلم كيف ينتظر الأشخاص أمراً ما وهم يبتسمون. كأن ينامون في الهواء الخفيف، وينتظرون. حين يلامس هواء بارد لطيف جسدها، تتوقف عن الانتظار. تشعر وكأنّ الهواء يزيل عن جسدها الخوف من الانتظار. تشعر وكأن الهواء لطيف، ناعم، يدرك أنّها تقلق، وأنّها تتوتّر، وأنّها لم تتقن يوماً فنّ الانتظار. ستنام في هذه اللحظة، وسيمرّ الهواء بها، فوق جسدها، سيهمس لها أنّ الضوء واسع وكبير، وأن سماء الليل ملبّدة بالنجوم، وأن لا ريب في أنّها لم تتقن فن الانتظار، وأنّها ما زالت تخترع قصصاً، وتحاول الإمساك باللحظات وتلوينها. ماذا يفعل الأطفال حين يلوّنون البيوت، والشبابيك، وحين يلونون الوجوه والشفاه، وأغصان الشجر، والأضواء التي تتدلى في وسط البيوت. هم يخترعون القصة، ويلوّنون اللحظة، ثم يغطون وينامون.
خولة الوريدي