ألماً أعيش..
جلس الراوي على عادته ، وسط جمع ليس بالقليل مِمَنْ أدمنوا سماع ما يرويه هذا الراوي ، قبل أن ينظر في وجوه الحاضرين ويقول :
لا تعجبوا إن قلت لكم أنني لا أقوى على التفوه بأي كلمة ، فقد هربت الكلمات من على لساني ، ونفذ عمري وأنا أستميل قلوبكم بما أرويه لكم ولكن..
ثم صمت لحظة راح خلالها ينظر في وجوه الحاضرين قبل أن يستطرد :
اعذروني اليوم إن طلبت منكم أن أكون واحداً منكم ، أبكي لما تبكون ، وأحزن لما تحزنون ، وأتلهف على ما تتلهفون.
فرد عليه أحد الجالسين:
ولكن يا أيها الراوي ، لقد استهوانا حديثك ، واستصاغت آذاننا نبرات صوتك ، ونبضت قلوبنا بصدق تعابيرك ، فمن يا ترى سيصنع صنيعك؟؟.
ابتسم الراوي ابتسامة باهتة قبل أن يقول:
إن الذي سيروي لكم اليوم ، سيروي لكم بإحساسه وعمق تجربته ، وسيتكلم بلسان الألم والمعاناة ، ولا تتعجلوا الحكم عليه ، أو بمعنى أصح عليها ، كل ما عليكم هو أن تحسنوا الاستماع ، ولكم الخيار بعد إذن..
أومأ الجميع برؤوسهم دلالة على الموافقة ، قبل أن تبدأ الراوية في الحديث:
في البداية .. لا تعجبوا إن قلت لكم أنني رويت مأساتي لكثيرين قبلكم ، وبعدما كنت أنتهي من حديثي يصبحون كالأصنام ، لا يقوون على الحديث أو حتى أن يحركوا ساكناً ، ولا أعرف إن كان ما يحدث لهم من هول ما سمعوا أم من ضجرهم من حديثي ، ولكنني عقدت العزم على أن أظل أتحدث وأتكلم حتى يبعث الله لي من يلبي ندائي..
ثم صمتت لحظة حاولت خلالها استقراء عقول الحاضرين قبل أن تستطرد:
لقد كنتُ واحدة من التي باركها الله ، ومنحها حسناً وجمالاً وشرفاً ، وفي حضني ترعرع جل الأنبياء ، ومن على أرضي أعرج بالنبي محمد إلى السماء ، فزادني ذلك عظمةً وكبرياء ، وقصدني الناس من شتى الأرجاء ، منهم من جاء ضيفاً يبغي الشرف والعلياء ، ومنهم من غزاني باغياً ، ولجمالي وحسبي ونسبي حاول اغتصابي العديد من الغزاة ، فالرومان حاولي اغتصابي ، والصليبيون كادوا أن يفلحوا في تغيير ملامحي ، لولا ذلك الفارس المغوار الذي ما ارتضى أن يراني ذليلة وهو على قيد الحياة ، فخلصني من أغلال الأسر ورفع لواء الإسلام فوق جبهتي ، ليعلن ميلادي من جديد ، ثم طمع الكثيرون في الاستحواذ علي ، وكان آخرهم جرثومة العصر ، الصهاينة الإسرائيليون الذي استباحوا حرمة مساجدي ، ودمروا كل معالم هويتي ، دون أن أجد من ينقذني من مصيبتي ، استنجدت بجيراني من العرب فلباني صدى صوتي آسفاً ، استنجدت بأبنائي فبذلوا كل رخيص وغالي ، استنجدت بمآذني فظلت تكبر عسى الله يبعث من يأسى لقصتي ، ولكن دون مجيب ينشد نصرتي..
قاطعها أحد الجالسين:
ولِمَ حتى هذه اللحظة أنتي على المر تصبري ؟ مادام الجميع قد تخلى عنك ، وأنت بألمٍ تعيشي وتتحسري؟.
ردت عليه الراوية بفخر:
لقد صبرت على الظلم منذ مولدي ، وكنت في كل مرة أجد من يهب لنصرتي ، وأنا صابرة إلى آخر نفس يحرك مهجتي ، ربما تأخر موعدي مع ذاك الفارس ولكني على العهد الذي عاهدته إياه أقوى وأنتشي.
سألها أحد الجالسين بحيرة:
ولكن ربما مات ذلك الفارس دون أن تعلمي ، فتعيشي على وهم سيقضي على كل أمل في صدرك ينتشي.؟
تبسمت الراوية وهي تقول:
حتى لو مات ذلك الفارس فقد أنجب في أحشائي ألف فارس وفارس ، فأبنائي كل يوم يضحون بدمائهم ، وبيوتهم ، وصغارهم ، من أجلي ومن أجل مسجدي..
سألها أحد الحاضرين:
ومَنْ هم أبناؤك أيتها الراوية؟
أجابت الراوية بفخر:
إنهم أبناء فلسطين.. أبناء التضحية والفداء ، أبناء البطولة والإباء ، كلهم هبوا لما سمعوا النداء..
سألها أحد الحاضرين متعجباً:
ومَنْ أنتِ أيتها الراوية حتى يلبوا لك النداء ، ويبذلون كل ما عندهم بلا أجر بعدما تخلى عنك كل الأصدقاء؟
أجابت الراوية بفخر:
أنا مدينة القدس.. مدينة القدس التي أحتضن بداخلي أفضل المساجد ، أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، مسرى محمد .. أنا التي أحتضن في أحشائي أطهر شعب ، وأشرف شعب ، أنا من أنجب أبناء العروبة بحق ، وكذب أولئك الذين ادعوا أنهم من عائلتي ، أولئك الذين لوثوا ثوب العروبة بانسياقهم نحو دائرة الخيانة .. أنا التي أعيش ألماً كل صباح ومساء ، ولكني استمد عزيمتي من صمود أبنائي في وجه عدوهم الغاصب ، صارخين في وجه الظلم ، وهذا يجعل الأمل في صدري يكبر ويكبر.. وسأظل صامدةً مادام أبنائي صامدين في جبروت الطغيان.. إلى أن يأذن الله بنصر مبين من عنده..
***
جلس الراوي على عادته ، وسط جمع ليس بالقليل مِمَنْ أدمنوا سماع ما يرويه هذا الراوي ، قبل أن ينظر في وجوه الحاضرين ويقول :
لا تعجبوا إن قلت لكم أنني لا أقوى على التفوه بأي كلمة ، فقد هربت الكلمات من على لساني ، ونفذ عمري وأنا أستميل قلوبكم بما أرويه لكم ولكن..
ثم صمت لحظة راح خلالها ينظر في وجوه الحاضرين قبل أن يستطرد :
اعذروني اليوم إن طلبت منكم أن أكون واحداً منكم ، أبكي لما تبكون ، وأحزن لما تحزنون ، وأتلهف على ما تتلهفون.
فرد عليه أحد الجالسين:
ولكن يا أيها الراوي ، لقد استهوانا حديثك ، واستصاغت آذاننا نبرات صوتك ، ونبضت قلوبنا بصدق تعابيرك ، فمن يا ترى سيصنع صنيعك؟؟.
ابتسم الراوي ابتسامة باهتة قبل أن يقول:
إن الذي سيروي لكم اليوم ، سيروي لكم بإحساسه وعمق تجربته ، وسيتكلم بلسان الألم والمعاناة ، ولا تتعجلوا الحكم عليه ، أو بمعنى أصح عليها ، كل ما عليكم هو أن تحسنوا الاستماع ، ولكم الخيار بعد إذن..
أومأ الجميع برؤوسهم دلالة على الموافقة ، قبل أن تبدأ الراوية في الحديث:
في البداية .. لا تعجبوا إن قلت لكم أنني رويت مأساتي لكثيرين قبلكم ، وبعدما كنت أنتهي من حديثي يصبحون كالأصنام ، لا يقوون على الحديث أو حتى أن يحركوا ساكناً ، ولا أعرف إن كان ما يحدث لهم من هول ما سمعوا أم من ضجرهم من حديثي ، ولكنني عقدت العزم على أن أظل أتحدث وأتكلم حتى يبعث الله لي من يلبي ندائي..
ثم صمتت لحظة حاولت خلالها استقراء عقول الحاضرين قبل أن تستطرد:
لقد كنتُ واحدة من التي باركها الله ، ومنحها حسناً وجمالاً وشرفاً ، وفي حضني ترعرع جل الأنبياء ، ومن على أرضي أعرج بالنبي محمد إلى السماء ، فزادني ذلك عظمةً وكبرياء ، وقصدني الناس من شتى الأرجاء ، منهم من جاء ضيفاً يبغي الشرف والعلياء ، ومنهم من غزاني باغياً ، ولجمالي وحسبي ونسبي حاول اغتصابي العديد من الغزاة ، فالرومان حاولي اغتصابي ، والصليبيون كادوا أن يفلحوا في تغيير ملامحي ، لولا ذلك الفارس المغوار الذي ما ارتضى أن يراني ذليلة وهو على قيد الحياة ، فخلصني من أغلال الأسر ورفع لواء الإسلام فوق جبهتي ، ليعلن ميلادي من جديد ، ثم طمع الكثيرون في الاستحواذ علي ، وكان آخرهم جرثومة العصر ، الصهاينة الإسرائيليون الذي استباحوا حرمة مساجدي ، ودمروا كل معالم هويتي ، دون أن أجد من ينقذني من مصيبتي ، استنجدت بجيراني من العرب فلباني صدى صوتي آسفاً ، استنجدت بأبنائي فبذلوا كل رخيص وغالي ، استنجدت بمآذني فظلت تكبر عسى الله يبعث من يأسى لقصتي ، ولكن دون مجيب ينشد نصرتي..
قاطعها أحد الجالسين:
ولِمَ حتى هذه اللحظة أنتي على المر تصبري ؟ مادام الجميع قد تخلى عنك ، وأنت بألمٍ تعيشي وتتحسري؟.
ردت عليه الراوية بفخر:
لقد صبرت على الظلم منذ مولدي ، وكنت في كل مرة أجد من يهب لنصرتي ، وأنا صابرة إلى آخر نفس يحرك مهجتي ، ربما تأخر موعدي مع ذاك الفارس ولكني على العهد الذي عاهدته إياه أقوى وأنتشي.
سألها أحد الجالسين بحيرة:
ولكن ربما مات ذلك الفارس دون أن تعلمي ، فتعيشي على وهم سيقضي على كل أمل في صدرك ينتشي.؟
تبسمت الراوية وهي تقول:
حتى لو مات ذلك الفارس فقد أنجب في أحشائي ألف فارس وفارس ، فأبنائي كل يوم يضحون بدمائهم ، وبيوتهم ، وصغارهم ، من أجلي ومن أجل مسجدي..
سألها أحد الحاضرين:
ومَنْ هم أبناؤك أيتها الراوية؟
أجابت الراوية بفخر:
إنهم أبناء فلسطين.. أبناء التضحية والفداء ، أبناء البطولة والإباء ، كلهم هبوا لما سمعوا النداء..
سألها أحد الحاضرين متعجباً:
ومَنْ أنتِ أيتها الراوية حتى يلبوا لك النداء ، ويبذلون كل ما عندهم بلا أجر بعدما تخلى عنك كل الأصدقاء؟
أجابت الراوية بفخر:
أنا مدينة القدس.. مدينة القدس التي أحتضن بداخلي أفضل المساجد ، أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، مسرى محمد .. أنا التي أحتضن في أحشائي أطهر شعب ، وأشرف شعب ، أنا من أنجب أبناء العروبة بحق ، وكذب أولئك الذين ادعوا أنهم من عائلتي ، أولئك الذين لوثوا ثوب العروبة بانسياقهم نحو دائرة الخيانة .. أنا التي أعيش ألماً كل صباح ومساء ، ولكني استمد عزيمتي من صمود أبنائي في وجه عدوهم الغاصب ، صارخين في وجه الظلم ، وهذا يجعل الأمل في صدري يكبر ويكبر.. وسأظل صامدةً مادام أبنائي صامدين في جبروت الطغيان.. إلى أن يأذن الله بنصر مبين من عنده..
***