الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

العرب الذين يمكنهم أن يقولوا ( لا )بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2017-07-19
العرب الذين يمكنهم أن يقولوا ( لا )بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
العرب الذين يمكنهم أن يقولوا ( لا )

عادل بن مليح الأنصاري

جملة مرت أمام ناظريّ في "تويتر" , ذكرتني بمقال قديم لي أيام الصحافة الورقية وبالتحديدي في ( 6-8-1991 ) , وهي عن كتاب ياباني عنوانه ( اليابان التي يمكنها أن تقول لا ) , أتذكر أن العالم يومها مازال مترنحا من الحرب الباردة , وكانت المحاور كما نعرفها تقريبا اليوم ( روسيا وأمريكا ) , والعجيب أنه بالرغم من "سحر الجلاسنوست" ومن ثمّ " البروسترويكا" التي عصف قورباتشوف برياحها الاتحاد السوفيتي السابق وهو في قمة عنفوانه الخارجي على الأقل "وقد كنت شاهدا على الحدث وكتبت عنه عدة مقالات مازال بعضها عندي , جورباتشوف كان أشبه بالساحر الذي جمع تاريخ المارد السوفيتي بتاريخه العسكري المهيب ورجال "الدومة" الذي ترتعب لهم فرائص أعتى رجال السياسة في وقتهم , ذلك المارد الذي تقزمت أمامه دول العالم عدا قائدة النصف الآخر من العالم " أمريكا" , ففي حين غرة من التاريخ ومنطقه ومفاجآته , ألقى الكاهن جورباتشوف بتعويذته على ذلك الخليط من الرعب والمهابة , وكأنه استلهم روح سلفه الراهب الرهيب " راسبوتين " , ليلقيَ على ذلك المارد الجبار تعويذته الأولى ( الجلاسنوست) ثم وقبل أن يفيق قضى عليه بتعويذته الثانية ( البروسترويكا) , تعويذتان من الراهب الرهيب "جورباتشوف" وقضى على "حاكم الأولمب" الأوحد الاتحاد السوفيتي , كيف ؟ لا يمكن لأحد أن يعرف سر التعويذتان ربما إلا عجائز الدوما والذين "ربما" لم يبق منهم أحد ليرويَ تفاصيل تلك الحقبة الجورباتشوفية الغامضة , وتلك الأحداث ربما تحتاج لمقالات وبحث تاريخي عميق من أصحاب الاختصاص لنهاية محور تاريخي بكل سهولة وعلى يد رجل واحد هو زعيم ذلك المحور , فهل كان (جوربي) عميلا أمريكيا ؟ أو هل استطاع أن يقنع رجالات الدوما المرعبين أو ( اتحاد شركة الوحوش السوفيتية ) بكلمات سحرية فجعلهم يراقبون ويوافقون على انهيار حقبة تاريخية صنعوها بأفكار أجدادهم ودماء الشعوب والجمهوريات المحيطة بهم .
هل كان كارل ماركس ولينين وستالين يصدقون أن هذا الجورباتشوف سينهي أفكارهم وفلسفتهم وتخطيطهم وأن يهدر كل تلك الدماء والمذابح ومحو الدول واضطراب العالم بتعويذتين بسيطتين ؟
كانت فترة جورباتشوف فترة غامضة بالنسبة لنا كمتابعين في الشرق الأوسط بالشكل الدقيق , فكما أذكر أن الاتحاد السوفيتي كان أشبه بحصان طروادة ولكنه لا يخبئ الفرسان , بل كان يخبئ بوادر المرض والضعف والانهيار الاقتصادي والتفكك ومحاولات التحرر , وكان كالمريض الذي يدعي القوة والجبروت , وكان الغرب وعلى راسه أمريكا تشبه الجوارح التي تنتظر لهذا المارد أن يسقط لتنقض عليه تمزيقا والتهاما , ربما كان (جوربي) يدرك ذلك واستطاع بدهائه وبسحره أن يُقنع عجائز مجلس الدوما بتلك الأفكار , فبدأ بالتدرج في قتل ذلك العملاق الهرم القاسي المتعطش للدماء , فأقنعهم أنه لا بد من اعتماد سياسة ( الجلاسنوست ) وهي سياسة المكاشفة والانفتاح والاعتراف بمواطن الضعف وكيفية الخروج من حالة المرض الذي بدأ يتسلل لهامة الرجل السوفيتي الجبار, وبعد أن وضع مارده على طاولة الدوما وقام بتشريحه , وضع العلاج بوصفته الثانية وهي (البروسترويكا) أي إعادة البناء , وحدث بعدها ما حدث من دخول الراهب الرهيب جورباتشوف عبر بوابة التاريخ كآخر رئيس لما كان يُعرف بــ(الاتحاد السوفيتي العظيم) .
تلك المقدمة عن صورة العالم وقتها ضرورية للدخول لفكرة المقال , وهي باختصار , أن اليابان وقتها كانت بعكس ذلك المارد السوفيتي , فقد كانت رجلا مريضا منهكا يقبع تحت ذل تاريخي جراء قنبلتين نوويتين دفع ثمنهما ملايين القتلى والمشوهين ودمار لم تعرفه البشرية قط , كانت اليابان وقتها بقيادة عجائز الإمبراطورية العتيقة أشبه بالعبد القابع تحت أقدام سيده الأمريكي الذي اذاقه أهوالا لم تعرفها البشرية بسبب تجرئه على مهاجمة السيد الأعظم في "بيرل هاربر" , كانت اليابان رجلا هزيلا في خارجه يتوكأ على ثلة من عجائز النظام الامبراطوري القديم , ولكن في داخله كانت دماء الشباب تغلي , أولئك الذين لم يذوقوا ويلات القنبلتين ولم يروها إلا عبر الإعلام والوثائق , ولكنهم بعكس العجائز لم يكونوا يرونها بعين المستسلم الضعيف القانع بما قُسم له من إرادة سيده الأمريكي , بل بنظرة الشباب الثائر الرافض لتلك النتيجة الباحث عن فرصة للانتقام الثأر لكرامة "الكاميكازي" الشرقي الشجاع من ذلك "الكاوبوي" الجبان الذي هزمهم عن بعد وبلا مقابلة الفارس للفارس والند للند والرجل للرجل بل بمعادلة فيزيائية بسيطة مرغت أعناقهم في وحل ابناء العم سام .
كانت اليابان على العكس من الاتحاد السوفيتي رجل مريض في داخله عملاق جبار يتحين الفرصة للانتفاض والقيام بدوره العالمي رغما عن "كفيله" الغربي الذي يترنح من زئيره عجائز القصر الامبراطوري , فالروح اليابانية المتنامية لم تعد تتذكر " قصة المدينتين " , ربما انشغل أبناء العم سام عن مراقبة وولادة (العاصفة الصفراء) من تلك الجزر القابعة تحت كثبان الخيبة والهزيمة الاستسلام والعجز , لقد كان المارد الأصفر وبكل هدوء وصمت يرسم ملامح جديدة للمستقبل لم يتنبه لها عمالقة الغرب , وبدأت الصناعات اليابانية تُبعث من تحت رماد الهزيمة , وبدأ الياباني يهدد مستقبل العالم الصناعي برقائقه وحاسباته وبكل أنواع الصناعة الحديثة , وخلال سنوات سريعة لم تستطع عين "الكفيل" أن تتابعها فرضت اليابان عواصفها الصفراء حتى على عواصم الغرب المنتصر .
وضع الجيل الجديد من اليابانيين بناء على تلك الروح الجديدة كلمتهم في كتاب عنوانه ( اليابان التي يمكنها أن تقول لا ) , ولقيَ الكتاب رواجا كبيرا بين فئة الشباب , شباب ما بعد هيروشيما وناجازاكي , وقد كانوا محقين تماما , فخلال ما يقرب من 40 سنة اجتاحت الصناعات اليابانية كل بيت على وجه هذه الكرة الأرضية , حتى منازل العم سام غصت بشتى أنواع المنتجات القادمة من جزر الهزيمة والتبعية المطلقة .
لقد بُعث المارد الأصفر من غبار هيروشيما وناجازاكي كما العنقاء , وانتصر على قاهره واستعبده بلا سلاح ولا قنابل , وصار حاضرا حتى بين الرجل وزوجته في بلاد العم سام المنتصر .
وهنا أسجل كلمات شاهد على جزء من تلك الفترة , فبعد حرب تحرير الكويت , عادت الروح المسيطرة والمغرورة لأبناء العم سام , وكأن انتصارهم على صدام يوجّه إشارات لذلك العملاق الأصفر الذي تمكن من مفاصل الاقتصاد الأمريكي , وأصبحت عملته "الين" التي تناست مآسي هيروشيما وناجزاكي تنافس عملتهم الأعظم الدولار , ولم يكن الأمريكيين يرضون عن تلك النظرة الجديدة المتعالية التي راح " الأقزام الصفر " يوجهونها لسيدهم القوي , عدا مطاردة المنتجات اليابانية لهم في كل مكان على أرضهم العظيمة , واستغل أبناء العم سام تلك الفرصة التاريخية حيث عين العاصفة تحتويهم , فهم هنا يذكرون المارد الأصفر بقوتهم مرة أخرى ويعيدون لأذهانهم الجبارة ذكريات بيرل هاربر وهيروشيما ونجازاكي , وكأن النتيجة المرجوة والأخاذة من ذلك الانتصار هو فقط توجيه رسالة لذلك العملاق الصفر الذي استطاع ومازال يركز احتلاله لحياة الأمريكيين من جهاز المحمول وحتى صحن الطعام .
عندها تفجر الكبرياء الأمريكي وصدر كتاب عنوانه (الحرب القادمة مع اليابان) , وقد لقيَ رواجا كبيرا وقت صدوره بسبب الهزيمة النفسية للأمريكيين من تفوق المهزوم السابق عليهم وتغلغله في مفاصل حياتهم اليومية , فلم يكن ذلك الرواج ونشوة النصر لصدور ذلك الكتاب إلا من باب مواساة النفس أمام لا أكثر ولا أقل .
ولكي لا نبتعد كثيرا عن المضمون , كان كتاب اليابانيين ( اليابان التي يمكنها أن تقول لا ) عبارة عن كلمات وحروف خرجت لواقع الحياة , واستطاعت اليابان أن تقول ( لا ) للهزيمة والخنوع والتواري خلف عثرات التاريخ , واستطاعت أن تحتل المحتل بتفوقها الصناعي والاقتصادي وحتى الثقافي , فاليابان كما نعرف لم تتخلّ عن ثقافتها ومكوناتها الحضارية رغم هزيمتها الكارثية بعد القنبلتين , أما كتاب الأمريكيين ( الحرب القادمة مع اليابان) فمنذ صدوره وحتى اليوم أي ما يقارب " ستة وعشرون عاما " , لم تستطع أمريكا أن تهزم حتى ( شركة سوني ) وليس اليابان بعباقرتها الذين لا يكلّون ولا يملّون من تقديم العلم والتطور بذات القوة التي دمرت مدينتيهم .
وأخير ,,
تلك هي اليابان التي قالت ( لا ) , وتلك هي أمريكا التي هزمتها ثم هُزمت منها .

فمتى يقول العرب ( لا ) ؟
ربما نحتاج لعدة قنابل نووية ( لا قدر الله ) حتى نُفيق , ولكن لو مُنحنا تلك الفرصة , كيف سيكون العالم بعد إفاقتنا ؟
وما هي كلمة اليابان ثم الصين ثم كوريا ومن ورائهم العالم بأجمعه , لا شك عندي أننا سنفيق ونحن نمتلك الكرة الأرضية بجبالها ومحيطاتها وصحاريها وما تبقى من مدنها , لأن العالم الذي نعرفه سيكون قد انتقل لكواكب وعوالم أخرى ربما أكبر وأجمل وأنظف وأرقى من كوكبنا المرهق هذا , عنده سنعيد قصة ( قابيل وهابيل ) من جديد , ونبحث عن غراب ( اصفر ) هذه المرة , ليعلمنا بسوآتنا .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف