الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كفار قريش وسفهاء الفضائيات بقلم عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2017-07-10
كفار قريش وسفهاء الفضائيات بقلم عادل بن مليح الأنصاري
كفار قريش وسفهاء الفضائيات

( لعادل بن مليح النصاري )

ابتلينا في عصر العولمة بمصيبة لا بد منها اسمها ( تويتر ) وهي ليست مصيبة في ذاتها ولكن كونها مطية يعتليها المثقف , والجاهل , والأخرق , والحاقد , والرويبضة وهي ساحة عامة لن تستطيع أن تضع عليها لوحة ( ممنوع الدخول للحمقى ) , تحاول جاهدا أن تتغاضى عن حماقاتهم ولكن كثرتها كزبالة المدن الكئيبة , لا بد من أن تجدها هنا أو هناك , وربما أقذرها هي "نهيق" بعض مدعي الثقافة والذين توجه ثقافاتهم الأحقاد العمياء والنظرة الضيقة وغباء الرأي وقصر المفهوم , هم يعتقدون أنهم محور العالم , وأن غيرهم عالة عليهم , وأخص بالذكر بعض فجرة الإعلام الذين يصفون أبناء الجزيرة العربية عامة والسعودية خاصة بأنهم أصحاب إبل وغنم وأنهم لا حظ لهم في تاريخ الحضارة , ثقافة رعاع , وروار مزابل الثقافة , تراهم في رفع الصوت وكثرة الحركة وتطاير اللعاب , وتظن أنهم سيخرجون عليك من شاشة التلفاز ليلكموك بأيديهم كما تتبرز أفواههم بالسخافات , إنهم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى في ملابس عصرية وعلى قنوات فضائية , لا يتذكرون إلا حضارة الحجارة والتماثيل وتناسوا حضارة الأخلاق والرقي في الحوار وبشاشة الوجه , وجوههم تنبئ عما في صدورهم من حقد وكراهية للجميع , يسقطون واقعهم المقرف ويأسهم من حياة كريمة ورغد عيش على غيرهم , فيتمسحون بالماضي العتيد ويرددونه لأن لا بضاعة جديدة لديهم إلا الهراء واستفراغ التاريخ , إنهم ليسوا إلا خُرّاج بشري دميم وجد فرصة مشوهة للظهور عبر قناة ما , إنهم أشبه بالعاهرة التي تتهم الناس بالعهر , وأشبه بالمتخلف الذي يتهم الناس بالتخلف , هو لا يعلم أن التخلف الحقيقي هو في الاختباء خلف (بدلة وربطة عنق أو حمالة بنطلون غبية , أو شمطاء تتباهى بنظارتها على نصف أنفها وتتحدث عن الحضارة والجنس والسحاق ولعن أصحاب الأخلاق وتسفيه المثقفين , وهي لا تختلف عن صحيفة زبالة إعلامية متنقلة بين المواخير ) .
كان الإعلام وحتى وقت ليس بالبعيد عصيا على الدهماء وأنصاف المثقفين , وكان حمقى الإعلام سرعان ما يسقطون كالذباب أما رقي وثقافة المتلقي الذي كان يعرف قدر الثقافة المرئية والورقية ومتابعة جديد المطابع , فلو عدنا سنوات للوراء وقبل ظهور الفضائيات ثم فضاء تويتر لم يكن هناك أدنى شك أن رموز إعلامية حالية لن تجد لها مكانة حتى في مزابل تلك القنوات الثقافية , كما قلنا اختلط الحابل بالنابل , وفي عصر الفضائيات المتكدسة من جهة وعصر تويتر من جهة أخرى , لم نعد نجد الكلمة الهادفة والجيدة والمعلومة الراقية في ظل تلك النفايات الإعلامية ومن يقف وراءها من فجرة المشهد .
(( تكلمت هنا من قبل عن محتكري الحضارة السفهاء , وعن فجرة الإعلام , وعن إعلام إخوة يوسف , وعن الشعوب التي تساق للمدافن عبر بوابات مواقع التواصل والفضائيات , وعن الإفلاس الأخلاقي الإعلامي المعاصر )) .
وهنا أضع مثالا عابرا لفت انتباهي أثناء قراءتي لكتاب قديم لعميد الأدب العربي (طه حسين ) , والمفارقة أن كثير من رموز العهر الإعلامي لن يستطيعوا قذف طه حسين ببنت شفة , لأنهم يدركون أنه من عصر ثقافي لا يقبلهم حتى ككلاب حراسة , وليس المقصود موضوع النص المطروح ولكن الفرق بين تناول عميد الأدب العربي لموضوع النقاش وبين تناول دهماء تويتر والفضائيات ورموز العهر الإعلامي ( فهل ثمة مقارنة ) هم لن يجرؤا حتى على انتقاده , فهم كنبتة تحت الأرض مقابل نخلة باسقة , فيقول طه حسين مثلا عن حركة (الشيخ محمد بن عبدالوهاب ) :
في كتابه “ الوان “ الطبعة الخامسة :
( ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب , وحاربوه في داره بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها , لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول , ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب , وقد كان هذا الأثر عظيما خطيرا من نواحي مختلفة فهو قد أيقظ النفس العربية ووضعها أمام مثلا أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم واللسان , وهو قد لفت المسلمين وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب ) ,, (ص45) .
هذه نظرة عميد الأدب العربي (للحركة الوهابية) التي يتسابق سفهاء ورعاع تويتر في نقدها وتحقيرها والطعن في مُنَظّرها , وهم أجهل من (حمار طه حسين , لو كان عنده حمار ) ,, فما اصدقها من مقولة هذا زمن الرويبضات .
لقد عاصر طه حسين الكثير من مثقفي العرب والذين لا يمكن مقارنتهم بحثالات العصر الجديد من إعلاميين , ولم ينحدر أحد منهم لمستوى لا يليق بذلك العصر , ثم نُبتلى في وقتنا من حين لآخر , بحثالات البشر من مدعي الثقافة زورا وبهتانا والذين تغلب على أطروحاتهم البذاءة والشتم والصراخ وكثرة الحركة وقباحة الأخلاق ليتكلم في أمور لا يعرف منها إلا مسمياتها , والأدهى والأمر أن يخنق الحقيقة ويميت الضمير ويفرض رأيا لأسباب نفعية ولا يلقي بالا لإنسانيته وأمانة الكلمة التي هو أحد فرسانها , نسي يوما لن تنفعه أرصدته ولا شهوة الظهور والشهرة والانبطاح لمن يدفع أكثر , نسي يوما لا مفر منه , يوم يتذكر أنه سمع هذه الكلمات :
( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )
ربما عبد كفار قريش الأصنام , ولكنهم حطموها بعد أن هداهم الله للإسلام , ولكن (لابسي البدل والحمالات والنظارات ) مازالوا على جاهليتهم الحجرية يعبدون أصنامهم الحجرية تمجيدا وزهوا ويتفاخرون بها على بقية الأمم لم يأخذوا من ( 7000) سنة إلا أصناما حجرية , وتركوا الأخلاق والحكمة والإنسانية , حتى مكارم الأخلاق التي تميز بها كفار قريش عنهم لم يستطيعوا التعاطي معها , لقد كان العربي الجاهلي ( صاحب الناقة والخيمة ) يلقى قاتل أبيه في الحرم ولا يتعرض له بكلمة , لأنه يمتلك الشرف والنبل وصدق الكلمة والوفاء للعهد وإجارة الضعيف والمنقطع , وكان كفار قريش يتفاخرون بخدمة زوار البيت العتيق فمنهم الساقي ومنهم المُطعم ومنهم الكاسي , ودعاة الحضارة الحجرية اتخذوا من لغتهم وملابسهم واسمائهم موطنا للسخرية والتندر في أفلامهم ومسرحياتهم وكتاباتهم .
لن نورد أمثلة لكتابات المنفلوطي وغيره لنقارنها بقذارات الفضائيات المتحضرة , فهم أحقر من وجودهم في مقارنات كهذه .
ولا يقتصر الأمر على اغتصاب التاريخ وبتر ما يروق لهم منه , ولكن تلك الفضائيات من جهة وتويتر من جهة أخرى أصبحت ميدان تسابق تارة للكاذبين وتارة للمغفلين وثالثة للدهماء والمراهقين , يطعنون كما يشاؤون وينقلون كما يرغبون , ويفتون فيما لا يعلمون , يكفرون هذا , ويحرضون على هذا , ويبهتون ذاك , ويؤلفون على آخر , وقد لا نبالغ لو قلنا سيأتي اليوم الذي تُشعل فيه الحروب بسبب ( هاشتاق ) في تويتر .
فإذا كنا نفتقر في عصرنا هذا لتاج الثقافة الذي يتحكم في تصرفاتنا , وبُليت الأجيال الجديدة بالجهل وعدم الحرص على بناء الروح والفكر بالقراءة والمعرفة , فلا مفر من تعريفها بالأخلاق والتعامل الحضاري الصحيح بكل هدوء وإنسانية وتقبل الآخر والمجادلة بالتي هي أحسن كما وجهنا ديننا الحنيف , وتوجيه الجيل الجديد بالبعد وتجاهل ( ارقوزات ) الإعلام الحديث , وغرس في نفوسهم أن كل ما تخطه أيديهم عبر تويتر إنما هو حمل سيجدونه في أخراهم , فليخففوا من ذلك الحمل قدر المستطاع وعلموهم ( وما كان ربك نسيا ) .
وليس بعد هذا القول من قول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة )) ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ .. قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» ؟
ما اصدقها من مقولة ( إنه زمن الرويبضات ) , وما أكثرهم اليوم ,, وكفى بالله شهيدا .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف