قصة قصيرة/
نانا ونوارس الموانئ
بقلم:كامل خالد الشامي
جلستا في مقهى صغير علي الميناء مباشرة ,فلم يلتقيا منذ فترة طويلة, وكان الجو ماطرا قليلا والقبة ملبدة, وفي داخل المقهى تختلط رائحة القهوة مع صوت الموسيقي الهادئة.
كانت نانا أنيقة وابتسامتها مرسومة علي وجهها,فرحة باللقاء,وكانت أنغام بطبيعتها الشاعرية تبادلها نفس مشاعر المحبة.
بادرت نانا بالحديث وقالت: أنظري لقد أحضرت لك لوحة قمت برسمها, هذه فخاره جميلة كنت أحتفظ بها في غرفتي, ولكن لا أعرف لماذا انكسرت, قمت بجمعها وترميمها, لكنها لم تعد كما كانت بالضبط, قررت أن ارسمها, واهديها لك وأنا سأحافظ علي ألفخاره قدر الإمكان, نظرت أنغام الي اللوحة وقالت: إنها حقا جميلة, وأشكرك يا صديقتي , سوف أضعها في مكان يليق بها.
نظرت نانا من زجاج المقهى المبلل بقطرات المطر وقالت:هذه نوارس كثيرة اليوم في الميناء, وهي لا تخاف من البشر وتقترب منهم كثيرا , رغم أنها مهاجرة عكس الطيور الأخرى.
أنغام: صحيح يا نانا, ولكن يقال أن النوارس خلقت من بقايا المناديل التي تسقط من المسافرين والمودعين , وهذه المناديل مبلله بالدموع وفيها الكثير من الأحاسيس الإنسانية والشعور بالخوف من عدم اللقاء ثانية.
وتعقب نانا: صحيح, السفر فراق والفراق اشتياق وموت صغير, ومن قال إن الإنسان يموت مرة, عندما يفقد غالي يموت في اليوم إلف مرة.
أنغام : اتفق معك, لذلك عندما أري النوارس اشعر بالحنين الي الماضي والي صديقاتي اللواتي تركن البلاد مع أسرهن ولم يعدن أبدا.
نانا:حنين الماضي ما زال يتشابك مع الحاضر, هناك عدد كبير من الأسر تترك البلاد بحثا عن الأمان والحياة الكريمة, ولكن ما يؤلمني غرق بعض الأسر في البحر, حياتهم انتهت في البحث عن الكرامة, وصدقيني حتى الموت والغرق لم يعد يخيف أحدا, إن ما يخيف هو هاجس البطالة والجوع والفقر والعوز الذي ينشر في المجتمع, ولا أحد يهتم بذلك, والسياسي في بلادنا لا تعنيه هذه القضايا, بل يعتبر الشعب عبئا ثقيلا عليه.
أنغام: صحيح يا نانا في الجوار سمعت عن أسرة شابه أبحرت باتجاه ايطاليا وفي منتصف البحر تخلي قبطان السفينة المتهرئة عن الركاب وأجبرهم تحت التعذيب الي الصعود الي مركب صغير أكثر خطرا, فغرق عدد كبير منهم,ولا تتصوري حجم المعاناة التي تركوها ورائهم لأحبائهم, وما زالت هناك سيدة تجوب الطريق ذهابا وإيابا تسأل المارة عن ابنتها وأحفادها الثلاثة الذين ابتلعهم البحر, انه مشهد مؤلم جدا بالنسبة لي فعندما أري هذه السيدة وهي تبكي بحرقة وتسأل المارة متلهفة عن ابنتها وأحفادها , لا استطيع أن امنع نفسي من البكاء
نانا: نعم مشاهد إنسانية حزينة جدا أتألم لها كثيرا, هذا بالإضافة الي أن من ينجوا من الموت يعيش حياة قاسية في دول المهجر, فليس كل مهاجر يحالفه الحظ , ويجد الكرامة والأمان التي يبحث عنها, فالحياة في الغربة قاسية خاصة في السنوات الأولي من وصول المهاجرين, ناهيك عن الشعور بالغربة والشوق والحنين الذي لا يفارق الكثير منهم.
أنغام : أحسنت صديقتي في وصفك لما يحدث للمجتمع جراء الأوضاع المتردية, ولكن علينا أن نواصل الحياة, رغم قسوتها وظلم ذوي ألقربي, وصدقيني لو كان بمقدوري سوف أهاجر أنا أيضا, حياتي هنا شبه متوقفة, ولا احد يحسن بنا.
نانا: انا مثلك الزمن توقف ولا يريد أن يتزحزح الي الأمام, وأشعر أن الزمن أصبح حكرا علي عدد معين من الناس أما البقية فلهم الآخرة علي ما يبدوا.
تطلب أنغام لها ولنانا فنجانا آخر من القهوة وتنظر الي إليها قائلة: ما هي أخر إبداعاتك الفنية, أنت تعشقين رسم اللوحات ورسم والجداريات, هل تشاركين في جداريات هذا العام؟ لا لن أشارك أريد أن استمتع بقليل من الهدوء وارتب أوراقي مرة أخري !
وأنت يا أنغام ما تفعلين في هذه الأيام؟ أنا متيم بقراءة الرواية المصرية وأعرج علي الشعر أحيانا
نانا : جميل يا صديقتي, سعدت كثيرا بلقائك, ولا تغيبي عني حتى لا أموت شوقا اليك
أنغام: وإنا أعدك بأنني سأحضر دائما لزيارتك.
[email protected]
نانا ونوارس الموانئ
بقلم:كامل خالد الشامي
جلستا في مقهى صغير علي الميناء مباشرة ,فلم يلتقيا منذ فترة طويلة, وكان الجو ماطرا قليلا والقبة ملبدة, وفي داخل المقهى تختلط رائحة القهوة مع صوت الموسيقي الهادئة.
كانت نانا أنيقة وابتسامتها مرسومة علي وجهها,فرحة باللقاء,وكانت أنغام بطبيعتها الشاعرية تبادلها نفس مشاعر المحبة.
بادرت نانا بالحديث وقالت: أنظري لقد أحضرت لك لوحة قمت برسمها, هذه فخاره جميلة كنت أحتفظ بها في غرفتي, ولكن لا أعرف لماذا انكسرت, قمت بجمعها وترميمها, لكنها لم تعد كما كانت بالضبط, قررت أن ارسمها, واهديها لك وأنا سأحافظ علي ألفخاره قدر الإمكان, نظرت أنغام الي اللوحة وقالت: إنها حقا جميلة, وأشكرك يا صديقتي , سوف أضعها في مكان يليق بها.
نظرت نانا من زجاج المقهى المبلل بقطرات المطر وقالت:هذه نوارس كثيرة اليوم في الميناء, وهي لا تخاف من البشر وتقترب منهم كثيرا , رغم أنها مهاجرة عكس الطيور الأخرى.
أنغام: صحيح يا نانا, ولكن يقال أن النوارس خلقت من بقايا المناديل التي تسقط من المسافرين والمودعين , وهذه المناديل مبلله بالدموع وفيها الكثير من الأحاسيس الإنسانية والشعور بالخوف من عدم اللقاء ثانية.
وتعقب نانا: صحيح, السفر فراق والفراق اشتياق وموت صغير, ومن قال إن الإنسان يموت مرة, عندما يفقد غالي يموت في اليوم إلف مرة.
أنغام : اتفق معك, لذلك عندما أري النوارس اشعر بالحنين الي الماضي والي صديقاتي اللواتي تركن البلاد مع أسرهن ولم يعدن أبدا.
نانا:حنين الماضي ما زال يتشابك مع الحاضر, هناك عدد كبير من الأسر تترك البلاد بحثا عن الأمان والحياة الكريمة, ولكن ما يؤلمني غرق بعض الأسر في البحر, حياتهم انتهت في البحث عن الكرامة, وصدقيني حتى الموت والغرق لم يعد يخيف أحدا, إن ما يخيف هو هاجس البطالة والجوع والفقر والعوز الذي ينشر في المجتمع, ولا أحد يهتم بذلك, والسياسي في بلادنا لا تعنيه هذه القضايا, بل يعتبر الشعب عبئا ثقيلا عليه.
أنغام: صحيح يا نانا في الجوار سمعت عن أسرة شابه أبحرت باتجاه ايطاليا وفي منتصف البحر تخلي قبطان السفينة المتهرئة عن الركاب وأجبرهم تحت التعذيب الي الصعود الي مركب صغير أكثر خطرا, فغرق عدد كبير منهم,ولا تتصوري حجم المعاناة التي تركوها ورائهم لأحبائهم, وما زالت هناك سيدة تجوب الطريق ذهابا وإيابا تسأل المارة عن ابنتها وأحفادها الثلاثة الذين ابتلعهم البحر, انه مشهد مؤلم جدا بالنسبة لي فعندما أري هذه السيدة وهي تبكي بحرقة وتسأل المارة متلهفة عن ابنتها وأحفادها , لا استطيع أن امنع نفسي من البكاء
نانا: نعم مشاهد إنسانية حزينة جدا أتألم لها كثيرا, هذا بالإضافة الي أن من ينجوا من الموت يعيش حياة قاسية في دول المهجر, فليس كل مهاجر يحالفه الحظ , ويجد الكرامة والأمان التي يبحث عنها, فالحياة في الغربة قاسية خاصة في السنوات الأولي من وصول المهاجرين, ناهيك عن الشعور بالغربة والشوق والحنين الذي لا يفارق الكثير منهم.
أنغام : أحسنت صديقتي في وصفك لما يحدث للمجتمع جراء الأوضاع المتردية, ولكن علينا أن نواصل الحياة, رغم قسوتها وظلم ذوي ألقربي, وصدقيني لو كان بمقدوري سوف أهاجر أنا أيضا, حياتي هنا شبه متوقفة, ولا احد يحسن بنا.
نانا: انا مثلك الزمن توقف ولا يريد أن يتزحزح الي الأمام, وأشعر أن الزمن أصبح حكرا علي عدد معين من الناس أما البقية فلهم الآخرة علي ما يبدوا.
تطلب أنغام لها ولنانا فنجانا آخر من القهوة وتنظر الي إليها قائلة: ما هي أخر إبداعاتك الفنية, أنت تعشقين رسم اللوحات ورسم والجداريات, هل تشاركين في جداريات هذا العام؟ لا لن أشارك أريد أن استمتع بقليل من الهدوء وارتب أوراقي مرة أخري !
وأنت يا أنغام ما تفعلين في هذه الأيام؟ أنا متيم بقراءة الرواية المصرية وأعرج علي الشعر أحيانا
نانا : جميل يا صديقتي, سعدت كثيرا بلقائك, ولا تغيبي عني حتى لا أموت شوقا اليك
أنغام: وإنا أعدك بأنني سأحضر دائما لزيارتك.
[email protected]