الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الست محاسن بقلم: مجدي السماك

تاريخ النشر : 2017-07-08
الست محاسن بقلم: مجدي السماك
الست محاسن. بقلم: مجدي السماك
نفذت الست محاسن تعليمات زوجها أيوب.. بحذافيرها دون أي زيادة أو نقصان.. وفتحت الست محاسن باب الثلاجة.. ومدت يدها التي نشفتها الأيام إلى الفريزر.. وأخرجت قطعة لحم صغيرة بالكاد يبلغ حجمها نصف حجم علبة سجائر. ثم بدأت الست محاسن تحسب بينها وبين نفسها وتقول بحزن ومرارة وانكسار: أنا وزوجي وحماتي وخمسة أطفال.. إذا يكون نصيب كل واحد منّا شقفة لحم بحجم عقلة الأصبع. ثم أدارت محاسن نظرها باستكانة وصوبته عبر نافذة المطبخ إلى السماء.. ورفعت كفيها للأعلى.. وتمتمت بصوت منخفض مسموع ومسلسع.. موجهة كلامها إلى الله مباشرة: شكرا لك يا رب.. اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال. بالكاد نزلت محاسن كفيها وأطبقت شفتيها.. حتى خطر إلى ذهنها الطلب من الله أن يزيد في حجم قطعة اللحم.. وبالفعل دون أي تفكير.. نفذت محاسن ما دار في رأسها.. وراحت على الفور تدعو الله في تضرع وخشوع: يا رب كبرها.. يا رب من أجل أولادي فأنا لا أريد اللحم.. يا رب اجعل نصيب كل ولد من أولادي قطعة لحم بحجم اصبع زوجي.. فأنا اصبعي رفيع وصغير يا الله.. زوجي اصبعه ثخين وكبير يا أرحم الراحمين.. كبرها يا رزاق يا كريم.
تناولت محاسن السكين من درج الطاولة العتيقة المخلوعة.. وقبل أن تبدأ بتقطيع اللحم.. تهيأ لها أن القطعة قد كبرت ولظلظت.. فظهر على شفتيها نطفة ابتسامة صغيرة.. راحت تنمو بسرعة وتكبر حتى ملأت فمها وانتشرت في تقاطيع وجهها كله. وبالكاد بدأت محاسن بالتقطيع.. حتى لاحظت وجود تفسخ أصاب قطعة اللحم.. فساورها شك وصار الفأر يلعب في عبها. قربت محاسن أنفها الصغير المدبب من قطعة اللحم وراحت تتشمم.. فأخبرها أنفها بأن قطعت اللحم قد فسدت.. فانطفأت ابتسامتها على الفور.. واستحالت إلى عبوس وغم.. وانقبض وجهها وانكمش.. وبدأت دموع حارة ملتاعة تسيل على خديها الغائرين.. ومن هناك واصلت الدموع تساقطها على بلاط المطبخ المليء بالحفر والأخاديد. عادت نفس محاسن تحدثها.. وتطرق رأسها أسئلة كأنها مسامير من حديد: ماذا سيأكل الأولاد؟ ماذا سأقول لزوجي أيوب؟ وما الذي سوف يفعله بي؟ يا رب تستر وتجيب العواقب سليمة.. أنت عالم بحالي يا الله.
عاد أيوب من عمله مرهقا ومهدود حيله من التعب.. يمزق جوفه الجوع الذي جعل بطنه يقرقر.. وعصافيره تصوصو.. وطلب من محاسن أن تضع له صحون الطعام على الطبلية.. مع قرن فلفل أخضر.. ريثما يغسل يديه ووجهه المليء بالأتربة والغبار.. ويلبس الجلابية. دق قلب محاسن وعلّت دقاته واضطرب.. حتى كاد يقفز من مكانه في صدرها الذي بدأ يضيق أكثر فأكثر.. وراح صدرها ينفث الأنفاس الساخنة الملهلبة كأنها منفلتة ومبثوثة من طنجرة ضغط محكمة الإغلاق.
تسللت التمتمات المتقطعة وانزلقت على شفتي محاسن المرتعشتين.. وقد راحت الكلمات تسابق دموعها المتدفقة كالسيل العارم.. تخبر زوجها أيوب بفساد قطعة اللحم. وقف أيوب الذي كان قد جلس أمام الطبلية وتربع.. وصار الشرر يتطاير من عينية الواسعتين.. وصرخ في وجه محاسن:
-أنا ميت من الجوع يا محاسن.. أنا بألف غصب دبرت ثمن اللحمة يا بنت الكلب.. خربتيها.. الله ينتقم منك بحق جاه النبي.
- إيش ذبي.. لقيتها خربانة.. أنت مش عارف أن الكهرب قاطعة من يومين.
- ليش ما طبختيها قبل ما تخرب.. تفو عليكي وعلى اللي خلفوكي.. بديش أشوف وجهك في البيت.. وجهك يقطع الرزق يا محاسن. ولسه قبل أسبوعين خربتي فرخة بكاملها وما حدا منّا ذاق طعمها.. وكلنّا كان نفسنا فيها يا بوز البوم.
- قلت لك الكهرب كانت قاطعة.. وما أجت طول اليوم.. أنا إئيش ذنبي.. الحق عليه أنا اللي قاعده بخدمك أنت وأولاد طول النهار مثل الخدامات.. لا بترحمني ولا بتخلي رحمة الله تنزل.. حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
- ولسه بتحكي وبتبرمي يا أم وجه نحس.. أشوف فيكي يوم يا محاسن يا بنت عبد الخالق. أنتي طالق يا محاسن.. غوري من وجهي.. طالق.. طالق.. طالق.. بديش أشوف خلقتك في البيت يا حيوانة.. يا أم بوز مثل حبة الباذنجان المشوية.
بينما كانت المسبات والشتائم التي يطلقها أيوب تتواصل وتمتد.. حتى وصلت إلى جدود محاسن الأوائل من غسان وعدنان وقحطان.. راحت محاسن تجمع أغراضها القليلة.. وتلملم الأولاد.. ودموعها التي ازدادت غزارة ما زالت تلسع قلبها وكبدها وخدودها.
جرجرت محاسن جسدها النحيل جدا.. والذي بالإمكان لشدة نحوله إدخاله بسهولة في خرم إبرة.. وخرجت من البيت تسبقها آهاتها المعذبة التي ما انفكت تتردد بين السقف والحيطان.. يحيط بها الأولاد الذين راحوا يتحلقون حولها من كل جانب كأنها الكعبة.. وبعضهم تعلق بذيل ثوبها الذي بهت لونه.. وآخر رضيع ضمته إلى حضنها.. لم يكف عن الصراخ حتى وصلت محاسن إلى آخر الشارع.. المؤدي إلى موقف السيارات.
تذكر أيوب أن محاسن لا يوجد معها أي نقود.. ولا أي ثمن للمواصلات.. فخرج خلفها مسرعا كي يعيدها إلى البيت.. لكنه اصطدم بعامود النور الذي أمام باب البيت.. ووقع على الأرض.. ولما نهض تذكر أنه هو أيضا لا يوجد معه أي نقود.. وكانت محاسن في هذه اللحظة قد اختفت بين الناس والزحمة. رجع أيوب إلى البيت.. وجلس قرب النافذة المطلة على الشارع.. وهو يقول ويردد لنفسه وللشجر ولأعمدة الكهرباء وللعمارات وللطيور والقطط وللريح وللشمس التي تملأ الدنيا في الخارج: معقول أنا أطلق محاسن علشان شقفة لحمة.. الله يلعن أبو هيك عيشة.. اخص على الدنيا وعمايلها.
مجدي علي السماك
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف