الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فقُتل كيف قدر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2017-07-04
فقُتل كيف قدر بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
فقُتل كيف قدر

( لعادل بن مليح الأنصاري )

ما من شك أن بعضنا قد تخيل أو حاول أن يتخيل كيفية الحياة على كوكبنا الأرضي دون أخطاء البشر , وتتفاوت التصورات عن كيفية هذه الحياة بدون تلك الأخطاء البشرية , فمنا من يتخيلها سعادة متناهية , ومنا من يتخيلها شقاء متناهٍ , وبين الموقفين يقف البعض الآخر .
(إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر )
( الفكر ) والإنسان المفكر الذي يحاول أن يصنع فرقا في الحياة , ليس دائما يقدم للبشرية طوق نجاة , فالكثير من المفكرين قدموا فكرا كان سببا في كوارث بشرية لا حصر لها , رغم أنها كانت نتيجة أفكار وثقافات وفلسفة , وقلت سابقا أن الإنسان غبي جدا في دروس التاريخ , فثقافتنا الإسلامية تقول (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) وهذا توجيه فكري فشلت البشرية في تفهمه وتأمل معانيه العبقرية , فالإنسان ( العالمي ) لُدغ من ذات الجحر مئات المرات , ودوائر التاريخ أحيانا متشابهة وصفحات كتابه تتكرر بحرفية عجيبة , وما زال الإنسان يرسب , يولد ديكتاتور أو مفكر يجلب الدمار والدماء على شعوب الأرض , وما هي إلا دورة تاريخية أخرى وتتكرر نفس الظروف ليولد أخر ويسير في نفس الطريق ويمتطي نفس الأدوات ويلقي ذات الخطب ليجلب دمارا جديدا ويسفك دماء أكثر , وهكذا تتكرر الدوائر منذ قابيل وحتى قيام الساعة .
ولكن الإنسان ( المفكر ) قفز خطوات هائلة عن أخيه الإنسان في الماضي القريب , فقد كانت أسلحته القاتلة واسلحته الكلامية ودسائسه و ( فكره ) موجه ضد أعدائه فقط , واليوم قفز كثيرا وأصبح يوجهها لأخيه وأبنا عمومته , وتلك الــ (أفكار) جلها موجهة ومخطط لها من البعض ضد البعض , وهذا التناحر والعداء يحاول البعض أن يمتد حتى داخل المنزل الواحد , فهي حرب كونية تبدأ بــ(أفكار) وتنتهي بدمار .
هذه الحرب الخبيثة لها سلاحان , يظهر أحدهما ويختفي الثاني خلف ظهور الشعوب الغافلة , فسلاح الإعلام وشبكات التواصل يعج بالبذاءات والقبح والدسائس والتوجيه والكذب , وهذا لا يمنع من القول أن هناك أقلام تحاول التخفيف من وطأة هذا العفن , ولكن الأغلبية للدهماء وعديمي الثقافة أو أنصاف المثقفين والذين يقف خلفهم ويسوقهم سوق البهم عقول تعرف ما تفعل .
ولكن كالعادة لا نلقي نظرة على التاريخ ودوائره المتكررة , وكأنها اقدار حتمية تسوقنا نحو المجهول , وجميع المجتمعات والكيانات والأنظمة التي أسقطها التاريخ لم تلتفت إلى صفحاته إلا وهي جاثية على بطونها , وتعرف منزلقها بعد فوات الأوان , دائما ودائما ودائما ينتهي الدرس قبل أن نفهمه .
حتى فضيلة الندم لم نعد نحترمها , فقابيل عندما أنهى حواره بجريمة القتل ندم ندما شديدا , واليوم تُقتل شعوب وتُشرد ويُذبح الأطفال والنساء والشيوخ وتُدمر مدن بنيت في مئات السنين من أجل تحقيق ( فكرة ) تداولها بعض الزعماء وهم يحتسون الشراب ويجسون على كراسي وثيرة , ثم يتابعون نشرات الأخبار يدخنون ويضحكون وربما يفخرون بجرائمهم .
لنرجع قليلا للوراء :
العلم بكافة فروعه واختصاصاته حاول جاهدا أن يساعد الإنسان لتحقيق الحياة الأفضل , كأن يحاول علماء الوراثة مثلا تنقية السلالات البشرية من الأمراض الوراثية , ويحاول علماء النفس التوغل داخل الذات البشرية لمعرفة الطرق الناجحة لتجنب كافة أنواع القلق والاضطرابات والتوتر , وكذلك الأطباء وعلماء التغذية وغيرهم , أي أن محاولات العلماء تتركز في إيجاد الإنسان السعيد أي إنسان بلا أمراض وراثية أو مكتسبة وبلا قلق واضطراب وتوتر , ينعم بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن , أي رفاهية كاملة (وكل ذلك طبعا بإرادة الله ) .
ولكن الغريب حقا أنه كلما تقدم الإنسان في علمه خطوة ابتعدت عنه السعادة خطوات , فمع تقدم العلم مثلا في مجال الطب والهندسة الوراثية والتغذية والعقاقير إلا أن أمراضا قليلة جدا اختفت عن صفحة الحياة البشرية , وقابل هذا الاختفاء هجوم ساحق للأمراض المستحدثة أو المعدة معمليا بهدف إضعاف العدو وتدميره تارة , وتارة كخلل وخطأ خرج من معاقل المختبرات لحياة الناس عمدا أو إهمالا , وكلما تقدم العلم في مجال الدراسات النفسية إلا أن القلق والتوتر والاكتئاب أصبحت من سمات العصر , ومع تطور النظم والقوانين الاقتصادية إلا أن الفقر والمجاعات والأزمات الاقتصادية تسيطر على أكثر من ثلثي العالم , ورغن أننا لا نستطيع أن نطلق حكما نهائيا على محاولات العلم لإيجاد الطريق نحو السعادة البشرية المنشودة إلا أن الحالة التي وصل إليها المجتمع الإنساني بعد كل هذا التقدم والكشف عن الكثير من أسرار الحياة أمر غير مطمئن , وكما قلنا سابقا فإننا نلاحظ أن كل خطوة من جانب العلم تتزامن معها خطوتان من جانب الشقاء البشري .
ونعود لبداية الحديث و هل أخطاء البشر التي قد يرى البعض فيها سعادة كبيرة ويراها البعض الآخر سببا في شقاء الإنسان تُحدث العلاقة الطردية بين العلم والشقاء , والعلاقة العكسية بين العلم والسعادة ؟
هنا نطرح سؤالا مهما هل نتناول الأخطاء البشرية تناولا مطلقا أم تناولا نسبيا ؟
والصحيح أن هذه الأخطاء هي ذات نظرة نسبية , ويجب علينا أن نقف بين القائلين بفضل الأخطاء في سعادة البشر وبين القائلين بأن الأخطاء سبب في شقاء البشر , وانطلاقا من الحديث الشريف (كل ابن آدم خطاء) , ونقول أن هناك أخطاء نستطيع أ نشبهها باهتزازات السرير الذي ينام عليه الطفل لكي يستغرق في نومه وينعم بالراحة والطمأنينة , فهذه الأخطاء تهز الحياة البشرية برفق لكي تتفاعل وتخرج من طقوس الملل والحياة الهادئة الرتيبة , ويدخل في نطاق هذه الأخطاء الملايين من الممارسات اليومية لملايين الناس من ( الأخطاء الخفيفة ) , ويمكن هنا أن ندخل في دوامة المعيار الذي تستند إليه هذه الأخطاء لكي توصف بالخفيفة , ومحاولة للخروج من هذه الدوامة يمكن أن نقول أنها الأخطاء التي يشترك في الوقوع فيها الكثير من أفراد المجتمع وعلى اختلاف أعمارهم ومستوياتهم , وتبرز مثل هذه الأخطاء الخفيفة غالبا ضمن الممارسات الاجتماعية اليومية .
ومثل هذه الأخطاء الخفيفة لا يمكن تجنبها بل هي جزء مهم من الحياة اليومية للمجتمع البشري والتي تمثل الاهتزاز الخفيف الذي يستمد منه المجتمع راحته والخروج من دائرة الملل والروتين والعادة .
ولكن ماذا لو زادت هذه الاهتزازات عن الحد المطلوب للخروج من هذه الدائرة .
إن الأخطاء الكبيرة التي تسببت في شقاء البشر وفي تقسيمهم إلى مترفين ومعدمين ليست إلا أخطاء صغيرة اُستغلت وتفاقمت وخرجت بالمجتمع عن حد الاهتزازات الخفيفة إلى حد " الزلزلة " العنيفة " , والأخطاء الكبيرة التي مارسها الكثير من الناس دخلت إلى جميع مجالات النشاط البشري وتركت أثارا سامة ومدمرة على المجتمع الإنساني , وسنتناول بعض هذه الأنشطة وبعض الأخطاء التي ارتكبت في حق هذه الأنشطة .
أولا : النشاط الاجتماعي ( الإباحية – الحرية المطلقة – التفكك الأسري )
بحثا عن السعادة ألقى المجتمع الغربي نفسه في اتون الاباحية بعد أن صدّق مزاعم بعض المفكرين في أن السعادة والبعد عن القلق والتوتر والاضطراب يكمن في الإباحية والمتعة الغير محدودة , واستشرى هذا الخطأ الكبير بين المجتمعات الغربية على اختلاف أجناسها , ودفعت ثمنا باهظا ففتكت بهم الأمراض النفسية وعصف بهم القلق وركنوا للاكتئاب ولجأ البعض إلى الانتحار هربا من حياته , ونادت تلك المجتمعات بالحرية المطلقة في تصرفات الأفراد , فلا حجر على حرية الإنسان , فكانت النتيجة أن اصبحت البيوت الغربية أشبه بثكنات عسكرية , فكلاب حراسة ومراقبة كاميرات وأجهزة إنذار وتنبيه وأسلاك مكهربة ومسدسات محشوة جاهزة للاستخدام في أي لحظة , وظهرت حروب العصابات في قلب العواصم الغربية , حتى أن المافيات أصبحت حكومات فوق الحكومات .
أما من ناحية الأسرة فظهر زنا المحارم , والتفكك الأسري , وخروج الفتيات من حرم المنزل ( لتتأكل من عرق جسدها ) , ولتفقد عذريتها بمجرد بلوغها مع أول شاب يصادفها .
ثانيا : النشاط الفكري ( التبعية الفكرية – نشر الانحطاط الخلقي والأفكار المنحرفة تحت مظلة الأدب – الفجور الإعلامي )
أن يكون مجتمعا ما تابعا لمجتمع أخر من ناحية الفكر فهذا يعني إلغاء هوية وشخصية التابع لمصلحة المتبوع , فلم يسهم شيء في تقسيم العالم إلى تابع ومتبوع مثل ما أسهم المفكرون والإعلاميون , وأول ما ينبغي للتابع أن يستقل به عن المتبوع هو فكره وثقافته وإعلامه , فالعرب (عندما) كانوا يحكمون العالم المتحضر يوما ما كان الغرب والشرق يحرص كل الحرص على تتبع أدبهم وفكرهم وعلمهم , وخير نموذج (الأندلس) التي أبهرت أوربا بقصورها وأدبها وترفها وثقافتها , فكان العرب متبوعين وغيرهم تابع لهم , وقد طغت ثقافة العرب حتى على الشرق فالفرس والهنود بعد دخول الكثير منهم في دين الإسلام , اتخذوا من ثقافة العرب طريقا لفهم الدين واتباعا لثقافة الأقوى , فبرع بعضهم في الأدب والشعر والحديث والعلوم الإسلامية , وهذا عكس ما يحدث اليوم , والسبب هو سقوط الأدباء والمفكرين العرب حديثا في براثن (التغريب واتباع ثقافة الأقوى) .
وأما نشر الانحطاط الخلقي تحت مسمى الثقافة والفنون والأدب فقد أصبح مقبولا ومستساغا حتى في تناول أدق التفاصيل الحميمية بين الزوجين على سريرهم , فبعد أن كان العربي عف اللسان رفيع المفردات عبقري الوصف والكلام وقع تحت حوافر الأدب الفج وتقبل ثقافة المنتصر الغازي المستعمر فظهر لنا أدب عربي يحاكيهم ويقلدهم في تلك السقطات الأخلاقية , كل ذلك تحت مسمى التحضر والعالمية ومحاولة إبهار المنتصر (السيد) , وباتت السخرية والتندر على بعض ثوابتنا العربية والإسلامية لا تجد حرجا ولا إنكارا تحت شعارات حرية الأدب والفكر والعقيدة والعالمية .
ثالثا : الاقتصاد : ربما طغى الاحتكار التجاري وصار سمة من سمات الاقتصاد (الناجح) في العرف العالمي الذي يضمن أكبر قدر من الكسب المادي ولو على حساب الإنسانية والأخلاق والتنافس الشريف , فالمحتكر يستغل سلعته التي يكون هو المنتج أو المورد الوحيد لها فيفرض عليها أضعاف ثمنها أو تكلفتها وهو يدرك أن المستهلك لا يملك من أمره شيئا فإما أن يشتريها وإما أن يتركها , ولكن الكارثة عندما تكون سلعة أساسية ولا مفر من شرائها , وفي هذا استنزاف لأموال الناس بغير حق , أو غشهم أو غيرها من طرق التضييق على الناس في معائشهم , ولا نريد أن نستعرض في هذه المقالة البسيطة التوجيهات الإسلامية في هكذا أمور, فقد عرضها القرآن وتطرقت إليها السنة بما لا نحتويه هنا , وأما الإجرام الاقتصادي والمتمثل في نظرية إعدام الفائض للتحكم في مستوى الأسعار , فهي جريمة إنسانية مكتملة الأركان , فالإنسان يتخلص من أطنان الأغذية والمنتوجات الزراعية سنويا للحفاظ على السعر , وهو يدرك تماما أن هناك شعوبا تموت من الجوع ولا تجد ثمن كسرة خبز .
الفكر الإسلامي وجهنا بإطعام الطيور على رؤوس الجبال , وحرم علينا تجويع الحيوانات وحتى قص علينا أن امرأة دخلت النار في هرة لم تطعمها !
ولكن ( فكر وتقدير) الإنسان المعاصر وتغليب مصلحته الشخصية ورغباته الشيطانية استحلت له قتل أخيه الإنسان بالجوع تارة وبالتجارة في السلاح تارة وحتى بإشعال الحروب وتدمير المدن وقتل الأطفال والنساء لأهداف اقتصادية أحيانا , إنه (كرنفال) شيطاني فاق فيه البشر الأبالسة بمراحل .
أما الإنتاج الغير مشروع كما وكيفا ونوعا لم يعد مستهجنا ولا مجال لذكر أمثلة فقد يتطلب ذلك صفحات كثيرة .
رابعا : الأمن والمجتمع ( قتل – تفجير – تزوير – سرقة ... إلخ )
في المفهوم الغربي , اقتل , اسرق , زور , خرب , اغتصب , فهناك دائما محامٍ ضليع يُخرجك كما الشعرة من العجين , هذه هي فلسفة المجتمعات المتحضرة , فليس مهما ما تعمل المهم أن تجد مخرجا قانونيا لجرائمك , فمع الفراغ الروحي والثغرات القانونية , وربما تحت شعار "القانون لا يحمي المغفلين" , ومع التطاحن الشديد على المادة والرفاهية والتسابق المحموم على تضخيم الثروات سقطت الكثير من القيم الإنسانية , فانعدمت الثقة وسادت مبادئ غير أخلاقية وثقافات قاسية مثل "لا تثق في الآخرين" , " احم ظهرك من غدر أخيك قبل عدوك " , " وأنا ومن بعدي الطوفان " , وغيرها من تضخم (الأنا) وتفتت التعاطف الجماعي .
خامسا : من الأفكار البشرية فكرة ( الاستعمار ) وتشمل الحروب لأهداف كثيرة سياسية واقتصادية وثقافية ودينية وأحيانا عبثية , فيكفي أن يقود مجنون ما أمة حتى لو كان مريضا نفسيا ومهوسا أحمقا , ولكن القدر ساقه بطريقة ما لقيادة أمة ويفض قانونه القمعي : ( قال فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) , وكان سبيله للرشاد الغرق وفناء جيشه الذي انقاد له بعبودية مطلقة , هذه الفكرة هي منطق الكثير من القادة الذين كبدوا البشرية عبر تاريخها الطويل ملايين القتلى والمشردين واللاجئين , والمجاعات والفوضى , بدءا من قابيل وحتى عصر (المهابيل) .
تلك الممارسات لم تنفرد بها الحضارة الغربية الحديثة قطعا , فهي ممارسات إنسانية عامة شرقا وغربا , ولم تختص بدين أو عقيدة دون أخرى , فالتلوث الحضاري طال الجميع , وحتى تعاليم الله وممارساتنا الدينية شوهت وصارت قشور لا علاقة لها بسلوكنا البشري , ولم تعد حتى أبشع الجرائم حكرا على دين أو مجتمع , فالثقافة الكونية الحديثة وألتها الإعلامية الجهنمية صهرت الجميع "إلا من رحم ربي" .
عانت الكثير من الأمم عبر التاريخ من هجمات الاستعمار , وكان العرب أصحاب نصيب كبير من هذه الظاهرة البشرية الاستبدادية , والاستعمار ظاهرة بشرية يصعب تحديد ملامحها وأهدافها التي تختلط وتتداخل وتتشابك بشكل يعصى على المنطق والفكر الرشيد , إنه تفكير ثم تقدير ثم تقرير , في حضرة شيطان رجيم , فأن تعيش أمة على مقدرات أمة أو تفرض عليها ثقافة أو عقيدة أو تبعية لإشباع شهوات الاستعلاء وتضخم (الأنا) عند حفنة من السياسيين , وتجد لنفسها مبررات لتسكت ضمائرها الغائبة أصلا , حتى اصبحت بطولات ترويها الشعوب المستعمرة وملأت بها صفحات التاريخ كمفاخر لها , ولنا في حقبة الحروب الصليبية خير دليل على قتل واستعباد وتدمير الأمم (باسم الرب) .
فالمستَعمرة تقطع من جسدها وترق من دمها ودم أبنائها وتضحي بفلذات أكبادها كي تقدم الرفاهية للمستعمِر الظالم , وهكذا يدفع الملايين من الناس بأقواتهم ثمنا لخطأ أرتكبه بعض الساسة والعسكريين ,, لماذا ؟
سؤال أكبر من أن يجيب عليه التاريخ نفسه , لأن التاريخ كما يقال (يكتبه الأقوياء) .
هل هذه نظرة تشاؤمية للمجتمع البشري ؟
لقد تدارك المجتمع البشري بعض تلك الأخطاء , فالحقبة الاستعمارية ولّت بشكلها الظاهر فعلا , فلن يقر المجتمع الحديث بهيئاته وتكتلاته أن تُستعمر الدول , ولنا في واقعة احتلال الكويت خير دليل قريب .
ولكن الكارثة ظهور نوع جديد من الاستعمار هو أدهى وأنكى وأخطر من الاستعمار التقليدي الذي يأتي على ظهر الدبابة أو محملا على طائرة ,إنه الاستعمار الثقافي وقيادة الشعوب بشيطان الإعلام , أو ربما بإخضاع القادة لكافة أنواع الابتزاز والترغيب والترهيب , هنا يحدث الاستعمار الناعم , الاستعمار الذي لا يكلف كمخاطر الحروب وتدمير مقدرات الأمم المستَعمرة , بل تأتي ثرواتها طوعا أو كرها بأساليب عصرية ومدنية وحضارية وعن طيب خاطر من أصحاب القرار أنفسهم , وهذا لا ينحصر في الدول النامية أو حتى النائمة , بل مورس حتى ضد دول أوربية وشرقية قوية , ولكن لكل قواعد مختلفة للعب .
والعجيب أن المجتمع البشري يحاول أن يدخل لعصر التكتلات الشاملة ليس حبا في زيادة الرخاء وبحثا عن سعادة البشر , ولكنه نوع من أنواع تضخيم القوة والاستعراض والتهديد نحو التكتلات الأخرى , فأكذوبة نهاية الحرب الباردة عير صحيحة , هذه الحرب ستظل قائمة طالما أن الأرض تحمل قوتين كبيرتين دائما .
وربما لا نكون مبالغين في التشبيه أن هذه التكتلات ستسير نحو الذوبان مع الوقت في عملاقين يبتلعان الآخرين ابتلاعا كاملا وليس ناعما كما نراه اليوم , عندها إذن سنرى قابيل ضد هابيل مرة أخرى , ولكن عندها لن يفيدنا مجرد غراب لنرى سوءاتنا , فما عجز عنه التاريخ عبر ألاف السنين لن يقدر عليه مجرد غراب .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف