الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الواحد والعشرون من كتاب ذاكرة الترف النرجسي بقلم: د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-07-02
الحلقة الواحد والعشرون من كتاب  ذاكرة الترف النرجسي  بقلم: د.حنان عواد
    الحلقة الواحد والعشرون .

   الكويت..انطلاقة الثورة وزعيم الأمة.

متابعة لتعليمات الأخ القائد أبو جهاد، سافر الأخ عزام الأحمد الى الكويت قبلي بيومين، وأعطى تعليماته لعمل الترتيبات اللازمة لزيارتي،وكان هذا هو انطلاقي الأول لهذه الدولة التي حضنت الثورة و الشعب الفلسطيني. ومن أرضها المضمخة بروح العطاء والفداء،انطلقت الثورة الفلسطينية برجال عظام، رسموا الطريق وأضاءوا الظلام. كان معظمهم على أرض الكويت، تجمعوا وأجمعوا،وأطلقوا الثورة،وبدعم القيادة الكويتية التي ساندت الثورة ورجالاتها،ولم تتوقف عن دعمهم وحمايتهم حتى الآن.

وصلت الكويت،انتظرت في المطار قليلا،حتى جاء مندوب المنظمة لاستقبالي.. سارت السيارة تعبر شوارعها الى أن وصلنا فندق ريجنسي، استرحت قليلا،وعلمنا أن الرئيس ياسر عرفات قادم لحضور مهرجان الانتفاضة في المساء.

 ولما ودعت الشمس النهار،جاءتني سيارة الرئاسة،وأوصلني الاخوة الى قاعة الاستقبال في جمعية المهندسين.وفي حفل متواضع، ألقى أبو عمار كلمته،وعند انتهاء الكلمة،سار بين الناس في لقائه الأبوي الدائم،وكان قد انتحى كوفيته جانبا.اقتربت من الأخ عزام الأحمد،وقلت له:"خذني الى أبو عمار ثانية"،سرنا باتجاهه،ثم قدمني اليه قائلا:هذه حنان عواد"،رحب بي كثيرا كعادته، وعانقني ،قائلا لعزام:"أنا أعرف حنان قبلك،عرفتها من كتاباتها قبل أن ألقاها في العراق ،ثم أضاف :"لكن لم أكن أدري أنها بهذه الرقة".فضحكنا وسرنا ما بين الناس، وعرفني على القيادة.

وكان أبو عمار يعطي تعليماته بقراءة قصائدي ونشرها في اجتماعات المجلس الوطني والمجلة التي تصدر عنه،وكذلك في وكالة الأنباء الفلسطينية،التي لا زالت تمثل الرئاسة حتى الآن.

خاطبت الرئيس ببراءة متناهية قائلة:"آمل أن أراك في القدس"،نظر طويلا قائلا:"أن شاء الله،قريبا يا حنان"،ولم أدر معنى قريبا،

أهي زمن الهي أم بشري؟.

ولما انتهى حفل الاستقبال،طلب الرئيس حضوري  الى قصر الرئاسة.

وفي المساء المفعم بالأمل،توجهت الى هناك.

كان عدد من السفراء الفلسطينيين والإعلاميين في مقر الرئاسة، يلتفون حول الرئيس،قدمني الرئيس اليهم،ثم دخل غرفته،فتجمع حولي الاعلاميون في مقابلات متعددة حول الوضع في الأرض المحتلة.أخذت أتحدث للإعلام بلغة مميزة، أدهشت السفراء،وقف يسمعني سفير قطر الشيخ ياسين مذهولا، وقال لي:"بعد الكويت أنا أدعوك الى قطر"،فرحبت بالفكرة.ثم جلسنا مع الرئيس على مائدة العشاء،وبعد العشاء دعاني الرئيس في مقابلة خاصة.

غيوم بيضاء تكتنف السماء،أنظر اليها وهي مسافرة في مسافات الفضاء،تغطي اطلالة القمر الذي أعشق حضوره.أترقبه كلما عبر الزمان عبوره التقليدي،لأشعر بلحظات غير عادية،أعود بها الى ما وراء الذاكرة البنفسجية،لأطل على أزمنة متعددة،متعاقبة ومتقطعة.تعذبني الذكرى،وتقلقني الأشواق القريبة والبعيدة..

كان الأفق الأرجواني يلوح قريبا مني،وكأنما الأيام ما بيننا تكسرت وغاب مدها الطويل،واقتحمت اللحظات حياتي ثانية،لتخلد الى روحي في سكون.تجلت عظمة المساء، وهو يسدل ستائره الحريرية ليأخذني اليك..

وتأتي صورتك،أيها المعزز بفيض روحي اليك،المعتق صورة أزلية..

كان يوم تمنيت أن القاك،وأنا أعيش بحلم وواقع عبر رسائل..كان صوتك يأتيني من وراء كل الحواجز،يعبر الشباك،وصفارات الانظار والقهر  المداري،وعيون الليلك تخطفك الي في تسارع نبض في الفضاء الكوني.

وكلما صفقت أجنحتي لتطير اليك،كانت خطواتي تفوق البرق، رغم الاسلاك الشائكة.

كان ذلك اليوم الموشى بالورود،حين سمعت صوتك عبر الهاتف في الرابعة  صباحا،يدعوني الى مقر المجد في تونس،وأنا أتوجه الى الأصقاع النائية،ويحملني الأمانة.كان صوتك دافئا حنونا..

اذا كان للمحبة تعريف،فهو يبدأ منك،واذا كان لنا أن نكون في عبير الأمنيات وتجليات الوقائع،فأنت الذي صغت الواقع بكل دلال الجمال الذي لا ينطفيء نوره.خطواتي تدفعني،

وأتساءل،كيف سيكون اللقاء؟؟ 

دخلت عنده،لحظات كانت بوضاءة الروح وتجليات الشوق.كان يجلس قربه الأخ أبو الطيب،فقدمني اليه،نظرت اليه طويلا قبل أن أنبس ببنت شفة.خفقات القلب والروح يعلو ارتقاؤها، مشاهد ملائكية الأنا في شجرة العشق الأبدية،تأخذ روحها من روح العهد والوعد.وبعد صمت وتفكر،قدمت اشارات الفكر الالهي في المعنى المطلق للحب،قائلة:"يا والدي،قالت رابعة العدوية وهي تناجي الذات الالهية بوميض الروح والانتماء،وباشراقة الحنين الوضيء،

أحبك حبين،

حب الهوى،وحبا لأنك أهل لذاكا..

أما أنا،فأحبك لثلاثة

،حب الوطن

وحب الهوى

وحبا لأنك أهل أهل لذاكا.".

اغرورقت عيناه،وكنت آنذاك أعلق خارطة فلسطين الذهبية على عنقي،فقدمتها اليه.ثم نادى شاب من الحرس الخاص، وأمره باحضار شيء،جاء الشاب وأحضر له علبة صغيرة،فتحها الرئيس وألبسني خاتم الماس،وطلب من الأخ أبو الطيب أن يرعاني بشكل خاص.وفي تلك اللحظات أيضا،صرف لي الرئيس مهمة،احمر وجهي، وخجلت كثيرا واعتذرت عنها قائلة:"لست بحاجة الى أي شيء طالما انت بيننا،ان حضورك الالهي يكفيني،والحمد لله معي ما يكفيني ويزيد"-وحقيقة أن والدي كان يغدق علي حين أسافر خارج الوطن،وكنت دائما أحمل أضعاف ما أحتاجه-

فأجابني:"يا بنتي ثورتك مكلفة بك".

خرجت لمتابعة اللقاءات الاعلامية،وجاء السفراء يسألونني ماذا قلت للرئيس؟،ضحكت ولم أجب،ثم سألوا الأخ أبو الطيب،فأجاب:"انها تحدثت بلغة لم أفهم منها شيئا".

انها لغة أزاهير الروح والرياحين،وتدفق الياسمين.في أرض شكلها الربيع،وقلب تراقصت أنغامه على أمواج الهوى العذري المتجلي بلقاء الفرس بفارسها بأرض ضمخها أريج الثائرين.

أبو الطيب قائد قوات ال17حينما التقيته، تشكلت في روحي ومضات من الاعجاب بشخصيته،انه وسيم،متوسط القامة،رقيق الحديث،اهتم بي كثيرا بتعليمات الرئيس،وأرسل الأخ فتحي الرازم لمتابعة أموري- بعد أن غادر هو و السيد الرئيس.

لحظات من الوهج الانساني الذي يعبر من بين سطور السياسة، الى هذه الشخصية العسكرية في هدوئها النسبي والنوعي،وفي آفاق الفكر والتطلعات،والإرادة لتحقيق الحماية لفارس فلسطين، المتوج بأزاهير الروح في اشراقها وحلولها، وتوسدها الصعب، من أجل أن تظل روح الشعب الفلسطيني صاعدة نحو فجر اللقاء، والزفاف المعلن مع الأرض والتاريخ، والتي تستحق الاحترام..

وعند ظهر اليوم التالي،زارني الأخ أبو الطيب،ثم خرجنا وتناولنا طعام الغداء في مطعم على الشاطيء،ثم عبرنا مكانا للعطور،وانتقى لي عددا مميزا من العطور النسائية، وقدمها لي تقديرا.ثم دار الحديث بيننا ونحن ندور في الأسواق،والهواء العذب يعبر الينا، ويحرك خصلات شعري..امتد الحديث شجونا ،وسألني كم أحمل من السنين،فأجبته دون تردد،كنت آنذاك في ألق السادسة والثلاثين أعجبته صراحتي،ثم ودعني، ليغادر في اليوم التالي الى تونس،وظل الأخ فتحي الرازم يزورني كل يوم ليطمئن علي.

وظل التواصل السياسي والفكري معه من فلسطين، ومن أي مكان أكون به،حملت له كل احترام واعجاب،الى أن التقيته في تونس،في موقعه وهو يقود أمن الرئاسة بفروسيتها،ورجالاتها التي شكلت في روح الثورة الفلسطينية، وثبات نوعية،غمرت روحي بأمواج ألفة، تطوف في بحور الكبرياء وصفاء الروح وتوجس الذهن،في كيفية أن يكون الغد الموعود.

وحينما قدمني الأخ أبو الطيب للرئيس في اجتماعنا الأول في الكويت،التقط مصور الرئيس الخاص عددا من الصور التاريخية الهامة باجتماعي به،ومنها الصورة التي البسني بها الرئيس الخاتم،ولما طبعت الصورة،أخذها الأخ أبو الطيب، ووزع نسخا منها،فاشتدت التعليقات،وأشعر العالم بأنني مميزه،وأنه خصني بالحب الصوفي الأخاذ، في اختمار الروح بعبق المحبة والرعاية والحنان،وصفوة الروح في تجليات الوطن، وفارس الوطن،وهويحملني الرسالة.وانتشر العبق في كل مكان،في صيرورة المحبة الموشجة بأناقات الروح المتدرجة في سلالم الوعي والانتماء.

وظل فيض المحبة يعبر كل سويعات الزمن المبشر بالمستقبل المنسوج بالحرية والكرامة الوطنية.

كان في أعماقي آنذاك،أمواج من الحركة التي لا يوقفها الزمن،ولا يضعف كينونتها الأحقاد.أدركت خلال عملي السياسي، أن علي أن أسير دون التفات للحاسدين والحاقدين والمغرضين ،والتوجه نحو الهدف الأسمى الذي وجهني والدي اليه،دون ارباك الروح بالتأثر باطلات الغيرة المغيرة على الهدف،لتكسير الروح،وتفتيت بذور براعم الحب الذي يولد فينا في ارادة الهية سحرية، تنفذ الى الأعماق ،ولا تتوارى ولا تذوب،ولا تخشى إلا الأنا في محاسبة الذات واحتسابات.

كانت روحي تحرص كل الحرص على الحفاظ على صورة الفارس في فروسية الفردوس العائد،الفارس المحمل بكل مكنونات الفكرة،وإرادة السياسة البكر،واكتمال الفعل،والبلاغة السياسية والحنكة غير العادية في ادارة الأمور،وانتشال الواقع من شوائب الانكسارات. ليظل بريق الشمس في فجر اللقاء،وفجر الانتصار،وفجر العودة والزفاف الى عروس الكون فلسطين.

وفي تلك الأثناء،عرفني الأخ عزام على الأديب شهاب محمد،أمين سر اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الكويت،وطلب اليه أن ينظم برنامجي الثقافي.

  دعاني الرئيس ثانية في منتصف الليل،لحضور لقاء وفد من الصحفيين الدوليين.جلست وحادثت الصحفيين،وفجأة شعرت بالإرهاق،فأمر أن أعود الى الفندق لأستريح.

كانت الانتفاضة في  بدئها،والصوت الوطني يعلو، والتحدي يكبر.

وفي صباح اليوم التالي،نزلت الى قاعة الطعام، لتناول طعام الافطار،جلست على طاولة بهدوء،أحمل كتابا أطالعه،وأوراقا متناثرة..

كان المكان خاليا،وفجأة دخلت الى القاعة شخصية أعرفها،انه الممثل المعروف حسن حسني.ابتسم لي بهدوء،اقترب مني وطلب أن يتناول الافطار معي،رحبت به،ثم تعارفنا،وتحدثنا طويلا عن الوضع السياسي وعن الأدب والفن.

وبعد أن انتهينا من تناول طعام الافطار،دعاني الى فنجان قهوة لمتابعة الحديث الشيق الذي دار بيننا،كنت حينها على موعد للذهاب الى مقر الرئاسة،فاعتذرت له بكل أدب،ووعدته أن نأخذ القهوة بعد الساعة الواحدة،حينما أعود من المقر.

ثم قال لي معاتبا:"يا بنتي،هذه لحظات جمعتنا دون ميعاد،وهي الآن بيدنا،ولا ندري ماذا يكون بعد ذلك"،وكأنما تلك الكلمات استوقفتني،واذا بمندوب الرئاسة يصل،لملمت أوراقي،واعتذرت ثانية لألقاه في الواحدة،وخرجت. ذهبت الى مقر الرئاسة،وجلست مع الرئيس عرفات،وتحدثنا طويلا،وفجأة،نادى الرئيس أحد الشباب،وأمرهم بإعداد الطائرة للسفر ،وطلب اليهم أن يحضروا أمتعتي من الفندق،وتم ذلك،ثم غادرنا الكويت.

لم ألتق الفنان حسن حسني ثانية،وظلت كلماته ترن في أذني.."الوقت هو اللحظات التي نمسكها وعلينا أن لا نفوتها".

ومنذ ذلك الوقت، لم ألتقيه ثانية.

وظل فنجان القهوة بالانتظار..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف