الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أنشودة الوداع بقلم:د. أحمد محمد المزعنن

تاريخ النشر : 2017-06-28
دكتور أحمد محمد المزعنن
أنشودة الوداع
(من وحي عبير الذكريات في الوطن)

*****
أكُلُّ ما مضى انقضى ؟
أم ما مضى يعود؟
يا ليتَ بعض ما مضى يعود!
*****
في كلِّ عامٍ حينَ يُقبلُ الشتاء
تَلامَعُ البُروقٌ في الفَضَا وتقصفُ الرعود
وتُفرِغُ السماءُ كلَّ ما احتوتْه في عُروقِها
يَرُبُّ كانونُ بعصفِه منابتَ الشجر
فتمتلي الوديانُ والغدرانُ والحُفر
ويَلقحُ الثَّرى*
تَهَامَسُ البناتُ والأمَّاتُ والجدَّاتُ في حُبور
بِشارةً بموسمٍ تعْمُرُه الأعراسُ والأفراحُ والنذور
والكلُّ في انتظارِ ما يكِنُّهُ كانونُ في غيوبِه
من عاصفٍ أو قاصفٍ أو راعدٍ مزلزلٍ يُقطِّعُ السُّبل
وتمتلي مجالسُ السمر
من حولِ مجمرةٍ يفوحُ من يافوخِها دخان
يُطْبِقُ مثلُ خيمةٍ فيُشعلُ الدفءَ في المكان
وكلُّ مَنْ حولَها يلفُّه دِثار
يغوصُ في أعطافِه مُتمتمًا:
يا ليتَه لا يطلعُ النهار !
فبردُ كانونَ يُعطلُ الأحلامَ والكلامَ والأفكار
لكنه الثَّرى
يُعمقُ الإحساسَ بالبقاءِ والنماء
تمتصُّه الأشجارُ تُرسِلُه أنشودةً تؤجلُ الوداع.
تعلنُه بشارةً على الحياةِ والدوامِ والبقاء.
وينفثُ في نيسانَ روحَه مبشرًا بمولدٍ جديد.
فيملأُ الرُّبا نُوَّارُه وتنجلي ذخائرُ الربيع.
عن كلِّ ما أبدعه مُقسمُ الأرزاقِ في الورى.
تخْضَّرُ كلُّ تلةٍ وربوةٍ وتُزهرُ الوهادُ .
يفصحُ الرعاة حينَها عمَّا تكنهُ الصدورُ
من لواعج الغرام .
"يا بنتْ ردي غنَمْكِ عن اشكارتنا
ما ادري رماكِ الهوى ولا محبتنا !
يا حلو يا أبو الذوايب :لكْ زمان غايب
حرمتْ طرد الهوى من بعدكم تايب
يا بنت طرد الهوى بدو فظاوة بال .
وأنتِي طردتِ الهوى عا الفارغ البطال ."

*****
وحين تبتدي ذُكَاءُ تحترق.
وحرُّ أيّارَ يُلهبُ الأفُق.
وتنحني سنابل القمح في المروج والبطاح
تفتح خوابي الخزين صدرها لسرها البواح
يُنشدُ السُّمارُ في مواسم الحصاد:
"يا مِنْجَلي يا منجلي يا منجلي
باللهْ عليكْ تنجلي
يا منجلي يا بو الخراخش
منجلي في الزرع طافش."
"يا منجلي وادَّنى لي
مالي حيلة أمد إيدي"
فليس صيفُها إلا القصيدَ والنشيدَ والغُدوَ والإياب
مرثيةُ الهوى منقوشةٌ على زخارفِ الثياب.
على حفيفِ السنديانِ يعزفُ النسيمُ لحنَه الأثير.
و(الميجنا) تدعو(زريفَ الطول) نحو ظلِّها.
لكي يراقصُ(الدلعونةَ)المِغناجَ في حبورِها.
صوتُ (العَتابا والمِعَنَّى) والضُباح والصهيل.
في ساحة السُمَّارِ في المضمار ساعةَ الأصيلْ.
ليلُ السَّهارى طالَ حتى عانق النجومَ في سمائِها
وطافَ في فضاءِ الكونِ يرقبُ الأرواحَ في لقائِها
ويرصدُ الصباحَ علَّ من سوادِ الليل حين يُطبقُ الظلام
يبزغُ فجرُ الحبِّ والأفراحِ والسلام.

*****
وبعدَها تعودُ من جديدٍ قصةُ السفر.
في رحلةِ إلى الشمال والجنوب.
ثمَّ الجنوبِ والشَّمَالِ والشَّمَالِ والشَّمَالِ.
فقد وعَى ما قيلَ في قصائدِ الزمان:
شمَّلْ سنين،شمِّلْ سنين، شمِّلْ سنين.
جدِّدْ شبابَ القلبِ واعشقْ الشآم.
فقلبُه مُعلقٌ ببَرِّها وبحرِها وسحرِها.
متيمٌ بوِهادِها وجبالِها وسهلِها وغورِها.
أعياهُ سرٌ مودعٌ في تُرْبها وصخرِها
مجبولة بالعطرِ يكسوُ الطهرُ برَّها وبحرَها.
فلا يُطيقُ البعدَ عن مجالِها.
ساحرةٌ آسرةٌ تنفثُ روعةَ الوجيبِ في القلوب.
تُعطلُ العقولَ حين ذكرِها وتسحرُ الألباب.
وتأسِرُ العيونَ من عيونِها...تُحيِّرُ الأفهام.
فيعجزُ اللسانُ،أَعياهُ قصورُ البوْحِ بالكلام.
*****

ويبدأُ السؤال من جديد
يا ذلك الذي مضى ولن يعود!
يا ليت بعضَ ما مضى يعود!
يا حُلمَ ليلةٍ صيفيةِ النَّدى ريانةِ السمَر
تضمختُ بعطرِها ولهانةً تُعانقُ الوتر
باتت تناجي الفجرَ ترقبُ النجومَ والقمر
أمضَّها السُّهادَ في انتظار بهجةِ النظر
تطوي الجناحَ في التياعٍ أجهدَ البصر
وتنسِجُ العبيرَ بُردةً لغائبٍ أطالَ في السفر
لما تدانى الفجرُ من شبَّاكِها توقفتْ عن حُلْمِها
وأغلقت مع الصباح كلَّ أسرارِ السهر.
*****
يا ناثرَ البذارِ في تشرينَ ترقبُ الغمام
تصالبتْ شمسُ الخريفِ مُؤذنةً إلى غروب
وأقبلتْ سحائبُ الثَّرى مع عودةِ الطيورِ واليمام
رفوفُها تُلوِّنُ الفَضاءَ والأديمَ والسماء
هديلُها صفيرُها نِداؤها يسابقُ الزمان
يحثُّ كلَّ مَن لديه بذرةٌ يُودِعَها محاضنَ البِذار
من قبلِ أن تلفَّها تخنقَّها مراسمُ الوداع
فالكلُّ يرقبُ النجومَ والظلالَ والقمر.
يُهيءُ الحِبالَ والأَحمالَ...
والجمالُ ساجعةٌ...
تئِنُّ من وُطْءٍ على شَواغرِ الرِّحال.
تأبي فراقَ البيتِ والدِّيارِ والذِّمارِ والرِّمال.
لكنها تَقِرُّ حينَ ساعةَ الوداعِ تنحني رقابُها.
مُدركةً بأنَّ كلَّ ما أتى إلى وداع.
*****
ويبدأ التمني والترجي والسؤال
يا ليتَ بعضَ ما مضى يعود !
تبسُمُ الأزهار للندى ونُضرةُ الورود!
وحَوَرُ العيون غارَ من تورُّدِ الخدود!
وضحكةٌ وسنانة تختزلُ الوجود!
*****
يا ذلك الذي مضى ولن يعود !
يا عمرَنا الذي ولَّى كلمع البرق في النجود !
ما كان ضرَّ لو أنبأتَنا عن زمن الجحود؟
عن غربةٍ تقطعتْ حبالُنا فيها وليس من يجود!
عن نسمةٍ غربيةٍ تمردت على حواجز اليهود.
في أي فجرٍ أُودِعتْ أسرارُ رحلةِ الخلود؟
في أي نجمةٍ نأى بك المزارُ رائحًا وغاديًا؟
في أي زهرةٍ تفتحتْ أكمامُها للمسةِ العبير؟
تمايلتْ أعطافُها تتيهُ في مهدٍ من الحرير.
في أي قطرةٍ نديةٍ نلقاكَ ترقبُ المصير؟
أهَلْ لما مضى من رجعة تُجددُ الزمان والعهود؟
أم ما مضى قد حالَ بيننا وبينه سدود؟
وانتصبت موانع المحال دونه وارتفعت حدود؟
أيدفِنُ الفناءُ كلَّ ما مضى في ظلمةِ اللحود؟
من التراب مَبدءًا وللثرى يعود!
*****
يا ذلك الذي مضى ولن يعود !
يا أيها الذي قد كان عالَمًا من نسج أحلام الصِبا!
ويا عبيرَ وردةٍ مع الصباح ساقَه الصَبَا!
يا حُلمًا على رمالِ الشاطىءِ السحريِّ
كان للفؤاد ملعبا!
في أي جدول تنثالُ سلسبيلاً رائقًا بَرود؟
أو قاربًا تباعدَ المدى به منطلقًا يرود؟
جزائرَ المَحارِ والمرجانِ يرتجي بأن يعود؟
وقد تكسَّر المجداف منه يرقب الغيوب
ويرفعُ الأكفَّ للسماءِ يرتجي بأن يؤوب!
اطوِ الشراعَ واكسرِ المجدافَ:
إن ما مضى انقضى...
ولن يعود!
وينهض السؤال من جديد:
يا ذلك الذي مضى ولن يعود؟
يا ليت بعض ما مضى يعود !
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف