الأخبار
ما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"الصحة: خمسة شهداء بمدن الضفة الغربيةخالد مشعل: ندير معركة شرسة في الميدان وفي المفاوضاتمفوض عام (أونروا): أموالنا تكفي لشهرين فقط
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مجتمعنا وحرب النجوم !! ج1 بقلم:د. محمد بنيعيش

تاريخ النشر : 2017-06-28
  مجتمعنا وحرب النجوم !!!
    (سحر ودجل وتبادل هجوم)

       (الجزء الأول)

الدكتور محمد بنيعيش

كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة المغرب


  أولا: وقفة تأمُّلية حول السحر ومحدداته

1) إن الحديث عن موضوع السحر قد يبدو مزعجا من كل جوانبه،سواء على مستوى خطورة الموضوع وتموضعه بين حكم الشرع ورأي العقل أو على مستوى سلبيات آثاره المتوقعة عند الإثبات أو النفي على حد سواء.وهو يمثل قضية قديمة معاصرة، ولكنها متكاثرة متطورة،حتى قد أصبحت ظاهرة عالمية هي في الغرب كما في الشرق قد تقتضي استنفار وتعاون رجال الأمن والسياسة والطب وعلماء الدين والنفس والاجتماع ... كما أن المدعاة إلى التطرق له دراسة وتحليلا ليست مجرد ترف فكري أو فضول عقلي محض وإنما هي نتيجة مؤشرات وظواهر قد أصبحت جد مكثفة لحد التواتر والتوتر وذلك من خلال ممارسته سرا وعلانية ، عقدا وفسخا، رصدا وإبطالا ، وهو ما أدى إلى حدوث نوع من الخواف الاجتماعي،يمكن أن نعبر عنه بخواف السحر أو فوبيا السحر والشعوذة . حتى إنه قد اختلطت الأوراق وتداخل السحر المحقق مع الوهم الممزق ،وأسقط حال هذا على ذاك وذاك على هذا،مما يعني الدخول في متاهات الهوس النفسي والاجتماعي وتراكم الهلوسات والخرافات حكاية وادعاء وتصديقا وتسليما ...

 إن مبدأ السحر ببساطة تعريف هو:محاولة السيطرة على الآخر من خلال السعي الخفي للتحكم في مخيلته وتوجيهه حسب القصد،قريبا جدا من مسألة التنويم المغناطيسي المعروف طبيا،ولكن من أجل غاية خبيثة واستدراج ماكر!وهذا ربما يتم إما بأعمال ظاهرية وخفة يدوية واستعمال مواد زئبقية وبلورية قد تضعف كمال الرؤية وتوقعها في مِخلط التشكيل الوهمي بحسب مقصد الساحر ونيته في هذا الإجراء،وإما أن  يكون بعمل غيبي في دائرة الكونية الخفية،قد توظف فيه أرواح غير مرئية ذات خاصية سلبية وشريرة قد عبر عنها الإسلام بالجن والشياطين والعفاريت،وربما تكون فيروسات،على سبيل الإيحاء والوسوسة الأرضيين.

فالصورة الأولى عبارة عن مسألة فيزيائية بصرية وكيميائية بالدرجة الأولى ، تنبني على السرعة في التقليب وتمرير المواد بشكل قد يغفل عن ملاحظته وملاحقة أطواره الرائي،وذلك بالانتقال من شكل إلى شكل آخر مخالف له ومناقض لطبيعته ومثير للإعجاب والاستغراب . وهذا ما نص عليه القرآن الكريم عند وصفه لحال السحرة الذين كانوا في عهد الرسول سيدنا موسى عليه السلام وطريقة إجرائهم :(قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيُّهم  يخيل  إليهم من سحرهم أنها تسعى)[1] ، سيفسره ابن حزم الأندلسي بأن :"عمل أولئك السحرة إنما كان تخيلا لا حقيقة له،وقال تعالى:(إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)[2].فأخبر تعالى أنه كيد  لا حقيقة له.

وهكذا جاء الوصف لإجراء السحرة ومستوى نفوذهم على ذوات الأشخاص في قول الله تعالى :(سحروا أعين الناس  واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم)[3].بحيث إن السحر من هذا النوع قد لا يتجاوز التأثير على حاسة البصر بالدرجة الأولى،بل ربما يتخطى إلى السمع من إيهام صوتي بالصدى الذي تخلفه الآلات والأدوات الموظفة في هذا النوع من السحر.وطبيعي أن الخيال قد يتشكل بحسب معطى الحواس والأداة اللاقطة لما في الخارج،بل هو يؤلف بين الصور المتناثرة والمتسارعة ليخرج صورة خيالية خاصة به،والتي قد تكون هي المكونة لنمط التفكير وحكم العقل لدى الرائي أو السامع على حد سواء ،وهذا ما  نص عليه القرآن الكريم ب:(يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى).ولئن كان هذا الخيال قد حدث لنبي ورسول فإنه سيكون عند من هو أقل فطنة واستبصارا أكثر حضورا وتأثيرا وتوجيها قسريا لحد التسليم الكلي بالظاهرة الوهمية على أنها حقيقة وليست مجرد خيال،وبالتالي سيصبح المسحور تحت سيطرة الساحر من جهة الاسترهاب وفرض الوهم على الأمر الواقع.وهذا المعنى قد لخصه فخر الدين الرازي بأنه "عبارة عن التخيلات والأخذ بالعيون والشعبذة ،ومبناه أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره ،ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه ، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه ،عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة ،وحينئذ يظهر لهم شيئا آخر غير ما انتظروه،فيعجبون منه جدا ،ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريده أن يعمله ،ولم تحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه،لفطن الناظرون لكل ما يفعله"[4].

 إن البصر والمخيال شبه متلازمين في مجال السحر كما أن الخدش في المخيلة لا علاقة له بالجوهر الروحي للشخص وقدراته العقلية ومكنوناته القلبية والمعرفية ،اللهم إلا إذا صدق الشخص ذلك الخيال وجزم به إرادة وحكما معرفيا وحقيقة ثابتة،فحينئذ قد يصبح السحر الخيالي مضرا ومؤثرا سلبا على الوعي العام لصاحبه ومقامه العلمي والروحي...هذه الإثارة على مستوى الخيال شأنها كإثارة المشاعر من غضب ومحبة وشوق ونفور بوسائل طبيعية مستحقة من قريب ،إذ لا يمكن للشخص أن يتحكم فيها كلية كما عبر عنه النبي سيدنا محمدsفي قسمه بين زوجاته"عن عائشةg أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعدل في القسم بين نسائه،وكان يقول: اللهم هذا قسمي في أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك"[5] أو كما قال عن النسيان:"إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون  فإذا نسيت فذكروني"[6].وعن الغضب:"إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر و أغضب كما يغضب البشر"[7].

والنص صريح وواضح الدلالة وقطعيها مع الثبوت في قصة سيدنا موسى عليه السلام عند قول الله تعالى :(يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى )،ومن ثم فلم يقل القرآن بأنه قد سُحر وفقد أهلية النبوة والرسالة بهذا الأثر السحري،وإنما بقي الانعكاس في حكم الخيال ،الذي هو سريع الزوال والانسحاب أثرا وتأثيرا،أي أنه مجرد وهم وحركة سريعة تحدق بالقوة الواهمة الموجودة في الإنسان بتأثير خارجي عارض كالسحر مثلا ،أو بداخلي كهواجس النفس الأمارة بالسوء والهلوسات الناتجة عن اضطرابات النوم وما إلى ذلك ،والتي هي ذاتية سرابية على كل حال.

   2) ومن هذا التفسير مع الارتكاز على حال سيدنا موسى عليه السلام نرد وندحض مزاعم بعض من طعنوا في رواية البخاري الصحيحة السند والثبوت سبق وتحدثنا عن منهجه وقوته،وذلك حينما يرفضون سحر لبيد بن الأعصم للنبي سيدنا محمدs،بزعم أنه إذا جاز عليه هذا النوع من السحر فقد يتعارض مع النص القرآني الذي ينفي أن يكون النبي أو الرسول مسحورا،والذي قد رد به على الكفار الذي كانوا يسعون إلى استنقاص مقام النبوة بإسقاط هذا الوصف السلبي على صاحبها كذريعة لرفض الدعوة واتهامه  بالخلل النفسي والروحي والسلوكي  المفقد لأهليته في ذلك. لكن الأمر ليس كما يتوهمون،إذ النبوة ومضمون الرسالة حقيقة ثابتة ، وموقعها من شخص النبي ثابت وقار في قرار مكين وهو :( إنه لتنزيل رب العالمين  نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)[8].بينما السحر شعوذة وتشكيل وهمي قد يلعب على المخيلة ويقتنص مكامن ضعفها وهوان إرادة من تسلط عليه شياطين السحر وطلسماته وخواصه المغناطيسية أو الروحانية على حد سواء...

      والنص الذي ورد في صحيح البخاري هو أكثر دقة مما عبرنا في وصف هذا النوع الذي سحر به النبيsمع استعمال الفعل المرتبط بالمخيلة كما أخرجه:"عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر رسول اللهsرجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله s يُخيَّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه،أتاني رجلان فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب .قال:من طبه ؟ قال:لبيد بن الأعصم .قال:في أي شيء؟قال:في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر،قال:وأين هو؟قال:في بئر دروان.فأتاها رسول الله s في ناس من أصحابه.فجاء فقال:يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين.قلت :يا رسول الله أفلا استخرجته؟قال:قد عافاني الله،فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا.فأمر بها فدفنت"[9]. وإنه لرد موضوعي وعلمي هذا الذي ذهب إليه القاضي عياض في المسألة حيث تساءل:"فكيف حال النبيsفي ذلك وكيف جاز عليه وهو معصوم؟ . فيجيب:"اعلم وفقنا الله وإياك أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وقد طعنت فيه الملحدة وتذرعت به لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع،وقد نزه الله الشرع والنبي عما يدخل في أمره لبسا، وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته.وأما ما ورد أنه كان يُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله فليس هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته أو يقدح في صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضل من أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر...ولم يأت في خبر أنه نقل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله وإنما كانت خواطر وتخييلات..."[10].

إذن فموضوع السحر مسألة واقعية وثابتة بحكم الشرع والتجارب الإنسانية منذ القدم كما نص عليه القرآن الكريم بقوله :(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس  السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن  الله  ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ،ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق،ولبيس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)[11].

ثانيا:مخاطر السحر  وإشكالية كشفه ووصفه

1) فالسحر فتنة وابتلاء،وهو مرتبط بالعقيدة بحسب منطوق النص ومدلوله ، كما أن المرتادين له هم ممن لا خلاق لهم في الآخرة (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى)[12]،هذا من جهة العقيدة ،أما من جهة السلوك فإنه يمثل غدرا وطعنا من الخلف من أسوأ الطعون فيوقع الساحر بصاحبه من منطلق جبان وخبيث لا يليق بكرامة الإنسان وما ينبغي أن يتحلى به من أخلاق وفضائل .في حين قد يمثل السحر إرهابا روحانيا ونفسيا بسبب تسليط الشياطين على مخيلة المسحور والإضرار به عصبيا والتضييق على منافسه النفسية، لغاية أن يصبح مكبلا أو كأنه مقبورا وهو فوق الأرض، فتتعطل مصالحه وتطلعاته ويصبح في دوامة المقارعة ومطاردة المجهول وتوقع الأسوأ في كل لحظة وحين من غير حول ولا قوة في المواجهة والكشف الواضح عن العدو ومباغتاته.ناهيك عن الأضرار الجسدية والمادية المترتبة عن هذه الإذاية والتي قد تتطور إلى أمراض مزمنة وخبل وضياع للمال والأعمال،والذي ستكون له انعكاسات عامة على المجتمع ككل،حيث يتقلص أو يغيب الإنتاج وينقطع التعاون وتكثر الشكوك والتوجسات والانزلاق في أتون الاتهام والاتهام المضاد والإنكار، والتعجيز عن الإتيان بالدليل حيث لا يوجد ملموسا ولا تعترف به المحاكم والقوانين الوضعية عند التحاكم وتوجيه الاتهام !

هكذا إذن قد أصبح السحرة طليقي الأيدي والنوايا في الإذاية والتنكيل أو ابتزاز كل من يحلو لهم ابتزازه على شكل مسلسل دوري ينتقل به صاحبه من سيء إلى أسوأ،لأن تعاطي السحر يكاد يشبه الإدمان على المخدرات والعادت السيئة التي تهواها النفوس المريضة حتى يصير مرضا مزمنا يتعذب ويُعذب ولا رادع ولا مؤدب.

2) إن هذا التوصيف ليس من نسج الخيال أو هو من منقولات الحكايات وإنما هو الواقع الذي نذوق عن قربٍ مرارته في مجتمعنا المسمى زعما بالإسلامي ،ولكن ما أبعده عن أحكامه وتحكيمه،وخاصة في مثل هذه القضايا المحرجة والمضرة بالعلاقات ،وخاصة الأسرية، أيما إضرار،حتى لقد أطلقنا على هذه الظاهرة مصطلح "مجتمعنا وحرب النجوم ! "ولكن أي نجوم هاته؟.إنها ملَوَّنات ومفرقعات البخور والروائح الكريهة واستعمال الفاسوخ والماسوخ والتاسوخ وكل عقاقير ملوثة ونتنة بزعم الإبطال أو التحبيب أو التهييج والترهيج ،كما يصطلح عليه عيانا وعلى مرأى ومسمع من الجمهور ولا أحد يغير أو يردع من سلطات أو علماء أو وجهاء وعامة...

نعم إن السحر يحتاج إلى تشخيص شأنه شأن الأمراض الباطنية والنفسية وغيرها حتى يمكن علاجه وتفادي مضاعفاته،كما أنه قد يتطلب معرفة السبب الرئيسي وراءه أو الفيروس المسبب للمرض وهذا يقتضي متخصصا وبارعا في استخراج المخفي والمتستر وراء الأثر في ذلك ،وذلك من نموذج ما ورد في الحديث النبوي وكيف أنه استفتى ربه فأفتاه بحقيقة الأمر وبذلك تم الإبطال وكبت المفعول أو إعدامه.وهذا النموذج يقتضي طهارة روحية وشفافية في الرؤية والرؤيا معا حتى يتم اقتلاع العلة من جذورها،وهو الأمر الذي سار عليه السلف الصالح وأقطاب المعرفة من هذه الأمة ،أذكر في هذا المقام قصة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وما أصابها من سحر وكيف تم علاجها من خلال رواية الإمام مالك بن أنس في الموطأ:"أن عائشة زوج النبي sكانت أعتقت جارية لها عن دبر منها .وأن عائشة بعد ذلك اشتكت ما شاء الله أن تشتكي ثم إنه دخل عليها رجل سندي،فقال لها :أنت مطبوبة ،قالت عائشة:ويلك،و من طبّني؟.قال:امرأة من نعتها كذا وكذا،فوصفها ،وقال :إن في حجرها الآن صبيا قد بال،فقالت عائشة :ادع لي فلانة جارية لها كانت تخدمها،فوجدوها في بيت جيران لهم في حجرها صبي . قالت:الآن حتى أغسل بول هذا الصبي، فغسلته ثم جاءت ،فقالت لها عائشة : أسحرتني ؟ قالت نعم ! قالت :لم ؟ قالت :أحببت العتق، قالت :فوالله لا تعتقن أبدا،ثم أمرت عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها.قالت:ثم ابتع لي بثمنها رقبة ثم أعتقها،فقالت عمرة:فلبثت عائشة ما شاء الله من الزمان ثم إنها رأت في المنام أن اغتسلي من آبار ثلاث يمد بعضها بعضا،فإنك تشفين ،فدخل على عائشة إسماعيل بن أبي بكر وعبد الرحمن بن أسعد بن زرارة،فذكرت لهم عائشة الذي رأت ،فانطلقا إلى قناة،فوجدا آبارا ثلاثة يمد بعضها بعضا،فاستقوا من كل بئر منها ثلاث شجب حتى ملأوا الشجب من جميعها.ثم أتوا بذلك الماء إلى عائشة g،فاغتسلت به فشفيت"[13].

3) هذا الحديث قد يعتبر لبنة أساسية وواقعية في تحديد التعامل مع السحر والسحرة والكهان المخبرين أو المكتشفين لأمر السحر على سبيل التخمين والظن غير المفسر مصدره.بحيث يؤكد على أن السحر حق وثابت ومؤثر على الصحة والتوازن النفسي وخاصة عنصر المخيلة كما وسبق التحليل،في حين يبين إمكانية اكتشافه واقعيا ولكن من غير حجة قضائية معترف بها في الواقع،طالما أن الدولة أو القضاء لم يدخل مثل هذه الإثباتات في قائمة الأدلة الموجبة للإدانة، كما كان الشأن حول موضوع القيافة ودورها في إثبات النسب ابتداء،لكنها مع ذلك قد توظف استئناسا!

فالرجل السندي الذي صرح بهذه الحقيقة من وراء حجاب أو بواسطة أحد الأقارب قد استقبل قوله باستنكار من طرف السيدة عائشة أم المؤمنين gحينما قالت :"ويلك ! ومن طبَّني؟" في حين لم تصدق ولم تكذب الخبر إلا بعد استدعاء الجارية والتحقق من الأمر باعترافها، والاعتراف سيد الأدلة ! لكن في نفس الأمر فقد كان هذا التخمين، ولا أقول التكهن، باعثا على البحث وتقصي الحقيقة  وتعقب الجاني حتى ثبتت إدانته وتمت معاقبته بالطريقة الشرعية المناسبة وبحسب رأي القضاء والفقه ومتطلبات الواقع ،وليس في هذه المرحلة والنازلة من هو أقضى وأفقه من السيدة عائشة أم المؤمنين g.

فلقد اتخذت أم المؤمنين الإجراء العقابي  ولم تتوانى فيه قطعا لدابر هذه الآفة المضرة بالنفس والمجتمع،وكما يلاحظ فقد كان العقاب في صورة نفسية و اجتماعية وهو العمل على نقل الجانية من مكان الرحمة والتسامح والرأفة إلى مكان الضيق والتنكيل النفسي كمناسبة بينه وبين أثر السحر على النفوس وتضييقه للصدور وما إلى ذلك من أعراض تتفاوت حدتها بحسب نوعه وخبثه.

من هنا فلا ينبغي أن يتخذ هذا الكشف من السندي على أنه سند قوي لتعاطي ما يتعاطاه زاعمو إبطال السحر من خطوط ،كما قد يصطلح عليه بخط الرمل الذي كان في البداية يتم على الرمل ثم تحول إلى رموز وحروف ورقية متعددة الأشكال ،من أكثرها استعمالا الخط الذي يشبه حرف الراء أو قرن الغزال كما وصفته بعض الكتب التراثية.ويقول عنه أحد تلامذة داود بن عمر الأنطاكي في ذيل التذكرة مادة (رمل):"علم موضوع على الرمل وهو النقطة وذلك أن البحث عنها من جهتين وهما الزوج والفرد وهما أعراض ذاتية ومحلها البيوت والأشكال حالة فيها والمحل مقدم على الحالّ...وأول ما نزل به جبريل عليه السلام على إدريس وبعده نوح عليهما السلام و روي أنه خط نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،وقد اعتنى به كثير من العلماء وأثبتوه نظما ونثرا من المتقدمين والمتأخرين..."[14].

فالملاحظ على كاتب هذا الذيل أنه يريد إعطاء المشروعية لهذا الإجراء من خلال الإشارة إلى حديث معاوية بن الحكم قال:"قلت يا رسول الله إني حديث عهد بالجاهلية وقد جاء الإسلام،وإن منا رجالا يأتون الكهان،قال:فلا تأتهم. قال:ومنا رجال يتطيرون؟قال:ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم. قلت:ومنا رجال يخطون ، قال:كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق مثل خطه فذاك"[15].

كما أن الشيخ محيي الدين بن عربي قد عرض في كتابه الفتوحات المكية نموذجا من هذا الخط،وهو مرسوما بحرف الراء ، واعتبره صحيح النتيجة وأنه قد لا يتعارض فيها مع حكم الشرع،وذلك من منطلق رؤيته عن التوسع المعرفي وتعدد منافذه وطرقه،ولكن مع ذلك فقد يبقى ظنيا مهما أصاب الحقيقة ومناسبة الواقع كشفا وإخبارا...

ولقد قال النووي بشأن الحديث:"اختلف العلماء في معناه،والصحيح أن معناه:من وافق خطه فهو مباح له،ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة،فلا يباح.والمقصود أنه حرام،لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة،وليس لنا يقين بها ،وإنما قال النبي s: (فمن وافق خطه فذاك.)ولم يقل هو حرام من غير تعليق على الموافقة،لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان  يخط ،فحافظ النبي s على حرمة ذاك النبي،مع بيان الحكم في حقنا ،والمعنى :أن ذلك النبي لا مانع في حقه،وكذا لو علمتم موافقته،ولكن لا علم لكم بها.وقال القاضي عياض: "المختار :أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته فيما يقول،لا أنه أباح ذلك لفاعله"،قال:ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا".ثم قال النووي:"فحصل من مجموع كلام العلماء فيه:الاتفاق على النهي عنه"[16].


 [1]  سورة طه آية65
                                                                                                                                                                   [2]  سورة طه آية 69        

[3]  سورة الأعراف  آية 116    

  [4]   نقلا عن مختصر ابن كثير ،محمد علي الصابوني،دار القرآن الكريم بيروت المجلد الأول ص100             

[5] رواه الحاكم وغيره

[6] رواه البخاري في كتاب الصلاة

[7]  رواه مسلم في كتاب البر والصلة

[8]  سورة الشعراء آية 192-195

[9] رواه البخاري في كتاب الطب   

  [10] القاضي عياض:الشفا بتعريف حقوق المصطفى،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ج2ص181

[11]  سورة البقرة آية 101

[12] سورة طه آية 68

[13]   موطأ مالك باب بيع المدبر

[14]  الأنطاكي :تذكرة الأنطاكي،ذيل التذكرة لأحد تلامذته   ص166

[15]  رواه مسلم

[16]   شرح النووي على صحيح مسلم(5 / 23)

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف