العيدُ وافَى ...
للأستاذ الشاعر : شريف قاسم
للأستاذ الشاعر : شريف قاسم
العيدُ وافى فجرُه الرَّبَّاني | بالعفوِ ــ يغشى الناسَ ــ والغفرانِ | |
وَتَقَبُّلِ الطاعاتِ ممَّن أحرزوا | جَنْيَ الثِّمارِ الحُلوةِ الألوانِ | |
يسقي التُّقاةَ رحيقَ عفوٍ ريِّقٍ | من كأسِه العَذْبِ الشَّهِيِّ الهاني | |
فتكادُ زَفْرَاتُ القلوبِ يردُّها | مافيه من بردٍ ومن تحنانِ | |
وافى صباحُ العيدِ رحبَ ديارِنا | والناسُ في محنٍ وفي أحزانِ | |
ففرشتُ أحنائي له جيَّاشَةً | بشذا الهدى ونسائمِ الإيمانِ | |
ودفَنْتُ آلامي ، وثُكلي والأسى | ونسيتُ مافي النفسِ من أشجانِ | |
قد جاءَ واستَقْبَلْتُه بحفاوةٍ | وبنبضِ شوقٍ جالَ في شِرياني | |
ماضاقت الدنيا عليَّ وإنَّمـا | هي جمرةُ استعدائها الشيطاني | |
مازلتُ أنعمُ في ظلالِ مكانةٍ | ألفيتُ فيها نعمةَ السلوانِ | |
يتقبلُ الطاعاتِ ربِّي إنَّـه | لايرزأُ الصَّوَّامَ بالخسرانِ | |
مازلتَ ياصوَّامُ عنوانَ الهدى | متلألئًـا عبرَ المدى الإنساني | |
ترقى بهمَّةِ مُدْلِجٍ ، تسعى إلى | قِممِ المآثرِ عابقَ الأردانِ | |
فهي المنازلُ في الحياةِ لِمَنْ وعى | معنى الإخاءِ ولا يعيشُ أناني | |
أبشِرْ فإنَّ اللهَ آثَرَ عبدَه | هذا على مَن عاشَ في حرمانِ | |
مادمْتَ للإسلامِ تحيـا فاعلَمَنْ | ياصاحِ أنَّـك في الطريقِ الهاني | |
ستزولُ أيَّامُ البلاءِ وينجلي | ليلُ الشقاءِ وعاصفُ الخِذلانِ | |
ويغيبُ وجهُ الظلمِ عن آفاقِنا | ويزولُ ما للشَّرِّ من شنآنِ | |
ويغادرُ الطاغوتُ طهرَ ربوعِنا | وفسادُه الأعمى من البلدانِ | |
تستبشرُ الأيامُ بالعيدِ الذي | ميثاقُه الغالي حديثُ أمانِ | |
مدَّتْ له آفاقَها وتبسمتْ | في صبحِه الزَّخَّارِ بالرضوانِ | |
يافيضَ لطفِ اللهِ ، ياعيد الهنا | ورسالةَ الرحماتِ في الفرقانِ | |
ياومضةَ الحُسْنِ الفريدِ لأُمَّةٍ | من مفرداتِ الحُسْنِ هذا الحاني | |
فبك انتشتْ تلك الصدورُ وقد طوتْ | من قبلُ حُلْوَ الحُسْنِ في الأجفانِ | |
نامتْ على مُـرِّ المصائبِ واكتوتْ | بلهيبِ جمرِ الثُّكلِ والبهتانِ | |
فالعيدُ آلاءٌ ، ونعمى لم تزل | للأُمَّـةِ الثكلى بكلِّ أوانِ | |
ماضرَّ يومَ العيدِ لفحُ مكيدةٍ | منسوجةٍ بمغازلِ الصلبانِ | |
أو عاقَ فجرَ بزوغِه كيدُ الأذى | أو مكرُ صهيونيةِ العدوانِ | |
أو كِبرُ طاغٍ أو وقاحةُ فاسقٍ | أو غدرُ مأروضِ الرؤى خوَّانِ | |
هي أُمَّتي والله حصَّنها بما | في الوحيِ من صدقٍ ومن عرفانِ | |
بالسُّنَّةِ الغرَّاءِ هَدْيِ مُحَمَّـدٍ | صلى عليه اللهُ في الأحيانِ | |
بالصحوةِ الكبرى يلوِّحُ أُفقُها | بالفتحِ رغمَ تكالبِ العبدانِ | |
بالوعيِ حصحص حقُّه وصريحُه | يَسفي نعيقَ أسُيْحمِ الغربانِ | |
شُمُّ الأُنوفِ شبابُنا و بناتُنا | ما أذعنوا للزيفِ والبطلانِ | |
يرنون من بينِ الكُوى ضاقتْ على | أوطانِهم لرعايةِ الرحمنِ | |
حيثُ اطمأنُّوا ، والجراحُ سخينةٌ | ويحَ الجراحِ ، وَيَالَذَاكَ القاني ! | |
القلبُ راضٍ ، والنفوسُ عزيزةٌ | وهو الثباتُ يُصاغُ بالإيمانِ | |
فالعيدُ بشَّرَ أهلَ مِلَّتِه بمـا | في الوعدِ ، وعدِ اللهِ في القرآنِ | |
وبوعدِ خيرِ الخلقِ سيِّدِنا الذي | ملأتْ فضائلُه ذُرَى الأعنانِ | |
سيعودُ حكمُ الشَّرعِ في الدنيا ولن | تُبقي الحقيقةُ كذبةَ الشيطانِ | |
وسَتُسْلِمُ الأمصارُ للهِ الذي | برأ الخلائقَ مالـه من ثانِ | |
*** | *** | |
يا أُمَّتي : واللهِ لم أكتبْ سوى | مافي يقينِ المؤمنِ اليقظانِ | |
هذي بشائرُ ماوجدتُ بمصحفي | وثمارُ شكوى الجرحِ في شِرياني | |
هذا نداءُ أحبَّتي تحت الثَّرى | الشَّاهدين على أذى الطغيانِ | |
مَن أعدمَتْهُم مُديَةٌ ملعونةٌ | يجري بها الحقدُ الدفينُ الجاني | |
هاهم أمامي لاتغيبُ وجوهُهُم | والبِشْرُ في قسماتِها يغشاني | |
نفحاتُهم مِسْكِيَّةٌ ماغَيَّبَتْ | شذوَ الطيوبِ لِفافةُ الأكفانِ | |
شهداؤُهم أحياءُ عند اللهِ قد | فازوا بدارِ الخُلْدِ بالتيجانِ | |
وَيُبَشِّرُون الصَّابرين بجنَّةٍ | فيَّاضةٍ بالحورِ والوِلدانِ | |
ألاَّ يخافوا ، فالكريمُ أعدَّها | لجنودِ أحمدَ ، خيرةِ الفرسانِ | |
لعصابةٍ بقيتْ على الحقِّ الذي | عاشَ النَّبِيُّ عليه دونَ توانِ | |
والعيدُ حلَّ وما وَنَى أهلُ الهدى | إذ هلَّ نورُ صباحِه الرباني | |
بالشَّدوِ لاستقبالِه طوبى لِمَن | يلقاهُ بالتكبيرِ عَذْبَ لسانِ | |
لَهْفِي على أطفالِهم هاهم على | وهجِ الخطوبِ السُّودِ في الأوطانِ | |
لَهْفِي عليهم يبسمون وإنما | لوجوهِهم بالآهِ وجـهٌ ثانِ | |
رحماكَ ربَّ العرشِ إنَّـا أُمَّةٌ | تاهتْ بمهمهِ قسوةِ الطغيانِ | |
وكأنَّمـا خوت العزائمُ ، وانطوى | ماكان من عزمٍ ومن شجعانِ | |
تجثو على اليأسِ المعربدِ غمرُه | وتمورُ بعدَ الثُّكلِ في الطوفانِ | |
تشكو وفي فمِها الحروفُ تلعثمتْ | فإذا هي الزفراتُ في التبيانِ | |
ربَّاهُ لم تُجْدِ المدامعُ ثَـرَّةً | أو تُشْفَ من جرحٍ تَشَخَّبَ قانِ | |
فارحمْ إلهي ضعفَها بعزيمةٍ | فيها تردُّ نوائبَ الحَدَثانِ | |
وتثيرُ في أحنائها روحَ الفدا | لتزيلَ مافي الأرضِ من أوثانِ | |
فالجاهليَّةُ في رباها استبسلتْ | بالكفرِ والإفسادِ والأضغانِ | |
وبلؤمِها وبعربداتِ عُتاتِها | وبكلِّ مافي الفسقِ من ألحانِ | |
وبهذه الأهوالِ تجتاحُ المدى | أعني مداهـا المُستباحِ الواني ! | |
ياربِّ شكوانا إليك فليس من | ركنٍ إليهِ نلوذُ في الميدانِ | |
ها قد تداعتْ ربُّنـا أممٌ على | بلدانِنا ، فالموتُ في البلدانِ ! | |
والذبحُ والتشريدُ باتَ هوايةً | للمجرمين وعابدي الشيطانِ | |
فارحم تضرُّعَنَا وأدرك حالَنا | في ظلِّ عفوٍ ــ يُرتَجَى ــ فينانِ | |
فالعيدُ تختلجُ القلوبُ لطيفِه | مخضلَّةً بيقينِها الجذلانِ | |
ربِّي هي الرحماتُ منك تَفَضُّلا | وبقلَّةِ الطاعاتِ تلتقيانِ | |
أنت المجيرُ ، وقد تعثَّرَ خطوُنا | في ملعبِ الأهواءِ والأخدانِ | |
ولقد رُزِئْنا بالذنوبِ ، وَقُطِّعَتْ | أفراحُنا بقساوةِ الحرمانِ | |
فامننْ علينا بالقبولِ وسامِحَنْ | ياربِّ مَن تابوا من العصيانِ | |
واجعلْ لنا في دارِ عفوِك منزلا | دارِ الخلودِ بجنَّةِ الرضوانِ |