فتاة الشطرنج*
بقلم: فاطمة فحيل البوم.. ليبيا
- "أتحبين أن نلعب شطرنج؟!".. قلت لها وقد غيّرت مجرى الحديث.
إنني فتاة الشطرنج يا سارة، كل مربع في ذلك الصندوق هو منزلي، كل الجنود جنودي، الذين أكافح في تدريبهم على الفوز في كل مرة.
- "فلنجرب إذا".. قلت لها باحتدام.
ذهبتُ مسرعة لآتي بالرقعة، وضعتها على منضدة من خشب الزان وناديتها للمواجهة.
كانت واثقة الخطى وكأنها ضمنت الفوز لا محالة.
رتبتْ كلاً منا جنودها، والملك، وباقي الجيش، وانطلقت اللعبة. لم تبدأ سيلين بالقوة التي توقعتها، لكنها كانت سلِسَلة في التهام الجنود؛ واحداً تلوى الآخر. بعد مرور عشر دقائق تماماً لم يعد بحوزتي الكثير لحماية ملكي، إلا قلعة وجندي والوزير وحصانين. بالمقابل لم تخسر هي سوى ثلاث جنود وقلعة.
- "أعتقد كل المراسم واضحة يا سيلين" قلتها ومعالم الاحتدام مرسومة على محياي.
- لم يتسنى لها الانتظار أكثر، "كش ملك".
ذُهلتْ!..
- "أتقتلين الملك بجندي؟!"..
- "هه هذا الذي كنت أنتظر قوله مِنْكِ". نظرتنا ذاتها يا سارة حتى في مجرد لعبة نستهزئ بأقل طبقة.
الشخوص في رقعة الشطرنج هم ذواتنا في الحياة الواقعية، نظرتنا المبتذلة للملك، نظرة التقدّيس المبالغ بها، نظرة التجاهل القح للجندي رغم حمايته لكل شيء، هي ذاتها نظرتنا للطبقة الكادحة في مجتمعنا.
أخذ كلامها حيّزا كبيراً في عقلي. بعد دقيقة صمت، وبينما سيلين منهمكة بإرجاع الجنود إلى مكانهم، باغتتها بسؤالٍ:
- "لما لا تشتركين في المسابقات الدولية الكبيرة التي تنتظم كل عام!".
ضحكت باستهزاء، ككل أصدقائي، ككل عابر يراني أتمرّس على هذه الرقعة.
- "أنا يا سارة أعلم أنني ماهرة على هذا الملعب، وأحارب بلذة، وأرمي بالفخاخ كل من واجهني، لكنّ أتصدقين أنني لا أعشق الشطرنج؟!".
- شهِقت! "كيف؟!"..
- "أنا مؤمنة أن اللعبة مبتذلة جدا في حق الملك، وأنا لا أعشق هذا النوع من التكلف".
جاء غاندي ليبصم على ما أشعر به قائلاً: (لطالما لم أكن أرغب في تعلم الشطرنج لسبب لا يعلمه أصدقائي سابقاً وأنا لا أريد أن أقتل جيشي وجندي وكل ما على أرض الشطرنج كي يحيا الملك).
ببساطة هذه أنا.
نهضت من الكرسي أعلن استسلامي لكلامها ولجنودها ولجيشها تارة واحدة.
- قلتُ لها: "أنتِ رائعة، رائعة جداً يا سيلين".
ردت بابتسامتها الجميلة ثم شرعت للخروج.
* مقطع من مشروع روائي بعنوان "نساء عظيمات"..
بقلم: فاطمة فحيل البوم.. ليبيا
- "أتحبين أن نلعب شطرنج؟!".. قلت لها وقد غيّرت مجرى الحديث.
إنني فتاة الشطرنج يا سارة، كل مربع في ذلك الصندوق هو منزلي، كل الجنود جنودي، الذين أكافح في تدريبهم على الفوز في كل مرة.
- "فلنجرب إذا".. قلت لها باحتدام.
ذهبتُ مسرعة لآتي بالرقعة، وضعتها على منضدة من خشب الزان وناديتها للمواجهة.
كانت واثقة الخطى وكأنها ضمنت الفوز لا محالة.
رتبتْ كلاً منا جنودها، والملك، وباقي الجيش، وانطلقت اللعبة. لم تبدأ سيلين بالقوة التي توقعتها، لكنها كانت سلِسَلة في التهام الجنود؛ واحداً تلوى الآخر. بعد مرور عشر دقائق تماماً لم يعد بحوزتي الكثير لحماية ملكي، إلا قلعة وجندي والوزير وحصانين. بالمقابل لم تخسر هي سوى ثلاث جنود وقلعة.
- "أعتقد كل المراسم واضحة يا سيلين" قلتها ومعالم الاحتدام مرسومة على محياي.
- لم يتسنى لها الانتظار أكثر، "كش ملك".
ذُهلتْ!..
- "أتقتلين الملك بجندي؟!"..
- "هه هذا الذي كنت أنتظر قوله مِنْكِ". نظرتنا ذاتها يا سارة حتى في مجرد لعبة نستهزئ بأقل طبقة.
الشخوص في رقعة الشطرنج هم ذواتنا في الحياة الواقعية، نظرتنا المبتذلة للملك، نظرة التقدّيس المبالغ بها، نظرة التجاهل القح للجندي رغم حمايته لكل شيء، هي ذاتها نظرتنا للطبقة الكادحة في مجتمعنا.
أخذ كلامها حيّزا كبيراً في عقلي. بعد دقيقة صمت، وبينما سيلين منهمكة بإرجاع الجنود إلى مكانهم، باغتتها بسؤالٍ:
- "لما لا تشتركين في المسابقات الدولية الكبيرة التي تنتظم كل عام!".
ضحكت باستهزاء، ككل أصدقائي، ككل عابر يراني أتمرّس على هذه الرقعة.
- "أنا يا سارة أعلم أنني ماهرة على هذا الملعب، وأحارب بلذة، وأرمي بالفخاخ كل من واجهني، لكنّ أتصدقين أنني لا أعشق الشطرنج؟!".
- شهِقت! "كيف؟!"..
- "أنا مؤمنة أن اللعبة مبتذلة جدا في حق الملك، وأنا لا أعشق هذا النوع من التكلف".
جاء غاندي ليبصم على ما أشعر به قائلاً: (لطالما لم أكن أرغب في تعلم الشطرنج لسبب لا يعلمه أصدقائي سابقاً وأنا لا أريد أن أقتل جيشي وجندي وكل ما على أرض الشطرنج كي يحيا الملك).
ببساطة هذه أنا.
نهضت من الكرسي أعلن استسلامي لكلامها ولجنودها ولجيشها تارة واحدة.
- قلتُ لها: "أنتِ رائعة، رائعة جداً يا سيلين".
ردت بابتسامتها الجميلة ثم شرعت للخروج.
* مقطع من مشروع روائي بعنوان "نساء عظيمات"..