The plight of human thought
محنةُ آلفكر ألأنسانيّ(15)
The influence of religion on cultureالمكوّن ألتاسع: تأثير ألدِّين على آلثّقافة :
رغم إنّ آلدِّين ألأسلاميّ قديم كآلأديان ألسّماويّة الأخرى آلتي سَبَقَتْهُ بآلاف السّنين, إلاّ أنّ مُعتنقيها مع مراجعهم و رغم تطور العقل و توسّع النظريّات الفكريّة و العلاقات الأجتماعيّة و أساليب ألبحث ألعلميّ و تقدم الزّمن؛ لم يفهموا للآسف معنى و فلسفة (ألدِّين) بشكلٍ كاملٍ و شاملٍ و صحيحٍ, و كما بّيّنّهُ الله تعالى في آلكتب المقدّسة و في مقدمتها آلقرآن ألكريم, و علّة العلل تكمن في أنّ تأريخ و هدف ألدّين و تفسير القرآن و نقل الأحاديث قد دُوِّنَ بأمرِ و توجّهاتِ ألسّلاطين و آلملوك و بعد وفاة النبي (ص) بأكثر من 150عام, بسبب ألمنع ألقسريّ ألذي فرضه الخلفاء على أهل ألعلم و القلم, بدءاً بآلقرآن ألذي جمعهُ ألأمام عليّ(ع) و ذيّله بأسباب النزول مع بيانات هامّة و أحاديث صحيحة في هامشه لكل آية من آياته(1) و إنتهاءاً بكتابة الحديث, حيث أُعْتبر تدوينه خرقاً لقيم السماء و تشويهاً للقرآن!
و تلك المحنة – محنة منع تدوين الحديث - كانت من أكبر المحن الفكريّة – ألدّينيّة – التي واجهها البشريّة بعد ما أصابت الرّسالة الأسلامية الخاتمة بآلصّميم و التي سبّبت ظهور المذاهب و الفرق و بآلتالي تشويه ألفكر الأنسانيّ و بآلأخصّ آلمُدّعين للرّسالات السّماويّة و في مقدمتهم المرجعيّات و آلقيادات ألدّينيّة و آلحزبيّة آلتي سَبّبَتْ بدورها تشوّهاً كبيراً في أذهان مُعتنقي المذاهب التي ظهرت بعد قرنين فصاعداً, بسبب ذلك (آلمنع) حين حاول روادها تدوين الحديث بعد موت الصحابة و كُتّاب الوحي, فخلطوا الصّحيح مع الضعيف و المجعول, بجانب المؤمنين بالدّيانات ألسّماويّة .. وصلتْ بهم حدّ آلأرهاب بأنواعه و القتل بصنوفه و تخوين و تكفير بعضهم للبعض حتى داخل الطائفة الواحدة و المذهب الواحد, لما لهذا (آلمُكوّن) من أثرٍ في تحديد ثقافة الأنسان و تحديد أفكاره و مواقفه!
و الأَمَرُّ من هذا و بعد ما إنتشر آلفساد في أوساط المسلمين و بعد كلّ تلك القرون العجاف .. إنّ شخصاً متعجرفاً فاقداً لأبسط المبادئ الأخلاقيّة - الأنسانيّة كدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة أو رئيس الوزراء العراقيّ و أشباههم من السّلاطين يأتون ليعلموا المسلمين و أهل الولاية معنى الأخلاق و ألأسلام .. مُشوّهين بدورهم البقية الباقية من حقيقة و فلسفة آلدّين أكثر فأكثر و بآلعمق مُستغلّين الأرهاب (العنيف) و الثغرات الأخرى كحجة للتغطية على فسادهم و إرهابهم (ألناعم) و آلأكثر تدميراً للمجتمعات الأنسانية من الأرهاب العنيف, كلّ هذا بسبب التربية الدّينية الخاطئة و التفاسير الخاطئة التي تلقوها عن مفهوم ألدِّين جهلاً أو تجاهلاً لأجل مصالحهم الحزبية و جيوبهم الخاصة!
و الأَمَرُّ ألأنكى بعد كل هذا .. أنّ المُدّعين للدّين و آلمرجعيّة التقليدية من الجانب الآخر ساكتون و مؤيّدون لمثل تلك التصريحات آلباطلة من ألمستكبرين المنافقين و ألتي لا تتعدّاها سوى الشّرك بآلله, و ذلك بدعمهم و بآلتّودد لهم و إرسال الوفود و الممثلين عنهم لفتح المكاتب في عواصمهم لجمع أموال الخمس و الزكاة لإيداعها في بنوكهم ليصنع بها – أي الغرب - الطائرات و الصّواريخ لأحتلال بلادنا و لضرب قلعة الأسلام الحصين و دولته المباركة التي تريد خلاص البشريّة من ظلم الجانبين:
ألمدّعين للدِّين التقليدي السائد؛
و الناقدين للدّين في نفس الوقت!
لذلك رأيت من الواجب و في خضم هذا الوضع المؤلم و ضمن سياق هذا البحث الهامّ جدّاً – بل الأهم في مسيرة الأنسان - أن أُبَيّنَ حقيقة ألدِّين و معنى الأسلام الذي لم يبق منه إلا إسمه, و حتى معنى إسمه مجهول بين المسلمين.
فما هي حقيقة و فلسفة ألدّين الذي هو (الأسلام) عند الله و يشترك فيه جميع الأديان؟
و لماذا فهمهُ أصحاب كلّ(ديانة) بكونهِ يختّصّ بدينهم دون الدّيانات ألسّماوية الأخرى؟
و ما معنى شرع الله و دين الله و إسلام الله في كل دين من الديانات السماوية؟
و هل آلأسلام يختَصّ برسالة آلنبي محمد (ص) وحده, أم إنّها تشمل جميع آلرّسالات(ألأديان) السّماويّة و في مقدمتها رسالات أنبياء أولي العزم كآلتوراة و الأنجيل و الزبـور؟
و أخيراً؛ لماذا .. و ما معنى فصل ألدِّين عن السياسة و المجتمع؟
لا بدّ لنا قبل الدّخول في الموضوع و جواب الأسئلة المطروحة؛ توضيح و بيان تلك الأسئلة التي يجهلها ليس فقط عوام النّاس بل حتى مراجع آلدِّين ألذين تترّسوا خلف "الأعلمية" لكم الأفواه و سدّ باب ألسّؤآل و النقاش حول إقامة العدل و الحكومة الأسلامية .. و قد تباحثّتُ معهم حول تلك (العناوين) الكبيرة للأسف و مع كلّ مراجع الدّيانات السّماوية المعروفة بدءاً بآلأسلام و إنتهاءاً بآقدم الدّيانات كآلمسيحية و اليهودية, و تبيّن لي جهلهم و تخبّطهم حتى في تعريف الدِّين و آلأسلام و الغاية من خلق الأنسان .. و كما سنُبيّن ذلك إن شاء الله, بعد شرح الأسئلة التي طرحناها آنفاً, لأنّ (فهم السؤآل نصف الجّواب)!
بدايةً سبق و أن أشرنا لمعنى (آلأسلام) الذي يُؤمن به أمّة محمد(ص) بإقتضاب بليغ في آلحلقات ألسّابقة(2) من هذا آلبحث بجانب بياناتنا في آلمباحث ألأخرى ذات العلاقة, بكونهِ أحدْ أهمّ مكونات ألتُّراث الفكريّ - العقائديّ و هو شرعٌ من أشرعة الله كما الأشرعة آلسّماويّة الأخرى, و آلتي حصرها علماء الدِّين المسلمين للأسف و بآلخطأ بكونها تعني (الإسلام ألمحمدي) فقط, مستندين على تفسير الآية ألتي تقول: [إنّ الدّين عند الله الأسلام و من يبتغ غير الأسلام ديناً فلن يُقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين](3), و بذلك حصروا (الدّين) بآلدّيانة الأسلاميّة – المحمدية – فقط من دون آلدّيانات ألأخرى التي إعتبروها غير إسلاميّة بل و باطلة و كافرة!
بينما آلحقيقة .. هي أنّ معنى آلدِّين عند الله يختلف عن معنى الشَّرع أولاً, و من ثمّ الأسلام ثانياً, فآلدِّين هو دين الله الواحد .. لكنْ بمسميّات مختلفة و يشمل جميع ألأديان الأبراهيميّة و من سبقها من رسالات الله تعالى, و التي عبّر عنها الباري بالأشرعة التي مثّلت رسالات السّماء المتعددة التي جاءت على يد أنبيائه و رسله, و لم يختلف الدِّين الذي سمّاه الله تعالى بآلأسلام من قوم لآخر أو من نبيٍّ لآخر حتى مع إختلاف الأزمان التي وجدوا فيها .. بل هو صراط مستقيم واحد و دين واحد و إسلام واحد من ربّ واحد و ملّة واحدة؛ [قل إنّني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً ملّة إبراهيم حنيفاً و ما كان من آلمشركين](4) , لكن أشرعة الله(5) تعالى و التي كانتْ مداخل و أبواب متعددة لبحر الأسلام العميق, بحسب ألزمكاني و مستوى الوعي الأجتماعيّ في أمّة من الأمم, كشريعة ألزّرادشتية و اليهود و النصاري و الصّابئة و الأسلام المحمدي أخيراً كخاتمة لتوحيد تلك الدّيانات ألتي لا فرق بينها بحسب بيان القرآن الكريم؛
[لِكلٍّ منكم جعلنا شرعةً و منهاجاً](6), لكلّ قومٍ و أمةٍ شرعة(مشرعة) من أشرعة الله المختلفة, و إنّ آلآية المحكمة التي تقول: [إنّ آلذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من آمن بآلله و آليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون](7) لهو الجواب الأحكم على ما بيّناه من تفسير دين الله الذي هو (الأسلام) و الله الأعلم, و لذلك أرجو من آلمتابعين و مراجع الدِّين و المثقفين إبتداءاً ألتفريق و عدم الخلط في المفاهيم القرآنيّة و الأنفتاح و آلتأمل عند تفسير الآيات الكريمة المتعلقة بذلك تفسيراً موضوعيّاً فلسفيّاً شاملاً لا تجزيئيّاً متقطعاً, و منها الآية التي تقول:
[إنّ آلدِّين عند الله الأسلام, و من يبتغ غير الأسلام دينأً فلن يقبل منه ...](8), فآلمعنى هنا لا يشمل إسلامنا المحمدي وحده؛ بل كلّ الأديان السّماويّة بغضّ النظر عن التحريف ألمؤكد في مذاهبها و طوائفها بما فيها إسلامنا المحمديّ الذي إنقسم إلى عشرات المذاهب و الفرق, و إعلموا بأنّ (العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصب) كما يقول أرسطو, و هذا ما هو واقع حالنا اليوم للأسف, بعد ما تسلط علينا مراجع لا يهمهم سوى مصالحهم و دكاكينهم!
إنّ الأفضل في المعيار الألهيّ من بين كافة المسلمين – أيّ كافة الأديان - ألتي تعدّدت شرائعهم, سواءاً (مسلمين أو يهود أو مسيح أو صابئة أو زرتشت أو غير)؛ هو مَنْ يعمل أكثر من الصالحات و يُقدّم الخير للأنسانيّة بشكل أفضل؛ [و من أحسنُ ديناً مِمّنْ أسلمَ وجههُ لله و هو مُحسن و أتّخذ ملّة إبراهيم حنيفاً ...](9), لذلك على الجميع ألتأنيّ و الصّبر و التّحمل و الدّقة في فهم حقيقة (الدِّين) الكليّة إبتداءاً, كي يفهم الناس تعريف (ألدّين) بشكلٍ صحيحٍ و الأسلام بشكلٍ أخصّ, بعكس الفهم السائد الآن بآلخطأ, وعند ذاك نكون مسلمين مُتديّنين فكريّاً و ليس شكليّاً .. كمقدمة صحيحة للأيمان, و بآلتالي مُتمكنين من نبذ الكراهيّة بين بني آدم(ع) الذين كرّمهم الله بمختلف إنتماآتهم سواءاً كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين, حيث يقول الباري: [و لقد كرّمنا بني آدم و حمّلناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير من الخلق](10), و بفهمنا لهذه الحقائق الكونية نكون أقدر على نيل السعادة في الدارين من خلال تربية الأبناء و إعداد الأجيال إعداداً صالحاً و الأرتقاء بهم إلى المستوى المطلوب كي يعكسوا سلوكاً إنسانيّاً طيّبأً و مثمراً متسامحين في نفوسهم و مع أهلهم و تعاملهم مع جميع الناس, و على الفقهاء أن يُطالعوا و يجتهدوا في بيان و ترجمة التراث العقائدي بشكلٍ علميٍّ و عمليّ صحيح, بحيث يدفعهم لخدمة الأنسانيّة .. لا للتعصب و التقوقع و العناد و بآلتالي إنتاج الأرهاب العنيف و الناعم بسبب الخلط في المفاهيم و كما هو حال معظم مراجعنا خصوصاً التقليديون منهم.
كما إن ألخلط الفكريّ .. و بآلنتيجة الأخلاقيّ؛ هو آلآخر يؤدّي إلى عدم تمييز ألحقّ من الباطل و الصّحيح من الخطأ, و بآلتالي يؤديّ إلى الفهم المتجزئ و الأنتقائيّ و الخاطئ لمفاهيم ألدِّين آلتي سبّبت العنف و الطائفيّة و نشرت الكراهيّة بين أتباع الأديان ألسّماوية و المذاهب الدّينية لحدّ التكفير و التنجيس و القتل, بل سبّبت الخلاف بين مراجع المذهب الواحد و منهم مراجع الشيعة(11) .. و تلك مسألةٌ خطيرة سبّبت ألتيه و آلضياع و الأرهاب بنوعيه(الناعم و العنيف) و الحروب و الفرقة بين الناس على كل صعيد, لأنّ أساس و قوّة كلّ أمّة هي بثقافتها و حضارتها التي تجعل أفرادها و نخبها قادرة على التمييز بين الأمرين؛ أمر الشرع و أمر ألدّين, الذي هو الأسلام في جميع الدّيانات, و إنّ انعدام التمييز؛ يجعلهم مسوخاً بشريّة لا يمكن التعويل عليها حتى لو وصل إلى درجة الفقيه و المرجع الأعلى!
الأمر لا يتوقف عند مسألة فهم الدِّين و الأسلام الحقيقيّ الذي بيّناه, بل إنّ الناس كلهم بآلنسبة لله تعالى هم عيال الله, و يحبهم جميعاً لأنه الرحمن الرحيم, و رحمته و سعت كل البشر و كل شيئ, ربما الأفضل من بينهم عند الله هو ذلك الذي يُقدّم الأفضل و الأكثر للناس .. و خير الناس من نفع الناس كما يقول الحديث الشريف.
هناك إضطرابات فكريّة وعقيديّة متعدّدة و كذلك تراكمات تاريخيّة متداخلة و معقدة أيضا إرتبطت بالدّين – الأسلام - سببها اضطراب و إختلاف المصادر التأريخية – الدّينية - الإسلاميّة ذاتها, و منها تفسير القرآن الحكيم .. ألذي يعتبر كتاباً غامضاً و متناقضاً يحتمل بدوره التأويلات المختلفة حتى قال عنهُ عليٌّ(ع)؛ (حمّال أوجه)(12) و لا ادري لِم كان و يَكون حمال أوجه؟
و إذا كان حقّاً (حمّال أوجه) و الخلفاء يُفترض بهم أن قرؤوا ذلك؛ فلماذا منعوا تدوين الأحاديث الصحيحة التي فسّرت آيات القرآن, و كذلك آلتفسير الذي كتبه الأمام علي(ع) و الذي بيّن في حاشيته أسباب النزول مع أحاديث مسندة كان يمكن أن تكون سبباً في وحدة الأمة الأسلامية .. بدل تشتتها و فرقتها و مذاهبها التي تعددت السبعين.
كما أن كلّ مراجعنا و "علماؤنا" يدّعون "ألأعلميّة" و "آلفقاهة" و "آلنزاهة" و "آلتقوى" و حتى آلتنويه و الأشارة بل و آلأدّعاء بالأتصال بآلأئمة مباشرةً محاولين حصر الدّين بأنفسهم من دون عامّة المسلمين سواءاً كانوا مسلمين أو يهود أو نصارى أو صابئة أو غيرهم بإعتبارهم جميعاً مسلمين, و هؤلاء مع كل مدّعياتهم ليس فقط لا يفسرون القرآن, بل لا يدرسونه في الحوزة أساساً: و لا أدري كيف يدّعي الأعلمية و هو لا يدرس كتاب الله .. سوى آيات الأحكام ألخمسمائة فقط!؟
و آلحال أنّ كتاب الله الخاتم هو الثقل الأكبر و هو دستور واضح و جامع للبشريّة كما يقولون لكونه آخر رسالة كونيّة و خاتمة عن آلمرسلين من الله حسب معتقد المسلمين المؤمنين بآلثقلين(القرآن و العترة) و يفترض بهم دراسته قبل دراسة السير و التواريخ, و إنّ ضرورة ذلك تأتي بعد ما تعدَّدَت طوائف المسلمين إلى أكثر من 73 فرقة كلّ فرقة تدعي بأنّها هي النّاجية و آلبقية في النار(13), و الحال أنني أعتقد ألعكس تماماً و ذلك بكون البقية – جميع الفرق - في الجّنة و واحدة في النار و هي تلك الفرقة التي تُكفّر و تقتل ألآخرين؟
فليس من المعقول .. بل لا يناسب الصّفات الألهية العظيمة التي جاوزت الألف و في مقدمتها (الرحمن الرحيم)؛ أن يدخل الجنة فئة قليلة(واحدة) لا تتعدى 3- 5% من مجموع المسلمين بمعناه الأوسع, فيما لو سلمنا بصحة الحديث المروي ألذي إتفق عليه الجميع للأسف بسبب ألشّدّ المذهبيّ و التعصب الديني بين المذاهب الأسلامية و الدينية و التي أسس لها طلاب الدّنيا لتشويه الدّين من الأساس!؟
ثمّ لم كل هذا العناء و الفناء بعد الحساب؟
هل حقاً هذه الحياة تستحق كل ذلك!؟
ما هي أصل القصّة؟
و أين يكمن السّر؟
أقوال و سيرة محمد (ألسُّنة) بدورها أيضا لا تختلف عن القرآن كثيراً, و هي الأخرى إحتملت العديد من التأويلات و التناقضات لكنها أكثر تفصيلاً و إتّساعاً و تشابكاً من القرآن و شخصيّة الرّسول محمّد(ص) من خلال التعامل مع الصّحابة الذين كان بضمنهم 70 منافقاً؛ بدورها جعلت من سُنّة محمد إشكاليّة كبرى و لغزاً لم يصل أحد لحلّه, فقراراته(ص) كانت بدورها و في كثير من الأحيان حدّية و أحيان أخرى تشاوريّة و تارةً مزاجيّة ربّما غلبت عليها آلعاطفة الأنسانيّة أو الأعراف السائدة لبعض الحدود, مقابل ذلك كلّه يزكي القرآن أقوال و أفعال الرّسول محمد(ص) بقوله تعالى: [...إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ و ما أنا إلا نذير و مبين](14), و قوله تعالى: [... إن هو إلا وحي يوحا](15), لكن المؤرخين و الفقهاء حين يدرسون تأريخ الرسول(ص) من خلال المنقول من التواريخ و الرّواة و أقواله(ص)؛ يُعانون و يتصارعون كثيرا من أجل رفع تلكم الإشكالات العميقة و التناقضات الشديدة, ممّا أدخل المسلمين في دوامة التفسير و التفسير ألمضاد و التأويل و التأويل المضاد و خلق تبريرات و من ثمّ مذاهب إسلاميّة عديدة في التفسير تصارعت بضراوة منذ وفاته (ص) و الى يومنا هذا و لا أرى أنّها ستتوقف أبداً لتستمر المهزلة الإسلاميّة و تتسع و كأنهم يتخاصمون كما يقولون؛
على ثوب هريء .. أيّهم يفوز به أوّلا؟
و هكذا ثوب لن يسترهم أو يقيهم حراً و لا برداً حتى ظهور المنقذ الموعود لتحقيق العدالة المفقودة في الأرض بعد إمتلائها بآلشّر نتيجة التناقض و الفتاوى المختلفة و سيطرة الحكومات الوضعية على مقاليد الأمور.
يُمكنك في الإسلام فعل الشيء و نقيضهُ!
و قول الشيء و ضدّهُ في الكثير من العقائد و التشريعات!
و يُمكنك أنْ تجد الأسس الشرعيّة – ألدّينية التبريريّة لكلّ المتناقضات!
و من أبرزها و أقواها: مسألة عزّة النفس(التعالي و التكبر) التي جعلها الله صفة إيجابيّة يرتقي بها المؤمن الملتزم المعالي و الشرف, لكن في نفس الوقت يُقابلها مسألة التذلل و التواضع للناس و التي جعلها الله تعالى أيضاً صفة يرتقى بها المؤمن لمصاف الأنبياء و أكثر .. بآلأضافة إلى التعصب المذهبي لدى كل فرقة إعتبرت نفسها هي الناجية و الباقية في النار!
فكيف تطلب من شعوب تعيش تحت وطأة هكذا ضغط ديني شمولي و عقيدي غير واضح أنْ تتطوّر و تخلق إنسانا صالحاً, خصوصاً إذا علمنا أن مراجعه من الجّهة الأخرى يؤيدون أو على أقل تقدير .. أو يسيرون بصمتٍ يشوبه التأييد لمسالك و نهج الحكومات الوضعية التي عادة ما تُعمّق الطبقية و الفوارق الأجتماعية, هذا إذا لم نقل أنها تساعد في توطينهم من خلال جمع أموال الخمس و الزكاة و إيداعها في بنوكهم لتقوية إقتصادهم و مشاريعهم!؟
بل العكس – سيكون مع هذا الوضع – شخص و مجتمع متناقض مضطرب متعب و مجهد فكرياً و إنسانياً بالتبعية .. مسلوب الأرادة, لا يقوى على شيء سوى القبول بما يُمليه عليه ولاة الأمر و رجال الدِّين, ليكون أداة طيّعة لتحقيق أغراضهم و وجاهتهم و هي أغراض غير نزيهة في الأعم الأغلب ..
أو ينشأ لديك أشخاص متطرفون مضطربون لا يعرفون ما يريدون, حين تُغلق الأبواب بوجوههم!؟
يقضون حياتهم في حيرة من أمرهم تلاحقهم عقدة الذنب و التقصير و يجدون في العمل الشرير(ألأرهاب) مهرباً لهم من الشّر ذاته!
إنّ التاريخ و المُثل و كثير من الشخوص و النصوص الإسلاميّة التي وصلتنا, و للأسباب التي أشرنا لها خصوصاً خلال [ألسُّنة و السّلف الذي يسمونه (بالصالح)] لم تكن أخلاقيّة في زمن النبي محمد(ص) بمقاييس عصره(ص) ذاته ناهيك عن مقاييس العصور اللاحقة و عصرنا الحاليّ يشهد الكثير من التدهور و الفساد و الأرهاب المجتمعيّ لدى المسلمين عموماً, و ما رأيناه و نراه من تردي شبه كامل في الوضع العام لدى المسلمين و مراجعهم؛ مردّه حسب اعتقادي إلى تلك الأسباب!
فكان التردي الأخلاقي للمسلمين مثيرا للاستغراب و الحيرة للكثيرين الذين ليس لديهم خلفية اسلاميّة خصوصاً الذين لم يطلعوا على النصوص الدّينية و التاريخ الإسلامي و بشكلٍ أخص حين أهملوا صوت المعارضة التي كانت على طول التأريخ الأسلامي تتعرّض للقتل و التنكيل و كانت متمثلة بنهج أهل البيت(ع) الذين جميعهم شرّدوا و قتلوا إلا آخرهم أنجاه الله تعالى لأعداده لعصر الظهور الحتمي لأنقاذ البشرية.
إن التاريخ الذي كتبه المنتصر و المتوكل و الناصر و القائم بآلله و الذين قمعوا صوت المعارضين و نكلوا بأهل بيت النبي(ص), لا يمثل حقيقة الدين, فهارون الرشيد مثلاً كان يقول لأبنه؛[بني ألملك عقيم, لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه رأسك], ثم بعد هذه التربية نرى أن إبنه المأمون يقتل أخيه الأمين طمعاً بآلخلافة و كأنه يذبح شاتاً لا أخاً من أمّه و أبيه .. بل هناك شوارد تسرّبت بعضها متكاملة و بعضها الآخر ناقصة .. قد نقلها المؤرخون عن تلكم الحقب يندى له الجبين و تثبت حقيقة ما ذهبت إليه, بحيث تركت إسقاطات كبيرة على مناهج المراجع الحاليين الذين يدّعون "ألأعلمية" بدين الله و يحصرون الدِّين بأنفسهم و لا يعترفون بغيرهم .. بل يستهزأ بعضهم ببعض أحياناً بتهمة الجّهل و السّطحية بآلمعارف الدّينية لتمويه أفكار مقلديهم المساكين الذين يقلدونهم بلا وعي و معرفة كاملة بفلسفة الدّين!
و بعضهم يرى بأن الدين مواسم تختصر بشهر رمضان المبارك و بآليوم العاشر من محرم و كفى, و لذلك نراهم يرسلون المبلغين للبلدان و الامصار ليلقوا على الناس بعض المحاضرات التكرارية التي لا تزيدهم علماً .. هذا إن لم نقل بأنها تُعمّق الجهل!
و هناك طوائف ترى الدِّين ينحصر بشهر رمضان فقط, و كفى!
و طائفة أكبر ترى بأنّ دين الأسلام يتعلق بمجموعة من رجال الدِّين الذي يدرسون في الحوزات و المراكز, و لا دخل لهم بما يجري على الشعوب و في العالم من مظالم لأنها لا ترتبط بهم لا من قريب و لا من بعيد!
و الحقيقة لم أرَ أجهل و أكثر أنانيّة من هؤلاء المُدّعين الذين حصروا الدين بأنفسهم من دون الناس, و الحال أن أكثر خطب القرآن الكريم يتعلّق بآلناس حين يخاطبهم الله تعالى بـ (يا أيها الناس ...)!
إسقاطات كثيرة خلّفتها التفاسير و الروايات بحقّ الدِّين, حتى التأريخ لم يصلنا بشكل صحيح بسبب سياسة المتسلطين الذين أدلجوا التأريخ بما يناسب مصالحهم, و هكذا سار معظم رجال الدين في مسالكهم, فواجه الأسلام شتى المحن و النكبات بدءاً بمعارضة قريش و إنتهاءاً بما نحن عليه اليوم من حركات و توجهات علمانية و إشتراكية و شيوعية و ديمقراطية ترفض الدين جملة و تفصيلا, بل تعتبرها مصدرا ًللتخلف و الأرهاب و القتل!