الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محنة الفكر الأنساني(15)بقلم:عزيز الخزرجي

تاريخ النشر : 2017-06-13
محنة الفكر الأنساني(15)بقلم:عزيز الخزرجي
The plight of human thought

محنةُ آلفكر ألأنسانيّ(15) 
The influence of religion on cultureالمكوّن ألتاسع: تأثير ألدِّين على آلثّقافة : 
رغم إنّ آلدِّين ألأسلاميّ قديم كآلأديان ألسّماويّة الأخرى آلتي سَبَقَتْهُ بآلاف السّنين, إلاّ أنّ مُعتنقيها مع مراجعهم و رغم تطور العقل و توسّع النظريّات الفكريّة و العلاقات الأجتماعيّة و أساليب ألبحث ألعلميّ و تقدم الزّمن؛ لم يفهموا للآسف معنى و فلسفة (ألدِّين) بشكلٍ كاملٍ و شاملٍ و صحيحٍ, و كما بّيّنّهُ الله تعالى في آلكتب المقدّسة و في مقدمتها آلقرآن ألكريم, و علّة العلل تكمن في أنّ تأريخ و هدف ألدّين و تفسير القرآن و نقل الأحاديث قد دُوِّنَ بأمرِ و توجّهاتِ ألسّلاطين و آلملوك و بعد وفاة النبي (ص) بأكثر من 150عام, بسبب ألمنع ألقسريّ ألذي فرضه الخلفاء على أهل ألعلم و القلم, بدءاً بآلقرآن ألذي جمعهُ ألأمام عليّ(ع) و ذيّله بأسباب النزول مع بيانات هامّة و أحاديث صحيحة في هامشه لكل آية من آياته(1) و إنتهاءاً بكتابة الحديث, حيث أُعْتبر تدوينه خرقاً لقيم السماء و تشويهاً للقرآن!

و تلك المحنة – محنة منع تدوين الحديث - كانت من أكبر المحن الفكريّة – ألدّينيّة – التي واجهها البشريّة بعد ما أصابت الرّسالة الأسلامية الخاتمة بآلصّميم و التي سبّبت ظهور المذاهب و الفرق و بآلتالي تشويه ألفكر الأنسانيّ و بآلأخصّ آلمُدّعين للرّسالات السّماويّة و في مقدمتهم المرجعيّات و آلقيادات ألدّينيّة و آلحزبيّة آلتي سَبّبَتْ بدورها تشوّهاً كبيراً في أذهان مُعتنقي المذاهب التي ظهرت بعد قرنين فصاعداً, بسبب ذلك (آلمنع) حين حاول روادها تدوين الحديث بعد موت الصحابة و كُتّاب الوحي, فخلطوا الصّحيح مع الضعيف و المجعول, بجانب المؤمنين بالدّيانات ألسّماويّة .. وصلتْ بهم حدّ آلأرهاب بأنواعه و القتل بصنوفه و تخوين و تكفير بعضهم للبعض حتى داخل الطائفة الواحدة و المذهب الواحد, لما لهذا (آلمُكوّن) من أثرٍ في تحديد ثقافة الأنسان و تحديد أفكاره و مواقفه!

و الأَمَرُّ من هذا و بعد ما إنتشر آلفساد في أوساط المسلمين و بعد كلّ تلك القرون العجاف .. إنّ شخصاً متعجرفاً فاقداً لأبسط المبادئ الأخلاقيّة - الأنسانيّة كدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة أو رئيس الوزراء العراقيّ و أشباههم من السّلاطين يأتون ليعلموا المسلمين و أهل الولاية معنى الأخلاق و ألأسلام .. مُشوّهين بدورهم البقية الباقية من حقيقة و فلسفة آلدّين أكثر فأكثر و بآلعمق مُستغلّين الأرهاب (العنيف) و الثغرات الأخرى كحجة للتغطية على فسادهم و إرهابهم (ألناعم) و آلأكثر تدميراً للمجتمعات الأنسانية من الأرهاب العنيف, كلّ هذا بسبب التربية الدّينية الخاطئة و التفاسير الخاطئة التي تلقوها عن مفهوم ألدِّين جهلاً أو تجاهلاً لأجل مصالحهم الحزبية و جيوبهم الخاصة!

و الأَمَرُّ ألأنكى بعد كل هذا .. أنّ المُدّعين للدّين و آلمرجعيّة التقليدية من الجانب الآخر ساكتون و مؤيّدون لمثل تلك التصريحات آلباطلة من ألمستكبرين المنافقين و ألتي لا تتعدّاها سوى الشّرك بآلله, و ذلك بدعمهم و بآلتّودد لهم و إرسال الوفود و الممثلين عنهم لفتح المكاتب في عواصمهم لجمع أموال الخمس و الزكاة لإيداعها في بنوكهم ليصنع بها – أي الغرب - الطائرات و الصّواريخ لأحتلال بلادنا و لضرب قلعة الأسلام الحصين و دولته المباركة التي تريد خلاص البشريّة من ظلم الجانبين:
ألمدّعين للدِّين التقليدي السائد؛
و الناقدين للدّين في نفس الوقت!

لذلك رأيت من الواجب و في خضم هذا الوضع المؤلم و ضمن سياق هذا البحث الهامّ جدّاً – بل الأهم في مسيرة الأنسان - أن أُبَيّنَ حقيقة ألدِّين و معنى الأسلام الذي لم يبق منه إلا إسمه, و حتى معنى إسمه مجهول بين المسلمين.

فما هي حقيقة و فلسفة ألدّين الذي هو (الأسلام) عند الله و يشترك فيه جميع الأديان؟
و لماذا فهمهُ أصحاب كلّ(ديانة) بكونهِ يختّصّ بدينهم دون الدّيانات ألسّماوية الأخرى؟
و ما معنى شرع الله و دين الله و إسلام الله في كل دين من الديانات السماوية؟
و هل آلأسلام يختَصّ برسالة آلنبي محمد (ص) وحده, أم إنّها تشمل جميع آلرّسالات(ألأديان) السّماويّة و في مقدمتها رسالات أنبياء أولي العزم كآلتوراة و الأنجيل و الزبـور؟
و أخيراً؛ لماذا .. و ما معنى فصل ألدِّين عن السياسة و المجتمع؟

لا بدّ لنا قبل الدّخول في الموضوع و جواب الأسئلة المطروحة؛ توضيح و بيان تلك الأسئلة التي يجهلها ليس فقط عوام النّاس بل حتى مراجع آلدِّين ألذين تترّسوا خلف "الأعلمية" لكم الأفواه و سدّ باب ألسّؤآل و النقاش حول إقامة العدل و الحكومة الأسلامية .. و قد تباحثّتُ معهم حول تلك (العناوين) الكبيرة للأسف و مع كلّ مراجع الدّيانات السّماوية المعروفة بدءاً بآلأسلام و إنتهاءاً بآقدم الدّيانات كآلمسيحية و اليهودية, و تبيّن لي جهلهم و تخبّطهم حتى في تعريف الدِّين و آلأسلام و الغاية من خلق الأنسان .. و كما سنُبيّن ذلك إن شاء الله, بعد شرح الأسئلة التي طرحناها آنفاً, لأنّ (فهم السؤآل نصف الجّواب)!

بدايةً سبق و أن أشرنا لمعنى (آلأسلام) الذي يُؤمن به أمّة محمد(ص) بإقتضاب بليغ في آلحلقات ألسّابقة(2) من هذا آلبحث بجانب بياناتنا في آلمباحث ألأخرى ذات العلاقة, بكونهِ أحدْ أهمّ مكونات ألتُّراث الفكريّ - العقائديّ و هو شرعٌ من أشرعة الله كما الأشرعة آلسّماويّة الأخرى, و آلتي حصرها علماء الدِّين المسلمين للأسف و بآلخطأ بكونها تعني (الإسلام ألمحمدي) فقط, مستندين على تفسير الآية ألتي تقول: [إنّ الدّين عند الله الأسلام و من يبتغ غير الأسلام ديناً فلن يُقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين](3), و بذلك حصروا (الدّين) بآلدّيانة الأسلاميّة – المحمدية –  فقط من دون آلدّيانات ألأخرى التي إعتبروها غير إسلاميّة بل و باطلة و كافرة!

بينما آلحقيقة .. هي أنّ معنى آلدِّين عند الله يختلف عن معنى الشَّرع أولاً, و من ثمّ الأسلام ثانياً, فآلدِّين هو دين الله الواحد .. لكنْ بمسميّات مختلفة و يشمل جميع ألأديان الأبراهيميّة و من سبقها من رسالات الله تعالى, و التي عبّر عنها الباري بالأشرعة التي مثّلت رسالات السّماء المتعددة التي جاءت على يد أنبيائه و رسله, و لم يختلف الدِّين الذي سمّاه الله تعالى بآلأسلام من قوم لآخر أو من نبيٍّ لآخر حتى مع إختلاف الأزمان التي وجدوا فيها .. بل هو صراط مستقيم واحد و دين واحد و إسلام واحد من ربّ واحد و ملّة واحدة؛ [قل إنّني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً ملّة إبراهيم حنيفاً و ما كان من آلمشركين](4) , لكن أشرعة الله(5) تعالى و التي كانتْ مداخل و أبواب متعددة لبحر الأسلام العميق, بحسب ألزمكاني و مستوى الوعي الأجتماعيّ في أمّة من الأمم, كشريعة ألزّرادشتية و اليهود و النصاري و الصّابئة و الأسلام المحمدي أخيراً كخاتمة لتوحيد تلك الدّيانات ألتي لا فرق بينها بحسب بيان القرآن الكريم؛
[لِكلٍّ منكم جعلنا شرعةً و منهاجاً](6), لكلّ قومٍ و أمةٍ شرعة(مشرعة) من أشرعة الله المختلفة, و إنّ آلآية المحكمة التي تقول: [إنّ آلذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من آمن بآلله و آليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون](7) لهو الجواب الأحكم على ما بيّناه من تفسير دين الله الذي هو (الأسلام) و الله الأعلم, و لذلك أرجو من آلمتابعين و مراجع الدِّين و المثقفين إبتداءاً ألتفريق و عدم الخلط في المفاهيم القرآنيّة و الأنفتاح و آلتأمل عند تفسير الآيات الكريمة المتعلقة بذلك تفسيراً موضوعيّاً فلسفيّاً شاملاً لا تجزيئيّاً متقطعاً, و منها الآية التي تقول:
[إنّ آلدِّين عند الله الأسلام, و من يبتغ غير الأسلام دينأً فلن يقبل منه ...](8), فآلمعنى هنا لا يشمل إسلامنا المحمدي وحده؛ بل كلّ الأديان السّماويّة بغضّ النظر عن التحريف ألمؤكد في مذاهبها و طوائفها بما فيها إسلامنا المحمديّ الذي إنقسم إلى عشرات المذاهب و الفرق, و إعلموا بأنّ (العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصب) كما يقول أرسطو, و هذا ما هو واقع حالنا اليوم للأسف, بعد ما تسلط علينا مراجع لا يهمهم سوى مصالحهم و دكاكينهم!

إنّ الأفضل في المعيار الألهيّ من بين كافة المسلمين – أيّ كافة الأديان - ألتي تعدّدت شرائعهم, سواءاً (مسلمين أو يهود أو مسيح أو صابئة أو زرتشت أو غير)؛ هو مَنْ يعمل أكثر من الصالحات و يُقدّم الخير للأنسانيّة بشكل أفضل؛ [و من أحسنُ ديناً مِمّنْ أسلمَ وجههُ لله و هو مُحسن و أتّخذ ملّة إبراهيم حنيفاً ...](9), لذلك على الجميع ألتأنيّ و الصّبر و التّحمل و الدّقة في فهم حقيقة (الدِّين) الكليّة إبتداءاً, كي يفهم الناس تعريف (ألدّين) بشكلٍ صحيحٍ و الأسلام بشكلٍ أخصّ, بعكس الفهم السائد الآن بآلخطأ, وعند ذاك نكون مسلمين مُتديّنين فكريّاً و ليس شكليّاً .. كمقدمة صحيحة للأيمان, و بآلتالي مُتمكنين من نبذ الكراهيّة بين بني آدم(ع) الذين كرّمهم الله بمختلف إنتماآتهم سواءاً كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين, حيث يقول الباري: [و لقد كرّمنا بني آدم و حمّلناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير من الخلق](10), و بفهمنا لهذه الحقائق الكونية نكون أقدر على نيل السعادة في الدارين من خلال تربية الأبناء و إعداد الأجيال إعداداً صالحاً و الأرتقاء بهم إلى المستوى المطلوب كي يعكسوا سلوكاً إنسانيّاً طيّبأً و مثمراً متسامحين في نفوسهم و مع أهلهم و تعاملهم مع جميع الناس, و على الفقهاء أن يُطالعوا و يجتهدوا في بيان و ترجمة التراث العقائدي بشكلٍ علميٍّ و عمليّ صحيح, بحيث يدفعهم لخدمة الأنسانيّة .. لا للتعصب و التقوقع و العناد و بآلتالي إنتاج الأرهاب العنيف و الناعم بسبب الخلط في المفاهيم و كما هو حال معظم مراجعنا خصوصاً التقليديون منهم.

كما إن ألخلط الفكريّ .. و بآلنتيجة الأخلاقيّ؛ هو آلآخر يؤدّي إلى عدم تمييز ألحقّ من الباطل و الصّحيح من الخطأ, و بآلتالي يؤديّ إلى الفهم المتجزئ و الأنتقائيّ و الخاطئ لمفاهيم ألدِّين آلتي سبّبت العنف و الطائفيّة و نشرت الكراهيّة بين أتباع الأديان ألسّماوية و المذاهب الدّينية لحدّ التكفير و التنجيس و القتل, بل سبّبت الخلاف بين مراجع المذهب الواحد و منهم مراجع الشيعة(11) .. و تلك مسألةٌ خطيرة سبّبت ألتيه و آلضياع و الأرهاب بنوعيه(الناعم و العنيف) و الحروب و الفرقة بين الناس على كل صعيد, لأنّ أساس و قوّة كلّ أمّة هي بثقافتها و حضارتها التي تجعل أفرادها و نخبها قادرة على التمييز بين الأمرين؛ أمر الشرع و أمر ألدّين, الذي هو الأسلام في جميع الدّيانات, و إنّ انعدام التمييز؛ يجعلهم مسوخاً بشريّة لا يمكن التعويل عليها حتى لو وصل إلى درجة الفقيه و المرجع الأعلى!

الأمر لا يتوقف عند مسألة فهم الدِّين و الأسلام الحقيقيّ الذي بيّناه, بل إنّ الناس كلهم بآلنسبة لله تعالى هم عيال الله, و يحبهم جميعاً لأنه الرحمن الرحيم, و رحمته و سعت كل البشر و كل شيئ, ربما الأفضل من بينهم عند الله هو ذلك الذي يُقدّم الأفضل و الأكثر للناس .. و خير الناس من نفع الناس كما يقول الحديث الشريف.

هناك إضطرابات فكريّة وعقيديّة متعدّدة و كذلك تراكمات تاريخيّة متداخلة و معقدة أيضا إرتبطت بالدّين – الأسلام - سببها اضطراب و إختلاف المصادر التأريخية – الدّينية - الإسلاميّة ذاتها, و منها تفسير القرآن الحكيم .. ألذي يعتبر كتاباً غامضاً و متناقضاً يحتمل بدوره التأويلات المختلفة حتى قال عنهُ عليٌّ(ع)؛ (حمّال أوجه)(12) و لا ادري لِم كان و يَكون حمال أوجه؟
و إذا كان حقّاً (حمّال أوجه) و الخلفاء يُفترض بهم أن قرؤوا ذلك؛ فلماذا منعوا تدوين الأحاديث الصحيحة التي فسّرت آيات القرآن, و كذلك آلتفسير الذي كتبه الأمام علي(ع) و الذي بيّن في حاشيته أسباب النزول مع أحاديث مسندة كان يمكن أن تكون سبباً في وحدة الأمة الأسلامية .. بدل تشتتها و فرقتها و مذاهبها التي تعددت السبعين.

كما أن كلّ مراجعنا و "علماؤنا" يدّعون "ألأعلميّة" و "آلفقاهة" و "آلنزاهة" و "آلتقوى" و حتى آلتنويه و الأشارة بل و آلأدّعاء بالأتصال بآلأئمة مباشرةً محاولين حصر الدّين بأنفسهم من دون عامّة المسلمين سواءاً كانوا مسلمين أو يهود أو نصارى أو صابئة أو غيرهم بإعتبارهم جميعاً مسلمين, و هؤلاء مع كل مدّعياتهم ليس فقط لا يفسرون القرآن, بل لا يدرسونه في الحوزة أساساً: و لا أدري كيف يدّعي الأعلمية و هو لا يدرس كتاب الله .. سوى آيات الأحكام ألخمسمائة فقط!؟

و آلحال أنّ كتاب الله الخاتم هو الثقل الأكبر و هو دستور واضح و جامع للبشريّة كما يقولون لكونه آخر رسالة كونيّة و خاتمة عن آلمرسلين من الله حسب معتقد المسلمين المؤمنين بآلثقلين(القرآن و العترة) و يفترض بهم دراسته قبل دراسة السير و التواريخ, و إنّ ضرورة ذلك تأتي بعد ما تعدَّدَت طوائف المسلمين إلى أكثر من 73 فرقة كلّ فرقة تدعي بأنّها هي النّاجية و آلبقية في النار(13), و الحال أنني أعتقد ألعكس تماماً و ذلك بكون البقية – جميع الفرق - في الجّنة و واحدة في النار و هي تلك الفرقة التي تُكفّر و تقتل ألآخرين؟

فليس من المعقول .. بل لا يناسب الصّفات الألهية العظيمة التي جاوزت الألف و في مقدمتها (الرحمن الرحيم)؛ أن يدخل الجنة فئة قليلة(واحدة) لا تتعدى 3- 5% من مجموع المسلمين بمعناه الأوسع, فيما لو سلمنا بصحة الحديث المروي ألذي إتفق عليه الجميع للأسف بسبب ألشّدّ المذهبيّ و التعصب الديني بين المذاهب الأسلامية و الدينية و التي أسس لها طلاب الدّنيا لتشويه الدّين من الأساس!؟

ثمّ لم كل هذا العناء و الفناء بعد الحساب؟
هل حقاً هذه الحياة تستحق كل ذلك!؟
ما هي أصل القصّة؟
و أين يكمن السّر؟ 

أقوال و سيرة محمد (ألسُّنة) بدورها أيضا لا تختلف عن القرآن كثيراً, و هي الأخرى إحتملت العديد من التأويلات و التناقضات لكنها أكثر تفصيلاً و  إتّساعاً و تشابكاً من القرآن و شخصيّة الرّسول محمّد(ص) من خلال التعامل مع الصّحابة الذين كان بضمنهم 70 منافقاً؛ بدورها جعلت من سُنّة محمد إشكاليّة كبرى و لغزاً لم يصل أحد لحلّه, فقراراته(ص) كانت بدورها و في كثير من الأحيان حدّية و أحيان أخرى تشاوريّة و تارةً  مزاجيّة ربّما غلبت عليها آلعاطفة الأنسانيّة أو الأعراف السائدة لبعض الحدود, مقابل ذلك كلّه يزكي القرآن أقوال و أفعال الرّسول محمد(ص) بقوله تعالى: [...إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ و ما أنا إلا نذير و مبين](14), و قوله تعالى: [... إن هو إلا وحي يوحا](15), لكن المؤرخين و الفقهاء حين يدرسون تأريخ الرسول(ص) من خلال المنقول من التواريخ و الرّواة و أقواله(ص)؛ يُعانون و يتصارعون كثيرا من أجل رفع تلكم الإشكالات العميقة و التناقضات الشديدة, ممّا أدخل المسلمين في دوامة التفسير و التفسير ألمضاد و التأويل و التأويل المضاد و خلق تبريرات و من ثمّ مذاهب إسلاميّة عديدة في التفسير تصارعت بضراوة منذ وفاته (ص) و الى يومنا هذا و لا أرى أنّها ستتوقف أبداً لتستمر المهزلة الإسلاميّة و تتسع و كأنهم يتخاصمون كما يقولون؛
على ثوب هريء .. أيّهم يفوز به أوّلا؟

و هكذا ثوب لن يسترهم أو يقيهم حراً و لا برداً حتى ظهور المنقذ الموعود لتحقيق العدالة المفقودة في الأرض بعد إمتلائها بآلشّر نتيجة التناقض و الفتاوى المختلفة و سيطرة الحكومات الوضعية على مقاليد الأمور.

يُمكنك في الإسلام فعل الشيء و نقيضهُ!
و قول الشيء و ضدّهُ في الكثير من العقائد و التشريعات!
و يُمكنك أنْ تجد الأسس الشرعيّة – ألدّينية التبريريّة لكلّ المتناقضات!
و من أبرزها و أقواها: مسألة عزّة النفس(التعالي و التكبر) التي جعلها الله صفة إيجابيّة يرتقي بها المؤمن الملتزم المعالي و الشرف,  لكن في نفس الوقت يُقابلها مسألة التذلل و التواضع للناس و التي جعلها الله تعالى أيضاً صفة يرتقى بها المؤمن لمصاف الأنبياء و أكثر .. بآلأضافة إلى التعصب المذهبي لدى كل فرقة إعتبرت نفسها هي الناجية و الباقية في النار!

فكيف تطلب من شعوب تعيش تحت وطأة هكذا ضغط ديني شمولي و عقيدي غير واضح أنْ تتطوّر و تخلق إنسانا صالحاً, خصوصاً إذا علمنا أن مراجعه من الجّهة الأخرى يؤيدون أو على أقل تقدير .. أو يسيرون بصمتٍ يشوبه التأييد لمسالك و نهج الحكومات الوضعية التي عادة ما تُعمّق الطبقية و الفوارق الأجتماعية, هذا إذا لم نقل أنها تساعد في توطينهم من خلال جمع أموال الخمس و الزكاة و إيداعها في بنوكهم لتقوية إقتصادهم و مشاريعهم!؟

بل العكس – سيكون مع هذا الوضع – شخص و مجتمع متناقض مضطرب متعب و مجهد فكرياً و إنسانياً بالتبعية .. مسلوب الأرادة, لا يقوى على شيء سوى القبول بما يُمليه عليه ولاة الأمر و رجال الدِّين, ليكون أداة طيّعة لتحقيق أغراضهم و وجاهتهم و هي أغراض غير نزيهة في الأعم الأغلب ..
أو ينشأ لديك أشخاص متطرفون مضطربون لا يعرفون ما يريدون, حين تُغلق الأبواب بوجوههم!؟
يقضون حياتهم في حيرة من أمرهم تلاحقهم عقدة الذنب و التقصير و يجدون في العمل الشرير(ألأرهاب) مهرباً لهم من الشّر ذاته!

إنّ التاريخ و المُثل و كثير من الشخوص و النصوص الإسلاميّة التي وصلتنا, و للأسباب التي أشرنا لها خصوصاً خلال [ألسُّنة و السّلف الذي يسمونه (بالصالح)] لم تكن أخلاقيّة في زمن النبي محمد(ص) بمقاييس عصره(ص) ذاته ناهيك عن مقاييس العصور اللاحقة و عصرنا الحاليّ يشهد الكثير من التدهور و الفساد و الأرهاب المجتمعيّ لدى المسلمين عموماً, و ما رأيناه و نراه من تردي شبه كامل في الوضع العام لدى المسلمين و مراجعهم؛ مردّه حسب اعتقادي إلى تلك الأسباب!

فكان التردي الأخلاقي للمسلمين مثيرا للاستغراب و الحيرة للكثيرين الذين ليس لديهم خلفية اسلاميّة خصوصاً الذين لم يطلعوا على النصوص الدّينية و التاريخ الإسلامي و بشكلٍ أخص حين أهملوا صوت المعارضة التي كانت على طول التأريخ الأسلامي تتعرّض للقتل و التنكيل و كانت متمثلة بنهج أهل البيت(ع) الذين جميعهم شرّدوا و قتلوا إلا آخرهم أنجاه الله تعالى لأعداده لعصر الظهور الحتمي لأنقاذ البشرية.

إن التاريخ الذي كتبه المنتصر و المتوكل و الناصر و القائم بآلله و الذين قمعوا صوت المعارضين و نكلوا بأهل بيت النبي(ص), لا يمثل حقيقة الدين, فهارون الرشيد مثلاً كان يقول لأبنه؛[بني ألملك عقيم, لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه رأسك], ثم بعد هذه التربية نرى أن إبنه المأمون يقتل أخيه الأمين طمعاً بآلخلافة و كأنه يذبح شاتاً لا أخاً من أمّه و أبيه .. بل هناك شوارد تسرّبت بعضها متكاملة و بعضها الآخر ناقصة .. قد نقلها المؤرخون عن تلكم الحقب يندى له الجبين و تثبت حقيقة ما ذهبت إليه, بحيث تركت إسقاطات كبيرة على مناهج المراجع الحاليين الذين يدّعون "ألأعلمية" بدين الله و يحصرون الدِّين بأنفسهم و لا يعترفون بغيرهم .. بل يستهزأ بعضهم ببعض أحياناً بتهمة الجّهل و السّطحية بآلمعارف الدّينية لتمويه أفكار مقلديهم المساكين الذين يقلدونهم بلا وعي و معرفة كاملة بفلسفة الدّين!

و بعضهم يرى بأن الدين مواسم تختصر بشهر رمضان المبارك و بآليوم العاشر من محرم و كفى, و لذلك نراهم يرسلون المبلغين للبلدان و الامصار ليلقوا على الناس بعض المحاضرات التكرارية التي لا تزيدهم علماً .. هذا إن لم نقل بأنها تُعمّق الجهل!

و هناك طوائف ترى الدِّين ينحصر بشهر رمضان فقط, و كفى!

و طائفة أكبر ترى بأنّ دين الأسلام يتعلق بمجموعة من رجال الدِّين الذي يدرسون في الحوزات و المراكز, و لا دخل لهم بما يجري على الشعوب و في العالم من مظالم لأنها لا ترتبط بهم لا من قريب و لا من بعيد!
و الحقيقة لم أرَ أجهل و أكثر أنانيّة من هؤلاء المُدّعين الذين حصروا الدين بأنفسهم من دون الناس, و الحال أن أكثر خطب القرآن الكريم يتعلّق بآلناس حين يخاطبهم الله تعالى بـ (يا أيها الناس ...)!

إسقاطات كثيرة خلّفتها التفاسير و الروايات بحقّ الدِّين, حتى التأريخ لم يصلنا بشكل صحيح بسبب سياسة المتسلطين الذين أدلجوا التأريخ بما يناسب مصالحهم, و هكذا سار معظم رجال الدين في مسالكهم, فواجه الأسلام شتى المحن و النكبات بدءاً بمعارضة قريش و إنتهاءاً بما نحن عليه اليوم من حركات و توجهات علمانية و إشتراكية و شيوعية و ديمقراطية ترفض الدين جملة و تفصيلا, بل تعتبرها مصدرا ًللتخلف و الأرهاب و القتل!

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف