الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

علموهم ( فكأنما قتل الناس جميعا) بقلم عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2017-06-04
علموهم  ( فكأنما قتل الناس جميعا) بقلم عادل بن مليح الأنصاري
علموهم
( فكأنما قتل الناس جميعا)

لعادل بن مليح النصاري

ليس مهما الآن من أين وكيف بدأت ثقافة التفجير والتفخيخ , ربما سمعنا بها كثيرا أثناء الحرب اللبنانية وبين فصائل الأفغان مع حكومتهم الشرعية , ثم أصبحت أمرا اعتياديا نسمع عنه هنا أو هناك , التفجير والتفخيخ شكل من أشكال الإرهاب الحديث , وإن كان الإرهاب الإنساني ليس وليد الصدفة فهو ظهر منذ القدم كأسلوب من أساليب الاعتراض والتصفية الجسدية مع الخصم , ولا نريد أن نتتبع ذلك السلوك البشري عبر التاريخ , فأشكال القتل والاغتيالات لقادة أو مسؤولين أو حتى زعماء ليست إلا شكلا من أشكال الاحتجاج والاعتراض ومقابلة القمع بالقمع المضاد , وكلنا يعرف أن بني إسرائيل عُرف عنهم قتل الأنبياء وهم صفوة البشر ورسل رب العالمين , ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم تعرض للكثير من محاولات القتل والسحر والتسميم , لأن ما جاء به كان ضد ما أراده كفار قريش من سيادة لقوانينهم وطريقة عيشهم وتنظيمهم لمجتمعهم كما ألفوه .
والمتأمل لفلسفات وتبريرات قادة ومنفذي تلك الأساليب من طرق تفجير وتفخيخ نراها تتشابه في مظلومياتها من كون تلك الأساليب هي أخر طريقة لكي يصل صوتهم لمعارضيهم بعد أن استفذوا كل الطرق السلمية وربما القانونية وحتى انعدام لغة الحوار وطغيان أحد الطرفين على الآخر دون الوصول لمنتصف الطريق بينهما .
وهنا يبرز سؤال منطقي لظهور هذه الظاهرة ومرورها عبر ذاكرة المجتمع الحديث كحدث واقعي يجب أن نتعايش مع ظهوره بين الفينة والفينة , وهو كيف استطاعت فئة من الرجال سواء أكانوا مفكرين أو منظرين أو قادة دينيين أن يزرعوا هذه النبتة الجديدة بكل أشكال طرقها العنيفة والمدمرة والظالمة والمخالفة لفطرة الإنسان السليم ولك تعاليم الإنسانية التي عرفتها عن طريق الديانات أو الفلسفات وحتى المنطق السليم والرحمة ؟
فكون مجموعة من المنظرين أو أصحاب فكر ديني معين يتطرفون في تفكيرهم , ويضربوا بعرض الحائط كل التعاليم السماوية الواضحة والبينة وفي كل الكتب السماوية باتخاذ الجدال العقلاني وعدم الإكراه والرأفة والرحمة حتى بالشجر والحجر والحيوان , ليوصلوا كلمتهم عن طريق قتل الكثير من الأبرياء معصومي الدم ويتسببوا في تيتيم الأطفال وترميل النساء وإتلاف الممتلكات وقهر الرجال وتخويف المجتمع وهم مقتنعين بعدالة قضيتهم وسلامة منهجهم !
ربما كانت طريقة تصفية الخصوم قبل ظهور ثقافة التفجير والتفخيخ بسيطة وغير معقدة وموجهة توجيه مباشر للخصم , فاغتياله من قبل عدوه هي الطريقة المتبعة , ومع ظهور هذه الثقافة الشيطانية أصبح ( شياطين الإنس ) لا يتورعون من توصيل فكرتهم واعتراضهم واحتجاجهم بكل جبن وخسة فوق جثث الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وهدم وضياع لمصالح المجتمع حتى لوكان يدين بدينهم ويتبع ملتهم !
هي حتما ثقافة شيطانية لم يُعرف حتى الآن منظرها ومن أظهر وجهها القبيح للعالم , ولا أتردد أن أطرح شكوكي كونها صناعة صهيونية بامتياز , فظهورها بعنف أثناء الحرب اللبنانية وما يمكن للمخابرات الصهيونية أن تتسلل بكل بساطة للساحة اللبنانية القريبة وترسم تلك الملامح الشيطانية كطريقة من طرق الخلافات الطائفية في لبنان , اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق , فمن باب أولى أن يقتلوا بقية البشر بغير حق أيضا .
لقد ولد هذا المولود المشوه من رحم المجهول , وأخفى تحت عباءته كل معاني الرحمة والقانون والإنسانية وتعاليم السماء في كل كتاب , واستطاع أن يتسلل إلى عقول وفكر من يُفترض بهم أن يكونوا مرشدي هداية لغيرهم وممهدي طرق الفكر والتآخي والسلام بين المجموعات البشرية , فإذا بهم يقرون وربما يحرضون على هذا الفعل الغير إنساني .
فكيف الخلاص من استغلال بعض شياطين الإنس لهذه الأفكار أو حتى ابتكار أفكار جديدة ربما أكثر عنفا وشيطانية مما نراه , إن محاولة تغيير أفكار الشباب المتشبعين بهذا الفكر الشيطاني الذي لا يبحث عن غايته إلا عبر جثث الأطفال والنساء والشيوخ والآمنين والممتلكات ومعاش الناس وأمنهم , لن يكون إلا بإيجاد وسائل جديدة وتربوية تخضع لدراسات من قِبل مختصين تقوم على واقع موجود وممارسات وعادات وتعليم جيل كامل تربى على تقبل ذلك التطرف من قبل الموجهين له نحو غايات تصب في مصالحهم الضيقة ولو على حساب أمن المجتمع ودمائه , ما نقصده ليس نظريات عميقة ودراسات تعبأ بها مئات الألوف من الصفحات والكتب , إنها مبادئ بسيطة وعميقة وبكلمات قليلة نقرأها يوميا دون تدبرها ودون أن نتخذها ركيزة نسلط عليه بؤرة التعليم ونطرحها للنقاش والجدل حتى يُخرج كل متعلم ما في جوفه من فهم نحوها .

هذه الممارسات الشيطانية من تفجير وتفخيخ لا تقتصر على مذهب أو فئة أو شعب أو دين , حتى لا ندخل في سفاهات التخوين والتراشق والاتهامات , هي ثقافة لا تمت لأي تعاليم دينية ربانية ولا فلسفية ولا طائفية ولا فكرية ولا قانونية ولا بأي شكل من أشكال الممارسات الإنسانية , هيا حصريا ممارسات شيطانية من قِبل منفذيها والآمرين بها والمؤيدين لها .
فجميع الكتب السماوية حرمت إهدار الدم بدون وجه حق , وجاء الإسلام مؤكدا حتى على تعاليم الدين اليهودي وكيف أن الله حرم على اليهود قتل النفس إلا بالحق , بل أن القرآن نقل وأيد ما هو أخطر وأعظم من مجرد قتل النفس وقارن قتل النفس بقتل الناس جميعا , وهي صورة تقشعر لها ابدان الأسوياء ولا يتغافل عنها إلا شياطين الإنس قبل شياطين الجن , قال تعالى :
( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) , (32) .

نعم إنه الإسراف في القتل وفي اتخاذ الفكر وسيلة لتبرير هذا القتل , وحتى رسول الهدى كانت وصيته لجنود الله :
في غزوة مؤته : «أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً».
رسول الهدى الذي يتخذ تعاليمه شياطين الإنس سبيلا لتوصيل وصاياهم بقتل الأبرياء وتدمير مصالح البسطاء يوصي جيشه وهو متوجه لقتال (الكفار) بعدم التعرض للأطفال والنساء والشيوخ وحتى الشجر والحجر وبل أكثر من ذلك أماكن العبادة ولمن ( للكفار) الله أكبر هل بعد هذا القول قول .
إن التركيز في مناهج التعليم على بعض المبادئ الإسلامية الإنسانية البسيطة والقليلة ربما يكون أهم كثيرا من الغوص في مئات القضايا والإشكاليات والكتب التي تبحث في دقائق الأمور , ربما هذه الدراسات تهم المتخصصين من الدارسين , ولكن المبادئ الهامة والكبرى التي ينبغي لها أن تتغلغل في عقول الشباب والطلاب ويتربون عليها وتكون معهم منذ الصغر تُنقش في عقولهم وتشكل ثقافاتهم بشكل يضمن عدم سيطرة المتطرفين الذي يخرجون دين الله وتعاليم رسوله عن منهجها لما يريدون ويرسمون لأهدافهم وأطماعهم وتوجهاتهم .
إن مبادئ الجدال , وحفظ النفس , والدعوة إلى الله , والإسوة الحسنة , والدين المعاملة , وإظهار ابسط الممارسات الإنسانية كعبادة يحبها الله مثل ( الابتسامة , إزاحة الأذى عن الطريق , إفشاء السلام , حفظ اللسان واليد عن إيذاء الأخرين , قل خيرا أو اصمت , حتى التبول في الظل والماء الراكد .... إلخ) , هناك الكثير من المبادئ الربانية التي علمنا عليها رسول الهدى تتعارض في أبسط قواعدها مع العنف والتفجير والتفخيخ وإيذاء النفس وإيذاء الآخرين دون ذنب مارسوه , هذا ما ينبغي أن تركز عليه مؤسسات التعليم منذ الصغر ومنذ الثلاث سنوات الأولى للطفل , ثم يتم التركيز كلما كبر على ما يمكن أن يتماشى مع تطوره العمري وتفاعله مع مجتمعه من احترام للكبير , وتقدير للإنسان بغض النظر عن جنسه وديانته , ( فالدين المعاملة) , لقد دخلت أمم في دين الله أفواجا من هذا الباب , فلنربيهم على تعاليم مثل : كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله , وعرضه .
ينبغي أن نحارب الإرهاب والتطرف وسيطرة عقول أبالسة البشر بتشبع عقول الصغار بتعاليم الدين ومبادئه البسيطة والعظيمة والتركيز عليها قبل أن نعلمهم ما يمكن لغيرهم من الأخذ به من متخصصين ودارسين يقودون المجتمع إذا لزم الأمر نحو دقائق الدين .
ينبغي استحداث مناهج تتوسع علميا وعمليا ومختبريا وبحثا في تلك المبادئ البسيطة التي تحفظ النفس والدم والعرض والمجتمع , لتبني حصونا حصينة في عقول النشء لصد كل محاولات الاختراق لعقولهم مستقبلا من قِبل شياطين البشر .

أسسوا لقواعد صلبة تحمي العقول وتحمي المجتمعات من التطرف , قبل أن نحشر في عقولهم الكثير من المعارف التي لا يبقى منها في نهاية العام إلا النزر اليسير , شياطين البشر اتخذوا الدين مطية لنشر الخوف والظلال والتطرف والعداوة وكره الآخرين واستباحة دماء المسلمين الآمنين قبل غيرهم ,, ويشهد الله أن الدين منهم براء , وهذا القرآن بيننا وبينهم وسنة نبي الرحمة الذي حفظ للبشر والشجر والحجر حقهم في الحياة , ثم يأتي (مؤبلس) ليسلبها منهم .

ما ابسطها ما قاعدة ,, ( فكأنما قتل الناس جميعا ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف