بقلم:أحمد أحمد مصطفى الأسطل
توالت القمم العربية الأمريكية ولا نعرف ما الذي يدور حولنا تماما؛ حيث تنعدم الصراحة بين الحاكم العربي والمحكوم؛ فقد ابتدأها العرب بقمم متتالية الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن ثم جاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب؛ لكي يجتمع بغالبية دول العالمين العربي والاسلامي في الرياض وبرعاية المملكة العربية السعودية.
من فنون السياسة السعودية عدم إظهار دورها العميق في منطقة الشرق الأوسط؛ فابتعدت تماما عن القمة الثلاثية التي عقدت بالبحر الميت، والتي جمعت كل من الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولربما كان لها دور كبير في صياغة أجندته، وهنا المزيج في السياسية السعودية ما بين الاستقلالية والوظيفية.
يأتي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب؛ ليلقي كلمة مطولة عن الإرهاب وأطواره وأيديولوجياته ودور دول المنطقة في مواجهته لدرجة أنه ذكر بالاسم العديد من هذه الدول، وذكر واجباتها، وبين ما أدوارهم وما يجب أن تكون عليه المنطقة مستقبلا، وشكر الجميع، ومنهم: المملكة العربية السعودية ودورها في اليمن والجمهورية اللبنانية ودورها في مواجهة داعش من ناحية ومن ناحية أخرى قيام الأردن وتركيا ولبنان في إيواء اللاجئين، ولم ينسَ الإمارات العربية المتحدة والبحرين ودورهما في مواجهة الإرهاب وتقويضه!
وهنا تكلم عن ضرورة الاهتمام بالموارد البشرية؛ باعتبارهم رأس المال البشري؛ ويلاحظ من ذلك أنه يظهر حرصه الشديد على الموارد البشرية أكثر من أصحابها!
تكلم الرئيس الأمريكي ترامب عن ضرورة تعاون الأديان الإبراهيمية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) فيما لو تضافر الجميع سيقضي على حالة التطرف وسيعم السلام، واسترسل بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستغير من نهجها وفكرها لمواجهة هذا الفكر، وقد تطرق لافتتاح مركز عالمي جديد؛ لمواجهة الأيديولوجيا المتطرفة برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
وألمح بإمكانية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولم يحدد طبيعة ماهية هذا السلام!
على أية حال لقد تناول الرئيس الأمريكي في خطابه ركائز عديدة مهمة لتسويق مشروعه الشرق أوسطي الجديد:
أولا: الجانب الديني: حيث ذكر الأديان الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وركز على ضرورة تضافر هذه الأديان في إحلال السلام ومواجهة التطرف، وذكره وزياراته للأماكن المقدسة سواء في المملكة العربية السعودية؛ حيث عدها رمزا دينيا اسلاميا، والقدس عدها رمزا دينيا يهوديا، وبيت لحم والفاتيكان اعتبرهما رموزا مسيحية، وكأنه يضفي الشرعية الدينية للوجود اليهودي بالقدس، ونقرأ من هذه الحالة تسويق الوجود اليهودي في منطقة الشرق الأوسط من الناحية الدينية لدمجهم فيه خاصة أن نتكلم عن شراكة دينية بين الأديان الثلاث لإرساء السلام في الشرق الأوسط!
ثانيا: الجانب التاريخي والجغرافي: ولا أعرف ما الداعي لذكره مواطن الحضارة في مصر والأردن والعراق والامارات؟!
وذكره للمواقع الاستراتيجي للممرات المائية في المنطقة ( قناة السويس والبحر الاحمر ومضيق هرمز).
من وجهة نظري سياسته هذه دغدغة لمشاعرهم التاريخية والحضارية؛ لأنه يعلم الطبيعة العاطفية للمنطقة العربية، ويظهر مزايا المنطقة الجغرافية، وكأن الولايات المتحدة الأمريكية غير طامعة فيها، وبالتالي هذا السرد من الحقائق التاريخية والجغرافية ينسجم مع سياسته في التوجيه المنظم والمقصود لهذه المنطقة.
ثالثا: الجانب السكاني: وتسليطه الضوء على النسبة السكانية الشبابية التي تزيد على 65% من السكان خاصة ممن هم دون الثلاثين يبين الدراسات العميقة عن الحالة العربية والإسلامية وأسبابها، وهذا ما دفعه إلى القول بضرورة تغيير السياسة الأمريكية أو الأيديولوجيا التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا قد يفتح المجال لمعالجة القضية الفلسطينية باعتبارها إحدى أسباب التطرف الموجود في المنطقة، وبالتالي يدركون جيدا _إن لم يحركوا بوصلة الشعوب وخاصة الشباب_ ستتحرك هذه البوصلة باتجاه تهديد مصالحهم الوجودية في منطقة الشرق الأوسط.
خامسا: الجانب الأمني: وكانت دوما السياسة الأمريكية تركز في التعامل مع دول المنطقة العربية على هذه الزاوية لتحجيمها واحتوائها ضمن فكرها وسياستها، والتي تتمثل بالإرهاب والتطرف وحركاته والأنظمة التي ترعاه وبخاصة النظام الايراني؛ لكي يشرعنوا مبررات وجودهم ودورهم الوظيفي الأمريكي في هذا الجانب في مقابل الحفاظ على مصالحهم.
باعتقادي أن انتخاب الولايات المتحدة الأمريكية لدونالد ترامب جاء استكمالا للمشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط فيما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، ودمج دولة الاحتلال الاسرائيلي فيه بقوة؛ ومن هنا يتضح أنه رغم تعدد الإدارات إلا أن السياسة الأمريكية ممنهجة ومحددة ولكل إدارة دورها، حيث ابتدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن هذه السياسية وأدخل المنطقة في أتون الفوضى الخلاقة بحسب نظريتهم، وجاء الرئيس براك أوباما؛ ليكمل السياسة الأمريكية، والآن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يختم فصول المشروع الأمريكي، وفعلا كانت قد مرت المنطقة في أتون الفوضى الخلاقة التي أدخلتنا في العديد من السبل وما زلنا؛ لكي نصل إلى السبيل الأمريكي وهو ولادة الشرق الأوسط الكبير!
أحمد أحمد مصطفى الأسطل
كاتب ومحلل سياسي