الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قوله تعالى " وسراجا منيرا "بقلم:د.عبد العزيز أبو مندور

تاريخ النشر : 2017-05-25
قوله تعالى " وسراجا منيرا "بقلم:د.عبد العزيز أبو مندور
قوله تعالى " وسراجا منيرا "

ــــــــــــــــ

عبد العزيز أبو مندور

نشر في المصريون يوم 20 - 02 - 2010

....
    لم يجتمع - كما نفهم - لأحد فى العالمين نور الشمس والقمر فى عين واحدة كما اجتمع لسيد ولد آدم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جمع الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم من أنوار الوجود والعلم والمعرفة ومكارم الأخلاق ما تمم به كل نور بدا ، وختم به كل علم سما ، وجمل به كل كون نشا ، وغرد به كل صوت شدى!

   يقول عز من قائل فى وصف نبيه وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم " يا أيها النبي إِنَّا أرسلناك شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً " ( الأحزاب : 45 ، 46  (

   وهنا صفات ست له صلى الله عليه وسلم وهي:


1-    الوصف الأول : كونه نبياً.

2-    والثاني : كونه رسولاً.

3-    والثالث : كونه شاهدا.

4-     والرابع : كونه مبشراً و نذيراً

5-     والسادس : كونه داعياً إلى الله تعالى بإذنه.

6- والسابع : كونه سراجاً منيراً .

    والإمام الفخر الرازي فى ( فتوح الغيب ) جعلها ثمانية صفات ، فقد عد مبشرا صفة ، ونذيرا صفة ، كما عد سراجا صفة ، ومنيرا صفة.

    ولقد فهمنا – ولا يمنع استرشادنا بما قاله الإمام الرازى – أن مبشرا ونذيرا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم صفة واحدة .
وهو ما فهمناه أيضا من وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه سراجا منيرا.

   والعلة فى ذلك أن تلك الصفات صفات متقابلة ، فهو صلى الله عليه وسلم مبشرا من وجه ، ونذيرا من وجه ، فالعين واحده هي ذاته صلى الله عليه وسلم ، فيكون مبشرا للمن اهتدى ، ومنذرا لمن ضل وغوى فى ذات الوقت ، فيبشر المؤمنين بأن لهم الجنة ، وينذر الكافرين من عذاب يوم شديد.
وكذلك وصفه بأن سراجا منيرا ، فهي من الصفات المتقابلة ، فهو سراج من وجه ، وهي صفة جلال ، ومنير من وجه ، وهي صفة جمال ، والعين واحدة موصوفة بالكمال الخلقي والخلقي ، وهو ما لم يتوفر لمخلوق سواه صلى الله عليه وسلم .

   والحق يقال أن نور الشمس والقمر كلاهما من نوره نشا ، فليس نورا جعل فى الكون الأعلى أو الأدنى إلا من نوره صلى الله عليه وسلم ، فمن نوره صلى الله عليه وسلم ظهر الوجود ، ومن جماله أزينت الموجودات ، واكتست الأكوان حسنها ، واهتزت الأرض وربت ، فهو غيث لكل الخلائق ، ورحمة الله للعالمين ، بدأ الله سبحانه به الوجود ، وبه ختم النبوة والرسالة ، فجاءت شريعته عالمية فى الزمان والمكان ، على أحسن ما تكون عليه وجوه الوسطية من خصائص التمام والكمال والشمول والعموم و الفطرية التى لا تتوفر فى غيرها من الشرائع الكتابية ، فكانت شريعة بسيطة سهلة ميسره ، فى وزن وقسط وعدل وخير فاضل ؛ فلا عوج فيها ولا أمتا.

    يقول عز من قائل فى وصف خاتم أنبيائه ورسوله المصطفى المختار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا مبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " ( الأحزاب : 45-46 )

      وهنا لطائف ومناسبات جليلة وجميلة بين وصف النبى صلى الله عليه وسلم بأنه سراج ، وبين اسمه محمد صلى الله عليه وسلم.

    لقد ذكر لفظ السراج فى القرآن الكريم مرات أربع ، وهو نفس العدد الذى ذكر به النبي صلى الله عليه وسلم باسمه محمد ، فقد تكرر ذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم على عدد لفظ السراج أربع ( 4 ) مرات فى أربع آيات0
وذلك فى قوله تعالى " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ "
(آل عمران : 144 )

    وقال سبحانه " مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً " (الأحزاب : 40 (
وقال تعالى " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ "
( محمد : 2 )

 
    وقال عز وجل " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً "( الفتح: 29)

    أما لفظ السراج ، فقد تردد ذكره فى القرآن الكريم أربع ( 4 ) مرات فى أربع آيات أيضا.

    وذلك فى قوله تعالى " يا أيها النبي إنا أرسلناك مبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " ( الأحزاب : 45-46 )

و قال تعالى" تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا و وقمرا منيرا " ( الفرقان :61 (

   و قال سبحانه " وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا " ( نوح : 16(

    و قال تعالى جده " وجعلنا سراجا وهاجا " ( النبأ : 13)

    هذه أربع آيات جاء فيها ذكر كلمة سراج ، ولكنها ليست جميعا على نحو واحد ، أو نسق واحد ، أو وصف واحد0
وتمهل معنا أيها الكيس الفطن !
وتأمل أيها المحب القريب ، وانظر ، فهاهنا ثلاث آيات من الآيات الأربعة جاءت فى وصف الشمس الكونية بأنها سراج .
إلا أن آية واحدة من الآيات الأربع تصف الشمس بالإحراق بحسب طبيعتها.

    وهذا ما تبين بعد للعلم والعلماء المحدثين ، فالشمس نجم ملتهب نارا ، فهى كما قال ربنا سبحانه وتعالى " سراجا وهاجا ".

   وهنا آيتين تميزان الشمس عن القمر ، فقد وصفتا القمر بالنورانية ، فليس محرقا كالشمس ، بل هو نور ، كما وصفه ربنا سبحانه وتعلى " و قمرا منيرا "

   ولا شك أن وظيفة الشمس والقمر فى استمرار الحياة على سطح الأرض والكواكب الأخرى باتت معلومة هذه الأيام بسبب تقدم العلوم الكيميائية والفيزيائية النووية ، فقد أمكن التوصل إلى معرفة بعض المعلومات عن الشمس وأهميتها البالغة بالنسبة للحياة على وجه الأرض وهذه المعلومات لم يدركها أحد من العلماء من قبل.

    ولعل هذا يعد من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ! فلا تدهش ، فالدليل قرآني وعلمي أيضا .

   ودليلنا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل ضوء الشمس ذاتي لها ، فقد وصفها سبحانه بأنها " سراجا وهاجا " ، فهي حارقة محرقة ، تمد غيرها بالدفء والضوء.

   أما القمر ، فإنما يستمد من الشمس نوره ، فيعكسه علينا بالليل نورا ، وسلاما ، وأمنا ، ومحبة !

   فما وصف القمر بالنور إلا لذلك الاستمداد، فنوره ليس ذاتيا ، بل هو من انعكاس ضوء الشمس على سطحه.

   تأمل أيها المحب الفطن واقرأ قول ربك العظيم تعرف نبيك أكثر مما كنت تعرف وتزداد علما إلى علمك!

   قال له ربه سبحانه وتعالى يصف طبيعته صلى الله عليه وسلم " وسراجا منيرا"

   إنه صلى الله عليه وسلم ما وصف بهذا الوصف إلا لأن نوره رحمة وهداية وبردا وسلاما على العالمين .

   ولكن- إياك أن تغفل ما فهمت ، فما زال فى الوصف للوصافين بقية إلى يوم الدين "  وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " ( طه : 114 )

   ولا تنسى ، فنور نبيك صلى الله عليه وسلم ليس كنور القمر ، بل هو نور ذاتي ، فهو ( سراج منير ) ، فلا يستمد نوره كما فهمنا من أحد سوى ربه سبحانه وتعالى ، أما القمر الكوني فيستمد نوره - كما هو معروف - من ضوء الشمس .

   وهذا يعنى أن كل من يستمد علما أو معرفة أو مكرمة أخلاقية أو محاسن وفضائل ربانية إنما يستمدها منه صلى الله عليه وسلم ، فهو السراج المنير، شمس بلا إحراق أو أذى ، فهو رحمة للعالمين ، فيه اجتمع النور الذاتي والنور المستفاد فى عين واحدة ، فهو يقسم أنواره على كل من يقترب منه ؛ نبيا كان أو وليا أو عالما بالله وارث ، فكلما ظهر من أنوارهم من نوره يستمد ويستفاد ، كما تستمد الكواكب فى المجموعة الشمسية وتوابعها نورها من الشمس ، فإذا ما ظهرت الشمس ، فما يرى لهذه الكواكب أثر نور، ولا عين.

    يقول البصيري مدحا له صلى الله عليه وسلم فى بردته :
وَكُلُّ آيٍ أَتَى الرُّسُلُ الْكِرَامُ بِهَا
فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِن نُّوْرِهِ بِهِمِ
فَإِنَّهُ شَمْسُ فَضْلٍ هُمْ كَوَاكِبُهَا
يُظْهِرْنَ أَنْوَارَهَا لِلنَّاسِ في الظُّلَمِ
حَتَّى إِذَا طَلَعَتْ في الْكَونِ عَمَّ هُدَاهَا
الْعَالَمِينَ وَأَحْيَتْ سَآئِرَ الأُمَمِ
أَكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِيٍّ زَانَهُ خُلُقٌ
بِالْحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالْبِشْرِ مُتَّسِمِ

   ولا يكون تكرارا أنه صلى الله عليه وسلم فى إمداده لغيره واستمداده ليس كالشمس ، فهو لا يستمد من أحد ، فمدده من ربه سبحانه وتعالى ، فهو كما نفهم كمن وجد الكنز، فهو له ملك ، وهو عليه حفيظ عليم ، فيقسم منه على الخلائق بالعدل وبما أراه الله من الحق ، فالله معطى وهو صلى الله عليه وسلم قاسم أو كما قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم.

   روى البخاري فى صحيحه - بَاب قَوْلِ اللَّه تَعَالَى " فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ "
    َيعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ.

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ وَاللَّهُ يُعْطِي "

   وأيضا جاء فى رواية أخرى فى ( صحيح البخاري ) ..  قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"

   فيا الله ، بحق أبا القسم صلى الله عليه وسلم وجاهه عندك ، كن لنا يا ربنا على من عادانا وعاداه ، أو آذانا فيه أو آذاه ، أو آذانا وأساءنا فى آل بيته المطهرين الأطهار وآذاه ، أو آذانا فى أصحابه وحملة العلم من الورثة من بعده ، فأساء إليهم ، وآذاه.

    صلى عليك الله يا شمس الليل ، ونجم النهار، وقمر الضحى وعلى آلك وصحبك وسلم تسليما كثيرا .

   تلك بعض ما تنبهنا إليه من دلالات قوله تعالى" وسراجا منيرا" وذلك فى وصفه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .


   ولا شك أن مثل هذه الدلالات الهامة وغيرها من دلالات تزكى ما سبق أن كشفنا عنه فى كتاباتنا فى سلسلة ( الحقيقة المحمدية.. )  ؛ فلقد انتهينا فى كتابنا ( نشأة العالم وأول خلق الله ) إلى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق أجمع
ظاهرا وباطنا ، شريعة وحقيقة .

    وهو الحق الذى تواطأ عليه أهل اللطائف والإشارات من أمثل الإمام أبو حامد الغزالى .، فقد ذهب الإمام أبو حامد الغزالى فى                  ( مشكاة الأنوار ) مستخدما المنهج الصاعد فى إثبات أولوية النور المحمدي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أحق المخلوقات باسم النور.

   لقد بدأ الإمام أبو حامد أولا بتجريد النور الحسي ، ثم يقارن بينه وبين نور البصر الذى يدرك النور ، فالبصر بهذا أولى باسم النور ، لأنه يدرك النور الحسي ، والنور الحسي لا يدركه.
ثم ينتقل إلى نور العقل ، فوجد أنه أولى من نور البصر باسم النور ، لأن العقل يدرك غيره ، ويدرك أنه يدرك ، وهذا لا يكون للبصر .
ولكنه - يلاحظ أن العقل لا يستطيع ، ولا يتمكن من سبر غور بعض مدركاته ، لذا فهو يحتاج إلى تنبيه ، وذلك لا يكون إلا بنور الحكمة ، نور الشرع والدين.

    ولما كان كلام الله تعالى ومن جملته القرآن خاصة أعظم الحكمة ، كان القرآن أولى باسم النور من العقل ، لأنه يعين العقل على معرفة الحقيقة ، فهو بمنزلة نور الشمس عند العين الباصرة.

    وينتهى الإمام الغزالي إلى القول بأن النور الذى هو أولى وأحق باسم النور هو ذلك النور الذى تفيض أنواره على غيره ، فهو النور المقصود لذاته ولغيره ، وهو نور النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخاصة ، وأنوار الأنبياء عليهم السلام ، وكذا أنوار العلماء من الورثة بعامة.

   يقول " أن ما يبصر نفسه ، ويبصر غيره ، أولى باسم النور .
ثم يتابع تلك المقابلة البديعة فيقول : فإن كان من جملة ما يبصر به غيره أيضا ، فهو بذلك واسطة فى إبصار الآخرين ، مع أنه يبصر نفسه وغيره ، فهو أولى باسم النور من الذى لا يؤثر فى غيره أصلا ، بل بالحرى أن يسمى ( سراجا منيرا ) بفيضان أنواره على غيره.

   وهذه الخاصية توجد للروح القدسي النبوي ، إذ منه تفيض أنواع المعارف على الخلائق.

    وقد سبق أن تبين لنا أن مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ، مقام " أو أدنى " مقام المقامات ، هذا المقام الأسنى يندرج فيه الكون كله ، وهو ما أصلناه فى كتابنا ( نشأة العالم وأول خلق الله).

    ولشد ما كانت دهشتنا أن نجد ما يؤيد فهمنا من أقوال بعض العلماء الكبار من أمثال الشيخ تقي الدين ابن تيمية.

   يقول فى ( مجموع الفتاوى ) : وقد ظهر فضل نبينا على الملائكة ليلة المعراج لما صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ؛ وعلا على مقامات الملائكة.

   ثم يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : والله تعالى أظهر من عظيم قدرته وعجيب حكمته من صالحي الآدميين من الأنبياء والأولياء ما لم يظهر مثله من الملائكة حيث جمع فيه ما تفرق في المخلوقات.

1- فخلق بدنه من الأرض.

2-  وروحه من الملأ الأعلى.

    ولهذا يقال : هو العالم الصغير وهو نسخة العالم الكبير .
محمد سيد ولد آدم . وأفضل الخلق وأكرمهم عليه.

   وكان علينا أن نسترسل مع ابن تيمية فيما توصل إليه  .

   واقرأ معنا ماذا قال ابن تيمية فى ذلك ، فال : ومن هنا قال من قال : إن الله خلق من أجله العالم ، أو إنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا.

   لكن – كان من حرص الشيخ ابن تيمية على صحيح العلم أن بين:

1-       أولا :أن من قال ذلك لا يعرف وأن ما قاله ليس حديثا لا صحيحا ولا ضعيفا .

2-       ثانيا : أنه وجد الدليل على صحة هذا المعنى من آيات الذكر الحكيم .

    أما فى أولا فقد قال ابن تيمية : ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا ، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، بل ولا يعرف عن الصحابة ، بل هو كلام لا يدرى قائله.

    وأما عن ثانيا فقد قال الشيخ ابن تيمية  :   ويمكن أن يفسر بوجه صحيح كقوله تعالى " سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ " ( لقمان : 20 )

    وقوله تعالى " وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ " (إبراهيم : 32 – 34 )

   وأمثال ذلك من الآيات التي يبين فيها أنه خلق المخلوقات لبني آدم .

   ومعلوم أن لله فيها حكما عظيمة غير ذلك وأعظم من ذلك.
ولكن يبين لبني آدم ما فيها من المنفعة وما أسبغ عليهم من النعمة.


   فإذا قيل : فعل كذا لكذا لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى.

   وينتهى الشيخ ابن تيمية إلى ما نحن فيه ، فقال :  وكذلك قول القائل : لولا كذا ما خلق كذا لا يقتضي أن لا يكون فيه حكم أخرى عظيمة بل يقتضي إذا كان أفضل صالحي بني آدم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت خلقته غاية مطلوبة وحكمة بالغة مقصودة (أعظم ) من غيره صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم.

     ويدلل على ذلك بصدق وفهم وعلم رصين الشيخ تقي الدين ابن تيمية بمنهجه الصارم على أساس من الكتاب والسنة لا يحيد ، فقال :  والله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وكان آخر الخلق يوم الجمعة ، وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق ؛ خلق يوم الجمعة بعد العصر في آخر يوم الجمعة.

   وسيد ولد آدم هو محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - آدم فمن دونه تحت لوائه .

    قال صلى الله تعالى عليه وسلم " إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته"

   أي كتبت نبوتي وأظهرت لما خلق آدم قبل نفخ الروح فيه كما يكتب الله رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه.

    فإذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها وهو الجامع لما فيها ، وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا، ومحمد إنسان هذا العين ؛ وقطب هذه الرحى وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات.

    وما زلت أنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو من هو فى العلم والجاه بين العلماء.

    يقول متمما ما قدم له : فما ينكر أن يقال : إنه لأجله خلقت جميعها وإنه لولاه لما خلقت.

    فإذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قبل ذلك.

    وأما إذا حصل في ذلك غلو من جنس غلو النصارى بإشراك بعض المخلوقات في شيء من الربوبية ، كان ذلك مردودا غير مقبول ؛ فقد صح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ".

    وقد قال تعالى "  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً "( النساء : 171)

   وعموما ، فقد كان ابن تيمية فى ( مجموع الفتاوى ) عونا لنا فيما فهمناه من قبل من قراءتنا وأبحاثنا السابقة فى كتب وأقوال حكماء الأمة من أمثال الحكيم الترمذي فى ( نوادر الأصول فى أحاديث الرسول ) ، والإمام القشيري فى ( رسائل القشيري ) و( لطائف الإشارات )  ، وأبو حامد الغزالي فى ( مشكاة الأنوار )  ، والشيخ محيى الدين بن عربي فى ( الفتوحات المكية ) ؛ فكنا بهذا الفهم قد أصبحنا على يقين بجانب من حقيقة تسمية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( سراجا منيرا )  ، والأنبياء كلهم سرج، وكذلك العلماء، ولكن التفاوت بينهم لا يحصى، كما يقول الإمام الغزالى.

   كانت تلك بعض اللطائف والدقائق التى أشارت إلى قوله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " إنا أرسلناك هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " ( الأحزاب : 46)
ومن هنا – ولكن - بأسلوب عصري يسير الشيخ محمد متولى الشعراوى على نهج الإمام الغزالى خطوة بخطوة .
و كأنى أراه وأسمعه وهو يقرأ قوله تعالى " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " ( المائدة : 15  )

       إنه يريد بالنور محمد صلى الله عليه وسلم " ، وهو ما سبق إليه معظم المفسرون من أمثال الإمام البيضاوي فى تفسيره                   ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل ) عند تفسيره لسورة المائدة.

 
   يقول فضيلة الشيخ الشعراوى " يقول الله تعالى" نور وكتاب "
فلا بد أن النور غير الكتاب.

    ونحن نعرف الكتاب الذى يشمل على المنهج ، و الذى سيخرجنا من الظلمات إلى النور ، إنه القرآن ، فإذا كان المقصود ( بالنور ) النور المعنوي ، فهذا موجود بالكتاب .


   ولكن السؤال الآن  :

    هل الكتاب أتى أولا ، ثم دلنا على محمد صلى الله عليه وسلم ؟

    أم محمد صلى الله عليه وسلم هو الذى دلنا على الكتاب ؟
    إذن محمد صلى الله عليه وسلم هو النور .


   ولعل فى صعوبة تصور هذه المسألة بالعقل الإنساني الكسبي ، ما دفع الشيخ الشعراوى إلى القول بأننا قبل أن نتعلم العلم التحليلي لم يكن النور فى عرفنا مادة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ظهر لنا ماديا فى صورة مشخصة.

   الناس لم يروه نورا وإنما رأوه إنسانا !

    ولكن - فى عصرنا هذا وفى أواخر القرن العشرين لا يصح أن نقف عند هذا التصور للمادة ، لأنه بات من الممكن تحويل أى مادة إلى إشعاعات ضوئية ، وكذلك العكس صحيح .

    وبعد ذلك يقول الشيخ الشعراوى : " وها هو العلم يؤكد ذلك المعنى ، فالنور هو البداية ، ثم عملت منه الماديات.

   وعموما ، فما نود أن نلفت الانتباه إليه أن المؤمنين حين ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا ينظرون إليه كما ينظر الكافرون به والمكذبون بنبوته ، والمشككون فى رسالته ، فمن نظر فى بشريته ، دون التصديق به ، فلن يرى فيه إلا رجل يمشى فى الأسواق ويأكل كما يأكل الناس ، فلا يرى نوره صلى الله عليه وسلم إلا من آمنوا به وصدقوه.

   وبالرغم من ذلك كانوا يلقبونه بالصادق الأمين ويضعون عنده ودائعهم حتى بعد أن ناصبوه العداء.

   ولكن - حكماء البشر لا يحيدون عن الحق ولو كان مرا.

    وانظر وتأمل قول عبد الله بن سلام حين رأى وجه النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله فجئت في الناس لأنظر إلى وجهه فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعت منه أن قال " يا أيها الناس اطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام "  ( باب اجتماع اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وسؤالهم له ومعرفتهم صدقه - الخصائص الكبرى - للإمام السيوطي  )

   وأخرج ابن سعد والترمذي والبيهقي عن أبي هريرة قال : ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحدا أسرع في مشيه منه كأن الأرض تطوى له إنا لنجهد وانه غير مكترث "

    اخرج الشيخان عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير"

   واخرج البخاري عن البراء أنه سئل : أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف ؟

قال : لا ، ولكن - كان مثل القمر"

    وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة أنه سئل : أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ؟

قال : لا ؛ بل مثل الشمس والقمر مستديرا"

   انظر إلى فصاحة الصحابي جابر بن سمرة رضي الله عنه فى وصفه لوجه النبي صلى الله عليه وسلم ترى عجبا وما يسرك ويفرحك ؛ فلقد جمع بأن فى وصفه لوجهه صلى الله عليه وسلم بين الشمس والقمر مثلا فى الاستداره ؛ فما فارق قوله تعالى :                 " وساراجا منيرا "

    وأخرج الدارمي والبيهقي عن جابر بن سمرة قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ( أضحيان) وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر ؛ فلهو كان أحسن في عيني من القمر"

    يقول السيوطي: في الصحاح ( ليلة إضحيان بكسر الهمزة والحاء ) لا غيم فيها.

    وأخرج البخاري عن كعب بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسر استنار وجهه كأنه قطعة قمر ؛ وكنا نعرف ذلك منه"

    وأخرج أبو نعيم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كدارة القمر"

    وأخرج البيهقي عن أبي إسحاق عن امرأة من همدان قالت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم قلت لها شبهيه .
قالت: كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله "

   وأخرج الدارمي والبيهقي والطبراني وأبو نعيم عن أبي عبيدة قال قلت للربيع بنت معوذ : صفي لي رسول الله {صلى الله عليه وسلم.

قالت : لو رأيته لقلت الشمس طالعة"

   واخرج مسلم عن أبي الطفيل انه قيل له : صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : كان ابيض مليح الوجه"

   وأخرج ابن عساكر عن علي بن ابي طالب قال ما بعث الله نبيا قط إلا صبيح الوجه كريم الحسب حسن الصوت وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم كان صبيح الوجه كريم الحسب حسن الصوت "
 )  وعلى الله قصد السبيل )

دكتور / عبد العزيز أبو مندور

كاتب و أديب وباحث فى الفلسفة والأخلاق والتصوف

*****

[email protected]

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف