ما ان اشتعلت اعواد الحطب واخذت تتجمر تحت الصاج،* حتى وصلت امراة شابة بملامح جميلة،وجهها ناصع البياض،ذات شعر اسود مالت بعض خصلاته الى الاحمرار القاني من اثر الحناء. كانت ما تزال تلهث من تعب الطريق وهي تحمل طفليها الصغيرين، حيث اجلست احدهما على كتفها، والدموع تملأ عينيه وسال مخاطه من انفه، وتشبثت يداه الصغيرتان براسها، وركنت الاخر على صدرها واحتضنته بذراعها الايسر، طالبةً من الحرس ان يدلها على الطبيب، فاشار اليها بسبابته نحو الخباز الذي كانت يداه حتى الكوعين قد غطستا في الطحين وبقايا من عجين، وتكلل شعره التمري بذرات الدقيق المتطاير، فقد انهمك في فتح العجين على اللوح الخشبي المدور،وقد صب جل اهتمامه بالنار وبالعناية بها كي لايفسد الرغيف، دون ان يبالي بما حوله.
جالت تلك الام بنظرها في ذلك المكان الصخري الموحش، سيما في وقت القيلولة، ولما لم تجد سوى الخباز هناك، اعادت سؤالها عن الطبيب.
عندئذ رفع دكتور عادل* اليها عينيه برموشهما الطويلة لتلتقي بعينيها للحظات قبل ان يجيبها وهو يبتسم تلك الابتسامة التي لم تكن تفارق وجهه مهما كان حزيناً او متعباً " انا الطبيب"! فتحت عينيها وفمها على اتساعهما بذهول واستغراب ودون ان تنطق قفلت راجعة من حيث اتت، تهز راسها بامتعاض واستياء.
لم تمضِ فترة طويلة حتى عادت المراة، متجهة مباشرةً نحو الخباز، قائلة له بارتباك وتردد:" كيف يكون الطبيب خبازاً؟ كما ان هذا شأن النساء !". رفع راسه صوبها مع ابتسامة ودية، مؤكدا لها انه الطبيب.
بين الشك والريبة من صدق الخبار نكست راسها، مركزةً انتباهها على يديه، وهما تفتحان العجين بتلك العصا الرفيعة الملساء، وتحملاه برشاقة وخفة ليضعه بيد واحدة على سطح ذلك المعدن الساخن، وباليد الاخرى يفرشه ويرتبه بعناية كما لو انه مفرش ثمين لينضج بسهولة ويسر. اثناء ذلك يكون قد جهز عجينة اخرى لملاقاة النار، التي لم يكن يسهو عنها، يلقمها الحطب في الوقت الملائم، يقلب رغيف الخبز بخفة ودقة، ثم يرفعه ويطويه ويتركه جانباً بكل اتقان ومهارة، فيغامرها الظن بانه لايمكن ان يكون هذا الخباز طبيباً.
مكثت الام منتظرةً بصبر واناة ،إلا ان القلق بدأ يتسرب الى قلبها خوفا على طفليها، فكانت بين الفينة والاخرى تعرض عليه المساعدة او ان تقوم بانجاز البقية الباقية من العجين، اضافة الى انها لم تحتمل او تتقبل ان ترى رجلاً بل طبيباً يجلس امام الصاج ويخبز، فان الوقت يداهمها والشمس مالت الى الغروب، لكنه رفض عونها باصرار.
نفض الطبيب يديه وثيابه من الطحين العالق بهما، ماسحاً حبات العرق التي طفرت من جبينه بكم قميصه المتسخ، بعد ان انهى عمله، الذي لم يتمكن من تركه، فهناك مفرزة من رفاقه الذين ذهبوا في مهمة بين شعاب الجبال قاربت على الوصول.
جعل يفحص الطفلين بترو، وهو تارة يربت على راسيهما برافة وطيبة،وتارة اخرى يلاعبهما، بصوته الهادئ الذي يوحي دائما بالاطمئنان،حضّ الام على الهدوء فليس هناك ما تخشاه، ثم اعطاها الدواء وبعض النصائح التي يجب ان تلتزم بها للحفاظ عليهما، طالبا منها ان تعود اليه بعد ثلاثة ايام اذا لم يشفيا، ثم ودعها حتى معبر النهر الى قريتها وهو يحمل احد الطفلين.
في تلألؤ الصباح وزحف ظلال الاشجار على الصخور الرمادية القاسية، والتلال الكئيبة التي تحيط القاعدة*، جاء احد الفلاحين من الضفة الثانية للنهر، مبادراً الحرس النهاري بالسؤال عن الطبيب.وما ان استقبله د. عادل حتى اخرج له علبة مليئة بالعسل وقدمها له قائلا " انا والد الطفلين اللذين شفيتهما! ولكن، أحقاً كنت يومها تخبز يادكتور"؟
جالت تلك الام بنظرها في ذلك المكان الصخري الموحش، سيما في وقت القيلولة، ولما لم تجد سوى الخباز هناك، اعادت سؤالها عن الطبيب.
عندئذ رفع دكتور عادل* اليها عينيه برموشهما الطويلة لتلتقي بعينيها للحظات قبل ان يجيبها وهو يبتسم تلك الابتسامة التي لم تكن تفارق وجهه مهما كان حزيناً او متعباً " انا الطبيب"! فتحت عينيها وفمها على اتساعهما بذهول واستغراب ودون ان تنطق قفلت راجعة من حيث اتت، تهز راسها بامتعاض واستياء.
لم تمضِ فترة طويلة حتى عادت المراة، متجهة مباشرةً نحو الخباز، قائلة له بارتباك وتردد:" كيف يكون الطبيب خبازاً؟ كما ان هذا شأن النساء !". رفع راسه صوبها مع ابتسامة ودية، مؤكدا لها انه الطبيب.
بين الشك والريبة من صدق الخبار نكست راسها، مركزةً انتباهها على يديه، وهما تفتحان العجين بتلك العصا الرفيعة الملساء، وتحملاه برشاقة وخفة ليضعه بيد واحدة على سطح ذلك المعدن الساخن، وباليد الاخرى يفرشه ويرتبه بعناية كما لو انه مفرش ثمين لينضج بسهولة ويسر. اثناء ذلك يكون قد جهز عجينة اخرى لملاقاة النار، التي لم يكن يسهو عنها، يلقمها الحطب في الوقت الملائم، يقلب رغيف الخبز بخفة ودقة، ثم يرفعه ويطويه ويتركه جانباً بكل اتقان ومهارة، فيغامرها الظن بانه لايمكن ان يكون هذا الخباز طبيباً.
مكثت الام منتظرةً بصبر واناة ،إلا ان القلق بدأ يتسرب الى قلبها خوفا على طفليها، فكانت بين الفينة والاخرى تعرض عليه المساعدة او ان تقوم بانجاز البقية الباقية من العجين، اضافة الى انها لم تحتمل او تتقبل ان ترى رجلاً بل طبيباً يجلس امام الصاج ويخبز، فان الوقت يداهمها والشمس مالت الى الغروب، لكنه رفض عونها باصرار.
نفض الطبيب يديه وثيابه من الطحين العالق بهما، ماسحاً حبات العرق التي طفرت من جبينه بكم قميصه المتسخ، بعد ان انهى عمله، الذي لم يتمكن من تركه، فهناك مفرزة من رفاقه الذين ذهبوا في مهمة بين شعاب الجبال قاربت على الوصول.
جعل يفحص الطفلين بترو، وهو تارة يربت على راسيهما برافة وطيبة،وتارة اخرى يلاعبهما، بصوته الهادئ الذي يوحي دائما بالاطمئنان،حضّ الام على الهدوء فليس هناك ما تخشاه، ثم اعطاها الدواء وبعض النصائح التي يجب ان تلتزم بها للحفاظ عليهما، طالبا منها ان تعود اليه بعد ثلاثة ايام اذا لم يشفيا، ثم ودعها حتى معبر النهر الى قريتها وهو يحمل احد الطفلين.
في تلألؤ الصباح وزحف ظلال الاشجار على الصخور الرمادية القاسية، والتلال الكئيبة التي تحيط القاعدة*، جاء احد الفلاحين من الضفة الثانية للنهر، مبادراً الحرس النهاري بالسؤال عن الطبيب.وما ان استقبله د. عادل حتى اخرج له علبة مليئة بالعسل وقدمها له قائلا " انا والد الطفلين اللذين شفيتهما! ولكن، أحقاً كنت يومها تخبز يادكتور"؟