الصوت البيئي في الحملات الانتخابية ضعيف والعشائرية تفَوَّقت على اعتبارات الكفاءة والمهنية
جورج كرزم
مدير وحدة الدراسات في مركز العمل التنموي/ معا
لن نناقش في هذا المقال المخاطر السياسية- الوطنية الكامنة خلف إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بعيدا عن قطاع غزة، وبالتالي تعميق الشرخ القائم بين غزة ورام الله، ناهيك عن مقاطعة بعض الفصائل الأساسية في الساحة الفلسطينية لهذه الانتخابات. ما سنناقشه في هذه العجالة هو انشغال المرشحين للانتخابات المحلية في الدعاية والترويج لبرامجهم الانتخابية التي نص بعضها على شعارات سياسية وبلدية عامة وطنانة؛ بل إن أقوال بعض المرشحين وقوائمهم قيلت في الماضي أيضا ولمّا تنفذ حتى يومنا هذا.
اللافت أن الصوت البيئي في الحملات الانتخابية ضعيف؛ إذ أن المساحة البيئية المتاحة في الكثير من البرامج والدعايات الانتخابية ضحلة، كما لم يتم التطرق بشكل مباشر وعلمي إلى قضايا بيئية حساسة وحيوية تمس أهالي العديد من القرى والمدن والبلدات.
ورغم تسويق بعض المرشحين لأنفسهم باعتبارهم "خضر" أو حريصين على البيئة، إلا أن تأثيرهم على القيادة العليا في السلطة الفلسطينية أو حتى في وزارة الحكم المحلي وسائر الوزارات المعنية هامشي.
الحقيقة أن بعض القضايا الهامة المطروحة في المستوى البلدي والقروي والتي تعتبر من الأولويات الاجتماعية-الاقتصادية تتضمن مكونات بيئية بارزة. بعض الأمثلة على ذلك: أزمة السكن المرتبطة بتطوير المناطق الحضرية والبناء في المناطق المفتوحة، إضافة إلى إنشاء وتطوير بنية تحتية للشوارع والطرق بحيث تساهم في حل أزمة الازدحامات المرورية الملوثة للبيئة والهواء، فضلا عن تطوير شبكة مواصلات عامة حديثة صديقة للبيئة تحفز الأطفال والطلاب والشباب على استخدامها وبالتالي تقلل من أسطول المركبات الضخم في شوارعنا.
أيضا مشكلة الضجيج وتلوث الهواء وطرق الاستفادة من مواد الطاقة، بما في ذلك توفير محفزات مادية وضريبية (من قبل المجالس البلدية والقروية) للتوجه نحو الكهرباء الشمسية أو تدوير النفايات العضوية وغير ذلك من التوجهات المؤثرة بشكل حاسم على مستقبل البيئة والاقتصاد.
إن مراجعة سريعة لبرامج القوائم المتنافسة وللاجتماعات والحلقات التي نظمتها بعض القوائم الانتخابية، تبين غياب الرؤية البيئية المحلية والوطنية، وبخاصة في ما يتعلق باستخدام الطاقات المتجددة وتدوير مخلفات الانشاءات، فضلا عن بلورة الإطار التنظيمي للمبادرين ورواد الأعمال في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك تسهيل الإجراءات والتراخيص المتعلقة بإنشاء منشآت للطاقة الشمسية على أسطح المباني، ووضع معايير ومواصفات تسمح بإعادة استخدام مخلفات البناء المعاد تدويرها، وأيضا تكثيف إنفاذ القانون ضد مواقع النفايات العشوائية، واعتماد المبادئ المتعارف عليها عالميا مثل "المُلَوِّث يَدْفَع" التي يجب تطبيقها على كل من يتسبب بأضرار بيئية في نطاق المساحات الواقعة تحت مسؤولية الهيئات المحلية.
وإجمالا، نسبة المرشحين المعروفين والبارزين بنشاطاتهم وإنجازاتهم البيئية هامشية جدا في جميع القوائم الانتخابية. بعض القوائم تذكرت في اللحظة الأخيرة قبل موعد الانتخابات، بأن عليها أن تقول شيئا ما عن البيئة. وللأسف، لم نجد في البرامج الانتخابية المختلفة من يتعامل مع المسألة البيئية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من فلسفته في العدالة الاجتماعية والمساواة في توزيع الموارد والحفاظ عليها.
في الواقع، تجاهلت الأحزاب والفصائل المتنافسة القضايا البيئية في برامجها، بل ذهب بعضها إلى حد الإدلاء ببيانات معادية للبيئة. كما لم تطرح خطط عمل بيئية، أو أفكار ورؤى لبلورة قوانين وممارسات في الحقل البيئي، بما في ذلك اقتراحات عملية عادلة لتطوير وإدارة الموارد المائية، وإيجاد حلول لأزمة السكن دون المساس بالمساحات الخضراء والمفتوحة، وتطوير اقتصاد الطاقة مع تعزيز الكفاءة وتحقيق وفورات في هذا المجال.
باعتقادنا، سبب غياب الرؤية والفلسفة البيئية في المستوى المحلي والبلدي يعود، من بين أسباب أخرى، إلى المشكلة العضوية البارزة في النشاط الانتخابي ألا وهي العائلية والعشائرية التي فرضت حضورها في العديد من قوائم المرشحين، بعيدا عن كل ما قيل عن المهنية والكفاءة؛ بل إن البعد العائلي-العشائري في قوائم الفصائل والقوى السياسية تفَوَّق بوضوح على اعتبارات الكفاءة والقدرة والتخصصية والمهنية.
واللافت، بحسب استطلاع لمؤسسة "أوراد" (معهد العالم العربي للبحوث والتنمية) نشر في 24 آب العام الماضي، أن الاتجاه العام في الشارع الفلسطيني يشير بأن العائلية والحزبية هي التي تتحكم في قرارات التصويت؛ إذ أكد 37% من المستطلعين بأن عائلة المرشحين هي العامل المقرر في التصويت، كما أكدت نسبة أخرى مماثلة (37%) بأن الانتماء الحزبي هو العامل المؤثر في قرار التصويت، بينما عامل الكفاءة والمهنية حظي بنسبة 13% فقط! أي أن 74% من المستطلعين يعتبرون أن العائلية والحزبية هي العامل المقرر في التصويت.
جورج كرزم
مدير وحدة الدراسات في مركز العمل التنموي/ معا
لن نناقش في هذا المقال المخاطر السياسية- الوطنية الكامنة خلف إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بعيدا عن قطاع غزة، وبالتالي تعميق الشرخ القائم بين غزة ورام الله، ناهيك عن مقاطعة بعض الفصائل الأساسية في الساحة الفلسطينية لهذه الانتخابات. ما سنناقشه في هذه العجالة هو انشغال المرشحين للانتخابات المحلية في الدعاية والترويج لبرامجهم الانتخابية التي نص بعضها على شعارات سياسية وبلدية عامة وطنانة؛ بل إن أقوال بعض المرشحين وقوائمهم قيلت في الماضي أيضا ولمّا تنفذ حتى يومنا هذا.
اللافت أن الصوت البيئي في الحملات الانتخابية ضعيف؛ إذ أن المساحة البيئية المتاحة في الكثير من البرامج والدعايات الانتخابية ضحلة، كما لم يتم التطرق بشكل مباشر وعلمي إلى قضايا بيئية حساسة وحيوية تمس أهالي العديد من القرى والمدن والبلدات.
ورغم تسويق بعض المرشحين لأنفسهم باعتبارهم "خضر" أو حريصين على البيئة، إلا أن تأثيرهم على القيادة العليا في السلطة الفلسطينية أو حتى في وزارة الحكم المحلي وسائر الوزارات المعنية هامشي.
الحقيقة أن بعض القضايا الهامة المطروحة في المستوى البلدي والقروي والتي تعتبر من الأولويات الاجتماعية-الاقتصادية تتضمن مكونات بيئية بارزة. بعض الأمثلة على ذلك: أزمة السكن المرتبطة بتطوير المناطق الحضرية والبناء في المناطق المفتوحة، إضافة إلى إنشاء وتطوير بنية تحتية للشوارع والطرق بحيث تساهم في حل أزمة الازدحامات المرورية الملوثة للبيئة والهواء، فضلا عن تطوير شبكة مواصلات عامة حديثة صديقة للبيئة تحفز الأطفال والطلاب والشباب على استخدامها وبالتالي تقلل من أسطول المركبات الضخم في شوارعنا.
أيضا مشكلة الضجيج وتلوث الهواء وطرق الاستفادة من مواد الطاقة، بما في ذلك توفير محفزات مادية وضريبية (من قبل المجالس البلدية والقروية) للتوجه نحو الكهرباء الشمسية أو تدوير النفايات العضوية وغير ذلك من التوجهات المؤثرة بشكل حاسم على مستقبل البيئة والاقتصاد.
إن مراجعة سريعة لبرامج القوائم المتنافسة وللاجتماعات والحلقات التي نظمتها بعض القوائم الانتخابية، تبين غياب الرؤية البيئية المحلية والوطنية، وبخاصة في ما يتعلق باستخدام الطاقات المتجددة وتدوير مخلفات الانشاءات، فضلا عن بلورة الإطار التنظيمي للمبادرين ورواد الأعمال في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك تسهيل الإجراءات والتراخيص المتعلقة بإنشاء منشآت للطاقة الشمسية على أسطح المباني، ووضع معايير ومواصفات تسمح بإعادة استخدام مخلفات البناء المعاد تدويرها، وأيضا تكثيف إنفاذ القانون ضد مواقع النفايات العشوائية، واعتماد المبادئ المتعارف عليها عالميا مثل "المُلَوِّث يَدْفَع" التي يجب تطبيقها على كل من يتسبب بأضرار بيئية في نطاق المساحات الواقعة تحت مسؤولية الهيئات المحلية.
وإجمالا، نسبة المرشحين المعروفين والبارزين بنشاطاتهم وإنجازاتهم البيئية هامشية جدا في جميع القوائم الانتخابية. بعض القوائم تذكرت في اللحظة الأخيرة قبل موعد الانتخابات، بأن عليها أن تقول شيئا ما عن البيئة. وللأسف، لم نجد في البرامج الانتخابية المختلفة من يتعامل مع المسألة البيئية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من فلسفته في العدالة الاجتماعية والمساواة في توزيع الموارد والحفاظ عليها.
في الواقع، تجاهلت الأحزاب والفصائل المتنافسة القضايا البيئية في برامجها، بل ذهب بعضها إلى حد الإدلاء ببيانات معادية للبيئة. كما لم تطرح خطط عمل بيئية، أو أفكار ورؤى لبلورة قوانين وممارسات في الحقل البيئي، بما في ذلك اقتراحات عملية عادلة لتطوير وإدارة الموارد المائية، وإيجاد حلول لأزمة السكن دون المساس بالمساحات الخضراء والمفتوحة، وتطوير اقتصاد الطاقة مع تعزيز الكفاءة وتحقيق وفورات في هذا المجال.
باعتقادنا، سبب غياب الرؤية والفلسفة البيئية في المستوى المحلي والبلدي يعود، من بين أسباب أخرى، إلى المشكلة العضوية البارزة في النشاط الانتخابي ألا وهي العائلية والعشائرية التي فرضت حضورها في العديد من قوائم المرشحين، بعيدا عن كل ما قيل عن المهنية والكفاءة؛ بل إن البعد العائلي-العشائري في قوائم الفصائل والقوى السياسية تفَوَّق بوضوح على اعتبارات الكفاءة والقدرة والتخصصية والمهنية.
واللافت، بحسب استطلاع لمؤسسة "أوراد" (معهد العالم العربي للبحوث والتنمية) نشر في 24 آب العام الماضي، أن الاتجاه العام في الشارع الفلسطيني يشير بأن العائلية والحزبية هي التي تتحكم في قرارات التصويت؛ إذ أكد 37% من المستطلعين بأن عائلة المرشحين هي العامل المقرر في التصويت، كما أكدت نسبة أخرى مماثلة (37%) بأن الانتماء الحزبي هو العامل المؤثر في قرار التصويت، بينما عامل الكفاءة والمهنية حظي بنسبة 13% فقط! أي أن 74% من المستطلعين يعتبرون أن العائلية والحزبية هي العامل المقرر في التصويت.