الأخبار
قناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاق
2024/4/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محنة الفكر الانساني(13) بقلم: عزيز الخزرجي

تاريخ النشر : 2017-05-17
محنة الفكر الانساني(13) بقلم: عزيز الخزرجي
محنة آلفكر ألأنسانيّ(13)

ألمُكوّن  ألثّامِنْ للفكر؛ ثقافةُ آلأعلام

ملاحظة: المعلومات التي وردت في الهامش لا تقل أهمية عن المتن, إن لم تكن أهم منها, فيرجى مطالعتها لأستكمال الفائدة.

للأعلام - بإختصارٍ وجيزٍ - دورٌ رياديّ و حسّاس في تشكيل ثقافة و عقائد ألنّاس على مرّ ألعصور, منذ أن كانتْ دوواين و بلاط ألملوك و آلسّلاطين و منصّات ألشّعر و المنابر في قديم الزّمان مراكز لنشر الثقافة و للتعبير عن الرّأي الرّسمي أو الشعبي من خلال ألْسِنَة ألشّعراء و آلأدباء و آلمُحدّثين.

ثمّ تعاظم هذا الدّور بشكلٍ كبير مع توسّع الأكتشافات العلميّة و آلتطور التكنولوجيّ و إنتشار الصّحف و المجلّات و آلراديو و الفضائيات و أخيراً العالم ألمجازيّ المعروف بشبكة الأنترنيت و آلهواتف الذكية آلتي تداخلت مع الحياة الواقعيّة للنّاس حتى أصبحت جزءاً من وجودهم, مقابل إنقطاع و ضعف الأرتباط بعالم الغيب و القيم في أوساط المجتمعات التي تأسّرت بشكلٍ لا إراديّ مع مبادئ و سياسات(عصر ما بعد المعلومات) ألّذي تحدّثنا عنهُ تفصيلاً في مجموعة متكاملة من الدّراسات التخصّصيّة الأكاديميّة(1).

و إن العامل الأقوى الذي دفعني للتركيز على هذا الجانب, هو إني وجدت العالم العربي و الأسلاميّ يتخبّط في دياجير الفوضى الفكرية و الأعلامية بسبب تشابك المفاهيم, و أنهماك الشباب على العلم و التكنولوجيا بشتى أنواعه من دون تأمل و عدم محاولة التفكير فيما يحصل من معلومات من خلال الأعلام و شبكات التواصل الأجتماعي!

و لذلك من آلصّحيح .. ألقول؛ بأنّ (مَنْ يملك آلأعلام يحكم العالم), فإنتبهو معنا لِنُقدم لكم منبعاً آخر من منابع آلثقافة ألتي تُشكّل آلفكر الأنسانيّ المعاصر .. و آلرأي الجمعي ألّذي تلوّث و تشوّه إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب فساد و سطحية الأفكار, و نهب و جشع المنظومات الحاكمة في دول العالم بقيادة المنظمة الأقتصاديّة العالميّة!

باتَ من آلطبيعيّ أنّ يكون لكلّ دولة من دول العالم أو حتى شركة أو معمل صغير بل حتى لكلّ شخصٍ؛ صفحة إعلامية تبشّر بثقافتها و تعلن تسويق بضاعتها عبر مناهج فكرية تتّجه على الأكثر في نهاية المطاف لتحقيق المنافع الماليّة و آلإقتصاديّة في نهاية المطاف من خلال وسائل إعلاميّة و قنوات فضائيّة بجانب شبكة الأنترنيت التي طغت على حياة الناس, علماً أنّ ألأهداف الحقيقية لا تُعلن بصراحة, تختبئ وراء المعلن, حيث يتمّ ضبط آلياتها و أسسها و مراحلها الكلية من فوق من خلال توجّهات(الأمبراطوريات الأعلامية السّتة الكبرى) التي تحكم العالم من حيث تعلم الحكومات الوضعية أو الشركات و الأشخاص أو لا تعلم!

حيث ترسم و تَتَحَكّم بآلسّياسات ألعالميّة ألأساسيّة ألتي تخدم ألمنظومة الرّأسماليّة الغربيّة بعد ما تفرّدت في قيادة ألعالم بشعاراتٍ واهيةٍ و جذابةٍ كآلدّيمقراطيّة و العلمانيّة و الليبراليّة حتّى إستطاعتْ أنْ تُموّهَ العقول ألسّائبة بها, حيث تضع تلك (الأمبراطوريات) الخطط ألأعلاميّة لتُروج ثقافتها و بضاعتها و أهدافها ألستراتيجية البعيدة المدى, للسيطرة في نهاية المطاف على منابع الطاقة في العالم عبر ألقوة ألأقتصاديّة و آلماديّة المدعومة عسكرياً لمنفعة جيوب و رفاه الحاكمين في (المنظمة الأقتصادية العالمية) على حساب حقّ و لقمة عيش الشعوب المستضعفة التي إبتليت هي الأخرى بحكوماتٍ عميلة ممسوخة تأتمر بأوامر أؤلئك الأسياد الكبار حذو النعل بآلنعل لأجل بقائها في الحكم.

بتعبير أدقّ؛ لم تعد هناك ثقافة و لا رسالة .. و بآلتالي لا فكرٌ إنسانيٌّ في أعلام دول العالم ألمستعمرة إقتصاديّاً و ماليّاً و تكنولوجيّاً و عسكريّاً؛ غير ثقافة (عصر ما بعد العولمة) بقيادة (المنظمة الأقتصادية العالمية, و منها بلادنا العربيّة و بشكلٍ أخصّ العراق الذي كان و لا يزال يفتقد إلى الهوية الفكريّة بسبب تشوه أفكار الأحزاب و الأئتلافات السياسية التي حكمتها لحد الآن, بحيث باتً وضعه شبيهاً بدول أمريكا الجنوبية و اللاتينية و آلأوربية و الأفريقية و آلآسيوية, التي صارت الأحزاب و القيادات السياسية و الدينية فيها تستأنس و تفتخر بخضوعها و عمالتها للمستكبرين الظالمين على حساب حقوق الشعوب المقهورة مقابل سلطة شكلية تضمن لهم المال و الرواتب الحرام!

و تتناغم تلك الثقافة الأعلاميّة الهادفة و الموجهة من خلال خصوصيّات ذاتُ طابع حزبيّ مذهبي و قومي و وطني و عشائري - مع طبيعة ألنّظام ألحاكم و مستوى وعي الشّعوب في كلّ دولة, لتحقيق ألأهداف الأستكباريّة الكبرى التي عادة ما لا يدركها, ليس فقط ألسّياسيّون ألمُتأسلمون ألفاسدون؛ بل حتّى ألمُثقّفون و  الأعلاميّون و آلأكاديميّون على حدٍّ سواء .. إلّا بعد عقود و أجيال .. و بعد خراب ألبلاد و آلعباد من آلدّاخل و آلخارج و بآلعمق, و كما تكشّف ذلك من خلال الأستفتاء ألعام ألذي أجريناهُ على أكثر من عشرة آلاف عالم و مثقف و أكاديميّ و أعلاميّ و حتى مراجع الدِّين بداية هذا العام الجاري(2), حيث تَبيَّنَ من خلالها في النّهاية بأنّ جميعهم يجهلون بشكلٍ فضيع و مؤلم ليس فقط حقيقة ما يجريّ عليهم من سياسات؛ بل حتى إسم هذا العصر ألذي يعيشون فيه للأسف ألشديد .. ناهيك عن تفاصيل ألبرامج و الأهداف الخافية التي يُخطط لتحقيقها, ممّا دلّل و للأسف ألشديد .. على محنة الفكري الأنساني و الفقر الثقافي و ضحالة الوعي و فساد العقائد و أنحراف الجميع عن مسار هذا الكون و فلسفة الخلق, لدى الطبقات التي تدعي التخصص و العلم و حتى المرجعيّة ألدّينية التي حاولت تفسير النّصوص القرآنية بما يلائم وضعها(3) و من ورائهم شعوب العالم تتقدّمهم ألنّخبة ألدّينية و العلميّة و ألثقافيّة و آلسياسيّة, و آلجّميع يُواجهون محنة ثقافيّة و أعلاميّة و أقتصاديّة و سياسيّة كبرى و بآلصميم أحاطت بعالمهم المجنون ذاك!

أمّا الأمبراطوريّات الأعلاميّة ألسّتة الكبرى ألّتي تتحكّم بآلعالم فهي:

  "امبراطورية تايم وارنر"(4).Time Warner1- 

امبراطورية نيوز كورب(5). “News Corporation”2-

امبراطوريّة سى بى إس(6). CBS3- 

امبراطورية فياكوم(7). “Viacom”4-

.امبراطورية ديزني(8). “Disney”5-

 امبراطورية كومكاست(9). Comcast(6) .

و من خلال تلك (الأمبراطوريات الأعلامية العظمى) تتحكم المنظمة الأقتصاديّة العالميّة بعقول البشر؟

و آلسؤآل الذي يطرح نفسه, هو؛

كيف و لماذا تمّ التخطيط لمسخ البشريّة و تجريدها من أنسانيتها لإذلالها و سوقها كيفما تشاء و كما هو واقع الحال لجميع شعوب العالم اليوم!؟

يجب القول أولاً بإنّ الأمبراطوريات ألأعلاميّة ألسّتة الكبيرة تسيطر على 90% أو أكثر من صناعة الإعلام في العالم, تديرها مجموعات متخصّصة في مختلف الأتجاهات النفسيّة و الأجتماعيّة و التكنولوجيّة الأعلاميّة الحديثة, خاصّة في مجال السّينما حيث تملك كلّ شركة من هذه الشركات أحد الاستديوهات ألسّتة الكبرى لصناعة السّينما في هوليوود بأمريكا, و يبلغ إجمالي إيرادات هذه الشركات مجتمعة أكثر من 300 بليون دولار سنوياً!

بإعتقادي أنّ الذي يُحدّد أسس ألسّياسات الإعلاميّة, هو الذي يحكم العالم فعليًا، فالقضيّة لم تعد مجرّد مواد يتمّ بثّها و نشرها كتقارير عن الواقع لتشكيل رأي عامّ يتمّ توجيههُ لتحقيق أهداف محليّة محدودة لمنافع الحكام و السياسيين و أحزابهم و كما هو حال صُحفنا و مواقعنا المُتخلفة في بلادنا على كلّ صعيد(10)؛ بل باتتْ ألقضيّة أكبر من ذلك,  تتعلق بصناعة السّياسات و التوجهات التي يتمّ طبخها سلفًا في غرف صناعة القرار التي يتمّ توجيهها من قبل لجان رجال الأعمال الكبار الذين يتحكمون بوسائل الإعلام و الهيئات المتخصصة في إدارتها, و التي تُركّز على تسطيح الفكر و إبعاد الأنسان عن أصل الوجود و الكون و الدِّين, بحيث وصل الأمر لأن تؤسس أفلام و صفحات و قنوات تحمل عناوين كبيرة كـ (الأنسان الكوني) أو (السوبرمان) أو ما شابه ذلك, لكن الهدف المخفي من وراء ذلك هو تخريب دين و فطرة الأنسان لا أكثر, من خلال تشويه الحقائق و قلب و تفصيل الأمور بحسب مقاساتهم.

في عام 2011 كان هناك 50 شركة تسيطر على الإعلام الأمريكي و بالتالي تسيطر على الإعلام العالمي و مع ميل الشركات هذه للاندماج لبناء امبراطوريات عالمية ذات نفوذ عالمي موحد؛ حيث تمّ في عام 2012م دمجها مع بعضها لتكون هناك 6 شركات فقط تسيطر على 90% أو أكثر من صناعة الإعلام خاصة السينما حيث تملك كل شركة من تلك الشركات أحد الاستديوهات ألسّتة الكبرى لصناعة السينما و الأعلام في هوليوود, مع جوائز سنوية و دورية لأفضل الممثليين و الفنانيين و المخرجين الذين يبدعون في تنفيذ و نشر سياستهم.

تشترك هذه الامبراطوريات الإعلامية في كونها تُمارس كلّ أشكال النشاط الإعلاميّ بصور متفاوتة من صناعة السّينما إلى صناعة التليفزيون و امتلاك شبكة قنوات تليفزيونيّة .. إلى امتلاك الجرائد و الصحف و المجلات و المواقع الإلكترونية و إنتاج ألعاب الفيديو و شركات التسويق الإعلاميّ بجانب الأولمبياد و الفيفا و غيرها, و لذلك لا نبالغ حين نقول أنّ هذه الإمبراطوريات ألسّت قادرة على الوصول بمنتجاتها و رسائلها و أفكارها إلى كلّ شعوب العالم و في عقر دارها, حتى الساكنين في القرى و الأرياف.. يكفيك أن تفكر في تأثير هوليوود وحدها على حياة المراهقين و الشباب و تأثير ألعاب الفيديو مثلًا على الأطفال, لقد أصبح الممثلون هم القدوة و المثل الأعلى في كلّ شيئ في اللباس و المظهر و الموديلات و قص الشعر و طريقة التعامل و غيرها, بينما العلماء و المفكرين و أصحاب الرسالات الأنسانية باتوا يعانون الوحدة و حتى الفقر الماديّ في أكثر بلدان العالم.

أحد أهمّ أركان و ركائز ألثقافة الأعلاميّة الحديثة, هو آلترويج للدّكتاتوريّة الفرديّة و الجماعيّة تحت مسمى (الدّيمقراطية) أو (التوافقيه) أو (حكومة الوحدة الوطنية), و هي بآلحقيقة تمثل نوعاً خطيراً من الصّنمية الجديدة للحزب القائد أو للقائد الحاكم نفسهُ لتقسيم حقوق الناس بآلباطل, هذه الصّفة تميّزت بها (عصر ما بعد المعلومات) و بدرجة كبيرة, بعيدأً عن مبادئ العدالة و المساواة و الحفاظ على كرامة الأنسان و القيم .. بل الأعلام العالمي  يُروج لجعل كرامة الشعوب مرتبطة بآلحكام و الأحزاب .. بل جعل الشعوب فداءاً لكرامة قائد الحزب الفائز أو الرئيس الحاكم كي يهيمن لوحده على أكثرية الأمتيازات و آلملذات عن طريق المناصب و الحكم و الرّواتب و الأموال, و هذا ما شهدناه و نشهده اليوم في كلّ بلاد العالم و على رأسها البلاد العربية و منها العراق, بل تعدى ذلك في بلاد الغرب الديمقراطية(11), بحيث باتت الحكومات و الأحزاب الحاكمة نفسها .. مُجرّد أدوات لتمرير مناهج (المنظمة الأقتصادية العالمية) بشكل قانوني صارم يقتص من كل يعارض أو يفكر بمعارضة ذلك, يعني بتعبير آخر: سَوقْ الجميع تحت ذريعة قدسيّة القانون و ما هو بمقدّس؛ ليكونوا عبيدأً لخدمة و تنفيذ منافع الطبقة الرّأسماليّة العليا التي لا يزيد عددهم على الـ 350 عضو,  و كلّ رئيس أو حزب مرشح يجب عليه أنْ يتعهد قبل المشاركة في الانتخابات بإجراء جميع البرامج التي تضمن تحقيق أهداف (المنظمة الأقتصادية العالمية), و صفة (الليبرالية) أو (المحافظين) و حتى (الأحزاب الدّينية) صارت لها الأولوية في التقديم, بعد ما إنتظمت برامجها بحسب المراحل التي مرّت بها الرأسماليّة .. بدءاً بعصر ألرينوسانس ثم النهضة و التنوير ثم عصر التكنولوجيا و المعلومات حتى عصرنا الحالي الذي أسموهُ بعصر (ما بعد المعلومات).

أيّة ثقافة تريدها أعلام (عصر ما بعد المعلومات):

بإختصار و جيز؛ تهدف إلى تغيير نمط الشّخصيّة المعاصرة(ظاهرهُ و باطنهُ) أيّ قلبهُ و قالبهُ و ذلك بخلع ثوب الأنسانيّة و القيم و الشرف و آلغيب عنها, ليسهل سوقها حيث تشاء بعد إفراغها من محتواها كقطيع من الغنم لتؤديّ عملاً مُعيّنأً و هي تسعى و تكدّ ليل نهار من أجل لقمة خبز لإشباع الرّغبات الجسديّة في أفضل الحالات بعيدأً عن معالم القيم و المبادئ التي تربط إنسانيّة الأنسان و روحه بكل هذا الوجود و بآلخالق المطلق الذي وحده يهب السعادة الحقيقية و الحرية و الخلود الأبدي للأنسان!

بكلمة واحدة؛ إنهم يريدون تعبيد الأنسان لغير الله!

و رغم كل تلك الأنحرافات الخطيرة؛ يكاد لا يتحقق اليوم حتى العيش المادي لأكثر شعوب العالم بسبب التزاحم الكبير في الأيدي العاملة و حلول الحاسبات الأليكترونية و الربوت الآلي التي عوضت عن الأيدي العاملة بجانب السياسات الأقتصادية و المالية المتّبعة من قبل الحكومات المُسيرة لصالح أصحاب الشركات و البنوك الكبرى التي تحكم العالم, حتى لم يعد بإمكان الناس تحقيق الأكتفاء الذاتي لأنفسهم كتوفير السكن و الغذاء و وسائل الحياة إلا بشق الأنفس و بيع كلّ شيئ بما في ذلك الشرف و العفة و الكرامة!

لقد بيّنتْ أحدث الأحصاآت التي أجريت رسميّاً بأنّ أكثر من 95% من الكنديين مَدِينين للبنوك و آلشركات, و هكذا بقية الشعوب الغربية, و لذلك فآلشعب الكندي بات بكل وجوده أسيراً في خدمة النظام الذي يتحكم به البنوك و أصحاب الشركات الكبرى التي إستطاعت أن تسخّرهم بآلكامل من خلال قوة البرامج الأعلاميّة التي تنشر ثقافة المادة و الشهوة و الفساد الأخلاقي لأفراغ الناس من محتواها المعنوي و الرّوحي و صيرورتهم كأجساد مادّيّة يسعى الجميع لأشباعها فقط, من دون التأمل و التفكر في أبعاد الحياة ألأخرى و كيفية تحقيق السعادة الروحية, لأن أصحاب الطبقة الأقتصادية العالمية تعتقد بأنّ العالم يتّجه لمصير مجهول و سيواجه الموت .. لو شارك الناس كلّهم بآلتساوى في خيراتها و لذلك بدؤوا يُخططون لقتل خسمة مليار من البشر بطرق و وسائل شتى لا يعرفها العالم بدقة, خصوصاً بعد ما يقترب عدد سكان العالم للعشرة مليار نسمة, حيث سينقص الماء و الكلأ و الأمكانات الطبيعية و المنتوجات الزراعية و الغذائية و الحيوانية, لذلك لا بدّ من التخطيط لدرأ هذا الواقع المخيف بحسب تصورهم الذي لا يمكن تجاوزه لو بقي الناس على وعيهم و يملكون كرامتهم و أخلاقهم و إرتباطهم بآلسّماء, و من هنا أشاعوا بـ (فصل الدِّين عن السياسة) متذرعين بفساد البعض في طبقة القساوسة إبان القرون الوسطى!

و لعلّ من أهم الركائز ألبُنيوية التي تحاول(المنظمة الأقتصادية العالمية) العمل عليها الآن و بقوة, هي مسألة فصل الدِّين عن السياسة, من خلال إشاعة مصطلحات و عبارات و أطر يتمّ تنسيبها للعلم و الأكاديميات بكلّ الوسائل الممكنة مع شعارات براقة تخطف قلوب الساذجين فكرياً و ثقافياً!

و آلسّبب في هذا آلأمر ألمُريب و آلمُخيف جدّاً .. هو أنّ هؤلاء ألكبار ألمُسيطرين على (آلمنظمة الأقتصادية العالمية) يعتقدون بأنّ الدّين هو المنبع الوحيد و المنهج الشّرعي و العقيدة الوحيدة التي تُحصّن و تشحن الأنسان المؤمن بآلكرامة و العزّة و آلأخلاق و معرفة حقوقه الكونيّة, و إنّ هذا آلمنطلق الألهي هو الوحيد الذي يُخيفهم لأنّهُ يزق الناس بالمعرفة و يكشف لهم حقوقهم الطبيعية و مكانتهم, و عدم الأكتفاء بأجرٍ قليل لأشباع بطونهم و بعض شهواتهم أحياناً و كأنّهم أجَراء عاملين تحت رحمة هؤلاء المستكبرين ألذين يملكون كلّ شيئ إلّا الرّحمة و العاطفة و الأنصاف.

و من هنا يكون ألفنّ و آلموسيقى الكلاسيكية و الشّعر الهادف و آلأدب الرصين و آلعرفان و آلأخلاق و قضايا آلرّوح و كما أشرنا في الحلقة السّابقة(12) هي بيت القصيد و النقطة التي يجب على المستكبرين حذفها من الحياة التربويّة و العلميّة و الأجتماعيّة و السياسيّة للناس .. من خلال التعليم و بثّ الأفكار المنحرفة عن طريق الأعلام لأفراغ الأنسان من محتواهُ لسهولة السّيطرة عليه .. و إنّ آلدّيمقراطية و العلمانية و الليبرالية و التكنوقراطية و مشتقّاتها ما هي إلا أغطية مُقنّعة و فعالة لتحقيق أهداف ألرأسمالية العالمية و تعد السّلاح الأمضى لتمرير ذلك المخطط بعد تدمير القيم و الثقافة و الفنون و الأدب و الشّعر التي وحدها تحفظ و تُقوّي خيال و فكر و وجدان و إصالة الأنسان!!

هناك مسألةٌ أخرى حسّاسة جدّاً ترتبط بماهيّة المواد الدّراسيّة المُختصّة بثقافة آلتأريخ و الحضارة و المدنيّة .. نشير لها هنا سريعأً, ثمَّ تفصيلاً في محلّهِ في الحلقاتِ القادمةِ إنْ شاء الله, و هي أنّ الأنظمة الرّأسمالية و منذُ أن تفرّدت بقيادة العالم سَعَتْ .. و نجحت إلى حدٍّ كبير في  تشويه القيم الأنسانية من خلال عرض حقيقة التأريخ البشريّ و فلسفة الحضارة و المدنيّة و القيم الأنسانيّة بشكل مغاير للواقع, و ذلك بإبراز الحضارات السّابقة كآلبابليّة و الفرعونيّة و الفارسيّة و غيرها بكونها من الحضارات الأنسانية ألسّامية التي مثّلت العدالة و الحضارة و القيم في أوج عظمتها و لذلك يجب ان تكون القدوة و المثل الأعلى في حياة كل الناس و على رأسهم الحاكمين .. و يجب تمجيدها و إعادة تكرارها من جديد .. بإسلوب حضاريّ و مدني حديث يخضع له الجّميع بدون بحث أو مناقشة للأسباب و الجذور و الحيثيات و حقوق الأنسان!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف