قصتان قصيرتان
عطا الله شاهين
عطشٌ
هكذ بغتة، كما أنها لأول مرة تكتشف في اللحظة التي تفتح فيها مقلتيها خارجةً من حُلْمٍ يقظ، أنها وحيدة وكما لو هي المرة الأولى أيضاً، حين تتذكر أنّ ليلةً أخرى باردة تنتظرها، تنوح كهرّة جائعة، وتستسلم لفراغ أبيض، ولحيّز الفراغ تبوح بصدى صرخة لا أحد يسمعه سواها، ينتفض قلبها، يرتجف، يهرول في مكانه لاهثاً، يطرق قفص الصدر بقوة، ترتمي ثانية على التخت، وجهها تغتصبه الدماء، بشرتها ترشح عرقاً بارداً، تدور بها الحجرة والأشياء تلفّ، تسرع في دورانها، وجسدها صحراءُ عطش تنفر منها السّحب الحبلى بالقصائد الندية، ويحتلّها جمر الرّمال..
تتحامل على نفسها، بصعوبة تنهض، تمضي متمايلة إلى المرآة، تقف قبالتها، تمسح قطراتِ العرق براحة كفّها، تلملم بعثرة شعرها، تتأمل جسدها الذي يكاد يفجر المرآة، تصرخ في داخلها أمقتكَ تدير ظهرها له، فيرتديها ثانيةً. صحراء.. صحراء، تتلمس كثبانها، منحنياتها، وديانها. شفتاها متشققتان عطشاً، تفحّان ظلالاً بيضاء، تنتحب، تموء على شرفة رغبتها، كمخلوق بدائي يفتكُ به السّغب، فتنهش نفسها، وتنطفئ على منحدر يوم آخر..
كل مساء
في كل مساء يطفئ التلفاز ذي الشاشة الكبيرة، يغلقُ الباب والشباك، يسدل الستائر، يخرج ما في رأسه من بقايا طموحات متحجرة، وأحلام بالية، وصور لأصدقاء وأحبة رحلوا وتركوه وحيداً، وذكريات بعيدة قديمة وكلمات كثيرة.. كثيرة كانت معتقَلة دون حلقه.. بعثرها جميعاً على سطح المنضدة، يتأمّلها طويلاً.. طويلاً، ثم يبكي بحرقة طفلٍ صغير سُرق منه صندوق ألعابه.
عطا الله شاهين
عطشٌ
هكذ بغتة، كما أنها لأول مرة تكتشف في اللحظة التي تفتح فيها مقلتيها خارجةً من حُلْمٍ يقظ، أنها وحيدة وكما لو هي المرة الأولى أيضاً، حين تتذكر أنّ ليلةً أخرى باردة تنتظرها، تنوح كهرّة جائعة، وتستسلم لفراغ أبيض، ولحيّز الفراغ تبوح بصدى صرخة لا أحد يسمعه سواها، ينتفض قلبها، يرتجف، يهرول في مكانه لاهثاً، يطرق قفص الصدر بقوة، ترتمي ثانية على التخت، وجهها تغتصبه الدماء، بشرتها ترشح عرقاً بارداً، تدور بها الحجرة والأشياء تلفّ، تسرع في دورانها، وجسدها صحراءُ عطش تنفر منها السّحب الحبلى بالقصائد الندية، ويحتلّها جمر الرّمال..
تتحامل على نفسها، بصعوبة تنهض، تمضي متمايلة إلى المرآة، تقف قبالتها، تمسح قطراتِ العرق براحة كفّها، تلملم بعثرة شعرها، تتأمل جسدها الذي يكاد يفجر المرآة، تصرخ في داخلها أمقتكَ تدير ظهرها له، فيرتديها ثانيةً. صحراء.. صحراء، تتلمس كثبانها، منحنياتها، وديانها. شفتاها متشققتان عطشاً، تفحّان ظلالاً بيضاء، تنتحب، تموء على شرفة رغبتها، كمخلوق بدائي يفتكُ به السّغب، فتنهش نفسها، وتنطفئ على منحدر يوم آخر..
كل مساء
في كل مساء يطفئ التلفاز ذي الشاشة الكبيرة، يغلقُ الباب والشباك، يسدل الستائر، يخرج ما في رأسه من بقايا طموحات متحجرة، وأحلام بالية، وصور لأصدقاء وأحبة رحلوا وتركوه وحيداً، وذكريات بعيدة قديمة وكلمات كثيرة.. كثيرة كانت معتقَلة دون حلقه.. بعثرها جميعاً على سطح المنضدة، يتأمّلها طويلاً.. طويلاً، ثم يبكي بحرقة طفلٍ صغير سُرق منه صندوق ألعابه.