الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رحيل ..بقلم:منار عبدالهادي ابراهيم

تاريخ النشر : 2017-04-23
لم يمضي عليه سوى يوما واحدا منذ ان اتى من الموصل حيث يشارك هناك في معارك تحرير المدينة من تنظيم الدولة الاسلامية او كما يعرف بتنظيم داعش , ذلك التنظيم الارهابي المتوحش الذي استولى على المدينة قبل ثلاث سنوات بعد انسحاب القوى الامنية منها . استيقظ عصام الذي يعمل ضابطا في الجيش العراقي على صوت زوجته التي نادته لتناول وجبة الافطار . كان يوما مميزا خالي من اصوات القنابل وأزيز الرصاص وحتى الاوامر العسكرية التي كانت توقضه خلال فترات نومه اذا ما حدث امرا طارئ . هو اليوم يستيقظ على صوت ميعاد التي دائما ما كانت تبدأ صباحها بأغنية لفيروز تغنيها بصوتها الرخم , وابتسامه مشرقة على شفتيها تبعث بالامل . فهو لم يراها منذ ثلاثون يوما كان قد قضاها في الحرب , وكان يمني نفسه كل يوم ان يمر دون ان يحصل له اي مكروه , ليستمتع بهذه اللحظات التي كان يسترجعها في ذاكرته امام عشرات القتلى والجرحى الذين يتساقطون يوميا امام عينيه . قبل ان يقوم من فراشه اخذ يطرب لصوت زوجته وهي تغني :

"بغداد والشعراء والصور .. ذهب الزمان وضوئه العطر" . 

تأمل كلمات الاغنية مبتسما . ثم قام من فراشه دون ان تفارقه ابتسامته واخذ يدندن مع نفسه :

"يا الف ليلة يا مكملة الاعراس ...." . وقبل ان يكمل نص الاغنية سمع صوت من خلفه :

"... يغسل وجهك القمر" . 

ادار وجهه ليجد زوجته المبتسمة كعادتها :

"صباح الخير"

"صباح الخير .. اهلا ميعاد"

"فطورك جاهز حبيبي , ولم يبقى الا الصمون , وارسلت علي ليجلبه"

"استيقظ علي ! اه يا ميعاد .. كم اود ان يكون لنا طفلا اخر يكون اخا لعلي .. لقد صار في العاشرة من عمره ولم ننجب ولدا اخر! .. لقد كنت ملتزما بالعلاج الذي وصفه لي الطبيب"

"انه قدرنا .. دع الامر للايام .. عسى انها تحمل بين طياتها شيئا من هذا القبيل .. انا في انتظارك" وخرجت من غرفتها .

وقف عصام امام المرآة متأملا ملامح وجهه : 

"يا الهي .. كم غير الجيش من ملامحي ! " 

حدق الى الندوب في خده الايسر :

"انه نفسه القدر الذي جعلني اعيش الى هذا اليوم" تمتم قائلا .

قبل سبعة اعوام انفجرت عبوة ناسفة على مجموعة من الضباط وجنود المشاة اثناء ما كانوا في دورية مرتجلة في احدى قرى الانبار , كانت هي الدورية الاولى له بعد تخرجه من الكلية العسكرية , قُتل فيها ضابط برتبة نقيب وثلاثة جنود فيما جرح ثلاثة اخرين كان هو من ضمنهم . لقد اصابت احدى الشظايا جهازه التناسلي وصار يعاني صعوبة بعملية الانجاب .

اغمض عينيه وقام بأسترجاع ايام حياته . والده قُتل في حرب عاصفة الصحراء , احد اخوته تم نحره ابان الحرب الطائفية . موت , موت , انه لا يتذكر غير اصوات الانفجارات , ازيز الرصاص , صرخات الالم وبكاء الثكالى . وفي غمرة احساسه بواقعه المرير تناثر زجاج الغرفة واهتز اثاثها , فيما انحنى هو الى الاسفل واضعا احدى راحتيه على رأسه . لقد كان دوي انفجار كبير :

"يا الهي انها تلاحقني ! " .

"عصام .. ولدي علي" صرخت ميعاد بصوت اجش .

التفت عصام الى مصدر الصوت . وبحركة سريعة ارتدى ملابسه وخرج مسرعا نحو الشارع . 

كان الجميع يركض نحو موقع الانفجار : "انها سيارة مفخخة انفجرت بالقرب من فرن الصمون" . صرخ احدهم . كاد عصام ان يفقد الوعي . ولكنه استجمع قواه وركض هو الاخر . "علي .." صاح والدموع الحارقة تنهمر من عينيه وكأن شيئا نبأه ان علي لن يعود . عندما اقترب من موقع الانفجار لم يتفطن الى السنة النيران التي تنبعث من الدكاكين والسيارات , ولا الى الجثث المتناثرة هنا وهناك وصراخ الحاضرين . بل كان جل تركيزه منصبا على العثور على جثة ولده . حينما اقترب اكثر قطع بصره مشهدا غلب ببشاعته جميع المشاهد التي رآها اثناء المعارك التي خاضها . كانت تتناثر بقايا من الاشلاء البشرية قريبا من فرن الصمون الذي تحول الى فرن كبير لشي العاملين فيه بدلا من شي الصمون , ومن بينها كانت جثة ولده التي قطعها الانفجار الى نصفين ولم يتبقى منها غير نصفها العلوي . جلس امام جثة ولده مذهولا لا يدري ماذا يفعل . لقد مرت عليه الكثير من المشاهد المروعة لكنها لم تكن بهذه الشدة والبشاعة , كما انه لم يكن يتوقع ان يكون نصيب ابنه واحدا منها . كان معتادا على اصوات القنابل والتفجيرات . لكن انفجارا واحدا جعله يحس بالاثر الحقيقي التي تتركه تلك الاخيرة في النفوس , هو هذا الانفجار الذي سلب منه ابنه الوحيد .

نظر الى السماء وكأنه يريد معاتبة الله على ما جرى له . ولكن شيء ما حدث . كان يشعر بخفة الوزن , انه يطير , يحلق بعيدا عن المكان . انه ليس بمفرده . "ما الذي يجري؟" . لا احد يجيب . نظر الى الاسفل , كانت هناك جثثا اخرى غير التي رآها ومن بينها جثته !

لقد حصل انفجارا اخر ....
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف