الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كتاب التحقيب الادبي بقلم:حسين علي الهنداوي

تاريخ النشر : 2017-04-13
كتاب
التاريخ العام
والتاريخ الأدبي
التحقيب الادبي


حسين علي الهنداوي
موسوعة( المرصد الادبي)
تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية


المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
موسوعة ( المرصد الادبي)
تاريخ الأدب والنقد والحكمة
العـربية والإسلامية
المؤلف
حسين علي الهنداوي
مدرس في كلية التربية جامعة دمشق فرع درعا

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


جميع الحقوق محفوظة
لصاحب الموسوعة


ترجمة صاحب الموسوعة
المستشار الادبي
حسين علي الهنداوي أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية د- مدرس في جامعة دمشق ـ كلية التربية - فرع درعا ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983 ك- حائز على إجازة في اللغة العربية ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0 - عضو اتحاد الصحفيين العرب - عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب - عضو تجمع القصة السورية - عضو النادي الأدبي بتبوك الصحف الورقية التي نشر فيها أعماله : 1- الكويت ( الرأي العام – الهدف – الوطن ) 2- الإمارات العربية ( الخليج ) 3- السعودية ( الرياض – المدينة – البلاد – عكاظ ) 4- سوريا ( تشرين – الثورة – البعث – الأسبوع الأدبي ) المجلات الورقية التي نشر فيها أعماله : 1- مجلة المنتدى الإماراتية 2- مجلة الفيصــل السعودية 3- المجلة العربية السعودية 4- مجلة المنهـــل السعودية 5- مجلة الفرسان السعودية 6- مجلة أفنــــان السعودية 7- مجلة الســــفير المصريــــة 8- مجلة إلى الأمام الفلسطينية مؤلفاته : أ‌- الشعر : 1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990 2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994 3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994 4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996 5- المنشّى يسلم مفاتيح ايلياء/1996 6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط ب‌- القصة القصيرة : شجرة التوت /1995 ج – المسرح : 1- محاكمة طيار /1996 2- درس في اللغة العربية /1997 3- عودة المتنبي / مخطوط 4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط د – النقد الأدبي : 1- محاور الدراسة الأدبية 1993 2- النقد و الأدب /1994 3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب هـ - الدراسات الفكرية والدينية : 1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول 2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني 3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث 4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5 - هل أنجز الله وعده !!!!!! الصحف الالكترونية التي نشر بها : 1-قناديل الفكر والأدب 2- أنهار الأدب 3- شروق 4- دنيا الوطن 5- ملتقى الواحة الثقافي 6- تجمع القصة السورية 7- روض القصيد 8-منابع الدهشة 9- أقلام 10-نور الأدب
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه العزيز:
( (والشعراء يتّبعهم الغاوون/ 224/ألم تر أنهم في كل واد يهيمون / 225/
وأنهم يقولون مالا يفعلون/226/
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا
وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون / 227 / ))
سورة الشعراء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـ حدثنا عبد الله بن يوسف :
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إنّ َمنَ البيان ِ لسحرا، أو إنَّ بعض َالبيان سحر )) ـ
صحيح البخاري
/5767/

الباب الاول
تعريف التاريخ لغة واصطلاحا

أولا- تعريف و معنى كلمة تاريخ لغة :
جاء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي
تاريخ ( اسم ) ولجمع : تواريخُ
التاريخ : جملة الأَحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما ، ويَصْدق على الفرد والمجتمع ، كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية
فلان تاريخ قومه : إليه ينتهي شَرَفهم ورياستهم
التَّاريخ : تعريف الوقت وتحديده
تاريخ الاستحقاق ،
ستبدأ اللجنة أعمالها في التاريخ المحدَّد
تاريخ متقدِّم : تاريخ لحدث أو وثيقة يسبق التاريخ الفعليّ ، وعكسه تاريخ مُتأخِّر
الوقت باليوم والشَّهر والسَّنة انتهى العمل بتاريخ كذا
تاريخ النَّشر : السَّنة التي نُشِر فيها المؤلَّف
تاريخ الأدب
التَّاريخ العِرْقيّ : الدراسة العلميَّة لتطوُّر الإنسانيّة عن طريق تحليل الآثار الجيولوجيَّة لمجموعة عرقيَّة ،
التَّاريخ الميلاديّ : تاريخ الحوادث ابتداء من ميلاد المسيح عيسى عليه السلام ،
تاريخ الأمم : مؤلَّف يسرد الأحداث بالتسلسل الزمنيّ سنة فسنة ،
تاريخ الحالة : وصف الوقائع المؤثِّرة على تطوُّر أو وضع شخص أو مجموعة تحت العلاج أو الدِّراسة ،
تاريخ الحياة : تاريخ التغيُّرات التي يمرّ بها الكائن الحيّ في تطوّره من البداية إلى موته الطبيعيّ ،
تاريخ عِلْم : أصله ونشأتُه ومراحل تطوُّره ،
في ذِمَّة التَّاريخ : منسيّ ، جزء من الماضي
التَّاريخ القديم : تاريخ الأوقات البائدة
تَارِيخُ اليَوْمِ هُوَ : الوَقْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ
عَقْدٌ يَنْتَهِي بِهِ العَمَلُ بِتَارِيخِ كَذَا : يَنْتَهِي أَجَلُهُ فِي وَقْتِ ، فِي زَمَنِ كَذَا
تَارِيخُ مِيلاَدِ ابْنَي: يَوْمُ مِيلاَدِه
دَرَسَ تَارِيخَ الْمُسْلِمِينَ : دَرَسَ وَقَائِعَهُمْ وَأَحْدَاثَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ
التَّارِيخُ المِيلاَدِيُّ : تَسْجِيلُ الأَحْدَاثِ مَعَ بِدَايَةِ مِيلاَدِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ
التَّارِيخُ الهِجْرِيُّ : تَسْجِيلُ الأَحْدَاثِ مُنْذُ هِجْرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم( إِلَى الْمَدِينَةِ
تَارِيخُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ : وَقَائِعُهُ وَأَحْدَاثُهُ تَارِيخُ الأَدَبِ
أُسْتَاذُ التَّارِيخِ : مَنْ يُدَرِّسُ مَادَّةَ التَّارِيخِ
أَرَّخَ ( فعل ):
أرَّخَ / أرَّخَ لـ يؤرِّخ ، تَأْريخًا ، فهو مُؤرِّخ ، والمفعول مُؤرَّخ
أرَّخ الرِّسالةَ : حدَّد تاريخَها . كانت رسالته مؤرَّخة في غُرّة رجب
أرَّخ الحادثَ : فصَّل تاريخه وحدَّد وقته
أرَّخ للقوم : كتب تاريخ حياتهم وأحداثهم وحضارتهم
تَأْريخ ( اسم ):
تَأْريخ : مصدر أَرَّخَ
تأريخ ( اسم ):
مصدر أَرَّخَ
قَامَ بِتَأْرِيخِ الأَحْدَاثِ التَّارِيخِيَّةِ : تَسْجِيلُهَا وَكِتَابَةُ أَحْدَاثِهَا وَوَقَائِعِهَا وَكَيْفَ حَدَثَتْ وَأَسْبَابُهَا فِي الْمَاضِي أَوِ الحَاضِرِ
مصدر أرَّخَ / أرَّخَ لـ
التَّأْريخ : ( البيئة والجيولوجيا ) تسجيل جملة الأحداث والأحوال التي يمرُّ بها كائن ما ، ويصدق على الفرد أو المجتمع أو الظَّواهر الطَّبيعيّة ونحوها في نظام زمنيّ متتابع ، وهو ما يعني إرجاع الأحداث إلى أزمان وقوعها
التَّأْريخ الشَّجريّ : دراسة تقلُّبات الطقس والأحداث الماضية بمقارنة حلقات النموّ السنويَّة لشجرة أو أخشاب قديمة
تأريخ التَّكربُن / التَّأْريخ بالكربون : ( فز ، كم ، جو ) طريقة لتقدير عُمر الأشياء الأثريّة ، ومعرفة الحقبة الجيولوجيَّة لها ، وذلك عن طريق حساب معدَّل تفتُّتها النّوويّ ، على أساس مقدار ما تحتويه من الكربون المُشعّ
خطُّ التَّأْريخ الدُّوليّ : ( الجغرافيا ) خطّ وهميّ بموافقة دوليَّة يقطع المحيط الهادي ويقع على خطّ طول 180 درجة ويشير إلى أن شرق هذا الخط يسبق غربه بيوم واحد
وتعريف معنى تاريخ في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصر. قاموس عربي عربي
تاريخ استحقاق:
هو التاريخ الذي تعد فيه الشركة بتسليم طلب ما
تاريخ الاسترداد:
التاريخ الذي ترد فيه قيمة الورقة المالية بواسطة مصدّرها بقيمتها الكاملة .
تاريخ التغيير:
( انتقال الخدمة ) هو معلومات حول جميع التغييرات التي حدثت لأحد عناصر التهيئة خلال حياته . و تاريخ التغيير يتكون من جميع سجلات التغيير المتعلقة عنصر التهيئة نفسه .---( المجال : حاسوب )
تاريخ ملكيّة:
( قن ) بيان مختصر عن نقل عقار يتضمّن كافّة الادِّعاءات التي يمكن أن ترفع ضدّ ذلك .
تَارِيخٌ :
جمع : تَوَارِيخُ . [ أ ر خ ].
1 . :- تَارِيخُ اليَوْمِ هُوَ :- : الوَقْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ .
2 . :- عَقْدٌ يَنْتَهِي بِهِ العَمَلُ بِتَارِيخِ كَذَا :- : يَنْتَهِي... أَجَلُهُ فِي وَقْتِ ، فِي زَمَنِ كَذَا .
3 . :- تَارِيخُ مِيلاَدِ ابْنَتِي:- : يَوْمُ مِيلاَدِهَا .
4 . :- دَرَسَ تَارِيخَ الْمُسْلِمِينَ :- : دَرَسَ وَقَائِعَهُمْ وَأَحْدَاثَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ .
5 . :- التَّارِيخُ المِيلاَدِيُّ :- : تَسْجِيلُ الأَحْدَاثِ مَعَ بِدَايَةِ مِيلاَدِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ .
6 . :- التَّارِيخُ الهِجْرِيُّ :- : تَسْجِيلُ الأَحْدَاثِ مُنْذُ هِجْرَةِ الرَّسُولِ ( إِلَى الْمَدِينَةِ .
7 . :- تَارِيخُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ :- : وَقَائِعُهُ وَأَحْدَاثُهُ . :- تَارِيخُ الأَدَبِ . 8 . :- أُسْتَاذُ التَّارِيخِ :- : مَنْ يُدَرِّسُ مَادَّةَ التَّارِيخِ . المزيد
المعجم: الغني
تاريخ :
تاريخ :-
جمع تواريخُ
• التَّاريخ :
1 - تعريف الوقت وتحديده :- تاريخ الاستحقاق ، - ستبدأ اللجنة أعمالها في التاريخ المحدَّد :-
• تاريخ متقدِّم : تاريخ... لحدث أو وثيقة يسبق التاريخ الفعليّ ، وعكسه تاريخ مُتأخِّر .
2 - الوقت باليوم والشَّهر والسَّنة :- انتهى العمل بتاريخ كذا :-
• تاريخ النَّشر : السَّنة التي نُشِر فيها المؤلَّف .
3 - جملة الأحداث والأحوال التَّي يمرّ بها كائن ما ويصدُق على الفرد والمجتمع والظَّواهر الطَّبيعيَّة وغيرها :- تاريخ العرب والمسلمين ، - تاريخ الأدب :-
• التَّاريخ العِرْقيّ : الدراسة العلميَّة لتطوُّر الإنسانيّة عن طريق تحليل الآثار الجيولوجيَّة لمجموعة عرقيَّة ، - التَّاريخ الميلاديّ : تاريخ الحوادث ابتداء من ميلاد المسيح عيسى عليه السلام ، - تاريخ الأمم : مؤلَّف يسرد الأحداث بالتسلسل الزمنيّ سنة فسنة ، - تاريخ الحالة : وصف الوقائع المؤثِّرة على تطوُّر أو وضع شخص أو مجموعة تحت العلاج أو الدِّراسة ، - تاريخ الحياة : تاريخ التغيُّرات التي يمرّ بها الكائن الحيّ في تطوّره من البداية إلى موته الطبيعيّ ، - تاريخ عِلْم : أصله ونشأتُه ومراحل تطوُّره ، - في ذِمَّة التَّاريخ : منسيّ ، جزء من الماضي .
4 - العلم الذي يُعنى بتسجيل ودراسة الأحداث والأحوال التَّي يمرّ بها كائن ما
• التَّاريخ القديم : تاريخ الأوقات البائدة .
• التَّاريخ الهِجْريّ : التاريخ الذي يبدأ بهجرة النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، من مكة إلى المدينة سنة 622 م . 0
ويقول الادريسي: ( "التاريخ" و"التوريخ"، تعريف الوقت. تقول : أرخ الكتاب بيوم كذا، و"ورخه" بمعنى واحد)، وترى بعض الآراء وجود أصول غير عربية، فارسية أو سريانية أو إثيوبية للكلمة. وقد ذكر أهل اللغة في التاريخ معاني عدة: فمن قائل: إن التاريخ هو الإعلام بالوقت، أو التعريف بالوقت، يقال: أرخت المولود أو الحدث في يوم كذا، أو أرخت الحادثة الواقعة في بلد كذا، أي: عرفتها بالوقت أو حددتها بالوقت أو أعلمت بوقتها. ونقل صاحب كشف الظنون في اسامي الكتب والفنون حاجي خليفة........
و عن بعض أهل اللغة: أن التاريخ هو تعيين وقت ينسب إليه زمان يأتي عليه أو مطلق الزمان، سواءً كان ماضياً أو مستقبلاً. وقيل أيضاً فيه: إنه تعريف الوقت بإسناده إلى أول حدوث أمر شائع، من ظهور ملة أو دولة أو أمر خارق مما يندر وقوعه. وهذا معنى واضح ومهم؛ لأن الأحداث مرتبطة بالزمن، إضافة إلى أن بعض الحوادث تجعل مقياساً تاريخياً، على سبيل المثال: حادثة الفيل، يقال فيها: ولد بعد عام الفيل بعامين، ولد قبل عام الفيل بكذا، أي: أن هذه الحادثة كانت عظيمة وهائلة وغير مألوفة ونادرة وليست متكررة؛ فعرفها الناس، وتناقلوا خبرها، وضبطوا وقتها، ثم جعلت مقياساً بعد ذلك. وكما أرخ المسلمون أيضاً في عهد عمر رضي الله عنه بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت حدثاً عظيماً ترتب عليه بناء الدولة الإسلامية، والتحاق المسلمين بالنبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، فجعل هذا الحدث العظيم -الذي هو حدث نادر غير متكرر- مقياساً تاريخياً، ولا يزال حتى هذا اليوم مقياس تاريخنا إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. ال


ثانيا- تعريف التاريخ اصطلاحا :
أما تعريف التاريخ في الاصطلاح كعلم مستقل ، فقد ذكر صاحب كشف الظنون في تعريف التاريخ : إنه معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم. وهذا التعريف شامل للأبعاد الثلاثة التي هي:
البعد المكاني،
والبعد الزماني،
والبعد الإنساني المتعلق بالأشخاص.
ة قوله: معرفة أحوال الطوائف. أي: الأشخاص والقبائل. وقوله: وبلدانهم ورسومهم وعاداتهم ووفياتهم. هذا من الناحية الاجتماعية. وقوله: وبلدانهم. هذا يتعلق بالناحية المكانية...ولا شك أن العرب قد دونوا تاريخهم ووقاىعهم واحوالهم منذ القديم سواء أكان ذلك شفاها او على وسائل التدوين المتداولة في عصرهم وان كان معظم ما تناقله شفاها واحداث التاريخ العربي منذ ايام الجاهلية الاولى ما تزال ماثلة في كتب التاريخ ولكن العرب المسلمين اهتموا بكتابة التاريخ الذي بدا به الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بيوم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ....يقول محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي (788-879هـ-1386-1974مـ): "وأما علم التاريخ فهو علم يبحث فيه عن الزمان وأحواله، وعن أحوال ما يتعلق به من حيث تعيين ذلك وتوقيته".و يذهب سيد قطب إلى أن التاريخ ليس هو الحوادث وإنما هو تفسير هذه الحوادث، والاهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع شتائها، وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات، متفاعلة الجزئيات، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في المكان والزمان ، وقد عرّف ابن خلدون التاريخ بما يلي: إن خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال: مثل التوجس، والتأنس، والعصبيات، وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك
من الملك والدول، ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش، والعلم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعة الحال
وقال الجوهري في الصحاح في مادة أرّخ : التأريخ تعريف الوقت ، والتوريخ مثله، يقال: أرّخ الكتاب ليوم كذا: وقّته، ويقال : أرّخت و ورخت. فهو يدل على الفعل أي القيام بتدوين و جمع المادة التاريخية. و في اللغة العربية التاريخ و التأريخ تعنى الإعلام بالوقت ويدل تاريخ الشيء على غايته و وقته الذي ينتهي إليه زمنه ويلتحق به و على العموم التاريخ هو فن يبحث في وقائع الزمان من ناحية التعيين و التوقيت و موضوعة الإنسان و الزمان و الاثنان مرتبطان ببعض كل ارتباط . وهو إعادة تناول هذا الحدث بالدراسة و التحليل و الكتابة عنه فمجرد الكتابة عن حدث ما فهو تأريخ و ليس تاريخ
الفرق بينهما
التاريخ دراسة الزمن فيما يتعلق بالإنسان،
التأريخ هو علم كتابة التاريخ يعنى الحوادث و الوقائع التي حصلت فى الماضي





الباب الثاني
معنى
التاريخ العام
التاريخ هو تسجيل ووصف وتحليل الأحداث التي جرت في الماضي، على أسس علمية محايدة، للوصول إلى حقائق وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. وهو القيام بدراسة تعتمد على حقائق الماضي وتتبع سوابق الأحداث، ودراسة ظروف السياقات التاريخية وتفسيرها فمنهج البحث التاريخي هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه وزواياه، كما كان عليه زمانه و مكانه تبعا لذلك فالمنهج التاريخي يحتاج إلى ثقافة واعية و تتبع دقيق بحركة الزمن التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على النص التاريخي، لهذا وجب ارتباط المنهج بمستويات النقد في كل مراحله الممثلة في التفسير والتأويل والتنقيح والحكم نظرا لعنايته الجادة بالنص كرؤية واقعية ترتبط بالزمن والعصر. ويجب كذلك إعطاء الأهمية الأولية للسياق التاريخي لتأويل النصوص لأن هناك وثائق تعبر عن انحياز كامل للمرحلة التي كتبت فيها، لهذا فبعض الوثائق التاريخية لا تعبر عن حقيقة ما جري من أحداث لهذا وجب التركيز على قراءة النص التاريخي ونقده لأن هناك كتابات لمؤرخين سيطرت عليهم الأيديولوجيات السياسية السائدة
أثناء الفترة التي أنتج فيها. ثم إن وجود هذه الحقائق والوثائق بين أيدي هذا المؤرخ أو ذاك لا يضمن الاتفاق بين المؤرخين على تأويلها التأويل نفسه لأن لكل مؤرخ وجهة نظره ودوافعه، لهذا فالمؤرخ هو من يتخذ القرار المسبق في عملية ترتيب النصوص والوثائق التي تخدم وجهة نظره، لهذا لا يمكن أن نضمن اتفاقا بين المؤرخين على حدث معين ، فلكل تأويله وتحليله.....ولهذا عند تحليل النصوص التاريخية لا بد من الوقوف على علاقة المؤرخ بالوثائق والحقائق التي يملكها بين يديه كمواد خام للدرس والتحليل، هل يعتمدها كحقيقة مسلم بها؟ أم يقارنها بمعطيات أخرى مثل التحدث عن الأيديولوجيات والمواقف السياسية السائدة في العصر التي كتبت فيه الوثائق؟ وكذلك مقارنتها بالموقف السياسي والميل تجاه جماعة ما او شخص ما لكاتب الوثيقة وعلاقته بعصره. إن الحقائق والوثائق ليست في حد ذاتها تاريخا، وإنما هي شهادة تشهد على جزء من اللحظة التاريخية وقد تكون هذه الشهادة مزيفة، ولذا ينبغي مقارنتها بشهادات أخرى بهدف الوصول للحقيقة لان الحقائق التاريخية لمرحلة معينة تخضع دائما للتغيير وللتعديل، وكذلك لحذف بعض عناصرها بسبب المصالح، أو بغية إخفاء ما لا يتلاءم مع الفاعلين في التاريخ ، لهذا وجب على المؤرخ وهو يدون كتاباته التاريخية أن يتعامل مع النصوص والوثائق بحياد، وان يبحث في علاقة تلك النصوص بأصحابها لتوفير بعض الموضوعية ويتفاعل مع الوقائع التاريخية بموضوعية في كتاباته التاريخية والابتعاد عن الذاتية التي تجعل من النص التاريخي يخضع للتأويل ليتلاءم مع منهج المؤرخ في الكتابة. وأثناء تحليل النص التاريخي لابد أن يستحضر الباحث في التاريخ ؛ و هو دراسة الماضي بالتركيز على الأنشطة الإنسانية وبالمضي حتى الوقت الحاضر، وكل ما يمكن تذكره من الماضي أو تم الحفاظ عليه بصورة ما يعد سجلا تاريخيا. ويدرس بعض المؤرخين التاريخ العالمي الذي يشمل كل ما جرى تسجيله من الماضي الإنساني والذي يمكن استنباطه من الآثار، فيما يركز البعض على طرق بعينها مثل علم التأريخ والدراسات الديموغرافية (السكانية) ودراسة كتابة التاريخ ودراسة الأنساب ودراسة الكتابات القديمة ودراسات التاريخ الاقتصادي أو دراسة تاريخ مناطق بعينها.




الباب الثالث
معنى الأدبي


ترتبط كلمة الادبي بالتاريخ ....فالأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر. أما الأدب بمعناه الضيق، فله أنماطه المختلفة. فقد تقرأ أدبًا كُتب بلغة ما، مثل الأدب العربي والانكليزي ةالادب الفرنسي . وقد ندرس كتابات تتناول شعبًا، مثل أدب الهنود الأمريكيين . وقد نتحدث في كثير من الأحيان عن أدب حقبة معينة من الزمن، مثل أدب القرن التاسع عشر الميلادي مثلاً، هذا ويمكن أن نشير إلى أدب يتناول موضوعًا معينًا مثل أدب الرحلات، أو قصص الخيال العلمي أو أدب المقاومة......فالأدب هو أحد الفنون الجميلة، أو ما يمكن أن يشار إليه بالكتابة الجميلة. وإننا لنميز بين الأدب والكتب الهزلية تمامًا، وحين نصف قطعة مكتوبة بأنها أدب فإننا نمتدحها بإطلاق هذا الوصف عليها. ويُقسّم الأدب إلى نمطين رئيسيين: الأدب الخيالي والأدب غير الخيالي. فالأدب الخيالي يعني الكتابة التي يبتدعها الفنان من مُخيِّلته. وقد يُضمِّن المؤلفون كتاباتهم حقائق تتناول أشخاصًا أو أحداثًا حقيقية، غير أنهم يمزجون هذه الحقائق بوضعيات خيالية. وجدير بالذكر أن معظم الأدب الخيالي هو كتابات سردية شأن الروايات والقصص القصيرة، كما يشمل ذلك الكتابات المسرحية والشعر أيضًا. أما الأدب غير الخيالي فهو الكتابات التي تقدم حقائق تتناول مواضيع تدور حول الحياة الواقعية. وتشمل الأنماط الرئيسية للأدب غير الخيالي المقالة والتاريخ والتراجم والسير واليوميات.....ونحن نقرأ الأدب عادة لأسباب عديدة تتبدل بتقدم العمر أو بتغير اهتماماتنا، وربما كان السبب الأساسي الذي يدفعنا للقراءة هو المتعة، نحن نقرأ في كثير من الأحيان؛ لاكتساب المزيد من المعلومات والمعرفة. فقد يُمتعنا أن نتعرف على الحياة في في العصور الادبية العربية على مر الزمان...او في جبال الألب السويسرية، أو على حوض نهر المسيسيبي، كما أننا ربما نجد حلولاً ممكنة لمشكلاتنا حين نلتقي بأناس في الكتب يواجهون مشكلات تشابه تلك التي نعاني منها. ومن الممكن لنا أن نفهم عن طريق الأدب أوضاعًا قد لاندرك كنهها في بعض الأحيان حين تواجهنا في حياتنا العادية. وقد نقرأ ببساطة لأننا نستمتع بقراءة الكلمات المنظومة، فربما نستمتع بقراءة مقاطع لا معنى لها، كما يحب الأطفال سماع الأناشيد المنظومة وهم لا يفهمون معنى كلماتها في الواقع. وليس هنالك عمل أدبي له حكمته أو جماله في حد ذاته، وأعظم قصيدة أنشئت منذ عرف الإنسان الشعر، لا تعدو أن تكون مجرد رقعة كُتب عليها كلام مطبوع، إلى أن يتفاعل القراء معها. ولكي تصبح الكتابة أدبًا، لا بد لها من قارئ. والقارئ يساعد على إبداع الأدب بتفاعله مع أفكار الكاتب وعواطفه ومعتقداته ؛ والقارئ المبدع، هو ذلك الذي يراعي ما يريد الكاتب أن يقوله، و كيف يعبر عما يريد أن يقول؟ . فالقراء المبدعون إنما يضيفون خبراتهم الخاصة في الحياة ولغتهم إلى الخبرات التي يعرضها الكاتب على صفحة الورق المطبوعة. وهم يقيسون مدى الصدق في موقف الكاتب بناءً على ما يحملونه هم أنفسهم من أفكار عن الحقيقة الصادقة. والقراءة المبدعة هي التي تحقق أعمق استمتاع بالأدب.و التاريخ الادبي هو رصد لكل ما ابدعه المؤلفون من خيال ادبي بكافة فنونه والذي هو تراث الامة الخالد الذي تستلهمه الاجيال على مر العصور ايجابا وسلبا


الباب الرابع
مدخل إلى تاريخ الأدب
لا تنفك كلمة ادب ان تقترن بكلمة تاريخ فكلاهما مرتبط بالاخر فالادب تاريخ لاحداث الحياة العاطفية المشاعرية والحربية والحياتية والاجتماعية.....والتاريخ رصد لادب يرسم معالم الحياة........والحياةاقتران بينهما....وهكذا... .
1. تاريخ الأدب والتاريخ
لكلمة تاريخ الأدب معنيان:
أولهما دراسة العلاقات القائمة بين النصوص الأدبية خلال السيولة الزمنية:كيف تتغير ؟؟وكيف تتحرك ؟؟ ولماذا تخضع الظاهرة المدروسة دوماً للتغير. وثانيهما يوحي بعلاقات النصوص بسياقاتها التاريخية. إلا أن هذين المنظورين يتكاملان أكثر مما يتعارضان. إن القول: إن الأدب يتغير لأن التاريخ من حوله يتغير، يعتبر التفسير الأكثر شيوعاً. إن آداباً متباينة تقابل لحظات تاريخية متباينة، فإن التاريخ يدل في الآن نفسه على دينامية الأدب وعلى سياق الأدب....هذان التصوران يتنازعان معنى تاريخ الأدب منذ أمد بعيد، بهذا لا نستطيع الحديث عن تاريخ الأدب دون الخوض في العلوم المجاورة التي تنازعها السلطة. فإذا كان علم الأدب يعاني من التباس بعلم الجمال وعلم اللغة وعلم الدلالة ونظريات تحليل الخطاب والأنتروبولوجية الخ الخ. فإن ملف التهم الموجهة إلى تاريخ الأدب أثقل من ذلك بكثير. فلنلاحظ أولاً، التسمية المثيرة "تاريخ الأدب"؛ فإذا كان التاريخ يتوجه إلى الماضي فيحاول إعادة بنائه وفهمه وإقامة ترابطات بين أحداثه وبين محيطها وبينها وبين الدوافع الإنسانية التي تقف وراءها، فإن تاريخ الأدب قد يبدو مجرد إقليم صغير منه، إنه يهتم بالإنتاجات الأدبية الماضية " فيؤطرها في سياقاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ويعتبرها أعراضاً أو علاماتِ ذهنيةٍ ما... ورؤية خاصة إلى العالم، وهو بهذا الصنيع، يحاذي التاريخ وأحياناً يداهم مجال المؤرخ. والأكثر من هذا فإن الأثر الأدبي يكشف عما خفي من الأحداث والميول المحبطة والاحتمالات المكبوتة. والنوايا المستترة: وبهذا فإن الأدب يقدم إلى المؤرخ مادة أساسية. وفوق هذا فإن تاريخ الأدب يستعير من التاريخ مناهجه المتمثلة في تحقيق النصوص (دراسة المخطوطات ومقارنة الطبعات وضبط الصيغة النهائية لتولدها)، والأحداث (السيرية والسوسيوأدبية والإحصائية)؛ وتحديد متوالية من الأسباب (المباشرة أوالملابسات البعيدة والعميقة أو البنيوية) أو على الأقل تحديد عوامل الحياة الأدبية وشروطها على امتداد الأجيال
2. تاريخ الأدب والفيلولوجية
إن تعالق تاريخ الأدب بالتاريخ يمكن أن يجر بسهولة إلى علاقة أخرى وهي العلاقة بالفيلولوجية التي تعتبر الأداة التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال التاريخ كما رأينا سابقاً. إن هذه تسعى إلى:
"1. حماية النصوص وإنقاذها من الضياع المادي. ويتمثل هذا في عملين اثنين:
ـ ففي مجتمع لا يتوفر على الكتابة، يسعى عالم الفيلولوجية إلى إنجاز دور المعلم الساعي إلى الخزن في ذاكرة الأجيال الجديدة نصوص المجتمع.كما يسعى إلى تحقيق النصوص والوقوف على محتوياتها الأصلية، أي المعنى الذي ينبغي أن يعطى للنص. ولهذا فمن الواضح أن معنى النصوص لا يكون دوماً واضحاً بالاعتماد عليها وحدها. ففي الوقت الذي تكون فيه النصوص الاستعمالية ذات معنى واضح بما فيه الكفاية وذلك بفضل السياق المضبوط الذي تنتج فيه (وهذا يعني أن السياق يقوم بدور تكميلي للتأويل)، فإن النصوص الأدبية تحتفظ بمضمرات مرتبطة بسياقات عينية. وفوق هذا وذاك فإن مجموع السياق يمكن أن يتغير بفضل التحولات الثقافية (التصنيع مثلاً) أو اللغوية (من قبيل ندرة أو عدم استعمال كلمات كانت في البداية شائعة). بهذا السياق المتغير بهذه الكيفية يواجه محتوى النص الأدبي غير المتغير بفضل رقابة وحراسة الفيلولوجيين. وفي سياق متغير بهذه الكيفية فإن العشيرة اللغوية يمكن أن تفهم بشكل سيء أو ألا تفهم إطلاقاً هذا النص. ومن مهمات الفيلولوجي الوقوف على المعنى القديم للنص الذي عملوا على صيانته. وهكذا فإنهم يُعْـتَبرون وسطاء بين النص والجمهور: ينبغي أن يكونوا مؤولي النص الذي لا يفهمه الجمهور، أو يفهمه بشكل غير مستقيم.
3 إن المهِمَّتين المذكورتين للفيلولوجيين لا تحيل فقط على نص وحيد وإنما تحيل على نصوص متعددة. هذه التعددية تنتج عنها مهمة الفيلولوجي الماثلة في إدراج النصوص ضمن ترابطات أكبر، أي في أجناس الخطاب. […] وتتمثل المهمة هنا في تنظيم المكتبة وهذا يقوم على ترتيب بحسب أسماء المؤلفين أو بحسب أسماء الكتب أو بحسب أجناس الخطاب. ويترتب على هذا التنظيم في سلسلات المؤلفات التي تنظم بحسب التريب الألفبائي أو الترتيب الزمني (بحسب العصر الذي عاش فيه المؤلف وألف فيه الكتاب). إن المحافظة بحسب المبدأ الزمني يؤدي إلى التاريخ الأدبي الذي هو بدوره جزء من تاريخ الثقافة والتاريخ العام
3. تاريخ الأدب والنقد الأدبي
يقيم تاريخ الأدب علاقة ثالثة بالنقد الأدبي. إنهما معاً يهتمان بتحليل الأدب. النقد الأدبي يهتم بتحليل النص الأدبي من زاوية جمالية دونما التفات إلى العناصر التاريخية أو الديَاكْرُونِيَّة أو التغييرية. وهو يهتم بالأدب عامة ويسعى إلى تقويمه والحكم عليها بالجودة أو الرداءة. هناك في النقد الأدبي مسعى معياري. وربما كان على قدر من الحساسية أمام التحول الذي يعيشه الأدب. وربما كان أشد تعلقاً بالمعايير الثابتة التي تجعله يتوهم وجود قيم أدبية عامة أو خالدة غير خاضعة للنسبية التاريخية أو الثقافية. وكثيرا ما يعتقد الناقد أن كتبه تتضمن المعايير لفهم أي أثر أدبي والحكم باعتباره كذلك. والإجراءات نفسها يمكن التقيد بها لأجل البحث المعمق في قيمة كل الآثار الأدبية لكل الأزمان والشعوب، والنقد الأدبي بهذا المعنى بعيد عن اهتمامات تاريخ الأدب الذي يسلم بالتعددية التاريخية والجمالية علاوة على اهتمامه بعناصر غير أدبية وواقعة في دائرة اهتمام علوم أخرى. ولعل تاريخ الأدب الذي يعاني من هذه الانتقائية المزمنة سيلاقي بسببها حتفه. إن العناصر النصية الأدبية، بحصر المعنى، تختلط تحت أقلام مؤرخي الأدب، بالمقومات اللغوية وبالمقومات الدلالية الحرفية والإيحائية وبعناصر المعنى الغرضي وعناصر النفس المبدعة وعناصر الوظيفية الاجتماعية والأخلاقية.
ورغم تقاسم النقد الأدبي وتاريخ الأدب الاهتمام بالأدب، فإن الانتقائية التي طبعت هذين العلمين وعدم تحديد مجال اهتمام كل واحد منهما لم يجعلهما يتواجهان مع مجموعة من العلوم وحسب بل جعلت كلاً منهما يداهم في الكثير، حدودَ جاره ويتسلل للصيد في مجال غير "مرخص". تماماً كما جعل هذا الوضع تاريخ الأدب يداهم مجال التاريخ. ويمكن تصفح أي كتاب في تاريخ الأدبي لكي نلاحظ أن مؤرخ الأدب كثيراً ما عرض علينا خبراته في التاريخ. والحق ألا يعرض خبراته في التاريخ فقط بل يعرض ما تيسر من الاقتصاد والفكر والاجتماع الخ الخ.
4. ولادة تاريخ الأدب
يعتبر مؤرخو الادب واضعي أسس تاريخ الأدب. ولعل فضلهم في هذا المجال يفوق فضل كل أقرانهم في الميدان. و يعتبر النقد الأدب وسيلة لإقامة ما دعي "التاريخ الطبيعي للأفكار". من خلال تصنيف الأجناس الادبية والاهتمام بالمبدعين من الدرجة الثاني والمبدعين الكبار لأنهم المؤهلون للتعبير عن روح الأمة. لاكتشاف الملامح النفسية لكاتب أو أمة. والحرص على دراسة تكْوينِ عبقريٍّ ما وضبط الملامح الشخصية التي يتعرف فيها على الملامح الخاصة لهذا العرق أو ذاك، تلك الملامح التي تتعرض في آثار الكاتب لتكييف ناتج عن ملابسات وظروف اللحظة التاريخية والوسط المحيط. دون التفات إلى جمال الآثار التي تعتبر هنا مجرد كيفية مساعدة. والنقد العلمي لا ينبغي له أن يهتم بما هو جميل ولا بما هو نافع كما لا ينبغي الاهتمام بالنقد التزييني. إنه يعتني بدل ذلك "بنقد يسعى إلى التفلسف"، نقد يسعى إلى تعيين ملامح إنسان أو عصر ثم الاحتفاظ بما هو هام والاستغناء عن غير المهم. إن الأهم بالنسبة إلى الناقد الأدبي هو الوقوف على قوة ما عند الكاتب وهي القوة التي تظل مشروطة بالعِرْق والمحيط واللحظة. وانطلاقاً من تلك القوة يمكن أن نستنبط كل شيء. ومنذ اللحظة التي نحدد فيها هذه الملكة الرئيسية نرى الكاتب ينمو مثل الزهرة....ولكن كيف يتمكن الناقد و مؤرخ الادب من إدراك هذه "الملكة الرئيسية"؟ إن ملاذه الأخير في هذا الشأن هو التأثرية. إن الناقد بعد أن يفرغ من قراءة آثار الكاتب المدروس: "سيرى على طرف قلمه جملة غير إرادية قوية بشكل دال مجملةً كل عمليته وستجعل نصب عينيه … حالة نفسية ما، مهيمنة ودائمة، وهي حالة المؤلف......إلا أن كل هذه الاستنتاجات لا تستند إلا على التأثرية والانطباعية الهشتين اللتين لا تقومان على أي أساس قابل للوصف. أليس من المبالغة وصف هذه العملية بالعلمية؟ إن الباب لا يظل هنا مشرعاً أمام النوازع المزاجية وحسب ولكنه يشرع أيضاً أمام الدوغمائية الإيديولوجية . إن اهتمام مؤرخ الأدب المتزايد بروح الأمة والعصر يمكن أن تؤدي إلى ازدراء آداب الأمم الأخرى والناقد المؤرخ للادب يقوم تطويع حقل النقد الأدبي للنظرية للتطورية في الاجناس الادبية دون التفات إلى التباين بين الحقلين الطبيعي والإنساني أو الثقافي. إننا نقترض من مذهب التطور حججنا. والأكيد أن تمايز الأجناس يفعل في التاريخ، مثل تمايز الأنواع في الطبيعة تدريجياً، بالانتقال من الواحد إلى المتعدد، من البسيط إلى المعقد ومن المنسجم إلى المتنافر، وذلك بفضل مبدإ أسمى يسمى تباين الخصائص . إن الأمر يتعلق عند المؤرخ الادبي بشباب جنس أدبي وشيخوخته وخاصية نضجه أي اللحظة التي يتحقق فيها أوج قواه الحيوية. اننا ندرس الطقس المعنوي لفهم أسباب ظهور أي نوع من الفن أو النحت أو الرسم الواقعي أو المعمار أو الأدب الكلاسيكي أو الشعر المثالي. إن الإنتاجات الفكرية أو الروحية الإنسانية شأنها شأن الطبيعة يمكن أن تفسر فقط بواسطة الوسط الذي ينتجها.
إن محاولات زرع مناهج العلوم الطبيعية في حقل العلوم الإنسانية قد كانت مؤذية لتاريخ الأدب ولنظرية الأدب بصفة عامة، إذ للمجالات الإنسانية حيث يحضر المعنى دائما وحيث الظواهر ذات واجهتين، على أقل تقدير، تمتنع عن قبول مناهج العلوم الطبيعية الموضوعة لدراسة الظواهر الهامدة ذات الطبيعة المسطحة أو غير القابلة لحمل معنى. ويتميز الأدب بكونه، خلافاً للأحداث التاريخية، يتمتع بوجود حي . والآثار الأدبية والفنية حية دائماً متمتعة بخصائص إيجابية تحمل للإنسانية المتحضرة ممكنات لا تنفد في إثارة الإحساس بالجمال الفني ، وهذه العناية بهذه الجوانب الجمالية هي التي تميز مؤرخ الأدب عن المؤرخ بالمعنى الحصري للكلمة. إلا أن هذا لايستقل بالبحث، إذ الغاية هي، في النهاية، دراسة "النفس الإنسانية والحضارة القومية في مظاهرها الأدبية ، و الغاية هي إذن العمل على إدراك هذه الإنتاجات الجمالية كما تم استهلاكها في عصرها. وهذا الأمر يُعَرِّض مؤرخ الأدب لمجموعة من الصعوبات، منها صعوبة التحكم في استجاباتنا الشخصية والتحكم في أصالة المبدعين وفرادتهم. إلا أن هذه الملامح العبقرية للآثار المدروسة ليست جميلة في حد ذاتها، بل هي جميلة "لما تحمله من ملامح الحياة الاجتماعية لعصر أو هيئة، ومن ثم ينبغي أن نعرف كل تلك الإنسانية التي أفصحت عن نفسها من خلال كبار الكتاب وهكذا فبعد الوقوف على التفرد نخلص إلى الوقوف على كون الرجل العبقري نتاج لبيئة وممثل لجماعة. إلا أن التأثر الشخصي المطلوب في تاريخ الأدب قد يعرض الآثار المدروسة لتشوهات. وبطبيعة الحال فإن هذه الوضعية تفسح الطريق أمام التأثرية "وما دامت التأثرية هي المنهج الوحيد الذي يمكننا من الإحساس بقوة المؤلفات وجمالها فلنستخدمه في ذلك صراحة ولكن لنقصره على ذلك في عزم ولنعرف مع احتفاظنا به كيف نميزه ونقدره ونراجعه ونحده . ينبغي خلال تلقينا لآثار السلف، أن ندرك العلاقات التي تربط العمل الأدبي بمثل أعلى خاص أو بمنحى في الصياغة معلوم ثم ربط هذين الأخيرين بروح الكاتب أو حياة الجماعة، أي إننا نأخذ أنفسنا بأن نحس تاريخاً فنقيم سلم القيم لا تبعاً لميولنا الخاصة بل وفقاً لقوة ودقة ما أمكن تحقيقه في المؤلفات التي ندرسها بالنسبة إلى المذهب الذي صدرت عنه ؛ والواقع أن التصريح بإمكان تلقي النص الأدبي كما تلقاه المعاصرون للأديب أمر بعيد المنال حتى لا نقول مستحيل.
ورغم هذا فالناقد الأشد وعياً بحدود إمكانيات الاستفادة من العلوم الطبيعية، يدرك أن لكل حقل معرفي منهجه وأدواته المتميزة. كما يدرك ان لكون هذا النوع من الاقتراض لا يقدم المعرفة ولا يسعف على التحكم في موضوع الأدب ، ولقد كان تقدم علوم الطبيعة خلال القرن التاسع عشر سبباً في محاولة استخدام مناهجها في التاريخ الأدبي غير مرة، وذلك أملاً في إكسابه ثبات المعرفة العلمية وتجنيبه ما في تأثرات الذوق من تحكم وما في الأحكام الاعتقادية من مسلمات غير مؤيدة. ولكن التجربة قد حكمت بإخفاق تلك المحاولات . لقد أصبح من الواضح اليوم أن القصد إلى محاكاة عمليات العلوم الطبيعية والعضوية واستخدام معادلاتها قد انتهى إلى مسخ التاريخ الأدبي وتشويهه ، ولا يمكن أن يبنى أي علم على أنموذج غيره وإنما تتقدم العلوم المختلفة بفضل استقلال كل واحد منها عن الآخر استقلالاً يمكنه من الخضوع لموضوعه. ولكي يكون في التاريخ الأدبي شيء من العلم يجب عليه أن يبدأ فيحظر على نفسه محاكاة العلوم الأخرى مهما كان نوعها
لقد قوي حضور الفِيلُولُوجِيَّة في حقل تاريخ الأدب على الرغم من تباين اهتمام الفِيلُولُوجِي ومنظر الأدب أو مؤرخه فلا أحد يستطيع أن يدعي احتمال استغناء النصوص عن التدخلات الشارحة والمؤطرة للفيلولوجي. إن هذه التدخلات تعتبر المدخل التمهيدي لأي مقاربة أدبية يقدم عليها منظر الأدب أو مؤرخه. وهذا هو سبب تمييزنا بين تدخلات العلوم التجريبة أو الطبيعية وتدخلات الفيلولوجيا. إن الأولى مداهمة مخلة بطبيعة وجوهر الأدب وتسعى بشكل غير مشروع إلى ملء فراغ ما، في حين أن الثانية لا يمكن الاستغناء عنها في أي نقد أدبي. وعلى الرغم من كون هذه التدخلات ليست من صلب المقاربة الأدبية، إلا أنها محطة لا يمكن العدول عنها في مسار تذوق الإنتاج الأدبي. إن عمليات تاريخ الادب الأساسية تتلخص في معرفة النصوص الأدبية ومقارنتها ببعضها لنميز الفردي من الجماعي والأصيل من التقليدي، وجمعها في أنواع ومدارس وحركات ثم تحديد العلاقة بين هذه المجموعات وبين الحياة العقلية والأخلاقية والاجتماعية لنمو الآداب والحضارة الأوروبية في هذا السبيل في استخدام العلوم المساعدة، كمعرفة المخطوطات والمراجع والتواريخ وحياة الكاتب ونقد النصوص ثم استخدام العلوم الأخرى وبخاصة تاريخ اللغة والنحو وتاريخ العلوم وتاريخ الأخلاق. والمنهج هو أن نجمع في كل دراسة بين التأثر والتحليل من جهة والوسائل الدقيقة للبحث والمراجعة من جهة أخرى، وذلك وفقاً لما يقتضيه الموضوع فنستعين عند الحاجة بعدة علوم مساعدة نستخدمها حسب ما أعدت له في تهيئة المعرفة الدقيقة ، ومن العناصر التي يشدد عليهاوجود النص والفهارس ونسبة النص وكماله أو نقصه وطبعاته ورواياته. وتاريخ تأليف النص ونشره وأجزائه والتعديلات التي يمكن أن يكون المؤلف قد مس بها كتابه ودلالة ذلك على فكره وذوقه. ونشأة النص بين يدي المؤلف وتسويداته. ثم تعيين المعنى الحرفي للنص مستعينين بتاريخ اللغة وبالنحو وبعلم التراكيب التاريخي وتفكيك كل ما غمض من النص اعتماداً على الإشارات التاريخية وحياة الكاتب. وننطلق بعد ذلك لضبط المعنى الأدبي وما يحمله من قيم عقلية وعاطفية وفنية وحالات نفسية وآراء أخلاقية واجتماعية وفلسفية ودينيةلم يشعر المؤلف بالحاجة إلى التعبير عنها. وعلى الرغم من أهمية الاستعانة بإحساساتنا يجب علينا أن ندرك المؤلَّف الأدبي أولاً في الزمن الذي ولد فيه بالنسبة إلى مؤلفه وإلى ذلك الزمن يجب أن يعالج التاريخ الأدبي على نحو تاريخي. وكيف يكون المؤلف الأدبي؟ وحياته وثقافته وأي نجاح لاقاه وأي إخفاق تعرض له. الخ الخ.
ومع هذا يسجل مؤرخ الادب بعض العيوب التي يعاني منها هذا العلم الذي امتهنه. إنه يعتبر التفكير خداعاً في العلوم التاريخية حيث لا نتوفر فيها على وقائع فيها من البساطة والدقة ما يحكم التفكير فلا أقل من أن نقصره على العمليات القصيرة كاستخلاص نتيجة مباشرة عندما يلوح أنها النتيجة الوحيدة الممكنة. وأما سلاسل التفكير فمن الواجب التخلي عنها إذ أنها كلما ازدادت طولاً ازدادت ضعفا ، وهذه الهشاشة العلمية لا ينبغي أن تورطنا في شراك الاستماع المستديم إلى أهوائنا والترديد على مسامع طلابنا أهواءنا ومعتقداتنا،ملتمسين في ذلك علاج حالة عدم العثور على الوقائع المقنعة والبرهنة العلمية التجريبية والمنطقية.
"والتعليم بالنسبة لأستاذ الأدب بنوع خاص لن يكون إلا دجلاً أو نفاقاً إذا كان كل منا لا يدرس إلا أهواءه ومعتقداته. هناك جانب كبير من الأدب لا يمكن أن يدرس. فنحن لا نستطيع أن نقول لتلاميذنا "إقرؤوا وأحسوا. استجيبوا للمؤلف، نحن لا نريد أن نحل طرق انفعالنا محل طرقكم لكننا نعلمكم ما هو مادة للعلم أي مادة للتدريس. كل هذه المجموعة من الحقائق التي تقدم وإن كلنت نسبية ناقصة ـ فهي محققة دقيقة: التاريخ......وفقه اللغة وعلم الجمال وفن الأساليب وقواعد العروض ـ كل تلك الأفكار المرتبطة بالمعرفة الدقيقة والتي يمكن أن تكون واحدة في كل النفوس وبفضلها نستطيع إرهاف تأثراتنا وتصحيحها وإثراءها بل سنرى في عيون الكتب أكثر مما رأينا وستكون نظرتنا أعمق

- تاريخ الادب النصي: 6-
إن تاريخ الأدب بمعناه التقليدي هو عبارة عن "أرْضٍ بدُونِ مَالكٍ"، حيث يتعاطى الصيد مؤرخ الثقافة إلى جوار عالم الجمال وعالم الفِيلُولُوجِيّة إلى جانب الباحث في مجال الأفكار الاجتماعية، والشعر هو اللغة في وظيفتها الاستطيقية. وهكذا فإن موضوع علم الأدب ليس الأدب ولكنه الأدبية، أي ما يجعل من أثر معطى أثراً أدبياً. و مؤرخو الأدب يستعينون بكل شيء: سيتعينون بالحياة الشخصية و النفسية والسياسة والفلسفة ، وهذه العلوم يمكنها أن تستخدم بطريقة جيدة هذه الآثار الأدبية باعتبارها وثائق ناقصة ومن درجة دنيا. إذا كانت الدراسات الأدبية راغبة في أن تصبح علماً ينبغي لها الاعتراف بالأداة اللفظية ذات الوظيفة الأدبية. فكل ما يخرج عن هذا الإطار لا يدخل في عداد المقومات ولو كان لفظياً. إلا أن هذا المنحى في البحث قد كان مثمراً من وجهة نظر تاريخ الأدب وذلك حينما تدخل في الحساب الاعتبارات التحولية في الأنساق الأدبية والفنية. حينما أعاد كتاب تاريخ الادب والنقاد تحديد الأثر الأدبي بوصفه نسقا استطيقيا أكثر مما هو مجموع الأدوات الأدبية، فإن مفهوم التعايش الخالص لمجموعة من العناصر في مجموع أدبي قد أدى إلى التكامل الدينامي. وكان هذا يقتضي في الآن نفسه تغيرات دورية في هرمية المكونات. ..أي تغيرات مستمرة في الوظيفة الإستطيقية للأدوات الأدبية ؛ وليست وحدة الأثر الأدبي عبارة عن حشد كلٍّ متناظرٍ ومغلقٍ، إنه كلية دينامية ومتطورة؛ لا تقوم بين عناصره علاقة ندية ثابتة يضاف فيها عنصر إلى آخر، بل تربط بين عناصره أواصر تعالق واندماج دائمين. …
1. لا تتمتع عناصر الكلمة بالقيمة نفسها : فالشكل الدينامي ليس متألفاً بتجميعها وحسب وامتزاجها ببعضها، ولكنها تتألف بتفاعلها، وتبعا لذلك تتألف بإبراز مجموعة من العوامل على حساب مجموعة أخرى. وهذا يقتضي كون العامل البارز يمسخ العناصر التي تخضع لها.
2. إن إدراك الشكل هو دوما إدراكُ دفقِ العلاقةِ بين العامل البنائي والعوامل الخاضعة.
إن الفن يعيش بهذا التفاعل وبهذا الصراع. ودون هذا الإدراك لهذا الإخضاع وهذا التشويه لكل العناصر انطلاقا من عامل يضطلع بالدور البنائي لا يقوم أثر فني. فإذا اختفى إدراك تفاعل العوامل المكونة للأثر الأدبي فإن هذا الأثر يتم اختفاؤه أيضا إنه يصبح آليا . وبطبيعة الحال فليست هذه السلطة للعناصر البنائية والخاضعة إلا الترجمة شبه الأمينة لمفهوم المهيمنة حيث يمكن تحديد المهيمنة باعتبارها العنصر البارز لأثر أدبي ما: إنها تحكم وتحدد وتحول العناصر الأخرى. إنها هي تؤمن تلاحم البنية. فعلى سبيل المثال، في الشعر كانت العلامة الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها هي القافية ولم تكن الهيكل المقطعي. إن شعراً لا يتقيد بالقافية هنا ليس شعراً حتى وإن تقيد بالأوزان. وعلى العكس من ذلك، ففي الشعر المعاصر لم تكن القافية إلا مقوماً مساعداً في حين أصبح الهيكل المقطعي عنصرا ضروريا، لا يمكن التسامح في التخلي عنه، ودونه لا يعود البيت بيتاً، ومن وجهة نظر هذه المدرسة فإن البيت الحر اعتبر عيباً إيقاعياً غير مقبول. والآن وبعد أن قبل الشعراء بحل البيت الحر الحديث، لم تعد لا القافية ولا أي نموذج مقطعي أمرا مطلوبا لكي يقوم الشعر؛ بدلا من هذا أصبح التنغيم العنصر الضروري لكي يقوم الشعر؛ وبعبارة أخرى، فقد أصبح التنغيم هو المهيمنة.
لقد تجرد المقوم في التصور الشكلاني من طبيعته الثابتة التي كان يتمتع بها في النقد الكلاسيكي. إن المقوم يدخل في علاقة مع مقومات أخرى يحتل فيها دائماً مقومٌ ما موقعَ الهيمنة على غيره من المقومات. وهذه العلاقة الهيمنية هي التي تؤَمِّنُ أدبيةَ النص وتماسكه. ودون هذه الهيمنة يغدو الإنتاج الأدبي فاقدا لكل دفق جمالي. وهذه الهيمنة تنزع دوماً، ومع مرور الزمن والابتذال، إلى الاضمحلال. يعني أن مقوماً ما له عمر ولادة ونضج وربما هيمنة ففناء. وهذا هو الذي يفسر فصول وأدوار التجديد في الأدب. إلا أن هذه الهيمنة ترتبط في النظرية الشكلانية بملمح آخر هو التغريب. إن الأثر الأدبي لكي يتمتع بهذه الصفة ينبغي له أن يكون مثيراً للدهشة والتغريب مما يُرى أو يسمع أو يشاهد. هي هذه وظيفة الأدب. إلا أن ما هو مدهش وتغريبي اليوم قد لا يعود كذلك غداً. إن الدهشة تتلاشى مع مرور الأيام. هي هذه الأمور التي تجعل الأثر الأدبي في حاجة إلى التجديد لكي يوفر فرصة جديدة لاعتلاء مقوم عرش الهيمنة بعد أن كان خاضعاً ولكي يجعل الأثر الأدبي مثيراً للتغريب ونفياً للآلية.
إن التصور الشكلاني للأدب هو تصور تاريخي في كليته وشموله، إذ ليست هناك مقومات أدبية إلا في سياق تاريخي ملموس وليست الأدبية كياناً ثابتاً ملموساً أو مجرداً بل إنها تحققات عينية مسكونة بدفق التجدد والتغير الدائب والدائم. وهذا التغير هو بالأساس تغير للأشكال أو للملامح الأدبية.
وتتردد أصداء قوية لهذا الطرح للأدبية عند المعاصرين . إن التحليل الفني يفهم باعتباره تعداداً وتقويماً مفهومياً وأسْلوبياً للعناصر الشعرية التي يكتشفها في النص الباحثُ.
إن المقاربة البنيوية للأثر الأدبي لا تدرس هذا "المقوم" أو ذاك باعتباره معطى مادياً متميزاً، ولكن باعتباره علاقة مع مولِّدَيْن أو أكثر. إن الأثر الفني "للمقوم" هو دوماً علاقة (مثال ذلك علاقة النص بتوقعات القارئ، وبالمعايير الجمالية لعصر من العصور، ومع العبارات المأثورة لغرض ما أو قواعد الجنس). ولا يتمتع الأثر الجمالي خارج هذه العلاقات بأي وجود. إن أي تَعْدادٍ للمقومات لا يزودنا بأي شيء. (من قبيل ذلك دراسة المقومات عامة خارج النص باعتباره وحدة عضوية)، وذلك أن العنصر المادي نفسه من النص يكتسب بالضرورة معنى مختلفا وأحياناً متعارضاً.
إن مقاربة من الجنس "الصنافي" هي دائما، من وجهة نظر التحليل البنيوي، دون أثر وذلك لأن المقوم ليس عنصراً ماديّاً من النص، ولكنه علاقة.. ففي الشعر القديم حيث كانت القافية تمثل عنصراً حاضراً في توقع المتلقي يمثل غيابها عنصراً غائباً وبالتالي عيباً. وفي القصيدة الحديثة حيث تتمتع القافية بمثل هذا الحضور فإن هذا الغياب لا يمثل عنصراً ناقصاً بل يمثل عنصر إغناء النص الشعري.
هذا هو التاريخ الأدبي القائم على الملامح النصية لا الباثية، أو المرجعية، كما نلاحظ في اي تاريخ للأدب و الذي يردد بلا كللٍ ولا نفورٍ لأن همه البحث عن روح الأديب ومن خلالها روح الأمة في الأدب. كما نلمس عندها التفاتات خجولة إلى المقومات الأدبية واللغوية. وهوساً بنزوع التلفيق وحشد أمشاج علوم متنافرة في ربقة واحدة.
والواقع أننا نجد أيضاً أصداء قوية لهذا التصور للشعرية ـ وهي بالأحرى تاريخ الأدب ـ في كتابات أقطاب المدارس الادبية
إن تاريخ الأدب لم يعد هو التعلق بماهية ثابتة وهمية، معرفية وجمالية، للنص. سَمِّ هذه الماهية روح الأمة أو المعنى المحاكاتي الثابت على امتداد القرون .
إن مهمة تاريخ الأدب هو تحديد الشروط التي يتم فيها تلقي النص الأدبي ضمن هذه المسارات غير المحدودة. إن النص الأدبي يكتسب، أو يفقد، معنى وقيمة جمالية في مقامات بعينها. على تاريخ الأدب أن يعين في أي شرط من شروط التلقي يكتسب النص هذه القيمة الأدبية وهذا المعنى وفي أي شرط من شروط التلقي يحرم هذه القيمة الجمالية وهذا المعنى. بل وفي أي شرط من شروط التلقي يكون هذا النص، أو لا يكون أدبيا. هذا هو الموضوع الجديد لتاريخ الأدب. في أي مقام ثقافي أو تاريخي أو اجتماعي أو نفسي أو عقائدي أو شخصي تصبح عناصر لفظية ما مقومات جمالية. وفي أية درجة من الجمالية. وفي أي جنس أدبي؟. وفي أي مقام تفقد هذه المقومات هذه الصفة. وفي أي مقام يحمل هذه الدلالة وفي أي مقام يحمل أخرى وفي أي مقام لا يعود أدباً وفي أي مقام يفقد صفة لغة وكلام ، والواقع أن قيمة ورتبة أثر أدبي ما لا تستنتج لا من الظروف السيرية أو التاريخية لولادته، ولا من مجرد الموقع الذي يحتله في مسار تطور جنس ما ولكنها تستنتج من معايير أصعب للتحكم فيها.
لقد اعتقد تاريخ الأدب الوضعي التمكن من الجدارة بالاقتراض من العلوم مناهجها "الدقيقة". إن النتيجة معروفة للغاية: إن مبدأ التفسير السببي الخالص لم يسمح وهو يطبق على تاريخ الأدب، إلا بالكشف على المحددات الخارجية عن الآثار الأدبية. لقد قاد إلى تطورات مفرطة لدراسة المصادر وعالج خصوصية الأثر الأدبي في حزمة من "التأثيرات؛ التي أمكنت مضاعفتها بشكل إرادي. وكان رد الفعل على ذلك أن تاريخ الفكر تمكن من الأدب وعارض التفسير السببي للتاريخ باستطيقا الخلق والتمست التماسك في العالم الشعري في تكرار الأفكار
إن الجمهور في المثلث المتكون من المؤلف والأثر والجمهور ليس مجرد عنصر خامل يكتفي بالاستجابة الفورية؛ إنه يطور بدوره قوة تساهم في صنع التاريخ. إن حياة الأثر الأدبي في التاريخ غير متصورة دون المساهمة الفعلية من قبل هؤلاء الذين تتوجه إليهم. إن تدخلهم هو الذي يدخل الأثر الأدبي في الاستمرارية المتحركة للتجربة الأدبية، حيث الأفق لا يكف عن التغير وحيث يتم الانتقال بشكل دائم من التلقي السلبي إلى التلقي الفعال، ومن مجرد القراءة إلى الفهم النقدي ومن المعيار الاستطيقي المقبول إلى تخطيه بواسطة إنتاج جديد. إن تاريخ الأدب وملمحه التواصلي يقتضي بين الأثر التقليدي والجمهور والأثر الجديد علاقة تبادل وتطور ـ وهي العلاقة التي يمكن إدراكها بمساعدة مقولات من قبيل الرسالة والمتلقي والسؤال والجواب والمشكل ، وليس التاريخ إلا إعادة تفعيل الماضي في فكر المؤرخ وعبره هو تحديد يصدق أيضاً على تاريخ الأدب. إذ إن التصور الوضعي للتاريخ باعتباره وصفاً "موضوعياً" لتعاقب الأحداث الناجزة لا يسمح بإدراك الخصوصية التاريخية ولا الملمح الاستطيقي للأدب. ليس الأثر الأدبي شيئاً موجوداً في ذاته معروض في كل زمن ولكل ملاحظ بنفس المظهر؛ أثر يكشف للملاحظ السلبي عن جوهره اللازمني. إن تحليل التجربة الأدبية ستنفلت من السيكولوجية التي تهددها، إذ كان يعيد، لأجل وصف تلقي الأثر الأدبي والأثر الذي يبعثه، بناء أفق انتظار جمهوره الأول، أي نسق الإحالات القابلة للصياغة موضوعياً، بالنسبة لكل أثر أدبي في لحظة التاريخ، وهو النسق الذي ينتج عن ثلاثة عوامل رئيسية: الخبرة السابقة للجمهور التي يمتلكها عن الجنس الذي ينتمي إليه هذا الأثر والشكل وتيماتيقا الآثار السابقة التي تفترض معرفتها، والتعارض بين اللغة الشعرية واللغة المتداولة، أي العالم المتخيل والواقع اليومي . إن التمكن من إعادة بناء أفق انتظار أثر ما، هو أيضاً التمكن من تحديد هذا الأثر باعتباره أثراً فنياً، بالنظر إليه باعتيار طبيعة وشدة أثره على جمهور ما.
إن الطريقة التي يستجيب بها أثر أدبي ما، لحظة يظهر إلى الوجود، لتوقع جمهوره الأول أو يتخطاه أو يخيبه أو يعارضه يزودنا في الواقع بمعيار للحكم على قيمته الجمالية. إننا لا نستنفد العلاقة بين الأدب والجمهور بالقول بأن أي أثر أدبي يتمتع بجمهوره الخاص الذي يمكن أن يحدده التاريخ والسوسيولوجيا وأن كل كاتب تابع لوسط الجمهور وتصوراته وإيديولوجيته، وأن شرط النجاح الأدبي هو كتاب يعبر عما كان يتوقعه الجمهور، الذي يكشف الجمهور أمام نفسه إن سوسيولوجيا الأدب لا تعتبر موضوعها بكيفية جدلية بما فيه الكفاية حينما تقيم هذه العلاقة باتجاه أحادي بين المؤلف والأثر والجمهور.
إن ما نعثر عليه في أثر فني وما نلتمسه فيه هو بالأحرى درجة صدقيته: إلى أي حد نتعرف فيه على شيء ما، نعرف فيه أنفسنا ونتعرف فيه على أنفسنا ، ومع ذلك فإن الفن يمكنه أن ينقل معرفة إذا كان يسعى إلى استشراف تجربة آتية ويتخيل نماذج من التفكير والممارسة ليست موضع قبول بعد، أو أنه يتضمن جواباً على أسئلة جديدة.
لا تسمح جمالية التلقي بالإمساك فقط بمعنى وشكل الأثر الأدبي ومعناه كما تم فهمهما بطريقة تطورية من خلال التاريخ. إنها تتطلب إعادة إدراج الأثر الأدبي في "المتوالية الأدبية" التي يشكل جزءاً منها، وذلك بغاية التمكن من تحديد موضعه التاريخي، ودوره وأهميته في السياق العام للتجربة الأدبية.
إن نظرية المدرسة الشكلانية تزعم حل هذا المشكل بطرح مبدإ "التطور الأدبي" حيث يصبح الأثر الأدب الجديد متعارضاً مع الآثار الأخرى السابقة أو المتزامنة المتنافسة محدداً بفوزه الشكلي أثراً رفيعاً لعصر أدبي ويدفع قريباً إلى إنتاج آثار مقلِّدة منمطة قليلاً أو كثيراً
ويدفع إلى جنس يستهلك وينتهي، حينما يصعد أدب فرض نفسه، إلى أن يصبح شيئاً مبتذلاً في صيغة أدب الاستهلاك. ولو تم تطبيق هذه الخطاطة التي لم تطبق إلى الآن لأجل تحليل ووصف مرحلة أدبية ما قد نستطيع أن نحصد نتائج لم يتمكن التاريخ الأدبي التقليدي من جنيها. إنه سيسمح بإقامة علاقة بين السلاسل المختلفة عجز عن إقامته تاريخ الأدب التقليدي الذي كان يكتفي بالقران بدمجها في أحسن الأحوال، في إطار مقاربة تاريخية عامة: سلسلة آثار مؤلف ما أو مدرسة ما وتطور ظاهرة أسلوبية وسلسلات مختلف الأجناس الأدبية؛ وقد تكتشف هذه الخطاطة "علاقة التطور الجدلي بين الوظائف والأشكال ، وبعبارة أخرى فإن الدينامية الخاصة بتطور الأدب، المقصودة هنا، قد تفند مشكل معايير الانتقاء: فلا يندرج في دائرة الاعتبار إلا الأثر الذي يجدد في سلسلة الأشكال الأدبية، وليس تلك التي تقتصر على إعادة إنتاج الشكل وحسب والمقوم والجنس . إن الخاصية "التطورية" والأهمية التاريخية لظاهرة أدبية ما محددة أساساً بدرجة التجديد التي يحملها ـ وهذا يعني أن الأثر الفني يدرك بالتعارض مع آثار أخرى .
ليس التجديد مجرد مقولة استطيقية. إنه لا يستنفد بالاعتبارات من قبيل التجديد والمفاجأة والتباعد . إن التجديد يغدو أيضاً مقولة تاريخية حينما يتساءل عن العوامل التاريخية التي تجعل تجديد ظاهرة أدبية معترف لها بالتجديد، وفي أية لحظة يكون هذا التجديد قابلاً للإدراك في اللحظة التاريخية التي يبدو فيها .
إن الأثر الأدبي الجديد لا يتم إدراكه والحكم عليه بالتعارض مع خلفية آثار فنية أخرى ولكن يدرك ويقوم أيضاً على خلفية تجربة الحياة اليومية.
ان دور الأب ومساهمته في سياق الحياة الاجتماعية ينبغي التماسهما في وظيفة الادب ، وإن القطيعة بين الأدب والتاريخ وبين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية يمكن أن تُلْغَى إذا كان تاريخ الأدب غير منحصر في تكرار سريان "التاريخ العام" كما ينعكس في الآثار الأدبية، ولكنها إذا كشفت خلال مسار "التطور الأدبي" هذه الوظيفة المخصوصة للإبداع الاجتماعي التي اضطلع بها الأدب، متسابقاً مع الفنون الأخرى ومع القوى الاجتماعية الأخرى ، وهكذا فإن الأثر الأدبي يمكن أن ينشق عن توقع قرائه باستعمال شكل جمالي غير مطروق .


الباب الخامس
التاريخ الادبي
نوازع واستجابات
الحديث عن التاريخ الأدبي حديث يختلف عنه قديماً نظراً لاختلاف آلية دراسة الأدب وتطور العلوم والمعارف ، فهو فن جديد في أفكاره ولحل مشاكل التاريخ الأدبي لا بد من الاعتماد على نظرية تعدد الأنساق وعلم اجتماع الأدب والمعلومات ونظرية التواصل والسيبرنطيقا وعلم النماذج وتاريخ العلوم وتاريخ المؤسسات الأدبية...وغيرها و الانفتاح على الدعوة إلى أدبية شعرية تاريخية تقوم على إنعام النظر في التاريخ الأدبي التقليدي وتطويره ، وبسط الأسس النظرية لتجديدات التاريخ الأدبي، من خلال أعلام معاصرين كبار ، فإشكاليات وقضايا : (التاريخ الأدبي، التحقيب، العصور الأدبية، المؤسسات الأدبية، المنتخبات، البيوغرافيا، الروائع، القراءة، التصنيف، تاريخ الأفكارة للتاريخ والحركات الفكرية والأنواع الأدبية...) بقدر ما جسدت صعوبات حقيقية في وجه البحث في هذا الميدان، فإنها عكست بحق مدى طموح تغيير النظرة القديمة للتاريخ الأدبي وذلك لإثراء البُعد المعرفي والمنهاجي لمسألة التاريخ الأدبي خصوصا والتاريخ الثقافي عموما. إن هذا العمل مراجعَة فعلية لمفهوم التاريخ الأدبي، لا تخلو من بُعد نظر وقناعة راسخة بالتجديد والإضافة النوعية ضدا على الاختزالية والانحياز المجاني، وهي قناعة فضَّلت الانخراط الحُرّ والحارّ في أشد الأفكار الحداثية حيوية في هذا الباب ، لتكون مراجعة حقيقية وحَقَّة لمفهوم تاريخ الأدب في ضوء تجديدات المناهج وروافد العلوم الإنسانية وتاريخ العلوم. والأسئلة المطروحة في هذا المجال...... ما هي آليات التأريخ؟ وما مناهجه ومقاصده؟ وما إشكاليات التأريخ العام والخاص للأدب؟ وما هو المؤرخ الأدبي؟ وما التاريخ الأدبي؟ وما هي مفاهيمه وعدته النظرية والمنهاجية والمفهومية؟ وما السر في هذه المراجعات المتلاحقة والمستمرة للجهاز المفهومي والمصطلحي والمنهاجي لمبحث التاريخ الأدبي وموضوعه؟ هذه تساؤلات يأخذ بعضها برقاب بعض لتفضي جميعها إلى السؤال الإشكالي الكبير: لماذا نؤرخ للأدب؟ فالأسس المعرفية التي نهض عليها التاريخ الأدبي وهو يغازل نظرية الأدب تارة، ويحتلُّ شغاف القلب منها تارة أخرى. (بمدارسه ومناهجه ونظرياته وحقبه أو عصوره..) تعنى برصد نظري لتطبيقات المفهوم، بل تسعى باتِّزان وواقعية إلى أن تكون بحثاً عمليا وإجرائيا ومفيدا يَشِمُ إلى تقديم إطار نظري معرفي لممارسة التاريخ الأدبي وفق مرتكزات وأسس نظرية صلبة ناهضة على وعي نقدي جديد ويعد الباحث حسين الصديق من الدارسين العرب المعاصرين الذين اهتموا ببلورة صياغة جديدة لمفهوم الأدب العربي القديم , وإعادة طرح مسألة الظاهرة الأدبية عند العرب قديما وحديثا لأنه يعتقد أن مفهوم الأدب القديم يختلف عن المفهوم الذي تتبناه تلك الدراسات في تعاملها مع هذا الأدب وهذا المفهوم لا ينظر إلى الأدب إلا على أنه فعالية إبداعية تهدف إلى التعبير عن الذات ,أو عن انعكاس الموضوع في الذات انعكاسا جماليا .على حين أن مفهوم الأدب القديم يتمحور على الثقافة والتعليم." وهو بذلك يسعى إلى وضع تصور لنظرية الأدب القديم, وهي نظرية عنده تربط الأدب بالمعرفة, وتربط الاثنين بموقف الحضارة العربية الإسلامية من المفاهيم الثلاثة: الله جل جلاله, والكون, واللإنسان. ويعد كتابه الموسوم بـ :" مقدمة في نظرية الأدب العربي الإسلامي الوعاء الجمالي الذي سكب فيه أفكاره تلك, مستعملا في ذلك جملة من الآليات الفنية لتجسيد هذا المشروع الفكري, ومن ذلك : منهج التاريخ الأدبي. ويعتقد د. حسين الصديق أن التاريخ الأدبي هو الدراسة الزمنية لعدد من الظواهر الأدبية, وتكمن وظيفته في معرفة النصوص ومقارنة بعضها ببعض, لتمييز الفردي من الجماعي, والأصيل من التقليدي ,ولتصنيفها في أنواع ومدارس وحركات, ولتحديد العلاقة بين هذه النصوص وبين الحياة الثقافية والأخلاقية, والاجتماعية في المجتمع الواحد, وفي المجتمعات التي يمكن أن يؤثر أدبها في أدبه, ولن يكون ذلك إلاّ وفق منهج محدد ألا وهو منهج التاريخ الأدبي, وهو منهج في نظره يقوم على تكوين الخطة الملائمة لطبيعة الموضوع والباحث في وقت واحد. ولإنجاز هذا القصد بشكل صحيح يستوجب التزود بأدوات معرفية كثيرة, وهي نوعان :"الأول خاص بالأدب, كتحقيق المخطوطات, ومعرفة المراجع والمصادر, وتواريخ النصوص, ونقدها, وحياة مؤلفيها, ومكانتهم الاجتماعية, ولماذا كانوا يكتبون ولمن؟ بالإضافة إلى علوم تاريخ اللغة, والنحو والبلاغة. أما النوع الثاني فيتضمن علوما تتدخل في تكوين الأطر الاجتماعية للأدب كتاريخ الفلسفة والعلوم, وعلم الاجتماع والسياسة, والاقتصاد, والتحليل النفسي." ولكن هذا لن يتم إلاّ إذا استبعد الدارس الأحكام الموروثة, والآراء الانطباعية, والموازنة بين مشاعره إزاء النصوص المدروسة وبين ما قد تحدثه تلك النصوص من آثار في الآخرين. ويرى الباحث أن تطبيق منهج التاريخ الأدبي حتما يمر بمرحلتي1/معرفة النص أو النصوص موضوع البحث, وهذا يعني تحديد إطار البحث وموضوعه, بالإضافة إلى انتقاء العلوم المساعدة والمناسبة./2طرح عدد من الأسئلة, تكون إجاباتها أسس الدراسة, ومن هذه الأسئلة:
أ ـ هل نسبة النص صحيحة؟ وإذا لم تكن كذلك, فهل النص منسوب خطأ إلى غير صاحبه, أم أنه نص منتحل بكامله؟
ب ـ هل النص نقي كامل, خال من التغيير أو التشويه أو النقص؟.
ج ـ ما هو تاريخ النص؟ تاريخ تأليفه لا تاريخ نشره فحسب, تاريخ أجزائه لا تاريخه جملة فحسب.
د ـ تحديد المعنى الحرفي للنص, معنى الألفاظ والتراكيب, ويستعان في ذلك بتاريخ اللغة, وبالنحو, وبعلم التراكيب التاريخي, ثم نبحث عن معنى الجمل بإيضاح العلاقات الغامضة, والإشارات التاريخية أو الإشارات التي تتعلق بحياة الكاتب نفسه.
هـ ـ توضيح المعنى الأدبي للنص, أي تحديد ما فيه من قيم عقلية وعاطفية وفنية, وتمييز استعمال الكاتب الشخصي للغة من الاستعمال السائد بين معاصريه, والحالات النفسية التي ينفرد بها من الصيغ العامة للإحساس والتفكير, كما يُستخلص ما يرقد تحت التعبير العام المنطقي من أفكار وصور وآراء أخلاقية واجتماعية وفلسفية ودينية.
وـ كيف تكوّن العمل الأدبي؟ ولأيّ نوع من الأمزجة استجاب؟ ولأي نوع من الملابسات خضع في إبداعه؟ ويعتقد د. حسين الصديق أن حياة المؤلف هي التي تنبئنا عن ذلك.
زـ أيّ نجاح لاقى المؤلف وعمله في أيامه؟ وأي تأثير كان له معاصريه؟ ولكن التأثير لا يتفق دائما مع النجاح. وإلى غير ذلك من الأسئلة الهامّة التي تنتهي بهذا المنهج إلى تحديد الظروف التي أدت بهذا النص, أو ذاك إلى الانتقال من نظام إلى آخر, وكأنّه بذلك يجيب عن سؤال مهمّ, ألا وهو ما الذي تغيّر داخل الخطاب الأدبي بتغيّر الزّمكان. ولا يقصي الباحث من هذا التصور المعرفي لهذا المنهج, البعد الهام الذي يشكله المتلقي في تقويم المستوى الأدبي وفي ذلك يقول:" إن تاريخية النص الأدبي لن تكون كاملة ومستوعبة إذا أهملنا البعد الهام الذي يشكله المتلقي. إن تدخل المتلقي في تقويم المستوى الأدبي هو الذي يُدخل العمل الأدبي في النشاط المستمر للحركة الأدبية. فالتاريخية الأدبية تقيم بين العمل الأدبي والجمهور علاقة تبادل وتأثير مستمرين. وإذا اعتبرنا تاريخ الأدب من خلال هذا المنظور من التتابع, الذي يخلق الحوار بين العمل والجمهور, فإننا نتجاوز هذا التمييز بين الجانب التاريخي والجمالي, وسنتمكن من إعادة الصلة المقطوعة تاريخيا بين الأعمال القديمة والتجربة الأدبية المعاصرة." ويلاحظ د. حسين الصديق أن " أبرز صعوبات المنهج في التاريخ الأدبي هي أنه يستحيل علينا أن نُنحّي طريقة استجابتنا الشخصية, كما أنّنا لا نستطيع الاحتفاظ بها. فالخصائص الحسية والفنية التي تميز الأعمال الأدبية هي مجال عملنا, ونحن لا نتمكن من دراستها من غير أن ننفعل معها شعوريا وفكريا. ولذلك فإن محو العنصر الذاتي محوا تاما أمر غير مرغوب فيه, إلا أن ما هو هام في هذه القضية هو أن لا يتخذ المؤرخ الأدبي من نفسه محورا, وأن لا يجعل لمشاعره الخاصة قيمة مطلقة" وموضوع تاريخ الأدب موضوع يمتد خارج ذاته وواقعه. ولذلك كان يتحدد دائما بالنظر إلى ممارسات أدبية أو فكرية أخرى فهو يستمد موضوعه من خارج موضوعه”، فقد يكون هو النقد، وقد يكون علم الاجتماع وقد يكون التاريخ أو تاريخ حيوات الأشخاص.. ولكي يتسنى لتاريخ الأدب أن يستوعب المجهودات النظرية التي ركزت على النصوص الأدبية-علم الأدب أو علم النصوص- والدراسات البنيوية التي قالت بلا زمنية النصوص، والدراسات الاجتماعية للأدب التي قامت على العلاقة بين الأدب والتاريخ والمجتمع، فقد ظهرت نظرية الأنساق وتعدد الأنساق التي ستدمج تاريخ الأدب في إطار النسق الاجتماعي العام. ونظرية التلقي التي اعترفت بتاريخية التلقي والوقائع ، وتاريخ الأدب من منظور الشكلانية وجمالية التلقي يطرح مجموعة من الأسئلة منها : ما الذي يمكن أن يجمع بين دراسات ظهرت في أنساق ثقافية ومراحل متمايزة؟ بل ما الذي يمكن أن يكون مبررا لتناولها اليوم؟ أما ما يمكن أن يجمع بين هذه الدراسات فهاجس تاريخ الأدب ... أفول عقد الستينات، تكمن بالذات في قوتها النظرية وصبغتها التأسيسية التجديدية لمسار مبحث تاريخ الأدب : إنها دراسات رائدة فسحت مجالا للتأمل والمساءلة. ثم لا ضير إن كان الهدف أيضا هو الوقوف عند تاريخية هذه الأعمال ذاتها : يبدو أن التاريخ قدر يطال الجميع . ويتعلق الأمر إذن برصد نقد منهج تاريخ الأدب واقتراح بدائل عند دارسين تركوا بصماتهم على الدراسات الأدبية فأسهموا في جعل هذا المبحث متجددا باستمرار بشكل أضحى فيه المفهوم نفسه منفتحا على صيرورة من البناء وإعادة البناء بل أصبحت فيه الطروحات ذاتها يتجاوز بعضها البعض وهكذا أصبح تاريخ الادب تعاقبا للأنساق والوظائف . إن التاريخ الادبي تتنازعه المقاربة السيكولوجية الفردانية التي تستبدل الظواهر الأدبية بالتطور الأدبي، والمقاربة السببية ضيقة الأفق التي تعزل الصيرورة الأدبية بناء على موقع الباحث الملاحظ ، وفضلا عن هذا فإن نظرية القيم في العلم الأدبي قد اهتمت بالظواهر الأدبية الأساسية لكن في انعزالها وتفردها ، وعلى التاريخ الأدبي أن يستجيب لكل مقتضيات الأصالة إذا أراد أن يصبح علما؛ وهكذا يجب فحص كل المفاهيم من جديد خصوصا مفهوم التاريخ الأدبي الذي يبدو مفهوما ملتبسا، لأنه يقدم نفسه (أو يقدم) بوصفه قابلا للدخول ضمن دائرة ''التاريخ الثقافي'' والواقع أن وجهة النظر المتبناة هي التي تحدد نمط الدراسة التاريخية التي تتمفصل إلى اتجاهين رئيسيين هما : دراسة تكون وتشكل الظواهر الأدبية، ثم دراسة التطور الأدبي . إن دراسة التطور الأدبي عليها أن تقطع صلاتها مع نظريات التخمين الساذجة الناتجة عن غموض في وجهات النظر؛ ذلك أنها تأخذ المعايير الخاصة بنسق ما (على فرض أن كل عصر له نسقه الخاص) لتقيس وتحاكم بها ظواهر نسق آخر مختلف. وبالمقابل يجب النظر إلى ''قيمة'' أية ظاهرة أدبية باعتبارها ''دلالة وميزة تطورية''. كما يجب إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم التي تفترض حكم القيمة من قبيل ''أدب الجماهير'' و ''التقليد''، هذا الأخير الذي لا يؤدي إلا إلى تصور حلقات وهمية لا تقدم سوى مظهر بعيد عن أن يكون الجوهر .......وهكذا، ومن أجل حل هذا المشكل، يجب الاعتراف بأن العمل الأدبي يحتوي على نسق ، كما أن الأدب بدوره يتضمن نسقا. وبهذا الإجراء والاعتقاد لا يتم إبعاد قضية دور السلسلات غير الأدبية (الأحداث الاجتماعية والسياسية والتحولات الحضارية) في التطور الأدبي، بل على النقيض من ذلك يتم طرحها بشكل حقيقي. و أنه من الممكن عزل العناصر الشكلية للعمل الأدبي تجريديا على الأقل، وأن الوظيفة التي يمكن أن يقوم بها عنصر ما يمكن أن تكون وظيفة مستقلة إذا كانت تتعلق بعلاقة مع عناصر من نسقه نفسه، كما يمكن أن تكون وظيفة ترادف وتشابه إذا تعلق الأمر مع عناصر من نسق آخر. علاوة على أن وظيفة العنصر لا تكون دائما واحدة، وهكذا يكون من الخطأ استخلاص عناصر معينة من نسق خاص وربطها بالسلسلات المشابهة لنسق آخر، دون الأخذ بعين الاعتبار وظيفتها البنيوية، ومن جهة أخرى فإن وجود واقعة أدبية بوصفها كذلك يتوقف على سمتها الخلافية، أي على ارتباطها سواء مع السلسلة الأدبية أو خارج الأدبية، أي، بصيغة أخرى، يتوقف على وظيفتها ،و المشكل الأكثر صعوبة في دراسة التطور الأدبي، الذي لم ينل حظا وافرا من الدراسة، يتعلق بالأجناس الأدبية. وهكذا فإن الرواية -مثلا- تبدو كما لو أنها جنس أدبي منسجم ومتطور بطريقة مستقلة عبر قرون. والواقع أنها جنس متغير باستمرار، تماما . وهكذا فإن دراسة الأجناس مستحيلة خارج النسق الذي تدخل فيه ومعه في علاقة ارتباط متبادلة ، بيد أن القول بارتباط الظواهر الأدبية لا يسلم من سوء الفهم : إذ من المعتقد ان العمل الأدبي يأخذ وظيفة خاصة انطلاقا من نسق أدبي سكوني. كمالا يحس بالحرج أولئك الذين يقولون إن النسق السكوني جزء من تطور أبدي، والواقع أن نسق السلسلة الأدبية هو قبل كل شيء نسق وظائف السلسلة ذاتها ، وإن التطور الأدبي تماما كتطور السلسلات الثقافية الأخرى، لا يتطابق لا في إيقاعه ولا في طبيعته (نظرا لنوعية المادة التي يستعملها) مع السلسلات المترابطة معه. إن تطور الوظيفة البنيوية يطال بسرعة الوظيفة الأدبية التي تظهر من عصر إلى آخر، كما يطال وظائف كل السلسلة الأدبية، في مقابل السلسلات الأخرى التي تتطلب قرونا (كي تتطور) ،وتطرح قضية أخرى في ما يتعلق بارتباط العمل الأدبي بسلسلة أدبية ما، ذلك أن هذا يساعد على الوقوف على الفارق والمسافة التي تكون بين هذا العمل وبين هذه السلسة/الجنس الذي ينتمي إليه. وبقدر ما يكون هذا الفارق واضحا، بقدر ما يتضح كذلك النسق الذي يتم الابتعاد عنه. ومن جهة أخرى (ومن المنظور العلائقي دائما) فإن الحياة الاجتماعية تدخل في علاقة ترابط مع الأدب انطلاقا من المظهر الشفهي قبل كل شيء . ذلك أن الأدب له وظيفة شفهية مقارنة مع الحياة الاجتماعية. هذه الوظيفة التي توجهها السلسلة الأدبية (الجنس الأدبي) أو النسق الأدبي ، وليس العمل الأدبي المنفرد والمعزول . ويبدو أن مؤرخو الادب لايرتاحون كثيرا للدراسات التي تهتم بالمعطيات خارج نصية. ذلك أن الدراسة المباشرة لسيكولوجية/نفسية المؤلف وإقامة سببية بين وسطه وحياته وطبقته الاجتماعية من جهة وبين أعماله من جهة أخرى هي بوجه خاص منهج غير فعال. ولهذا تعتبر دراسة مشكل ''التأثير'' من بين المشاكل المعقدة . ذلك أنه توجد تأثيرات عميقة سواء منها الشخصية أو النفسية أو الاجتماعية، لكنها لا تمتد إلى الأدب. كما توجد أيضا تأثيرات تغير الأعمال الأدبية دون أن تكون لها مع ذلك دلالة تطورية. لكن الحالة الأكثر وضوحا هي تلك التي تبدو فيها المؤشرات الخارجية مؤثرة، لكنه في الواقع لا يحدث شيء من ذلك. وهكذا فإن التطور يعتبر تغيرا في العلاقة بين عناصر النسق أي تغيرا في وظائف العناصر الشكلية، إن التطور بهذا المعنى هو تغير الأنساق. وإن دراسة التطور الأدبي ليس ممكنا إلا حينما نعتبره سلسلة ونسقا مرتبطا مع السلسلات أو الأنساق الأخرى ومشروطا بها. إن البحث يجب أن ينطلق من الوظيفة البنيوية في اتجاه الوظيفة الأدبية. ومن الوظيفة الأدبية في اتجاه الوظيفة الشفهية. كما أن عليه أن يضيء التفاعل ذا الطبيعة التطورية للوظائف والأشكال، إن الدراسة التطورية عليها أن تسير في السلسلة الأدبية في اتجاه السلسلات المترابطة والمجاورة، وليس إلى السلسلات البعيدة جدا على الرغم من كونها أساسية. إن دراسة التطور الأدبي لا تهمل الدلالة المهيمنة للعوامل الاجتماعية الأساسية، لكن على النقيض لن تضاء هذه الدلالة في كليتها إلا ضمن هذا الإطار. فالاعتماد المباشر على تأثير العوامل الاجتماعية يجعل بين دراسة تغيرات الأعمال الأدبية ودراسة التطور الأدبي رابطا قويا ، وعلى أية حال، ان دراسة قضية الأدب باعتباره سلسلة ونسقا تحتاج إلى مجهودات وأبحاث مستفيضة. ان تاريخ الادب سلسلة من التطورات البنيوية والوظيفية التي تلحق الأدب في ذاته قبل كل شيء حينما نتحدث عن التقليد أو التعاقب الأدبي، إن كل تعاقب أدبي هو قبل كل شيء، معركة، معركة تحطيم كل موجود سلفا وإقامة بناء جديد انطلاقا من عناصر قديمة. وهكذا فإن الشكل الجديد لا يظهر لكي يعبر عن مضمون جديد، ولكن ليحل محل الشكل القديم . وإذا كان هذا الطرح ثورة على التصورات الأكاديمية المألوفة آنئذ، فإنه كما لا يخفى يضمر تصورا جديدا للمؤسسة الأدبية التي تتشكل من أنساق ووظائف تؤثث النصوص الأدبية بوصفها كذلك. بيد أن هذا الطرح يشكل في الحقيقة بداية نهاية التصور الذرائعي النفعي للأدب والنقد معا. إن تاريخ الأدب بصيغته الراهنة قد وقع في مأزق. إذ لم يعد يتمتع بالحظوة نفسها التي كان يتمتع بها من قبل ذلك لأن الطريق الذي سلكه هذا المبحث منذ قرن ونصف هو طريق شائك . ان الأدب والفن لا ينتظمان تحت لواء تاريخ منسجم إلا إذا تم التخلي عن المصادرة بارتباط الأعمال الأدبية والفنية بالمبدعين والمنتجين فقط. وذلك بإشراك المستهلكين والمتلقين انطلاقا من علاقة التفاعل بين المؤلف والجمهور ......بهذا الاعتبار إذا :فإن حياة العمل الأدبي في التاريخ لا يمكن إدراكها بمعزل عن المشاركة الفعالة لأولئك الذين وجه إليهم هذا العمل. و الحديث عن التاريخ الادبي صعب -كما يفعل الوضعيون- باعتباره وصفا ''موضوعيا'' لتعاقب الأحداث المرتبطة بالادب. ذلك أن هذا الاعتماد لا يعمل على الوصول إلى النوعية التاريخية والطبيعية الجمالية للأدب. إن العمل الأدبي ليس موضوعا موجودا في ذاته، ولا يقدم في كل مرة المظهر ذاته لجميع الدارسين إنه من أجل تجديد التاريخ الأدبي، من الضروري تنمية الأحكام المسبقة للموضوعاتية التاريخية وتأسيس الجمالية التقليدية للإنتاج والعرض على جمالية للوقع المنتج والتلقي. إن تاريخية الأدب لا تتمثل في علاقة الانسجام التي تقام لاحقا بين ''الوقائع الأدبية''، لكنها تنهض على التجربة التي يأخذها القراء من الأعمال الأدبية. هذه العلاقة الجدلية تعتبر المعطى الأول للتاريخ الأدبي، ذلك أن مؤرخ الأدب بدوره عليه أن يكون قارئا قبل أن يتمكن من فهم العمل وتحديده، أي عليه أن يؤسس حكمه الخاص انطلاقا من إدراكه لموقعه ضمن السلسلة التاريخية للقراء المتعاقبين . هذا التاريخ للتلقيات المتعاقبة الذي لا يمكن لمؤرخ الأدب أن ينجح في إقامته إلا حين يتخلص من أحكامه المسبقة التي ينهض عليها فهمه وحكمه على الأعمال الأدبية، يسمح لنا بإقامة جسر بين الأعمال الأدبية الماضية والراهنة، وبين القيم المترسخة بالتقليد وتجربتنا الأدبية الحالية. وبتركيز فإن تاريخا أدبيا مؤسسا على جمالية التلقي سيفرض في الوقت الذي يستطيع فيه أن يؤدي بصورة إيجابية إلى التجميع المستمر للماضي بواسطة التجربة الجمالية . وهكذ يكون التاريخ التقليدي للأدب تنظيما لماض، وهو بذلك يبدو شبه تاريخ ( ، وليس تاريخا يمكن الاعتداد به. وهناك فارق بين الواقعة الأدبية والواقعة السياسية، فعلى النقيض من الواقعة السياسية لا تستوجب الواقعة الأدبية نتائج حتمية . إن الأدب بما هو استمرارية من الوقائع المنسجمة لا يتأسس إلا في الوقت الذي يصبح فيه موضوع التجربة الأدبية للمعاصرين والأجيال القادمة من القراء والنقاد والمؤلفين انطلاقا من أفق انتظارهم الخاص. إنه لا يمكن إذا فهم وكتابة تاريخ الأدب في طبيعته النوع.. فالعمل الأدبي عقب ظهوره لا يقدم نفسه باعتباره جديدا جدة مطلقة وآتيا من فراغ. فعبر مجموعة من المؤشرات والخصائص والإحالات يتهيأ الجمهور المتلقي لنمط خاص من التلقي والقراءة . إلا أن هذا الأفق يتغير باستمرار، ويجب أخذ هذا التغير بعين الاعتبار، وذلك لجعل الوقع الذي يحدثه العمل الأدبي أساسا لتاريخ أدبي للقراء . ولكي يتم تقديم تاريخ الأدب بوصفه ''تطورا أدبيا'' وكذلك لكي يتم إدراك التعارضات الشكلية أو '' السمات الخلافية'' في صيرورتها التاريخية ، فإنه لا بد لجدل الإنتاج والتلقي الجماليين من الاستمرار في تعاقب زمني حتى يصل إلى اللحظة التي يكتب فيها المؤرخ هذا التاريخ ؛ و النظر إلى تاريخية الأدب ينطلق من المنظور التعاقبي، أي النظر إلى تلقي الأعمال الأدبية عبر الزمن.والمنظور السكوني، ويتم التركيز ضمنه على نسق الأدب في فترة زمنية محددة.و منظور تتقصى العلاقة بين التطور الذاتي للأدب وتطور التاريخ العام . فإن جمالية التلقي لا تسمح فقط بفهم معنى العمل الأدبي وشكله بالطريقة التي فهما به بصفة تطورية؛ إنها تسمح أيضا برد كل عمل أدبي إلى '' السلسلة الأدبية'' التي صدر عنها، وذلك قصد تحديد وضعيته التاريخية ودوره وأهميته ضمن السياق العام للتجربة الأدبية. وإنه بالمرور من تاريخ تلقي الأعمال الأدبية إلى التاريخ الوقائعي للأدب، نكتشف هذا الأخير باعتباره مسلسلا يفتح فيه التلقي السبيل للقارئ والناقد على التلقي الإيجابي للمؤلف وعلى إنتاج جديد. وبتعبير آخر باعتباره مسلسلا يستطيع فيه العمل (الأدبي) حل الإشكالات الأخلاقية والشكلية التي تركها العمل السابق دون حل] ويطرح بدوره إشكالات جديدة . وهنا تطرح مقولة ''الجدة'' التي ليست مجرد مقولة جمالية ، بل هي أيضا مقولة تاريخية. وتبرز بوصفها كذلك حينما يسعى التحليل التعاقبي للأدب إلى البحث عن العوامل التاريخية التي تقف وراء جدة ظاهرة أدبية ما، وكذلك عن المقياس الذي يؤدي إلى إدراك هذه الجدة في الزمن الذي ظهرت فيه، وعن التراجع والتقدم والانعطاف للفهم الذي لحق تمثل واستيعاب هذه الجدة، ثم أخيرا عن مدى ممارسة هذه الجدة لوقع قوى لتغيير المنظورات التي يتم تكوينها عن الأعمال الأدبية اللاحقة، ومن ثم القيم الخاصة للماضي الأدبي ، أما المنظور السكوني، فيلحظ أن النتائج التي يتم التوصل إليها بفضل التنظيم المنهجي للتحليلين السكوني والتعاقبي تدفع إلى تجاوز الدراسة التعاقبية السطحية في ميدان التاريخ الأدبي، والتي لا زالت تمارس إلى الان. وبالتركيز على التغيرات التي تلخق التجربة الجمالية يفهم الترابط البنيوي الوثيق بين استيعاب الأعمال الأدبية الجديدة وتلك القديمة جدا. وفضلا عن هذا يجب دراسة مظاهر التطور الأدبي لاستكناه تجانس الأعمال المتزامنة واكتشاف النسق الكلي والشامل لأدب فترة من التاريخ. وبهذا يمكن الوصول إلى صياغة منهج جديد للتاريخ الأدبي، وذلك بتأمل ودراسة مقاطع سكونية متعددة، من أجل الانتهاء في الأخير إلى رصد التمفصلات والتحولات التاريخية من عصر أدبي إلى آخر ، فتاريخية الأدب تظهر أساسا في التقاطع بين السكوني والتطوري. ولا غرو فالأدب نفسه يستدعي هذه الثنائية؛ فهو من جهة يتضمن نسقا من العناصر الثابتة نسبيا كالأجناس وطرائق التعبير والأساليب ... وكل هذه العناصر تدخل في علاقات تقابل مع العناصر الأكثر تغيرا كالموضوعات الأدبية والرموز والاستعارات . إن منهج تاريخ الأدب حينما يسير في هذا المنحى، وهو يريد دراسة التطور الأدبي، فليس من الضروري أن يتتبع تعاقب شبكة الوقائع الأدبية وما يتفرع عنها، بل قد يكتفي فقط برصد كيفية تغير النسق السكوني لأدب ما. وبصيغة أخرى، فإنه يمكن تقديم الأدب كتعاقب أنساق معينة في التاريخ، وذلك بتنظيم الدراسة السكونية والتعاقبية. بيد أن البعد التاريخي للأدب لن يدرك جيدا إلا إذا اكتشف المؤرخ نقط الانفصال والاتصال بين الأعمال الأدبية التي تسمح بمفصلة مسلسل ''التطور الأدبي'' بطريقة ملائمة، وبتمييز لحظاته القوية وتوقعاته الحاسمة، إلا أن هذه المفصلة للتاريخ الأدبي لن يتم ضبطها بالإحصاء ولا بالذاتية العشوائية للمؤرخ، بل الأساس هنا هو الوقع التاريخي للأعمال الأدبية وتاريخ تلقيها. وهذا ما سيشكل في نظر الباحث الملاحظ المعاصر الاستمرارية العضوية التي ينتج عنها مظهر الأدب الراهن ؛أما علاقة التاريخ الأدبي بالتاريخ العام...... إن التاريخ الأدبي لن يستكمل مهمته إلا حينما يتم عرض الإنتاج الأدبي ليس فقط بطريقة سكونية أو تعاقبية انطلاقا من استمرار الأنساق التي تشكل هذا الإنتاج، لكن أيضا إذا تم النظر إليه (أي الإنتاج) بوصفه تاريخا متميزا في علاقته النوعية مع التاريخ العام. هذه العلاقة لا تنحصر فقط في إمكانية اكتشاف في أدب كل العصور صورة نموذجية ومؤمثلة، ساقطة أو طوباوية للوجود الإجتماعي. إن الوظيفة الاجتماعة للأدب لا تتجلى في اتساع مدى إمكانياته المتحققة إلا حينما تدخل التجربة الأدبية للقارئ أفق انتظار حياته اليومية وتوجه أو تغير رؤيته للعالم، وبالتالي تؤثر على سلوكه الاجتماعي . وهكذا فان القطيعة التي توجد بين الأدب والتاريخ من جهة، وبين المعرفة الجمالية والمعرفية التاريخية من جهة أخرى، يمكن أن تنتفي إذا توقف تاريخ الأدب عن تكرار مسار التاريخ العام بالطريقة التي ينعكس بها في الأعمال الأدبية. ولقد رصد مؤرخو الادب مهمة جديدة للتاريخ الأدبي ولمؤرخ الأدب، هذا الأخير الذي عليه أن يكف عن التهرب من التاريخ وأسئلته العميقة والصعبة التي تواجه دائما الدراسة التاريخية للأدب . ولقد انبرى الدارسون والمؤرخون بالفعل للتأمل من جديد في الإشكالات المعقدة التي يطرحها البعد التاريخي للأدب باستمرار ، في محاولة للرد على تحدي التاريخ والأدب معا.ويعني تاريخ الأدب بالتأريخ للأدب ،ونشأته، وتطوره، وأهم أعلامه من الشعراء، والادباء ؛ ويبدو أن شساعة موضوع وتنوع إشكاليات وقضاياالتاريخ الأدبي، والتحقيب، والعصور الأدبية، والمؤسسات الأدبية، والمنتخبات، و البيوغرافيا، والروائع، و القراءة، والتصنيف، وتاريخ الأفكار والحركات الفكرية والأنواع الأدبية جسدت صعوبات حقيقية في وجه الباحث في هذا الميدان، وعكست بحق مدى طموح المناولة وجرأتها. الشيء الذي لن يتيسر إلا لمن له بَسطة في العلم، وأناة في التأمل للبُعد المعرفي والمنهاجي لمسألة التاريخ الأدبي خصوصا والتاريخ الثقافي عموما. ....ولا بد من طرح أسئلة شائكة من قبيل: ما هي آليات التأريخ؟ وما مناهجه ومقاصده؟ وما إشكاليات التأريخ العام والخاص للأدب؟ وما هو المؤرخ الأدبي؟ وما التاريخ الأدبي؟ وما هي مفاهيمه وعدته النظرية والمنهاجية والمفهومية؟ وما السر في هذه المراجعات المتلاحقة والمستمرة للجهاز المفهومي والمصطلحي والمنهاجي لمبحث التاريخ الأدبي وموضوعه؟ هذه تساؤلات يأخذ بعضها برقاب بعض لتفضي جميعها إلى السؤال الإشكالي الكبير: لماذا نؤرخ للأدب؟ إن الباحث، وهو يعيد بجرأة وثبات، طرح هذه الأسئلة الحَرِجة، لم يكن يستهدف تقديم إجابات جامعة مانعة، لأن حِنكَته العلمية علَّمته نسبية المعرفة، فقدم إجابات نسبية عن أهم إشكالات تاريخ الأدب (وبالتالي تاريخ الثقافة) في صياغة محكمة وجديدة تفتح بمراجعاتها التحديثية كُوَّة تضيء المسلك الجديد لمؤرخ الأدب والثقافة على حد سواء. ان الحديث عن تاريخ الادب مراجعة جذرية للأسس المعرفية التي نهض عليها التاريخ الأدبي ومغازلة لنظرية الأدب و رصد تاريخي لمفهوم التاريخ الأدبي (بمدارسه ومناهجه ونظرياته وحقبه أو عصوره....) وذلك لتقديم إطار نظري معرفي لممارسة التاريخ الأدبي وفق مرتكزات وأسس نظرية صلبة ناهضة على وعي نقدي جديد لا يهادن الجاهز ولا يستسلم لإغراءات التجميع والإركام. لعلها بداية فك الطوق عما يمكن أن ننعته بأزمة التاريخ الأدبي وهشاشة وضعه الحال


الباب السادس
أراء كتاب تواريخ الادب بتاريخ الادب
- الرافعي والتاريخ الادب1-
أول ما يتميز به منهج الرافعي في كتابه هذا أنه خالف القوم في طريقته؛ فلم يقسّم الأدب إلى عصور كالعصر الجاهلي، والإسلامي، والأموي، والعباسي... إلخ، كما في كتب الأدب. ويشرح سبب مخالفته قائلا وأول من ابتدع هذا التقسيم المستشرقون من علماء أوروبا قياساً على أوضاع آدابهم ... بيد أن تلك العصور إذا صلحت أن تكون أجزاءً للحضارة العربية التي هي مجموعة الصور الزمنية لضروب الاجتماع وأشكاله، فلا تصلح أن تكون أبواباً لتأريخ آداب اللغة العربية التي بلغت بالقرآن الكريم مبلغ الإعجاز على الدهر... ثمَّ إنَّ التأريخ ليس فناً من الفنون العملية التي يحذو فيها الناس بعضهم حذو بعض ... وتتساوق فيها الأمم على وضع واحد؛ فتأريخ الآداب في كل أمة ينبغي أن يكون مفصلاً على حوادثها الأدبية لأنها مفاصل عصوره المعنوية... وهذا التأريخ فضلاً عن تداخل أدواره بعضها في بعض حتى لا حدّ بينها ولا يتعين لأحدها مفصل يبتدئ به أو ينتهي إليه ؛ و قد ذم الرافعي رحمه الله الكتاب الذين نهجوا منهج الغرب والمستشرقين في تقسيم الأدب إلى عصور، ولكل عصر له ميزاته ولغته، فيقول:إن تعاقب ثلاثة عشر قرناً من تأريخ الأدب الإسلامي لم ينشئ لغة أوضح مما نطقت به العرب قبل ذلك، ولا جاء الشعر يباين أشعارها في الجملة، ولا جعل لأدبائنا مذاهب متميزة في تكوين الدين والسياسة والعلم. فقد عرض الفروق بين لغتنا وآدابنا وبين آداب العالم إذ إن التأريخ مجموعة حوادث ولكل قوم حوادثه، وأن لغتنا وشعرنا لم يتغيرا خلال هذه القرون. فلم نفصله إلى فترات! وكأن كل فترة مفصولة عن الأخرى، ثم توصم كل فترة بطباع حُكامها. وأما أسلوبه فلم يبالغ في تهذيب العبارة، ولا تنقيح الألفاظ، لأن همه المادة العلمية، ولم يكثر من الأمثلة أو النماذج الشعرية كما في كتب الادب رغبة منه عن حشو الكتاب بما لا فائدة فيه . فلم يرد المؤلف أن يعذب القارئ بكثرة النصوص ولا أن يكبر حجم كتابه، فنعم ما صنع. أما أبوابه فقد قسم كل جزءٍ من كتابه الى ابواب ويرصد الرافعي في كتابه التاريخ الحضاري والتاريخ السياسي والعسكري، وتاريخ الأفكار دون التعريج على المذاهب، والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وقد اهتم الرافعي بالتاريخ من جوانب عدة على رأسها: إعادة صياغة الوقائع بطريقة بيانية تربوية، تترك تأثيرها في القلب والعقل معا، وثانيها: الدفاع عن التراث العربي الأصيل، الذي تقوم عليه النهضة الإسلامية، وثالثها: رصد النهضة العلمية في التاريخ الإسلامي، بدءا من زمن بني أمية، ومرورا بعصور التاريخ الإسلامي التالية، ورابعها: معالجة القصص القرآني، ولئن جاءنا اليوم من يقول لنا: “إن الرافعي في كتابه “تاريخ آداب العرب” قد خرج عن حدود هذا التاريخ إلى بحوث أخرى، ثم يقرنه بباحث أتى بعده بستين عاما فإن ردنا عليه أن هذا هو غبن جائر متعمد مقصود، لأن المسألة بهذا الفارق الزمني، من الوضوح بحيث لا تحتمل اللجاج. على أن بعض الذين يضيقون بالكتاب الآن، إنما يضيقون به لأسلوبه البياني، فالرافعي في كتابته جاحظي في أسلوبه، يهتم بالديباجة العربية، اهتماما يرتفع بقارئه، ولا يحاول أن يهبط إلى مستوى الأسلوب الصحافي العام2
- راي احمد حسن الزيات يالتاريخ الأدبي

ان كتاب الأستاذ أحمد حسن الزيات يناقش تاريخ الأدب على مر خمسة عصور ذكرها بالتفصيل، وهي العصر الجاهلي من منتصف القرن الخامس للميلاد، وينتهي بظهور الاسلام سنة 622، بعدها عصر صدر الاسلام والدولة الأموية ومن ثم العصر العباسي ومبدؤه بقيام دولتهم ومنتهاه سقوط بغداد على أيدي التتار سنة 656هـ، ثم العصر التركي وينتهي عند النهضة الحديثة سنة 1220هـ، وأخيرا العصر الحديث ويبتدئ باستيلاء محمد علي على مصر. نلاحظ من هذا التسلسل استخدام المؤلف المنهج التاريخي ووفاءه له، وعموما هذا الكتاب كانت البداية حيث أنه كتب منذ ما يقارب الخمسين سنة، وطبيعة العصر والمجتمع تفرض هذا المنهج «المنهج التاريخي».
وما يستوقفنا أيضا تقسيم الشعراء الجاهليين الى طبقات وتقسيمهم على حسب الزمن والاجادة، وجعل على رأسهم أمرؤ القيس كما اهتم بنشأتهم وحياتهم ومميزاتهم، ومن ثم تحليل موجز لمعلقاتهم ونماذج من شعرهم، ونلحظ الاهتمام بالجوانب الأخرى من حياة الشاعر، أما شعره فكان الاهتمام به اهتماما موجزا اي أنه اهتم بالشاعر بدل الاهتمام بالنص الأدبي. أما العصر الاسلامي والدولة الأموية فأيضا قسم بها الشعراء الى طبقات الشعراء المخضرمين ثم الاسلاميين ورتبها ثم ذكر نشأتهم وحياتهم ثم نموذجا من شعرهم، نرى أن الاهتمام بالشاعر قد طغى على الاهتمام بالنص، وعندما نصل الى العصر العباسي نجده قسم الشعراء الى «مولدون» ثم الشعر والشعراء في الشام ثم في الأندلس كما نجد أنه وضع تقسيم الشعراء على أساس تاريخي تسلسلي, فالكاتب مهتم بالناحية التاريخية والمنهج التاريخي فالزيات وفي حق الوفاء للمنهج التاريخي.
وما جرى منذ البداية يوضح ذلك, من استخدامه للوصف التاريخي لحياة الشاعر وعن معلومات تتعلق بحياته وعن أغراضه الشعرية، ثم يعرض لنماذج شعر كل شاعر، ونجد أن عنايته بالنص الأدبي كانت عناية قليلة من حيث تحليل النص الأدبي, وتحليل بناه الداخلية والخارجية. ومما لا شك به أن المنهج التاريخي كان بداية حتمية لابد منه من حيث التطور الأدبي للوصول الى مناهج أخرى بعد ذلك ثم وصولا الى البنيوية التحليلية للنص الأدبي... كما نجد أن المنهج التاريخي جعل النص الأدبي شاهدا تاريخيا على صحة وسلامة العصر، ولم يدرس الأدب نفسه، أما ميزة هذا المنهج هو أنه ربط بين الأدب والحياة مما جعل النص وثيقة تاريخية تؤرخ حياة الشاعر وبيئته، ونماذج من شعره. ورغم الانتقادات التي وجهت للمنهج التاريخي في عصرنا لا نستطيع الاستغناء عنه في دراسة البحث. ولكن لا ننسى أن البحث هو الذي يحدد المنهج الذي يدرسه. ومن الملاحظ أن المؤلف حاله كحال العرب القدامى كانت مناهجهم تعتمد على الشرح أو الطبقات. ومن الضروري ألا يكتفي المؤلف في دراسة الشعراء بعرض لتاريخهم وحياتهم، والاستشهاد ببعض الأبيات من شعرهم، دون النظر في هذا الشعر ومحاولة تقييمه وتحليله ومن ثم نقده وفق منهج محدد في نقد الشعر.
3-رأي
شوقي ضيف
في دراسة الأدب العربي
الخطوط المائزة لمنهج شوقي ضيف في دراسة الأدب العربي، من خلال استقراء مؤلفاته في ذلك الغرض، وذلك ابتداء من توجهه لتأريخ الأدب العربي ضمن سلسلته الممتدة في عشرة أجزاء، مرورًا بدراستيه حول الفن الشعري والنثري، وختامًا بدراساته عن الأدباء والقضايا الأدبية ضمن مؤلفات خاصة. لقد تصدى شوقي ضيف في العديد من مؤلفاته لدراسة الأدب العربي، من جوانب عديدة،أظهرها التأريخ للأدب العربي، ضمن سلسلة تاريخ الأدب العربي، بعدما رأى أن جهود المحدثين من عرب ومستشرقين لم تبسط الحديث في الأدب والأدباء العرب على مر التاريخ بسطًا مفصلًا من الجاهلية إلى العصر الحديث. لذلك سعى جاهدًا إلى التركيز على دراسة الأدب بمعناه الخاص من خلال الجمع بين أنظار منهجية متباينة، لدراسة الظواهر الأدبية «عصورًا واتجاهات وتيارات، أو أشكالًا أدبية، أو شخصيات أدبية» مما يسهم في نقل التصور الشمولي للأدب بشقيه «الشفاهي والكتابي» مع التأكيد أن دراسة حاضر الأدب لا تنفصل عن ماضيه لذلك لا بدّ من تأصيل الظواهر والموازنة بينها ، وقد نهج شوقي ضيف في تأريخه للأدب، منهج التقسيم إلى عصور أدبية تبعًا للتقسيمات السياسية للعصور، فقسم العصور الأدبية إلى خمسة أقسام .....يبدأ أولها في العصر الجاهلي، في حين ينتهي القسم الأخير في العصر الحديث. وتقسيم شوقي ضيف للعصور الأدبية، يتميز من غيره، ممن اتبعوا المنهج التاريخي في دراسة الأدب، في أنه جمع بتأريخه بين عنصري الزمان والمكان، ويتضح ذلك جليًا في عصر الدول والإمارات ، وقد تناول شوقي ضيف العصر العباسي ضمن فترتين ، وهو بهذا يفترق عن الذين قسموا العصر إلى فترات عديدة ؛ وإذ جمع شوقي ضيف في عصر الدول والإمارات أقاليم عديدة، وأرخ لأدبها على حدّة، إلا انه أكد أنه ثمة وحدة فكرية وشعورية وروحية تجمع هذه الأقاليم المختلفة في مراحلها المتباينة المؤرخ لها. واعتاد شوقي ضيف أن يبدأ دراسته لأي عصر من العصور الأدبية المؤرخ لها، بدراسة طبيعة الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والعقلية ثم يتبعها بدراسة الأغراض الأدبيةالشعرية منها والنثرية، ومن ثم يقدم تراجم الأدباء. وقد يتباين التناول المنهجي للعصور، إذ يتحدث شوقي في العصر الجاهلي عن خصائص الشعر ، في حين أنه يتحدث في عصر الدول الإمارات عن السياسية والمجتمع، ويفرد للثقافة فصلًا وفي العصر العباسي فَصَلَ شوقي ضيف الجانب السياسي عن الاجتماعي أما عن تناول شوقي ضيف للأغراض الأدبية في تأريخه للأدب، فيبدو أنه كان يصف حركة الغرض في العصر الذي يؤرخ له، ويبين مدى شيوع هذا الغرض وتحولاته، ولكنه لم يتبع المنهج الاستقرائي ، ويتتبع الغرض نفسه في مسيرته الأدبية والتاريخية. وقد لحظت أن شوقي ضيف كان تارة يربط الغرض بجانبه الاجتماعي من مثل تناوله لغرض " المديح، والرثاء، والهجاء"، وتارة يربطه بالجانب الفردي الذاتي لا سيما في تناوله لغرض " المجون، والخمريات، والغزل". وقد قدم شوقي في تأريخه الغرض العام على الخاص"الذاتي" ،، وأظهر ما يبين عن هذا توسعه الملحوظ بدراسة غرض المديح، ورؤيته المباينة لغيره من النقاد في شعر المديح ، ولطالما ربط شوقي ضيف شعر المديح بالسياسية ؛ أما عن التراجم الأدبية التي قدمها في تأريخه للأدب، فقد تناول فيها ملامح تاريخية للشخصية التي تدور فيها الترجمة، واعتمد على مصارد القدماء والمحدثين فيما روى من أخبار عن الشعراء وقد أبان عن تفاعل العوامل المختلفة في تكوين عدد من الشخصيات الأدبية، وأشار إلى جانب تأثير اختلاط الأجناس ، وظهر أن تناوله للتراجم جاء تبعًا لشرعيتة، الكامنة في البحث عن العلل الكامنة، وراء الوقائع الأدبية، وهو بذلك يجمع بين التحليل التاريخي، والتقويم الفني، مع إعطاء أهمية كبرى للمؤلِف على حساب المؤلَف. أما عن أبرز المآخذ على منهج شوقي ضيف في دراسته لتاريخ الأدب فهي:
- عدم وضوح الأسس المتبعة في تقسيم الأدباء والأغراض.
- تركيزه على ترجمة الشعراء المشهورين دون الالتفات للمغمورين منهم.
- النمطية التي اعتمدها في دراسة النثر العربي.
- أحكامه الانطباعية التي تبتعد عن روح النقد.
- ربطه تطور الأدب وأغراضه بالسياسة، دون الالتفات لتأثير الأدب بالسياسة.
- اختلاط البيئات دون أي رابط مسوغ، إذ يجمع بين بيئات «السودان، والعراق» دون أن نلمح عنصرًا جامعًا لها.
- عدم وفائه بما وعد به في مقدمة سلسلة تاريخ الأدب، من سعي لدراسة الأدب في العصر الحديث في عدّة أجزاء من البلاد العربية. إذ انه اقتصر على البعد الإقليمي ودرس الأدب في مصر فقط. ولا يمكننا عد كتابه المعنون ب«دراسات في الشعر العربي المعاصر» _ وهو دراسات نقدية تحليلية لطائفة من شعراء العرب المعاصرين في مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، وتونس؛ لتصوير مدى احتفاظهم بشخصية شعرنا العربي ومقوماته مع تمثلهم الدقيق للشعر الغربي ومناهجه وأنماطه المختلفة _ من قبيل التأريخ للأدب العربي. وقد آنست تأخير الحديث عن بعض المؤلفات التي تحمل سمتًا تاريخًا، ولكنها لم تغرق فيه، من مثل: «الشعر والغناء في المدينة ومكة في عصر بني أمية» وهو دراسة جامعة للصلات الوثيقة بين حركة الغناء في المدينتين لعصر بني أمية وأثرها في لغة الشعر وأوزانه وما حدث فيها من تجزيئات وما دفعت إليه من ظهور بعض الأوزان الجديدة. ومثله: «التطور والتجديد في الشعر الأموي»، وفيه صحح شوقي ضيف ما شاع بين الباحثين عن الأدب العربي من عرب ومستشرقين، من أن الشعر الأموي صورة مطابقة للشعر الجاهلي، مثبتاً ما حدث من تطور وتجديد واسعين فيه بعامل مثالية الإسلام الرفيعة وما تأثر به الشعراء الأمويون من مذاهب سياسية وثقافية وعقلية ومؤثرات حضارية. والتأريخ للأدب العربي ليس هو المنهج الوحيد في دراسته للأدب وإنما نراه ينهج نحو منحى آخر يحاول فيه جمع شعراء من مختلف العصور وتوحيدهم في مدرسة أدبية جامعة قائمة على الوحدة الفنية، وذلك في مؤلفيه:
- الفن ومذاهبه في الشعر العربي (1943).
- الفن ومذاهبه في النثر العربي (1946).
وفيهما يصدر شوقي عن وجهة واحدة ترى أن الأدب العربي شعره ونثره لم يحدث فيهما تجديد، فالشعر العربي هو شعر محافظ واستمر في أغلب صوره على نهج واحد ومثله النثر، وقد ميز شوقي بين ثلاثة مذاهب هي: «الصنعة، والتصنع، والتصنيع».
وفي هذا الصنيع يكون شوقي ضيف قد أخضع الفن للأثر الزمني، إذ عوض أن يكون تطور الفنون أداة تجسد البراعة، جعل الشعر والنثر في باب الصنعة، مع أنهما من الطبع ليسا ببعيدين منذ عهود الشفاهية. ولكن مما يحسب له حقًا، هو إعادته النظر في ما كتبه من أحكام، إذا ظهر له ما يجعله يغير وجهة نظره، وقد بدا هذا في ما كتبه عن الأدب الأندلسي في كتابيه :الفن ومذاهبه في الشعر العربي، والفن ومذاهبه في النثر العربي، في عامي 1943 و1946. إذ أعاد النظر في حكمه على هذا الأدب الذي رآه وقتها لا يختلف عن الصورة المشرقية في الشعر والنثر معاً، وذلك في كتابه عن "الأدب الاندلسي" الذي صدر عام 1989، فهو تبين الوجه المشرق للأدب الأندلسي بعد تحقيقه لكتاب "المغرب في حلى المغرب" لابن سعيد عام 1953، وأحب أن يقدم صورة كلية متكاملة عن الأندلس وحياتها الاجتماعية والسياسية والفكرية، وما كان فيها من حضارة وثقافة وعلوم وفلسفات وتاريخ، فضلا عن تأريخه لحياة الشعر والشعراء والنثر والكتاب. وأيضًا نجد شوقي يتوجه بالدراسة الأدبية وجهة أخرى حينما يدرس أحد الفنون الأدبية ويتتبعها في مسيرتها عبر الزمان، وما طرأ عليها من التغيرات. من مثل دراسته للفنون الشعرية في سلسلته الصادرة عن دار المعارف:
- الرثاء ( 1955).
- و البطولة في الشعر العربي ( 1969).
- ودراسته لفنون نثرية:
- المقامة ( 1954)
- والترجمة الشخصية( 1956).
- و الرحلات ( 1956).
وقد درس شوقي العديد من القضايا الأدبية، وكشف عن ضروب التطور في الأغراض الأدبية في العديد من الدراسات. ووظف في وجهة منهجية أخرى المنهج التكاملي في دراسة شخصيات الأدباء الذين أفرد لهم مؤلفات من مثل دراسته لابن زيدون، والبارودي، وشوقي، والعقاد. فمثلًا في دراسته المعنونة ب «شوقي شاعر العصر الحديث (1953)»، وظف المنهج النفسي من خلال دراسته لمسودات الشاعر، وأيضًا استعان بالمنهج التاريخي. وقد قدم عرضاً تاريخياً نقدياً تحليلياً لسيرة شوقي ومكونات صناعته الشعرية والتقاء تيارين: قديم وجديد في شعره والمؤثرات المختلفة التي تركت آثاراً عميقة فيه، مع دراسة تحليلية مفصلة لمسرحياته ومقوماتها في مآسيه المصرية والعربية وملهاة الست هدى وخاتمة عن نثره. ويمكن عد كتابه «ابن زيدون الشاعر الأندلسي» دراسة تحليلية لعصر ابن زيدون سياسياً واجتماعياً وعقلياً، ولسيرته وما اضطرب فيه من حب وأحداث سياسية، ولديوانه وموضوعاته من غزل وغير غزل مع تحليل رسالتيه: الجدلية والهزلية. وقد لمحت وجهة منهجية أخرى في بعض دراسات شوقي ضيف وهي الوجهة الإقليمية، وأظهر تمثلاتها ظهرت في مؤلفيه:
- تاريخ الأدب العربي في مصر 1957.
- والفكاهة في مصر 1958.
أخيرًا اتضح من خلال عرض بعض الجوانب المنهجية عند شوقي ضيف، بأن المنهج التاريخي في دراسة الأدب هو ما ميز دراساته الأدبية. ولكنه لم يقتصر على ذلك المنهج وإنما وظف غيره من المناهج في سبيل تبين الفنون الأدبية، والمدارس الفنية في مؤلفات أخرى. ومن الملاحظ أنه لم يستكمل الصورة المنهجية في تطبيقه لنظرية الفنون الأدبية والمدارس الفنية. أما في اتخاذه للمنهج التكاملي فإنه ظهر في بعض دراساته للأدباء بأنه يغلب توظيف منهج على حساب منهج آخر وبأنه لا يستكمل بهذا أظهر مميزات الجانب التكاملي أو ما يتطلبه. إن شوقي ضيف لم يكن يحبذ دراسة الأدب بمنهج واحد،إيمانًا منه بأن طبيعة الأدب معقدة، وتحتاج إلى توظيف مناهج عدّة في سبيل تحقيق الغاية الأدبية، والسير بالوجهة المنهجية المناسبة في دراسة الأدب والأدباء.
ة7-بروكلمان والتاريخ الادبي4-
8-بلاشير والتاريخ الادبي5-

الباب السابع
المنهج التاريخي في الأدب:
المنهج، لغةً، هو "الطريق الواضح"، واصطلاحًا، هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ويتتبَّعها للوصول إلى نتيجة. وبناءً عليه، فالمنهج التاريخي للأدب هو المنهج الذي يصار فيه إلى دراسة الأديب وأدبه أو الشاعر وشعره من خلال معرفة سيرته ومعرفة البيئة التي عاش فيها ومدى تأثيرها في نتاجه الأدبي أو الشعري؛ في عبارة أخرى، هو المنهج الذي يُعنى بدراسة الأديب، بمعرفة العصر الذي عاش فيه والأحداث العامة والخاصة التي مرَّ بها، وبدراسة النص في ضوء حياة ذلك الأديب وسيرته والظروف التي أثَّرت عليه. أي أن الأحداث التاريخية وشخصية الأديب يمكن لها أن تكون هنا عوامل مساعِدة على تحليل النص الأدبي وتفسيره. ولهذا نرى أن هذا المنهج يعمل على إبراز الظروف التاريخية والاجتماعية التي أُنتِجَ فيها النص، دون الاهتمام كثيرًا بالمستويات الدلالية الأخرى التي يكشف عنها هذا النص ودراسة مدى تأثيره على القارئ، بعكس النظريات النقدية الحديثة، كالبنيوية والتفكيكية، اللتين أعطتا السلطةَ للقارئ وجعلتاه سيدًا على النص الأدبي لا ينازعه منازع. ويتخذ المنهج التاريخي، إذن، من الحوادث التاريخية والاجتماعية والسياسية وسيلةً لتفسير الأدب وتعليل ظواهره وخصائصه، ويركِّز على تحقيق النصوص وتوثيقها باستحضار بيئة الأديب والشاعر وحياتهما؛ فهو، في قول آخر، قراءة تاريخية في خطاب النقد الأدبي تحاول تفسير نشأة الأثر الأدبي بربطه بزمانه ومكانه وشخصياته. أي أن التاريخ هنا يكون خادمًا للنص؛ ودراسته لا تكون هدفًا قائمًا بذاته، بل تتعلق بخدمة هذا النص. في مثل هذه الحالات، وباستطاعة المؤرخ أن يفسر آداب الشعوب والأفراد في ضوء ثالوث العِرق والبيئة والعصر؛ وعلى مؤرخي الأدب التمييز بين تاريخ الأدب والتاريخ العام، لأن تاريخ الأدب يدرس ماضيًا مستمرًّا في الحاضر، ولأن الأعمال الأدبية تحوي قيمًا جمالية وإنسانية باقية، في حين أن التاريخ العام يدرس ماضيًا منقطعًا عن الحاضر، فلا يُنتفَع منه. ولهذا دار خلافٌ بين النقاد، عربًا وغير عرب، بين رأيين في المنهج التاريخي لدراسة الأدب والشعر: الرأي الأول يرى وجوب معرفة الأديب من أدبه والشاعر من شعره، بينما الرأي الثاني يرى وجوب معرفة الأديب أو الشاعر من خلال بيئته التي نشأ فيها وما يحمله من غبارها وآثارها. وقد ذهب طه حسين بضرورة معرفة الشاعر والأديب من بيئتهما. ولهذا كان طه حسين يحرص دومًا على التأكيد على دور الذوق في النص الأدبي، لأن الذوق يُعَد عاملاً من العوامل التي يعتمد عليها الناقد التاريخي في دراسة الظاهرة الأدبية، ولأن التاريخ الأدبي لا يستطيع أن يكون بحثًا موضوعيًّا بالكامل، إذ هو شيء وسط، فيه موضوعية العلم وفيه ذاتية الأدب؛ وبالتالي، فليست هناك معرفة أدبية تغني عن الذوق التأثُّري. فالنقد الذي يتبع المنهج التاريخي لا يستطيع أن يعتمد مناهج البحث العلمي البحت وحده، وإنما يضطر معه إلى دراسة الذوق – هذه الملكة الشخصية الفردية – للوصول منها إلى الكثير من النتائج التي يتوخاها.
هذا، وعلى الرغم من واقعية الرأي الأول القائل بوجوب معرفة الشاعر من شعره، إلا أن هذا الرأي يُظهِر، بدوره، ضيق أفق في نظرته قليلاً، لأنه قد لا يمكن معرفة الشعراء كلهم من شعرهم ولا الأدباء كلهم من آدابهم ؛ ولكنه يبقى من المناهج المفضَّلة في دراسة الأدب والنصوص التراثية. فمنطق هذه الدراسة هو أن الأديب أو الشاعر لا يتأثر بكلِّيته بالبيئة، وإنما هناك في دواخل كلِّ شاعر وأديب أحاسيس وأشياء تتمرد على البيئة وعلى قوانينها مما لا يمكن لها التحكم بها أبدًا. على حين يرى معظم النقاد أن المنهج الأكثر صوابًا وحكمة هو المنهج الذي تتفاعل فيه شخصية الأديب مع الظروف التاريخية، حتى نصل، من خلال هذا التماهي، إلى معرفة شخصية الأديب الحقيقية. فعلى الناقد الذي يتصدى لقراءة النص قراءةً نقدية أن يغوص في النص ويندمج معه اندماجًا روحيًّا وعقليًّا وفنيًّا، تمامًا كما غاص فيه مُنشِئُه ومبدعُه، ليصل إلى اكتناه جوهره الحقيقي وما يشير إليه من قيم ومفاهيم. وعلينا أن ندرك أن الأدب – وفي شكل نسبي، وأشدد هنا على كلمة "نسبي" – يمثل تاريخ أهله وخطابهم الفكري والاجتماعي والفني وحاجاتهم المتنوعة الأخرى في كلِّ مرحلة من مراحل تطورهم. أي أن الشعر والأدب يحويان سمةً جماليةً ودلاليةً تاريخيةً في آنٍ واحد.

الباب الثامن
التحقيب وتاريخ الأدب
الحقبة في معناها اللغوي، المقطع الزمني، الذي قد يطول أو يقصر، فهي كتلة زمنية، تمتد في التاريخ المنطوي على المتغيرات الإنسانية في تلك الحقبة و ما يتولد عنها من صراعات و تأثيرات.
أما الحقبة الأدبية فيجب مراعاة انغراسها الأصلي في التاريخ العام و بالتالي إبعاد مفهوم سكونية الحقبة و تعاليها عن الأفعال التي تتعالق معها. وإن هذا التشابه الذي يعطي اللون الأدبي لحقبة ما، أو لخاصية أدبية أكثر من غيره هو الذي يجب إبرازه و إظهاره نظريا و علميا، ثم البحث عن تجلياته اهتداء بالحقبة. وهكذا فإن الحقبة هي خلاصة بحث واجتهاد المؤرخين حيث تصبح ذات مدلول خاص،لاتماثلها في كل مظاهرها أية حقبة أخرى ، حتى ولو شاركتها في الاسم .وهكذا ترتبط الحقبة في مفهوم المؤرخين المعاصرين ، بمدلول معين، إنها بالطبع مدة زمانية فاصلة بين تاريخين منسوبين إلى تقويم محدد مرتبط بمستوى معين من الفعاليات البشرية :(الفن، أو السياسة، أو الإنتاج المادي أو الأدب) .
فالتحقيب الأدبي هو نقد لما آل إليه تاريخ الأدب، إنه وصف للزمن في تعالقاته المختلفة و تمييز لها في نفس الوقت، إن التحقيب بهذا المعنى هو عملية وصفية للزمن الأدبي المتعلق بتاريخ الأدب، بما تحمل هذه الكلمة من بعد نقدي و ما تتطلب من استحضار للحس التاريخي و التعالقي أيضا. وتتجلى وظيفة التحقيب في بعد بين أساسين.
1) بعد إنساني: من خلال الاقتراب و ملامسة الزمن الإنساني و الأحداث الإنسانية الهامة التي تمس مصير هذا الإنسان عن قرب ليقرر عن وعي و إدراك حساب المستقبل العام و الخاص. كما ينظر أيضا في الفعل الإنساني الأدبي و الجمالي بحيث يضبط أزمنة الخصب الإبداعي.
2) بعد إجرائي: باعتباره عملية إجرائية أو تصور نظري لمعالجة موضوع تاريخ الأدب و بالتالي فهو وسيلة علمية تجريبية لاستقصاء وقائع موضوع تاريخ الأدب، و تأطير هذا الموضوع. إن لجوء الباحث في تاريخ الأدب إلى هذه الوسيلة الإجرائية، إنما هو من أجل إقامة تصور للأعمال الأدبية المنجزة في الماضي، فالتحقيب يفيد وضع الزمن في حقب مختلفة و متباينة، و أن الأدب يوضع في كتل زمنية على شكل حقب متتالية. ولابد من مراعاة العلاقة بين الأعمال الأدبية المختلفة، لاعتبارها منفصلة عن التاريخ العام، ولكنها تستطيع أن تتحدد من خلال إشكاليتها كمجموعة من الأعمال التي تحتويها الحقبة. فالتحقيب بالنسبة لتاريخ الأدب، لابد فيه من مراعاة مستويين:
1) المستوى الأدبي في خصوصيته: و الذي يتكون من تاريخ خاص مستقل به.
2) مستوى التاريخ العام: و الذي يشمل المستوى الأول و هنا لابد من التعرض إلى مشكل التقطيع في تاريخ الأدب و ما تعترضه صعوبات نظرية نابعة أساسا من طبيعة تاريخ الأدب نفسه. والتقطيع في تاريخ الادب إشكال منهجي، تبدو صعوبته في الوصول إلى وضع أدوات تسعفنا على تقطيع المنتوج الأدبي حسب تقطيعات زمنية متنوعة و مختلفة. و تتمثل الصعوبة الأولى في كيفية التعامل مع حقل يصعب تحديده، و هو الأدب، وتاريخ الأدب الذي هو نتاج حقلين متداخلين هما الأدب و التاريخ أي أننا أمام إواليتـين، و كيف لهما أن تنتجا معرفة جديدة تميز نفسها عن التاريخ من جهـة و عن الأدب من جهة أخرى، ثم تبني في النهاية كيانها الخاص تاريخ الأدب، فهناك من يرى أن اللجوء إلى نظرية الأدب و التطورات التي عرفتها، و محاولة الاهتداء إلى صياغة مفهوم لتاريخ الأدب، صياغة تأخذ بعين الاعتبار ما عرفته نظرية الأدب من تطور منذ بداية هذا القرن.
مفهوم تاريخ الأدب: يتميز هذا المفهوم بنوع من الإبهار الأصلي الذي استمده من طبيعة تركيب مادته اللغوية و المصطلحية و المفهومية، و من التعالق المفترض في أصل المفهوم ويقال ان أهل الفكر أو الأدب الذين اقتحموا مجال التاريخ ، يصبحون مؤرخين بذلك ، ويظهر أن مصطلح تاريخ الأدب يتميز بنوع من الإبهام الأصلي الذي استمده من طبيعة تركيب مادته اللغوية والمصطلحية والمفهومية ، والزمن ذات مستقلة بذاتها ، ومقاربة الزمن في حالة تعاقب هو وصف لهذا الزمن وهذا هو موضوع التحقيب في تاريخ الأدب .إن التحقيب بهذا المعنى هو عملية وصفية للزمن الأدبي المتعلق بتاريخ الأدب ، فالحقبة تستجيب لمبدأين أساسيين هما :
مبدأ إعادة بناء المصير أو ماآل إليه الزمن
- مبدأ استعادة القيم."
فهناك: التاريخ،و الأدب،و تاريخ الأدب. و تاريخ الأدب له دور في الحياة الأدبية و له خصائصه و دوره في الحياة الإنسانية كموضوع قائم بذاته،ق و هكذا اختلفت الممارسات لتاريخ الأدب تبعا للتطورات و المناهج المختلفة التي اتبعت في تاريخ الأدب و تتلخص هذه المناهج في الفصل بين التاريخ و الأدب، و التداخل بين التاريخ و الأدب مت خلال تصور نظري لتاريخ الأدب، بأنه مكون من عنصرين هما الأدب و التاريخ، و يجب تحليل كل منهما على حدة ثم الجمع بينهما و البحث على التوازن و التوافق أو التلازم بينهما. و تكون النتيجة التركيبية في هذا المسلك هي محاولة الربط في النهاية بين العنصرين بروابط قد تسقط تاريخ الأدب في مفهوم ميكانيكي يبرز فيه بوضوح عنصر على حساب عنصر آخر. و من هذا المنظور تعاملت جل الدراسات من الممارسات التاريخ أدبية و هو منظور كلاسيكي و مدرسي أدى إلى نتائج تربوية هامة، و لكنها لم تصل إلى مستوى تصور نظري يميز مفهوم تاريخ الأدب ككيان أو كفعالية معرفية خلقت لنفسها عالمها الخاص المستمد من الأدب و التاريخ.
ومن خلال تفاعل التاريخ و الأدب، بحيث يكونان قوة دافعة واحدة تخلق طاقتها بحكم التحولات التي تقع في التاريخ و الأدب عندما يلامس الواحد منهما الآخر، و على إثر ذلك تتولد قوة جديدة، هي التي يمكن أن توصف بتاريخ الأدب، حيث الاختلاف و الائتلاف بينهما و بين الأدب و التاريخ واضح بحكم انحدارهما من مادتيهما، فأصبحت عنصرا واحدا، و مادة واحدة تحمل صفة العنصرين.
إن إثارة طبيعة التحقيب الأدبي في تعالقاته مع التحقيبات الأخرى الخارجة عنه قد تؤدي إلى تشييد تحقيب أدبي يعبر أكثر عن التطور الأدبي الذي عرفه تاريخنا الأدبي.
و قد تبين أن هذا المفهوم لم يعالج في نظرية الأدب العربية، بقدر ما اهتمت به نظرية الأدب في الآداب الأخرى.
و لن يتسنى لنا من هذا المفهوم إلا معرفة قدرتنا الأدبية، و معرفة الحقب المنتجة من غير المنتجة.
و هذا ما يتطلب تدقيق النظر في تاريخ أدبنا العربي.


الباب التاسع
من المنهج التاريخي إلى جمالية التلقي


تعد جمالية التلقي بديلا منهجيا حاول فتح آفاق جديدة أمام الدراسة التاريخية للأدب اعتمادا على مجموعة من المفاهيم في مقدمتها "أفق التوقع" "اندماج الآفاق" "منطق السؤال والجواب"… مع هذه الرؤية المنهجية التي تقوم على تصور ظاهراتي للزمن يقوم على مناهضة مفهوم الحضور، لم يعد الماضي فترة زمنية توجد خلف الحاضر ولكنه أصبح جزءا من التعدد الذي يشكل الحاضر، لأن التاريخ من منظور جمالية التلقي "ليس شيئا آخر سوى إعادة تشكيل للماضي في ذهن المؤرخ ومن خلاله. إضافة إلى ذلك لم يعد النص مجرد "وثيقة" أو "تحفة"، ولكنه أصبح ظاهرة أي ثمرة علاقة بين الذات/القارئ والموضوع/النص.
أولا: المنهج التاريخي: أسسه وحدود اشتغاله
إذا كان الحس التاريخي حاضرا في الرؤية النقدية للعرب القدامى من خلال اعتمادهم على جملة من معطيات التاريخ في معالجة مجموعة من القضايا الأدبية من قبيل: الزمان، المكان، علاقة الأدب بكل من الأديب ونفسيته وبيئته وجنسه… فإن هذا الحس ظل تلقائيا ولم يرتكز على تصور نظري مضبوط أو رؤية منهجية واضحة المعالم ترتكز على خلفيات فلسفية. لذلك ظل اعتمادهم على هذه المعطيات عبارة عن ملاحظات متفرقة وإن كانت لا تخلو، في أحيان كثيرة، من شرح وتعليل ينم عن مدى وعي القدامى بفعالية عناصر التاريخ في تفسير الأدب وتعليل قضاياه. فالحس التاريخي إذن شكل حيزا مهما في رؤيتهم النقدية لكن الوعي المنهجي بفعالية معطيات التاريخ في دراسة الأدب لم يتبلور في العالم العربي إلا ابتداء من مطلع القرن العشرين على إثر احتكاك العرب بالغرب. فقد استفاد رواد المنهج التاريخي –كما هو معلوم- من الإنجازات التي حققها الغربيون سواء على المستوى النظري: أي باطلاعهم على نظريات الغربيين أو المستشرقين في طرق تأريخهم للأدب العربي.
وعلى العموم، فإن المنهج التاريخي الذي اكتسح الحقل الأكاديمي في المشرق ثم بعد ذلك في المغرب، وهيمن عليه لزمن طويل حاول تطوير أساليبه وتنويعهامن خلال نمط تحكمه النظرة إلى الأدب في علاقته بالسياسة. و نمط تغلب عليه الرؤية الوضعية، فيدرس الأدب في صلته بالبيئة بمعناها العام، أو في صلته بمبدعه وما يحيط به. و ونمط يجمع بين التحليل التاريخي والتقويم الفني.

الباب العاشر
1-التاريخ الأدبي والمقياس السياسي
يقوم منهج التاريخ الادبي والمقياس السياسي على ربط الأدب بالسياسة، وجعل تاريخ الأدب تابعا للتاريخ السياسي في رقيه وانحطاطه، لذلك فإن مؤلفيها يرون أن الطريقة المثلى للسيطرة على الوقائع الأدبية الغزيرة وتتبع حركتها منذ الجاهلية إلى الآن، هي اعتماد التحقيب السياسي أساسا لتحقيب المادة الأدبية. لهذا نجدهم يقسمون الأدب العربي إلى عصور مطابقة للعصور السياسية.
أما الأسس النظرية التي ترتكز عليها هذه المؤلفات، فإنه من الصعوبة بمكان تحديدها، لأنها في مجملها تكاد تخلو من مقدمات منهجية تلقي الضوء على المقاييس التي يرتكز عليها مؤلفوها. ويبدو أنهم اقتفوا في تأليفها أثر المستشرقين وخصوصا بروكلمان.
وعلى العموم، فإننا نلمح في هذه الطريقة في التأليف بعض ملامح التصور الوضعي للتاريخ إذ إن هؤلاء المؤلفين يحاولون بدورهم أن يرصدوا، بشكل من الأشكال، العلل الكامنة وراء الوقائع الأدبية، فيدرسون الأدب في علاقته بالبيئة التي ظهر فيها. لهذا نجدهم يفتتحون كل عصر أدبي بمقدمة موجزة عن خصائصه السياسية والاجتماعية والفكرية، وإن كانوا يركزون على دراسة البيئة السياسية لكل عصر ويعتبرونها عنصرا فاعلا في الحياة الاجتماعية والفكرية ، وينظرون إلى النص باعتباره "وثيقة" تحيل على منتجها، لذلك نجدهم يعمدون إلى إعطاء نبذة موجزة عن حياة المؤلفين، مشيرين إلى مكانتهم الأدبية، وأهم أعمالهم الفنية، ومكتفين بالاستشهاد بمنتجات من أشعارهم. وهذا معناه أنهم يعطون أهمية كبرى للمؤلِّف على حساب المُؤَلَّف، أما القارئ فإنهم يهملون دوره إهمالا تاما. ويؤخذ على هذه الطريقة من حيث التحقيب ان رواد هذه الطريقة يعمدون إلى تقسيم الموروث الأدبي إلى عصور يتلو بعضها بعضا، ويجَعْلون الأحداث السياسية البارزة معالما بينها، إلا أن تركيزهم على تبعية الأدب للسياسة في تطوره وتقهقره، ونظرتهم إلى كل عصر باعتباره كيانا مستقلا بذاته، ومتميزا عما عداه من العصور بخصائص أدبية معينة، جعلهم غير واعين بطبيعة التطور الأدبي و خصوصيته وذلك لأن الحياة الأدبية لا يمكنها أن تكون، بحال من الأحوال، تابعة للحياة السياسية أو متطابقة معها. فالأولى تتطور بشكل تدريجي في حين تُتوَّج الثانية بانقلابات مفاجئة أو ثورات جذرية ، ثم إن اعتمادهم على الفصل بين العصور الأدبية بأحداث سياسية، جعلهم يضحون بالرابطة بين الماضي والحاضر لصالح قطائع زمنية تُخل بالمسار الحقيقي للأدب: إذ إنهم يحاولون رصد التطور من خلال الانقطاع، والحال أن حركة الأدب حركة بطيئة تمتد جذورها في الماضي العريق وتخترق أغصانها الحاضر لتشرف على المستقبل، وهذا معناه أن رصد تطور الأدب يتم من خلال إبراز التغير من داخل الاستمرار والتواصل ، وكذلك من حيث التسلسل: يسعى تاريخ الأدب عندهم إلى وصف حركة الأدب للوقوف على ما لحقه من تطور أو تقهقر عبر العصور من خلال البحث عن نشأة اللغة العربية، ونشأة الأدب العربي للوقوف على بداية المسار التاريخي و تتبع هذا المسار من خلال تحديد زمن وقوع الأحداث وترتيبها الواحدة تلو الأخرى، وكأن رواد هذه الطريقة وقفوا عند المعنى اللـغوي للتاريخ الذي يـفيد التوقيت.وتصوروا المسار التاريخي خطا زمنيا تُنضَّد فوقه الوقائع الواحدة تلو الأخرى حسب زمن وقوعها.
والاهتمام المفرط بالمؤلفين وما يحيط بهم، حيث إن رواد هذه الطريقة يرسمون مسارا تاريخيا للأدب من خلال ترجمتهم لأشهر المؤلفين، وترتيبهم حسب تواريخ الوفاة أو حسب الفنون والعلوم التي نبغوا فيها، أو حسب الأقاليم والبيئات التي نشأوا فيها، بعد حصرهم للمؤثرات التي أثرت فيهم. لهذا وردت أعمالهم تأريخا للمؤلفين أكثر مما هي تأريخ للأدب.
ومن حيث التقويم الفني: إن مؤرخ الأدب وفق هذه الطريقة، ينتهي إلى طائفة من "الأحكام العامة " تنسحب على إنتاجات العصر كله. وبصنيعه هذا، فإنه يطمس ما للنص الواحد من خصائص فنية، كما يهمل تلك الفروق الدقيقة بين نص وآخر. وحتى حين يتحدث عن الخصائص الفنية للمؤلف، فإنه يكتفي أيضا بإصدار مجموعة من "الأحكام العامة " لا نتبين من خلالها معالم الابتكار والخلق في مسيرة المبدع الفنية.
هكذا يتضح أن تاريخ الأدب عند هؤلاء يتجه إلى رصد نشأة الأدب، وتتبع مساره من خلال التأريخ لأشهر المؤلفين ومختلف العلوم والمعارف التي نبغوا فيها بعد استخلاص العلل التي أثرت فيهم وفي مقدمتها علاقة الأدب بالسياسة. وهذا الاهتمام بمختلف مظاهر الحياة الثقافية مؤشر واضح على تمكن النظرة الشمولية من ذهنية هؤلاء المؤرخين ويرجع هذا التمكن إلى هدفهم من التاريخ الذي يطمح بالأساس إلى تحقيق هدفين: هدف تعليمي وهدف قومي حتى يتسنى لهم تزويد الطالب بمعرفة "شاملة" عن مختلف مظاهر الحياة الثقافية العربية عامة، وحتى يتسنى لهم أيضا الدفاع عن الهوية العربية بإبراز مقوماتها الحضارية في مختلف المعارف والعلوم التي أنتجتها ؛ أما المنهج التاريخي في صيغته الوضعية فيرجع ظهوره في العالم العربي إلى ما كان من تأثير تلك النزعة العلمية التي سادت أوربا في القرن الماضي. واكتسحت جميع الميادين بما فيها الدراسة الأدبية، إذ نجده يستمد مبادئه الأساسية من الحقل الاوروبي، ويطمح إلى دراسة الأدب العربي دراسة علمية من خلال ربطه بمختلف العلل الكامنة خلفه. وتاكيده على الصلة الحتمية التي تنشأ بين الأدب والبيئة التي ظهر فيها. من خلال مفهوم "الجبر التاريخي"، وهو مفهوم ينظر إلى الحياة الاجتماعية باعتبارها تتشكل تحت تأثير مجموعة من العلل والأسباب التي تلغي فعالية الفرد وتعتبره خاضعا لها. وهكذا ينفصل النقد الأدبي عن تاريخ الأدب، فيصبح عمل المؤرخ منحصرا في حدود الكشف عن مختلف العلل المادية والمعنوية الكامنة وراء الأدب دون أن يتجاوزها إلى إصدار أحكام تتجه إلى إبراز القيمة الفنية للأعمال الأدبية. والنتيجة أن المنهج التاريخي في صيغته الوضعية، ظل مأخوذا بدوره بالنزعة الوثوقية، بحيث أصبح المؤرخ يعتقد أن المعطيات التي يعرضها حقائق علمية وقواعد ثابتة لا يرقى إليها الشك ويجب على القارئ التسليم بها مثلما يسلم بنتائج سائر العلوم الدقيقة. ان المنهج التاريخي في صيغته التوفيقية يجمع بين التحليل التاريخي والتقويم الفني، وقد تعددت سبل التأليف وفق هذه الطريقة: فهناك من ذهب إلى التوفيق بين الصيغة الوضعية والصيغة اللانسونية للمنهج التاريخي، مثلما فعل طه حسين في كتابه "في الأدب الجاهلي"، وهناك من التزم بتبني المنهج التاريخي في صيغته اللانسونية ونخص بالذكر محمد مندور في المرحلة الأولى من حياته العلمية. في حين ذهب شوقي ضيف إلى أبعد من ذلك فتبنى "منهجا تكامليا" يطمح إلى دراسة الأدب من مختلف زواياه. ولعل تفصيل القول في الطريقة التي اعتمدها كل واحد من هؤلاء، من شأنه أن يعطينا صورة عامة عن تنويعات المنهج التاريخي في صيغته التوفيقية. وقد شن بعض النقاد حملة عنيفة على المقياس السياسي، الذي سيطر سيطرة كبيرة على مناهج التدريس، لأنه يتخذ الحياة السياسية وحدها مقياسا للحياة الأدبية، فيجعل رقي الأدب أو انحطاطه مرتبطا برقي الحياة السياسية أو انحطاطها والحال أن واقع الأدب العربي يشهد على عكس ذلك، "فقد يكون الرقي السياسي مصدر الرقي الأدبي، وقد يكون الانحطاط السياسي مصدر الرقي الأدبي أيضا، والقرن الرابع الهجري دليل واضح على أن الصلة بين الأدب والسياسة قد تكون صلة عكسية في كثير من الأحيان، فيرقى الأدب على حساب السياسة المنحطة
هكذا يتضح أن المنهج التاريخي يقوم على الجمع بين التحليل العلمي والذوق الفني، إنه شيء وسط بين العلم والفن: فهو في بعضه يحتاج إلى الاستعانة بالعلوم الحق، ويحتاج في بعضه الآخر إلى موهبة الناقد: يحتاج إلى العلم لاستكشاف النصوص وتحقيقها والتأكد من صحتها، ويحتاج إلى الذوق لمـعرفة خصائصها الفنية.والمعروف أن الأدب الإنشائي خاضع لكل ما تخضع له الآثار الفنية من تأثر بالبيئة والجماعة والزمان وما إلى ذلك من المؤثرات الأخرى واعتماده هذا المعطى وسيلة إجرائية للتأكد من مدى نسبة شعر ما إلى عصره وذلك لتحقيب المادة الأدبية، وهكذا يتضح، أن المقياس الأدبي لا يعدو أن يكون تطعيما للمقياس العلمي بالتمثل الوجداني للأدب. لهذا نجد أن الذاتية شرطا أساسيا في التأريخ للأدب بالارتكاز على الحدس الخاص والحس النقدي لاستخلاص الخصائص الفنية التي تمتاز بها النصوص الأدبية. وهذه العملية من شأنها أن تقود المؤرخ إلى مجموعة من الأحكام الانطباعية.فالنقد التاريخي تمهيد للنقد الأدبي، تمهيد لازم، ولكنه لا يجوز أن نقف عنده، وإلا كنا كمن يجمع المواد الأولية ثم لا يقيم البناء ؛ والمنهج التاريخي في النقد مفيد من حيث إن من يأخذ نفسه به لا يمكن أن يكتفي بدراسة المؤلف الأدبي الذي أمامه...وهذا المنهج من الواجب على كل ناقد أن يرعاه مهما كانت نزعته في النقد: ذاتية أو موضوعية، لأنه من الأسس العامة لكل نقد صحيح ؛ ويجب ان يقف مؤرخ الادب عند الجنس والوسط الزماني والمكاني الذي نشأ فيه الأديب، ولكن دون أن نبطل فكرة الشخصية الأدبية والمواهب الذاتية ، وكذلك لن نبطل نظرية تطور النوع الأدبي. فما من شك في أن الأنواع الأدبية تتطور من عصر إلى عصر، وقد يتولد بعضها عن بعض فيظهر نوع أدبي جديد لا سابقة له في الظاهر. ولكن إذا تعمقنا في الدرس وجدناه قد نشأ من نوع آخر مغاير له (...) ولا بد أن نستضيء في ذلك بدراسات النفسيين والاجتماعيين وما تلقي من أضواء على الأدباء وآثارهم. وبجانب ذلك، لا بد أن نقف عند أساليب الأدباء وتشكيلاتهم اللفظية وما تستوفي من قيم جمالية مختلفة. ولا بد من المقارنة بين السابق واللاحق في التراث الأدبي العربي جميعه. وقد أدت العوائق التي اعترضت المنهج التاريخي إلى ظهور بدائل منهجية لمواكبة الأسئلة التي استجدت في الساحة الأدبية والنقدية، من بين هذه البدائل جمالية التلقي التي تمكنت من صياغة رؤية منهجية فتحت آفاقا جديدة أمام الدراسة التاريخية للأدب، وتمكنت من تجاوز العوائق التي عرقلت مسار المنهج التاريخي في صيغته المعهودة. ولم يستطع المنهح التاريخي التخلص من النزعة الوثوقية التي كانت متحكمة في تصور جل النقاد القدامى، حيث ظل رواده يعتقدون أن الآليات التي يعتمدون عليها من شأنها أن تصل بهم إلى عين الحقيقة: حقيقة الأدب والأديب وحقيقة ما يحيط بهما. "فحين يحلل الناقد التاريخي المحيط الخارجي الثقافي والسياسي والاجتماعي فما علينا إلا أن نسلم بتحليله، وحين يقدم لنا صورة عن حياة المبدع، فإنها الصورة المثلى الوحيدة التي ينبغي اعتبارها صحيحة، وحين يستخرج مضامين الإبداع ويصدر حكمه القيمي، فإن ذلك لا يكون من جانبه إلا عن "تبصر"... وعليه، يفترض دائما على القراء التسليم بمصداقية الناقد وأنه من حيث المبدأ قادر على بلوغ الحقيقة . إن هذه النزعة الوثوقية صادرة عن تصور فلسفي ميتافيزيقي للزمن يحكمه مفهوم الحضور،فهم يتصورون الزمن مسارا يفصل فيه حاضر متحرك ماض انتهى عن مستقبل لم يحضر بعد، ومهمة المؤرخ هي الأمانة والموضوعية في بعث الوقائع الماضية بوصفها وثائق شاهدة على ما وقع بالفعل في العصور الماضية. وقد نتج عن ذلك نظرتهم للمعنى بوصفه حقيقة قارة في النص يتعين على الدارس استخلاصها.
أما جمالية التلقي، فإنها قامت على مناهضة النزعة الوثوقية والدفاع عن النسبية، فتمكنت من صياغة بديل نظري ومنهجي يتجاوز التصورات السائدة، ويتأسس على مناهضة مفهوم "الحضور". وبصنيعها هذا، تجاوزت التصور الذي كان يحمله رواد المنهج التاريخي عن العمل الأدبي، ووجهت الاهتمام إلى العلاقة الحوارية بين النص وقرائه المتعاقبين، فلم يعد العمل الأدبي معها وثيقة ينبغي على المؤرخ اكتشافها، أو تحفة يتوجب عليه البحث عن العبقرية التي أبدعتها، ولكنه أصبح ظاهرة، أي ثمرة علاقة بين الذات/القارئ، والموضوع/النص. وهذا معناه أن الجمال لم يعد قيمة مطلقة، لأن الأدبية لم تعد سمة ملازمة لنصوص بعينها في كل زمان ومكان، ولكنها أصبحت قيمة نسبية يضفيها القارئ على النص.و إن طرق تطبيق الدارسين العرب للمنهج التاريخي، لا تكاد تخرج عن نطاق ثلاثة عناصر أساسية تعكس نوعية تمثلهم للظاهرة الأدبية: الأدب باعتباره منطلقا لكل دراسة، والأديب باعتباره الأصل الذي صدر عنه الأدب، والبيئة باعتبارها الفضاء الذي يؤطر كلا من الأديب والأدب. هذه العناصر إذن تعد بمثابة أركان أساسية يقوم عليها المنهج التاريخي في صيغته المعهودة، وتعدد طرق تطبيقه إنما يعود، من بين ما يعود إليه، إلى نوعية العلاقة التي ينسجها الدارس بين هذه العناصر، وطبيعة القيم والدلالات التي يسندها إلى هذا المفهوم أو ذاك. وعلى العموم، فإن المؤلف هو نقطة الارتكاز الأساسية عندهم، أما الأدب فإنه عند معظمهم، مجرد نقطة انطلاق لدراسة منتجه، وأما البيئة فإنهم يهتمون بدراستها لإلقاء الضوء على جوانب غامضة من حياة المؤلف.
وليس من شك في أن فهم منهج تاريخ الأدب هذا الفهم، إنما يقوم على إهمال عنصر آخر في الظاهرة الأدبية يتمثل في "القارئ". وقد تمكنت جمالية التلقي بوضعها لهذا العنصر في صلب اهتمامها من إغناء البحث في مجال الدراسة الأدبية وفتح آفاق جديدة أمام تاريخ الأدب: فلم تعد مهام المؤرخ معها تتلخص في تخليد مآثر القدامى لتمكين الأجيال اللاحقة من الاطلاع على تجارب الأجيال السابقة والاستفادة منها، ولكنها أصبحت تتمثل في تعميق الوعي بالهوية عن طريق إبراز جزء من التعدد الذي تتشكل منه، لأن مؤرخ الأدب من منظور جمالية التلقي، لا يعيد تشكيل الوقائع الماضية كما حدثت بالفعل، ولكنه يعيد فقط تشكيل إدراكه لتلك الوقائع. وبما أن الوعي يتطور على الدوام، وأفق التوقع يتغير باستمرار، فإن مدلولات الوقائع الماضية تتجدد بدورها، لأن الماضي ليس فترة زمنية توجد خلف الحاضر، كما كان يعتقد رواد المنهج التاريخي، ولكنه يمتد في الحاضر لأنه يتشكل من خلال وعينا به ما دامت الواقعة التاريخية تظل كامنة لا تكتسب وجودها الفعلي إلا من خلال وعي المؤرخ بها.
وعلى هذا الأساس، فإن مؤرخ الأدب، حين يعتمد على مجموعة من الآليات التي تمكنه من تتبع ردود أفعال القراء لاستخلاص تباين مواقفهم واختلاف وعيهم بنص محدد، فإنه يبرز دينامية فعل القراءة، ويتجاوز ذلك الاعتقاد السائد الذي ينظر إلى التاريخ باعتباره سيرورة من الفراغ إلى الامتلاء. وهكذا .. فإن المنهج التاريخي ظل منحصرا في فهمه له عند حدود العناصر الثلاثة التي تؤطر تصور رواده للظاهرة الأدبية: المؤلِّف، والمُؤلَّف والبيئة. لذلك لم يتمكن من رسم صورة مقنعة للتطور الأدبي، فمعظم رواده ظلوا يعتمدون في تحقيب المادة الأدبية على معطيات خارج-أدبية كاعتمادهم على التقسيم السياسي أو التقسيم الإقليمي
بيد أن التطور الأدبي من منظور جمالية التلقي، لا يمكنه أن يلتمس من خلال تعاقب الدول وتوالي العصور، أو من خلال دراسة الأدب في كل إقليم على حدة لجمع شتاته والإحاطة بكل دقائقه، ولكن بدراسة أشكال التفاعل التاريخي بين الأدب والجمهور، وبتبني هذا الإجراء، فإن تاريخ الأدب يكف عن أن يظل مجرد تصنيف تعاقبي للمؤلفين والمؤلفات عبر العصور أو عبر الأقاليم، ليصبح سيرورة متواصلة الحلقات تتعقب ردود أفعال القراء تجاه نص أو مدونة من النصوص منذ نشأتها حتى اللحظة التي يكتب فيها المؤرخ. ومن خلال هذه السيرورة تتضح المسافة الجمالية بين أفق كل نص وأفق انتظار كل قارئ. هذه العملية تساعد على تحديد موقع كل نص داخل السلسلة الأدبية التي ينتمي إليها، بحيث يمكن تجميع نصوص متباينة زمنيا أو إقليميا في خانة واحدة حسب استجابتها أو تخييبها أو تغييرها لأفق انتظار محدد.
هذه الطريقة تمكن مؤرخ الأدب من تمييز الأعمال التي انقطع تأثيرها في حقبة معينة عن تلك التي استمر تأثيرها، وبإمكانه أن يعمل على بعث هذه الأعمال من جديد إذا تمكن من اكتشاف قدرتها على الإجابة عن أسئلة جديدة لم يهتد إليها النقاد السابقون. وبإمكانه أيضا إهمال أعمال أخرى استمر تأثيرها لزمن طويل إذا تبين له عدم قدرتها على الإجابة عن الأسئلة النابعة من وضعيته التاريخية.
وهذه الطريقة أيضا، تمكن مؤرخ الأدب من تجاوز تلك النظرة الشمولية التي هيمنت على الدراسة الأدبية منذ القديم، حيث سيكف عن إصدار تلك الأحكام العامة المطلقة عن القيمة الفنية للأعمال الكاملة لشاعر واحد أو عصر بأكمله. وعلى مستوى التمييز بين البعد التاريخي والبعد الجمالي: ظل المنهج التاريخي يتأرجح بين النزعة الموضوعية والنزعة الذاتية، ونتج عن ذلك نوع من اللاتكافؤ في طرق توظيف المؤرخين لكل من البعد التاريخي والبعد الفني، حيث يتضاءل اهتمام المؤرخ بالبعد الفني كلما تزايد إلحاحه على الدراسة الموضوعية، وبالمقابل فإن الاهتمام بالبعد التاريخي يتراجع كلما تزايد الإلحاح على الدراسة الذاتية الذوقية. فالهوة بين البعد التاريخي والبعد الفني، ظلت ملازمة للدراسة الأدبية منذ القديم، إذ إنه لم يتمكن من صهرهما في تصور منهجي متكامل مثلما حدث مع جمالية التلقي من منطلق التمييز بين مظهرين اثنين مظهر جمالي: يتمثل في ما يتضمنه تلقي العمل من قبل قرائه الأوائل من أحكام تبرز قيمته الجمالية، هذه الأحكام تستند على مرجعية تتمثل في مجموع الأعمال التي تمت قراءتها من قبل ، و مظهر تاريخي يتمثل في التطور الذي قد يلحق هذه الأعمال، والغنى الذي قد تكتسبه من جيل لآخر. هذا التطور يمكنه أن يشكل عبر التاريخ سلسلة من التلقبات من شأنها أن تبرز أهمية العمل التاريخية، ومكانته الجمالية إزاء غيره من الأعمال ؛ وتكامل هذين المظهرين يكتسي بعده الإجرائي اعتمادا على مفهوم "أفق التوقع في طرق اشتغال هذا المفهوم داخل عالم الأدب ودوره الهام في إبراز القيمة الجمالية للأعمال الأدبية، ولتوضيح بعده الاجتماعي، لكن طغيان البعد الأدبي للمفهوم على البعد الاجتماعي جعله عرضة لانتقادات متنوعة ؛ ورغم القصور الذي يعاني منه المنهج التاريخي، فإنه لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي لعبه في تطوير حقل الدراسة الأدبية، إذ لولاه لما تمكنت نظرية الأدب من صياغة أسئلة جديدة تتجاوز التركيز على المؤلف وتنفتح على كل من النص والقارئ.


الباب الحادي عشر
مناحي كتاب تاريخ الادب
ـ9 ينحو كتاب تاريخ الأدب مناحي متباينة في كتابتهم للتاريخ .فمنهم من يتناول العصور التاريخية عصرا عصر ا .ومنهم من يتناول الأنواع الأدبية ، كالقصة، والمسرحية، والمقامة. ومنهم من يتناول الظواهر الأدبية ، كالنقائض، والموشحات .ومنهم من يتناول الشعراء في عصر معين أو من طبقة معينة ـحتى أذا جاء العصر العباسي الثاني .أخذ الأدب يستقل عن النحو واللغة ،ويعني بالمأثور شرحا وتعليقا الأخبار التي تتعلق بالأدباء أنفسهم ـ وفي العصر الحديث انبرى عدد كبير من الأدباء ، والمؤلفين ، والدارسين ،فكتبوا تاريخ الأدب العربي في كتب تتفاوت في احجامها ومناهجها ،فجاء بعضها في كتاب ،والبعض الأخر في مجلدات .مثل كتاب "تاريخ الأدب العربي "للسباعي وفي تقسيمات تاريخ الأدب العربي ، وعصوره درج مؤرخ الأدب العربي على تقسيم العصور الأدبية تقسيما يتسق مع تطور التاريخ السياسي ، لما بين تاريخ الأدب وتاريخ السياسة من تأثير متبادل .ولكن هذا التقسيم لا يعني أن الظواهر الأدبية تتفق مع العصور التاريخية اتفاقا تاما ،وذلك أن الظواهر الأدبية تتداخل قليلا أو كثير في العصور التاريخية ، وأكثر من أرخوا للأدب العربي -وزعوا حديثهم عنه على خمسة عصور أساسية هي
1- العصر الجاهلي :- وقد حدده المؤرخون بمئه وخمسين سنة قبل بعثة النبي (عليه الصلاه والسلام )
2-العصر الاسلامي :- ويمتد من بداية الدعوة الاسلامية الى سقوط الدولة الأموية عام عهد صدر الاسلام :-ويشمل عهد الرسول (صلى الله عليه (132ه،750م) ويقسم هذا العصر إلى عهدين :
-عهد صدر الإسلام :-ويشمل عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء الراشدين .

-عهد الدولة الأموية .
3- العصر العباسي :
-يستمر حتى سقوط بغداد في يد التتار عام(656ه1258م)
4-عصر الدو ل المتتابعة :- ويجعله معظم المؤرخين في عهدين ،هما :-
5- العصر الحديث :- ويمتد الى أيامنا الحاضرة.
والتاريخ كنز للأمم يعرف به ماضيها وحضارتها وقد كان هناك مكتبات من أعظم المكتبات التي جمعت بين رفوفها أنفس الكتب في شتى المجالات ألا وهي مكتبة دار الحكمة ببغداد والتي أحرقها المغول ومكتبة قرطبة بالأندلس التي أحرقها الصليبيون ومكتبة بني عمَّار في القرن العاشر الميلادي في طرابلس بسورية والذي قدر شوشتري في كتابه «مختصر الثقافة الإسلامية» مقتنياتها بثلاثة ملايين كتاب . وإن العلماء المسلمين أصبحت لهم اليد الاولى في بناء ثقافات أمم كثيرة ومؤلفاتهم أُخذت وتُرجمت إلى عدة لغات وطور المقتبسون لها ما وجدوه بها . ولكنها لدى مثقفين العرب أصبحت مؤلفاتهم فقط نسخ ولصق ثم طباعة فبيع . إذ أنهم أفرغوا محتويات السابقون إلى كتب جديدة بغلاف جذّاب ولم يكن للتحقيق إلا القليل منهم . إن محب التاريخ وعلومه يقف حيراناً بين هل هذه حقيقة التاريخ أم أنه أصابه تزوير وتحريف حسب الأهواء والقبلية احيانا كثيرة ؟ والطائفية التي أزالت حقائق تاريخه وشوّهت ما ظهر منها. فالحجّاج بن يوسف الثقفي الوقائع تقول أن أعظم الفتوحات الاسلامية هو من جهّز جيوشها حتى بلغت الصين . ثم تأتي كتب التاريخ لتشوه هذا التاريخ الناصع بطائفية عمياء أساءت له ولتاريخ إسلامي كبير . وهناك فرق بين ما يدرّس من تاريخ وبين ما يظهر في الواقع وعبر بعض القصاصات القديمة فمن يا ترى استباح التزوير في هذا العلم وشوهه ؟؟!! في الأدب العربي ظهر الشاعر الشنفري والذي ينسب إلى الأزد ، والأزد كما ذكر ياقوت أنها تنقسم إلى أربعة أقسام. أزد شنوءة، وأزد السراة، وأزد عمان، وأزذ غسَّان ، إذاً من أيّ الأزد هو الشنفري ، ويذكر النسّابون أن القبائل التي تنتسب إلى الأزد افترقت على نيّف وعشرين قبيلة . هنا لا أكذّب مؤلف نسب الشنفري إلى دياره أو قبيلته ولكن الشنفري من القلائل الذين لم تصل أخبارهم بدقة وبعض ما قيل عنه يعتبر من الأساطير والروايات التي كان يتسلى بها الرواة قديما فشابها كثير من الخرافة والابتداع في سيرته …لم أصل الى القليل من مستوى الباحثين وعلمهم ولكن كل فئة تنسب هذا العَلم لها فحيروا العقل في التصديق . خلال بحثي السريع وجدت من نسبه إلى زهران ومن نسبه لبللسمر فالكثير من قبائل الأزد ، وأخيراً ظهرأنه من تنومة فأيّ الروايات أصح .؟؟؟!!! والحقيقة أن تاريخنا الأدبي والسياسي يخضع للأهواء لا للحقيقة .فكم من شنفري لدينا.. ويستمدّ التاريخ ألأدبي أهميّته ومشروعيّته من كونه شكّل طوال عقود متواصلة محور عدد من الندوات والمؤتمرات التي تتناول من هو المؤرّخ الأدبي؟ وما وظيفته؟ وما عدّته النظرية إزاء التاريخ كمفهوم وتصوّر، وإزاء الأدب كموضوع مختلف عن التاريخ ومتميّز عنه. هذه الأسئلة تحيي عند الباحثين والمتابعين للنشاط الثقافي ذكرى أيام تعلّمنا فيها تاريخ الأدب حين كنّا في الجامعة، وحين درّسناه عندما أصبحنا أساتذة، وتعيد الى الأذهان ذكرى قراءتنا «تاريخَ الآداب العربية» لجرجي زيدان، و«تاريخ الأدب العربي» لحسن الزيات، وسلسة شوقي ضيف الشهيرةوتمّ اللقاء في الغرب الأوروبي، بين الأدب وعلم التاريخ في القرن التاسع عشر بين أحضان الفلسفة الوضعية ابنة الفكر الفلسفي الألماني، وصادف هذا اللقاء بين الأدب وعلم التاريخ تطوّر التعليم العالي في فرنسا وتحوّله الى قطاع أساسي في الحياة الثقافية، ما لبث أن تبلور في تيارين: الأول عرف بالتيار العلمي، ومثّله الناقد سانت بوف الذي وظّف الدرس الأدبي لاستكشاف عناصر شخصية المبدع، وهيبوليت تين الذي صاغ حتميّة القوانين العلمية في نشأة الظاهرة الأدبية فتحدّث عن «الجنس والبيئة والعصر»، وبرونتير الذي اقتدى في طروحاته الأدبية بنظرية داروين حول تطوّر الجنس البشري. أما التيار الثاني فعرف بالتيار التأثري، ومثّله لوميتر الذي عاكس نظرية مجايليه ورأى أن النص الأدبي خلق وإبداع للمتعة، والإمتاع والتلذّذ بمعانيه وصوره الجميلة التي يعبّر بها المبدع عن رؤواه وخيالاته وتصوّراته. وما على الناقد كما يقول لوميتر إلّا الاستمتاع والتلذّذ بقراءته الأثر الأدبي وتسجيل تأُثّره، وتبليغه للقراء حتى يساعدهم على ورود مواطن الجمال التي أحسّ بها في الأثر بذوقه المرهف والمدرّب. في هذا الجوّ المشبع بالفلسفة الوضعية، والصراع بين التيّار التأثّري والتيّار العلمي بدأ اسم غوستاف لانسون يتردّد منذ نشر كتابه الشهير «تاريخ الأدب الفرنسي «ومقالته الأشهر» منهج تاريخ الأدب» (نقلها الى العربية الكاتب المصري محمد مندور) وفيها يتحدّث لانسون عن الأسس النظرية للمنهج التاريخي، ثم الخطوات العملية، فالصعوبات، ثم علاقة تاريخ الأدب بالتاريخ العام، وأهميّة تاريخ الأدب، وتعريف الأدب، وارتباط المنهج بالوطنية الحقّة. كانت هجومات لانسون ضدّ تين وبرونتير وكل من حاول الحديث عن علمية التاريخ الأدبي والنقد عنيفة، ولكنّه احتفظ بمبدأ التعامل مع الأدب تعاملاً علمياً بمفهوم مختلف. فالمعرفة عنده لا بدّ من أن تنبع من طبيعة الأدب نفسه، وتتمثّل في جملة مبادئ وأسس على الباحث الالتزام بها، ثمّ جملة من الخطوات العملية الخاصة بتحقيق الأثر الأدبي والحكم عليه. أما التذوّق فعلى رغم استهجان لانسون للنقد التأثري وحملاته العنيفة ضدّه، يقرّ بضرورة التذوّق في أي نقد . أما تأريخ الأدب عنده فيرتبط بمؤسسة عريضة جدّاً هي تاريخ الحضارة لكنّه يتميّز عنها. فموضوعه الذي هو الأعمال الأدبية في الماضي، يفرض على المؤرخ أن يتقمّص الماضي وينفصل عنه في الآن نفسه. لذلك يضع لانسون سلسلة من المنطلقات التي تتمثّل في معرفة النصوص الأدبية ومقارنتها فيما بينها، لتمييز ما هو فردي عما هو جماعي، ومعرفة ما هو أصيل عما هو تقليدي، وتجميعها في أنواع ومدارس وحركات، وأخيراً تحديد علاقة هذه المجموعات بالحياة الثقافية والأخلاقية والاجتماعية للبلاد. ويتفق المنظّرون للأدب وتاريخه أن الشكلانيين الروس هم الذين وضعوا أسس تاريخ أدبي جديد يقوم على تاريخ الأشكال الأدبية، تاريخ يسميّه جيرار جينيت تاريخ الشفرات الأدبية، ويدعوه ويليك ووارن تاريخاً للأدب باعتباره فنّاً، ويراه هانز روبير ياوس تاريخاً لتلقّي الأعمال الأدبية أما مايكل ريفتير فيحدّد له ثلاثة حقول :العلاقات بين النصوص، وبين النصوص والأنواع، وبين النصوص والحركات الأدبية، ثم الدلالات المتغيرة للنص، تبعاً للأجيال المتعاقبة للقراء، ثم دلالة النص الأصلية في حين يذهب رولان بارت الى التوفيق بين المظهرين الأساسين للأدب: المؤسسة والإبداع
وأتاحت هذه الأفكار التي تبنّاها ريفاتير وبارت وبخاصة فكرة النسق، أتاحت للباحث الكندي كليمان موازان في كتابه «ما التاريخ الأدبي؟» الذي نقله الى العربية حسن طالب ونشرته دار الكتاب الجديد المتحدة أن يتقدّم بتصوّر يرى في التاريخ الأدبي عموماً، والظاهرة الأدبية بنوع خاص مجرّد نسق فرعي لنسق كلّي هو الثقافة باعتبارها نسقاً اجتماعياً يشمل أنساقاً فرعية أخرى كاللغة والسياسة والقانون والدين والفنّ. تقود فكرة النسق الى التخلّي عن فكرة التطوّر التي تحكّمت بالمقولات التقليدية للتاريخ الأدبي (نشأة - تطوّر - انحطاط) واعتماد فكرة الحركة التي تتصل بها فكرة السكون.
وهكذا يتوضّح أن الرؤية النسقية تجمع بين رؤيتين: صعود/ هبوط التاريخ المؤرّخ، وتزامن/ تطوّر التحليل البنيوي داخل رؤية واحدة شمولية، حيث تعتبر البنيات المسطّحة والأفقية والعمودية والخطية أو غيرها نقطة انطلاق للصعود الى أعلى وإدراك تنظيم أعلى من التنظيم الأول. وينبغي الإشارة الى أن كلمة نسق تعني هنا التعبير عن شيء مدرك باعتباره مكوّناً من مجموعة عناصر وأجزاء تكون مترابطة فيما بينها من خلال مبادئ مختلفة ومميّزة، كما تعني طريقة من طرق الفهم (التحديد) والإدراك (التطبيق) لهذا التنظيم ذي العناصر المتداخلة تواصلياً. وبمجرّد أن ندرك، ونأخذ بعين الاعتبار التنظيم المفاهيمي فإننا نعقلن النسق، وما إن نضبط العناصر واشتغالها فيما بينها ندرك النسق ونصيّره قابلاً للفهم. ويميل النقاد المحدثون اليوم الى الحديث عن الظاهرة الأدبية أكثر من حديثهم عن الأدب لأنها تحدّد الواقعة الأدبية أفضل من كلمة أدب وحدها، وبالتالي فستكون مهمّة التاريخ الأدبي دراسة وتحليل مختلف العلاقات التي تقيمها عناصر تلك الظاهرة الأدبية في فترات تسلسلها الزمني، وكذلك استخلاص القوانين والاشتغالات التي تشكّل عبر تنظيمها ذاته كلاً معيّناً. يفترض هذا التصوّر للأدب بوصفه ظاهرة أو نسقاً ألا يكون في معناه المحدود والواسع مستقلاً كما يراه البعض وإنما يندرج هو وتاريخه في سيرورة ثقافية اجتماعية تاريخية لا تتوقّف على التصنيف والتحقيب، وإنما تأخذ بعين الاعتبار النصوص بصفتها أنساق تنظيم داخلي وخارجي في الآن نفسه، إضافة الى وضعهما كخطاب يخضع لقواعد العرض والطلب


الباب الثاني عشر
صدق التاريخ الأدبي ومنطقه
الحديث عن صدق التاريخ الادبي حديث ذو شجون ، ويحتاج الى دقة في تحري الحقاىق والتاكد منها ...ذلك ان الخبر الذي يقع منذ خمسة عشر قرنا او منذ عشرة قرون يحتاج الى نقلة ثقلت من الرجال لا يتعصبون لقبيلة او جماعة او فكرة ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل عند المسلمين....واخبؤ الادبي التاريخي تعاورته أشياء كثيرة..... وقد فتح المستشرق ( مرجليوت ) ومن بعده الدكتور طه حسين من خلال نظرية الشك الديكارتية التي طبقت على كثير من الشعر الجاهلي قد فتحت جدلا حول صدق الكثير من الحوادث الادبية
-1
امرئ القيس : كيف يصل إلى إنسان نعيُ أبيه ويظل يسكر ويلعب النرد ؟ أليست لعبة النرد تحتاج إلى إعمال فكر ؟ وإذا كان الإنسان يفكر في كسب الدست ، فكم بالحري أن تصحّيه الفاجعة ويقوم لتوه... ولا يقول قولته المأثورة : " اليوم خمر ، وغدًا أمر "... أم إن القصة وردت حتى تظهر فتوته وعدم جزعه ، وحتى يتلاءم الموقف وما قاله الأب المحتضَر أن يقوم بمهمة الثأر ذلك الذي لا يجزع من بنيه ؟ قلت لكم بالحري أن تصحيه الفاجعة وهو الشاعر ، ونحن نعرف أن الشاعر في طبيعته عاطفي منفعل ... وإذا كان امرؤ القيس قد كسب القبائل ، وقتل من بني أسد ما قتل ، فلماذا تتخلى عنه القبائل بهذه السرعة ؟ ألأ نه قتل مائة ، وهي تقتنع بالعدد ؟ هذه الحادثة تحتاج الى تحري ودقة
-2
طَرَفة :
تحدثنا كتب الأدب أن عمرو بن هند أرسل طرفة وخاله المتلمس إلى المكعبر والي البحرين ، ومع كل منهما رسالة تأمر الوالي بقتل حاملها ... أما المتلمس فقد أوجس في نفسه خيفة ، فأقرأ رسالته لأحد حزاورة العرب ، فإذا بها الصحيفة المشهورة ، وإذا بالمثل ينطبق على حامل موته بيده . وتحدثنا الأخبار أن المتلمس حاول إقناع طرفة أن يطلع رسالته أحدًا ، لكن طرفة أبى ، لأنه مقتنع أن مصيره لا يمكن إلا أن يكون العطاء والتكريم . ومن المنطق في مثل هذه الحالة – وبعد فتح رسالة خاله- أن يقرأ طرفة رسالته ، أو يقرؤها له . ثم إن شخصية طرفة الشاب مطالبة بالحق لا تستسلم . ودليلنا معلقته .. فابن عمه ( مالك ) لا يطيق الشاعر ، ويخاصمه بسبب إلحاح طرفة على حقوق أخيه معبد :
فما لي أراني وابن عمي مالكًا
متى أدن منه ينأ عني ويبعد؟
على غير شيء قلته غير أنني : نشدت فلم أغفل حمولة معبد
فهل طرفة بهذه السذاجة حتى يأتي إلى البحرين يمنّي نفسه ، ويتخلى عنه خاله المتلمس الذي كان وإياه في مجابهة عمرو بن هند ؟؟ ولنأت إلى زهير بن أبي سلمى : والمبالغة تقول إنه ما كان يحيى هرمًا ( عِموا صباحًا أو مساءً ) حتى يأخذ وليدة أو فرسًا أو ... فما هذا المنطق ؟
والحادثة تحتاح الى تحري ودقة في النقاش
زهير بن ابي سلمي-3
هل سلام زهير له أهمية خاصة ؟ وهل مكانة زهير ( الذي أشبع سارقي إبله سبًّا وأودوا بالإبل ) مكانة خاصة ؟؟؟ ولنفرض أن زهيرًا كان يحصل على ذلك !! وهل أجدادنا بهذه السذاجة ؟ وأين التواضع الذي حدثونا عنه ؟ بل أين المجلس القبلي الذي جرى فيه مثل هذا في تاريخ العرب ؟ عمرو بن كلثوم-4-
كيف يتأتى قتل عمرو بن هند في مجلسه وبين أهله ولا يتعرض له أحد بسوء ؟ وإذا كان عمرو بن كلثوم فاتكًا لا يجرؤ عليه أحد ، فلماذا لا يحل محل عمرو بن هند في زعامة قبائل العرب من قبل النعمان بن المنذر ؟؟؟
الحارث بن حلزة: -5
وأما الحارث بن حلزة فتحدثنا الروايات أنه ارتجل قصيدته التي مطلعها :
آذنتنا ببينها أسماء : رب ثاو يمل منه الثواء
ارتجلها دون سابق إعداد ؟ بل تحدثنا الروايات أنه اتكأ على رمح نفذ من يده - وهو لا يدري لفرط تأثره ...
-6
سحبان بن وائل:
سحبان وائل المشهور بالفصاحة والبلاغة والخطابة لم يعرف له غير مقطوعة صغيرة لا تدل على بلاغة خاصة أو مكانة تشفع لها بالسبق ، ولم يرد في أمهات الكتب الأدبية قطعة أخرى له ، أو أخبار تتجاوز خبرًا مبالغًا فيه ، ذلك أنه خطب من صلاة الظهر حتى العصر ، فما تنحنح ولا تلكأ ولا تلجلج !!!
-7
هذا المتنبي ، شاعرنا الكبير ، هذه الشخصية الحذرة من مصائب الدهر ، المتعلقة ، والمتكيفة لواقعها الجديد ، والمتمردة في نفس الآن ، هذا الشاعر يكمن له أعداؤه ، وعندما ينجح في الخلاص يعيده بيت من الشعر ، إذ يقول له غلامه : أتهرب وأنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني : والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فهل هذا البيت له هذه القدسية حتى تعيده إلى الثبات ... مع أن الجرأة طبع من طباعه
ابو العلاء المعري: -8
أبو العلاء المعري ذكاؤه خارق : يلعب النرد والشطرنج – وهو البصير – ، ويحضر محاكمة لينقل حوارًا بلغة أردية لا يفهمها ، بل يعرف مكان شجرة بين المعرة وبغداد ... وقس على ذلك .
ان التهويل والمبالغة جزء من تاريخ الأدب ، وكأنها أمر لازب لا غناء عنه ، وذلك حتى تظهر السجايا التي يعتز بها العربي ... إننا بحاجة إلى التعامل مع النص أكثر من تعاملنا وتاريخ الأدب ، ودراسة التاريخ لا تهم إلا بالقدر الذي يخدم دراسة القصيدة . ونحن بحاجة إلى غربلة الكثير .


الباب الثالث عشر:
التاريخ الادبي ومناهج النقد الأدبي:
عرف تاريخ الأدب وتاريخ الفن بصفة عامة ركاماً من المناهج النقدية والاجتهادات التنظيرية التي حاولت بسط طروحات متعددة اعتبرتها متكاملة ومتميزة. ومن بين هذه المناهج نذكر منهج التأريخ الأدبي والمنهج البنيوي.. وأهم ما يميز طروحات هذه المناهج ومفاهيمها الإجرائية ارتكازها الأساسي على ثلاثة أقطاب هي: المؤلف والسياق والنص. وكما هو معلوم، فإن التأريخ الأدبي قد رصد أدواته الإجرائية لدراسة بيوغرافية (سيرة) المؤلف باعتباره سلطة مركزية، لذلك استعان بالمعايير التاريخية والاجتماعية وأحكام الناقد الذاتية. وقد وجهت بعض المناهج ، عنايتها إلى اكتشاف وظيفة جديدة للظاهرة الأدبية لعدم اقتناعها بنتائج النظرية التأريخية، ومن ثم انصبت أسسها الفكرية على الاهتمام بآليات الواقع من خلال تحديد العلاقة الجدلية بين الإبداع والبنية التحتية. أما المنهج البنيوي، فقد اختزل أبحاثه بتركيزه على النص، بحيث التجأ إلى تفتيت الجمالية الأدبية بواسطة منظومة من العلاقات المنغلقة التي تعمل داخل بنية النص الداخلية المحايثة. لذلك، فإن ما يميز هذه المناهج برمتها هو إخضاع دراساتها لرؤية أحادية الجانب، من خلال ارتكازها على أحد العوامل المشكلة للظاهرة الأدبية. كما أنها (المناهج) تتناول العمل الأدبي ضمن حلقة «جمالية الإنتاج» . وهي إذ تفعل ذلك، تحرم الأدب من بعد يعتبر، مع ذلك، ملازماً لطبيعته كظاهرة جمالية وكوظيفة اجتماعية، ألا وهو الأثر الذي ينتجه في الجمهور، والمعنى الذي يمنحه له هذا الجمهور، أي بعد «التلقي» . ولا يجوز ان نهمل القارئ ودوره الخاص الذي ينبغي للمعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية أن تعتبره، لأنه هو الذي يتوجه إليه العمل الأدبي بالأساس، لأن الناقد الذي يحكم على مؤلف جديد، والكاتب الذي يبدع عمله تبعاً لنموذج عمل سابق، سلبياً كان أم إيجابياً، ومؤرخ الأدب الذي يقوم بتأويل العمل تاريخياً، من خلال ربطه (العمل) بالحقبة الزمنية والتقليد المنبثق منهما: فكل هؤلاء هم أيضاً وأولاً قراء قبل أن يعقدوا مع الأدب علاقة تأمل تصبح بدورها منتجة. فضمن الثالوث المكون من (المؤلف والعمل والجمهور)، فإن هذا الأخير ليس مجرد عنصر سلبي، بل يتجاوز ذلك إلى تنمية طاقة تساهم في صنع التاريخ، لذلك لا يعقل أن يحيى العمل الأدبي في التاريخ دون المشاركة الفعلية لأولئك الذين يتوجه إليهم» ، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنحى الجديد الذي حاولت جمالية التلقي أن تدشنه، بارتكازها على إشكالية التلقي وفعل القراءة، ليس حديث العهد بهذه النظرية، وإنما هو تطوير للمجهودات الفردية، وإغناء للتنظيرات المنضوية تحت إطار منهجي معين، كما سبقت الإشارة إليه في المبحث السابق (سيكولوجية القراءة/ القارئ، سوسيولوجية القراءة، أسلوبية القراءة، سيميولوجية القراءة.. إلخ). فأمام هذا الركام من الاتجاهات النقدية التي اعتنت بعنصر المتلقي، يبقى الجديد الذي جاءت به جمالية التلقي لا يتمثل أساساً في «الرؤية في ذاتها بقدر ما هو تركيز الاهتمام على ظاهرة التلقي، وخاصة وصفها بدقة والتنظير لها كبديل منهجي» ، ويمكن اختزال هذا البديل المنهجي الذي طرحته جمالية التلقي من خلال فرضيتين أساسيتين: الأولى : ما الذي يقوله النص لي، وما الذي يمكن أن أقوله للنص؟؛ والثانية : بأن العمل الأدبي ليس هو النص وليس هو القارئ. ولكن نقطة الالتقاء الموجودة بينهما في تفاعل دينامي منتج ؟.إذاً فالشيء الجديد الذي أرست به جمالية التلقي قواعدها الأساسية يتمثل في إعادة النظر في البداهة الخاطئة التي تجعل الأثر الأدبي كياناً قائماً بذاته ومتضمناً حقائق في ذاته، لتجعله (الأثر الأدبي) مقروناً بذات مدركة، هي ذات القارئ في إطار علاقة دينامية تفاعلية. فــ«العمل الأدبي يمتلك قطبين يمكن تسميتهما بالقطب الفني، والقطب الجمالي. ويعني الأول النص كما أبدعه المؤلف، أما الثاني فهو تحقيق القارئ له(..) ومن التقاء النص بالقارئ يولد العمل الأدبي» ، كما أن جمالية التلقي، وهي تؤسس للعلاقة التفاعلية بين القارئ والنص، تروم خلق حوار سرمدي ومستمر بين النص وقرائه المتعاقبين عليه. وبذلك تنتقد النظرة التاريخية التقليدية التي تبتر العلاقة بين التجربة الماضية والمؤلفات الحاضرة. وهكذا تحرص جمالية التلقي من خلال مقولة التفاعل وتشكلات الأفق الحاضر من خلال العثور على حلول للأسئلة والإشكالات التي ظلت عالقة بالعمل الأدبي القديم. الشيء الذي يجعل من تلقي النص «كينونة ووجوداً متجددين، إذ يتلقى في سياقات مختلفة وأزمنة متنوعة ومن قبل متلقين متعددين. وإلحاحها على التلقي جعل النص يتأسس على أنطولوجيتين: أنطولوجية التناص بما يقتضيه من هدم وبناء وإعادة بناء لنصوص سابقة ومعاصرة؛ وأنطولوجية التلقي بما تقتضيه من قراءات بحسب الأمكنة واللحظات وأنواع القراء» إلا أن تميز جمالية التلقي كإبدال مغاير في طرحها لقضايا التلقي وطرق اشتغال القراءة، لا يعني بتاتاً القطيعة المطلقة مع المناهج النقدية السابقة، بل على العكس من ذلك، حيث تمثل نتاجاً و«إفرازاً لتراكم نظري، علمي ومنهجي، وتركيباً لاتجاهات وتيارات مختلفة بل ومتعارضة، وهو الشيء الذي يعكسه غنى الخلفية المعرفية التي تستند إليها جمالية التلقي (المادية التاريخية، علم الاجتماع والتحليل النفسي) جنباً إلى جنب مع مبادئ النظرية التواصلية وقواعد السيميوطيقا واللسانيات، هذا بالإضافة إلى الموجه والناظم لكل ذلك والمتمثل في الفلسفة الظاهراتية والتأويلية الحديثة ، فالمناهج النقدية لا تهبط من السماء، بل لها موقع محدد من التاريخ.


الباب الرابع عشر:
التاريخ الادبي وجمالية التلقي

ليست نظرية التلقي بعيدة عن تاريخ الادب والظواهر الادبية، ف(جمالية التلقي) نظرية تقنية، وفلسفة متكاملة تدخل ضمن فلسفة العصر الذي نعيشه ، ومن خلال استقراء الأسس الفلسفية والخلفيات المعرفية التي شكلت الإطار العام الذي تمت فيه صياغة مشروع جمالية التلقي، يتبين أن هذه النظرية لم تنشأ من فراغ، وإنما سنجدها قد اعتمدت على الإرث التاريخي والفلسفي والعلمي من جهة، وما أنجز في مجال الدراسات اللسانية والنفسية والأبستمولوجية والفنية في الفكر الإنساني عامة. وبتعدد المخاطبين والأزمنة تتعدد الأسئلة والأجوبة فالنص بدوره يطرح أسئلته وعلى المتلقي هذه المرة أن يجيب. يظهر هذا عندما يتعارض النص مع التصورات المألوفة لدى المخاطبين، وقد يؤدي الأمر إلى إبراز تصورات جديدة ، وبناءً على ما سبق، فإن مقولة (منطق السؤال والجواب) تتيح للمؤرخ الأدبي معرفة كيفية تلقي الجمهور الأول للعمل الأدبي، وإمكانية رصد لاختلاف التلقيات، من حيث تأويلها للعمل نفسه على طول التاريخ الأدبي. كما أن توظيف هذه الأداة (منطق السؤال والجواب) يسمح بالأساس برصد تطور العلاقة بين العمل والقراء المتعاقبين عليه، وبالتالي يتأكد التواصل بين الحاضر والماضي، من خلال جعل أعمال الماضي منفتحة باستمرار على اللحظة الراهنة. مما يدل دلالة قاطعة على أن العمل الأدبي لا يحمل في ذاته معنى خالداً وقاراً، بل معاني متعددة بتعدد التأويلات المتعاقبة والأجوبة المتتالية والأسئلة المتجددة. وفي ضوء هذا الطرح، يبقى أن نتساءل عن هذا الجديد الذي قدم للتاريخ الأدبي كبديل للتصورات السابقة،
إن التأويل من منظور جمالية التلقي يتطلب بالأحرى أن يسيطر الباحث على مقاربته الذاتية باعترافه بالأفق المحدود لوضعيته التاريخية .إلا أن فهمنا لنص أدبي لا يعني فهم تجربة المؤلف، بل يعني فهم تجربة الوجود التي تفصح عن نفسها من خلال النص. النص الأدبي -والشكل الفني- وسيط ثابت بين المبدع والمتلقي، وعملية الفهم متغيرة طبقاً لتغير الآفاق والتجارب، ولكن ثبات النص -كشكل- هو العامل الأساسي لجعل عملية الفهم ممكنة» . ولا يمكن فهم أي نص أدبي دون استكناه السؤال الذي يجيب عنه ذلك النص، طالما أن كل نص هو جواب عن سؤال. والسؤال الذي يتعين على المؤول أن يعيد تشكيله وفهمه لا يتعلق بالتجربة الفكرية للمؤلف، بقدر ما يتعلق أولاً بمعنى النص نفسه، إلا أن هذا المعنى لا يكون أبداً واحداً وجاهزاً ونهائياً، مادام أن الفهم يتنافى مع الثبات والموضوعية المزعومة. كما أنه في عملية الفهم، لا يمكن إعادة بناء ظروف الماضي مهما حاول أي مؤرخ عبقري ذلك. فهو يضيف ذاتيته إلى الأثر الماضي، من حيث أنه يعتقد أنه يفوز بموضوعيته. فـ«الماضي [ ينبثق] دائماً من زاوية نظرنا الجزئية الخاصة بنا وتوقعاتنا مع «الأفق» الذي يموضع فيه العمل نفسه. في هذه اللحظة نلج عالم الفن الغريب، لكننا نضمه، في الوقت نفسه، إلى واقعنا، محققين فهماً أكثر كمالاً لذواتنا، فلا يعرف تاريخ الأدب بما هو وصف موضوعي لتعاقب الأحداث، بل بكونه إعادة تشكل للماضي في ذهن المؤرخ. من هذه الزاوية ينحصر تاريخ الأدب في عملية «التلقي والإنتاج الجماليين، التي تتم في تحيين النصوص الأدبية، من لدن القارئ الذي يقرأ والناقد الذي يتأمل، والكاتب نفسه المدفوع إلى أن ينتج بدوره» ، فلمؤول أو المفسر أو المؤرخ الأدبي يكفيه أن يغوص في أعماق النص، ليرى «حقيقة معناه الأبدية»، لأن ذلك يعني في رأيه إعطاء المشروعية للأسئلة المطروحة والأجوبة المقترحة. فـ«العمل القديم لا يحيا داخل تقليد التجربة الجمالية لا مع الأسئلة الأبدية ولا مع الأجوبة المستمرة، وإنما يحيا بفضل التوتر المفتوح بين سؤال وجواب، معضلة وحل، الذي يمكنه أن يستدعي فهماً جديداً وإحياء الحوار بين الحاضر والماضي . من هنا تكون علاقة القارئ المؤول بالنص، باعتباره (أي المؤول) من يحقق كينونة النص، أي من ينقله من نطاق الوجود بالقوة إلى نطاق الوجود بالفعل. ويتمخض عن هذه العلاقة التفاعلية بين النص والمتلقي -كسيرورة اتصال وانصهار بين أفقين- تشكل معنى النص، وذلك من خلال مستويين: شكلي ودلالي، مادام أن النص كموضوع جمالي، يمتلك خاصية شكل فني، وخاصية جواب عن سؤال فحين يبرز نص أدبي أصيل، من بين آثار الماضي الخرساء، ويستطيع مخاطبة أجيال قادمة، فليس لأن شكله يقاوم الزمن ، بل لأن هذا الشكل -بمفارقته للوظيفة العملية للغة التي تجعل من النص شهادة على حقبة محددة-يبقي دلالة النص دوماً مفتوحة وحاضرة، رغم الزمن الذي يتغير ويغير، باعتبار تلك الدلالة جواباً ضمنياً يخاطبنا في النص ، وبالتالي تكون الحقيقة التي يتضمنها العمل الفني -كمثيلتها في الفلسفة والتاريخ- حقيقة ليست ثابتة، ولكنها تتغير من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر طبقاً لتغير أفق التلقي وتجارب المتلقين، ولكن الوسيط أو الشكل الفني الثابت هو الذي يجعل عملية الفهم ممكنة ، مما يعني أن العمل لا يحمل في ذاته معنى أبدياً وثابتاً، بل معنى متحولاً بتحول القراءات، عبر التتابع التاريخي لتجسداته، أي من خلال وحدة اللحظات الثلاث المشكلة للفعل التارسخي (الفهم، التأويل والتطبيق). ولا يمكن استيعاب معنى العمل الأدبي وشكله كما فهم بطريقة تطورية فحسب، وإنما يتحول منظور البحث أيضاً في «الغوص» داخل السلسلة الأدبية التي ينتمي إليها العمل، لاستجلاء التجديدات التي أضفاها القراء المتعاقبون على العمل القديم. وهكذا، فإن القراءة المتعاقبة تفتح الأفق أمام إنتاجات جديدة تحاول أن تعالج معضلات المؤلفات السابقة؛ كما تطرح هي الأخرى معضلات جديدة. فالعلاقة الجدلية بين الإنتاج القديم والتلقي الحاضر تحملنا على طرح التساؤلين التاليين: كيف يتم هذا التجاوز المستمر من إبداع قديم إلى خلق فني جديد رغم وجود معارضات شكلية وخاصيات مختلفة، وأنساق تحويلية بين الطرفين؟ وكيف تتمكن هذه الجدلية من ابتكار قواعد تأليفية جديدة؟ لكن رغم أهمية الإجراء التعاقبي، في جعل تاريخ التلقي يحيلنا إلى التحولات التي تطرأ داخل التجربة الجمالية، ويساعدنا على استحضار صلات المؤلفات الأدبية أثناء سيرورتها التاريخية، فإنه من الواجب أن نركز اهتمامنا كذلك على دراسة كل مرحلة على حدة بطريقة تزامنية، لكي نرصد التغييرات الشكلية والمضمونية التي تعتري اللحظات التاريخية. فمن الممكن أيضاً دراسة مرحلة [معينة] من التطور الأدبي ذات تعدد غير متجانس، في بنيات متعادلة أو متنافرة أو متراتبة، والكشف بالتالي عن نسق شامل في أدب حقبة تاريخية معينة. وهكذا يمكن استخلاص منهج جديد لعرض تاريخ الأدب يبرز، ضمن صيرورة البنيات الأدبية، تمفصلات الحقب فيما بينها، وكذا التحولات من حقبة إلى أخرى . إن الفرضية الأساسية هي النظر إلى تاريخ الأدب كنسق، حيث إن كل مرحلة لها قيمتها الخاصة التي لا تنطبق بكيفية مباشرة على عصور أخرى . فكم من آفاق انتظار متعددة تتعايش في فترة واحدة. كما أن المسافة التاريخية للأدب، لا يمكن ضبطها إلا إذا طبق المؤرخ الأدبي التقطيع التزامني، وذلك لرصد الدلالات والإشكالات المطروحة في نقطة تاريخية معينة. في ضوء ما سبق، يتبين أن العلاقة المتينة بين المقاربة التعاقبية والمقاربة التزامنية هي التي تساعد الدارس الأدبي على استخلاص التأويلات وآفاق انتظار القراء في حقب تاريخية محددة، وداخل المسار التعاقبي الممتد. إلا أنه رغم أهمية الدراسة التعاقبية والتزامنية، فإن مهمة تاريخ الأدب لا تكتمل أساساً بوساطة هذين الإجراءين فقط، وإنما أيضاً بفضل العلاقة الحوارية الضمنية التي يقيمها مع التاريخ العام ؛ فالوظيفة الاجتماعية للأدب لا تتمظهر في أهمية إمكانياتها الأصيلة إلا حيث تتداخل التجربة الأدبية للقارئ في أفق انتظار حياته اليومية، فتوجه رؤيته للعالم أو تعدلها. ومن ثم تؤثر في سلوكه الاجتماعي .



الباب الخامس عشر
الرؤيا الجديدة
للتاريخ الأدبي
بإمكاننا أن نستوعب العلاقات بين التاريخ العام والأدب -كتاريخ خاص- دون إفراغ (الأدب) وتجريده من خصوصيته الجمالية الملازمة له، ودون إخضاعه لوظيفة انعكاسية . وإن الفجوة بين الأدب والتاريخ، بين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية، يمكن ملؤها إذا لم يقم التاريخ الأدبي بمجرد وصف مسار التاريخ العام كما تعكسه الأعمال الأدبية مرة أخرى، ولكن -بالأحرى- عندما يستكشف التاريخ الأدبي خلال «التطور الأدبي» تلك الوظيفة المشكلة حقاً للمجتمع، التي تنتمي إلى الأدب في تنافسه مع الفنون والقوى الاجتماعية الأخرى في تحرير البشرية من قيودها الطبيعية والاجتماعية. وفس رؤية جديدة لتاريخ الادب يتبين أن جمالية التلقي سعت إلى إعادة النظر في مناهج تاريخ الأدب، وكتابة منهج جديد لتاريخ الادب يستوعب كل التساؤلات الجديدة حول ابتحقيب الادبي والمنهج البديل الذ يجب ان يقوم عليه تاريخ ادب جديد يقوم على مبادئ إجرائية مغايرة للمبادئ السابقة أو مكملة لها ، أهمها:
1 - تحويل منظور البحث من جمالية الإنتاج والتصوير التقليدية، التي تنبني عليها المقاربات الهشة ، إلى جمالية التلقي، أي الأثر الذي ينتجه العمل الأدبي في القارئ، بحيث تتكون تاريخية الأدب من هذه العلاقة الجدلية (الحوارية) بين العمل والمتلقي.
2 - وصف وتحليل تلقيات القراء المتعاقبين (خاصة القراء -النقاد) للعمل الأدبي كل حسب أفق انتظاره الخاص، وذلك بإعادة تشكيل هذا الأفق وتعيين معاييره الجمالية.
3 - تحديد نوعية وشدة الأثر الذي يحدثه العمل في القارئ، فكلما كان الأثر قوياً -أي بقدر انزياح العمل عن معايير القارئ الجمالية وتغييره لأفق انتظاره، كان هذا العمل ذا قيمة جمالية. أما إذا ائتلف مع أفق انتظاره، فهو عمل مبتذل. فالمسافة الجمالية بين أفق الانتظار والعمل الأدبي الجديد -التي يمكن قياسها بردود فعل الجمهور وبأحكام النقاد- خير مقياس يحتكم إليه لتحديد جمالية العمل.
4 - الكشف عن طبيعة فهم القراء المتعاقبين للعمل الأدبي، بإعادة تشكيل آفاق الانتظار الخاصة بهم، مما يظهر بوضوح الاختلاف التأويلي في فهم هذا العمل بين الماضي والحاضر، بين أفق انتظار قديم وآخر معاصر، وكذا تعدد دلالاته بحسب تعدد تلقياته وتباينها. ويسمح هذا الإجراء بالتأريخ لمختلف تلقيات عمل أدبي ما من حيث شكله ودلالته.
5 - تصنيف كل عمل في «السلسلة الأدبية» التي ينتمي إليها، بهدف تحديد وضعه التاريخي، وكذا دوره وأهميته في السياق العام للتجربة الأدبية. فبالانتقال من تاريخ تلقي الأعمال إلى التأريخ الحدثي للأدب، يتضح أن هذا الأخير سيرورة يؤدي فيها التلقي السلبي للقارئ والناقد إلى التلقي الإيجابي للمؤلف وإلى إنتاج جديد، أي سيرورة يمكن فيها للعمل اللاحق أن يحل المعضلات الأخلاقية والشكلية، التي تركها معلقة العمل السابق، وأن يطرح بدوره معضلات أخرى.
6 - التوفيق بين المسعى الذي يؤرخ لتلقيات العمل المتعاقبة والمسعى الذي يستهدف بواسطة تقاطيع تزامنية في التاريخ الأدبي دراسة استراتيجيات التلقي في مرحلة معينة من التطور الأدبي، وتوحيد أعمال متعاصرة ذات تعدد غير متجانس في بنيات متعادلة أو متنافرة أو متراتبة، مما يسمح بالكشف عن نسق شامل في أدب حقبة تاريخية معينة.
7 - النظر إلى الإنتاج الأدبي -بما هو «تاريخ خاص»- في علاقته النوعية مع «التاريخ العام». ولا تتحدد هذه العلاقة بإمكانية الكشف عن تصورات معينة للحياة الاجتماعية، إما نمطية أو مؤمثلة أو قدحية أو طوباوية، في أدب كل الأزمنة. فالوظيفة الاجتماعية للأدب لا تتمظهر في أهميتها الحقيقية إلا حيث تتدخل التجربة الأدبية للقارئ في أفق انتظار حياته اليومية، فتوجه رؤيته للعالم أو تعدلها، ومن ثم تؤثر في سلوكه الاجتماعي.

الباب السادس عشر
صيرورة التاريخ الادبي
لقد فسحت جمالية التلقي مساحة كبيرة لتأمل ومساءلة مهمة المؤرخ الأدبي، فكان اقتراحها لبدائل منهجية أرادت من خلالها أن تجدد النظر في مناهج تاريخ الأدب و تلقيه.ومن ثم ، إظهار الأدب في صيرورته ووظيفته التحررية التي ألغتها المناهج الأخرى. فقامت بمحاولة ردم الهوة الفاصلة بين المعرفة التاريخية والجمالية، بين التاريخ والأدب .وهذا لن يتم إلا بالتخلي عن فكرة الربط الآلي بين الأعمال الأدبية والمنتجين والمبدعين. مع مايعني ذلك من إقصاء القراء والتلقين الفعليين والافتراض يين لهذه الأعمال. ذلك أن تاريخية الأدب تنهض على تمرس هؤلاء القراء وخبرتهم الجمالية، انطلاقا من أفق توقع خاص بهم. وهكذا سيتم تقديم تاريخ الأدب بوصفه تطورا أدبيا بغاية رصد التمفصلات والتحولات التاريخية من حقبة إلى أخرى.
لقد أصبحت مهمة المؤرخ الأدبي مع جمالية التلقي جديدة بكل المقاييس، تختلف عن تلك التي كانت سائدة في التصور الوصفي التقليدي. مهمة أصبحت ترتبط بالتأريخ للتلقي، أي بناء أفق توقع القارئ.و وضع العمل الأدبي في أفقه التاريخي وفي سياق المعاني الثقافية التي أنتج فيها. ثم بعدها سيكتشف العلاقات المتغيرة لقرائه التاريخيين. والغاية من هذا العمل هو إنتاج ضرب جديد من تاريخ الأدب : تاريخ يركز على المؤلفين والمؤثرات والاتجاهات الأدبية، وكذا على الأدب كما حددته وأولته لحظات تلقيه التاريخية المختلفة. ومن ثم» لم يعد التاريخ الأدبي نوعا من الحوار الذاتي يعبر فيه معنى موجود سلفا عن نفسه بشكل تطوري في صفائه وامتلائه الأصليين، بل أصبح نوعا من الحوار [..] عبر تاريخ يمتد من الجواب إلى السؤال يصل إلى الإنسان والعالم، وهذا ينتج عنه صياغة جديدة للسؤال عن جواب يمكن أن يكون له أيضا معنى آخر، وهوما نسميه بـ«حوار المؤلفين» يكون المؤلف السابق واللاحق [..] فالتقليد الأدبي ليس حوارا عائما بين نصوص ومؤلفين، من هنا لا يستعيد الحوار المتخيل متغيرات أمكنة الزمن إلا إذا تدخل مؤلف لاحق من جديد يعترف بالمؤلف السابق ويجد السؤال الذي اختص به ويضعه خارج الجواب الذي يحتويه مسبقا ، وتقوم جمالية التلقي كما هو معلوم على فحص الأثر الذي يحدثه العمل الأدبي في القارئ، بحيث تتكون تاريخية الأدب من هذه العلاقة الحوارية بين المتلقي والعمل، ولذلك «كان تاريخ الأدب والفن على العموم ولمدة طويلة جدا تاريخا للمؤلفين والأعمال، يعتبر من هذا المنظور «اتحاد الآفاق» الذي يربط به حاضر المؤلف المتلقى بماضيه وسيلة لتملك الماضي في العمق، لذلك حاولت جمالية التلقي أن تنظر إلى تاريخ الأدب من منظور نسقي تعرض المؤلفين حسب التتابع الزمني. حياتهم ومؤلفاتهم، فيتم ترتيب المادة على نحو خطي بحسب (التعاقب الزمني) لبعض مشاهير المؤلفين مع أن «قيمة العمل ومرتبته لا تستنبطان من الظروف البيوغرافية أو التاريخية لولادته ولا من المكانة الوحيدة التي يحتلها في تطور الجنس الذي ينتسب إليه، بل من معايير يعتبر التحكم فيها صعبا وتتعلق بأثر هذا العمل المنتوج و«تلقيه» وتأثيره الذي يمارسه، وقيمته التي تعترف له بها الأجيال اللاحقة ، وإذا كانت مهمة التاريخ وصف حقب محددة، فقد كانت الموضوعية الصارمة التي تقتضي استبعاد المؤرخ وجهة نظر حقبته الخاصة، كما يجب أن يكون ممكنا إدراك معنى حقبة ماضية وقيمتها بشكل مستقل عن المسار اللاحق للتاريخ فالربط بين الماضي والحاضر لم يكن بإمكان المدرسة التاريخية أن تتخلص من هذه الصيغة المعرفية. لكن فكرة توالي الأعمال الأدبية كأي موضوع آخر من شانه أن يبرز «شكل التاريخ» من خلال الفكرة ستضعف وستنقطع الصلة بين الوقائع لتصبح مسألة تصنيف الظواهر الأدبية إشكالية. وكذا تعريفها والحكم عليها. لهذا ظهر ما يسمى بالتأريخ الوضعي المستند إلى التفسير السببي الخالص الذي استحوذ عليه ما يسمى بتاريخ الفكر.
لذلك كان هاجس الكشف عن الاستمرار من خلال ما لا يكف عن التحول يعفي من السعي إلى فهم الظواهر فهما تاريخيا.فالفجوة كبيرة بين المقاربة التاريخية والمقاربة الجمالية عمقتها المقاربات السوسيولوجية ومنهج التأويل «المحايث». ترى ما هي الخلفية التي سيقوم عليها التأريخ الأدبي لإقامة علاقة جديدة بين المقاربتين الجمالية والتاريخية؟ تعددت المهام فأصبحت كالتالي....كتابة التواريخ الأدبية الوطنية، وإصلاح سلم القيم التي كرسته، وإظهار الأدب الكوني في صيرورته وفي وظيفته التحريرية بالنسبة للمجتمع الذي تسهم في تغييره أو في الفرد الذي تشحذ إدراكه ، ويكشف المفهوم الشكلاني أحد أهم عوامل التجديد بالنسبة لتاريخ الأدب من منظور جمالية التلقي، فحينما نتحدث عن التقاليد أو عن التعاقب الأدبي، فإننا نتخيل –بصفة عامة– وجود خط مستقيم يصل فرع أدبي ما بسلفه. ومع ذلك فإن الوضعية هي أكثر تعقيدا، فليس الخط المستقيم هو الذي يستطيل، كما نشاهد عملية انطلاق تنتظم بدءا من نقطة معينة يتم دحضها. إن كل تعاقب أدبي هو قبل كل شيء معركة تحطيم كل موجود سلفا، وإقامة بناء جديد انطلاقا من عناصر قديمة ، ويكشف مفهوم التطور الأدبي عمق تصور مشروع التأريخ الأدبي، بما هو تاريخ دينامي، تتصارع فيه الأشكال والمدارس لأن كل حقبة أدبية تتضمن مدارس متعددة، وليس مدرسة أدبية واحدة. وهذه المدارس تتواجد في الوقت نفسه داخل الأدب، غير أن واحدة منها تستولي على الصدارة فيقع تقنينها، وتبقى المدارس الأخرى غير مقننة في الخفاء ، وهكذا تتبادل الأجناس مواقع الهيمنة وبذلك يكشف تحليل مفهوم التطور الأدبي في تاريخ الأدب عن تعاقب جدلي للأشكال ، إنها القضية المركزية للتاريخ الأدبي عند الشكلانيين، بها يفحصون مسألة تكون الأجناس، واستبدال مواقع هيمنتها. فليس التأريخ الأدبي من هذا المنظور هو مجرد حشد ميكانيكي للظواهر، بل هو نسق يجد مشروعيته في هذا التطور المستمر للأشكال من حيث تحولها من مستوى معين إلى ظهور أشكال جديدة تحل محل الأشكال القديمة
لقد أولت بعض المدارس الادبية لمفهوم التطور الأدبي عناية خاصة بوصفه مستقلا في ذاته، فلم يعد صيرورة وحيدة الخط، إنه طريق متعرج مليء بالالتواءات . كل اتجاه أدبي يمثل تقاطعا وتعالقا معقدا، بين عناصر التراث والتجديد. وبهذا ينفصل مفهوم التطور عن مدلوله التقليدي الذي يفيد به المعنى الغائي الذاتي والعضوي . ليصبح دالا على سيرورة التحول الدائمة للأشكال والأجناس الأدبية، باعتبارها الفعل المؤسس لتاريخ الأدب، وعليه فالتطور والديناميكية خارج الزمن، كحركة خالصة: فالفن يتغذى من هذا التفاعل ومن هذا الصراع. إن الواقعة الفنية لا توجد منفصلة عن إحساس كل العوامل بالخضوع والتبدل تحت تأثير العامل الباني ولكن تلاشي الإحساس بتفاعل العوامل (ذلك الإحساس الذي يفترض الحضور الضروري لعنصرين هما: المسيطر والمسيطر عليه)، فإن الواقعة الفنية تمحي ويغدو الفن
على ضوء ما سبق ،وفي إطار الشكلاني للشكل، والمهيمنة، يغدو مفهوم التطور في الشكل الشعري غير متعلق بزوال بعض العناصر وانبعات عناصر أخرى بقدر ما يتعلق بانزلاقات في العلاقات المتبادلة لمختلف عناصر النظام، و بتبدل في المهيمنة لذلك ظهر مفهوم جديد للعمل الشعري كنظام من الأنساق الفنية مرتبة بانتظام وذات سلمية . ان التطور الأدبي يغدو إذ ذاك تبدلا في هذه السلمية. ومن ثم أصبح التطور الأدبي هو التتابع في التاريخ الأدبي استبدالا مستمرا لمجموعة واحدة من العناصر المسيطرة بمجموعة أخرى، غير أن هذه العناصر لا تزاول من النسق تماما، بل إنها تختفي في الأرضية الخلفية لتظهر فيما بعد في شكل جديد
لقد ساهم هذا المبدأ الدينامي في تكوين مشروع جديد للتأريخ الأدبي قوامه التخلي عن الخطوة المنهجية التي كانت تقتضي منهجا خطيا ومستمرا، لتسمح في تاريخ الأدب بظهور إبداع ذاتي جدلي للأشكال الجديدة يعتمد قانون الصراع والتحولات والثورات التي تقوم بها (وعليها) المدارس والأجناس. فيكون المسار نشوء الأجناس تكرسها وانحلالها. وبعد أن نعرض مفهوم «التطور الأدبي» بمرجعيته النظرية . ومن أجل تحليل ووصف حقبة أدبية، لا بد من الاشادة بقدرة هذا المفهوم على تخليص تاريخ الأدب من تقليديته، وإقامة علاقات بين المتواليات المختلفة: كمتوالية أعمال مؤلف معين، أو مدرسة أدبية، وتطور ظاهرة أسلوبية، وتسلسلات أجناس أدبية مختلفة. مما يتيح معه الكشف علاقة التطور الجدلي بين الوظائف والأشكال، وهكذا تبدو الروائع الأدبية بصلاتها المشتركة، وبعلاقة التتابع التي تميزها؛ تظهر وكأنها مرحلة من مراحل عملية لن يكون بعد ضروريا إعادة تشييدها انطلاقا من نقطة وصول محددة مسبقا: لأنها ستكون إنتاجا جدليا للأشكال الجديدة انطلاقا من ذاتها ولن تكون في حاجة لأية غائية ذاتية.
وعليه ستلغى من هذا المنظور إشكالية معايير الانتقاء، بحيث لن يتم اعتبار إلا العمل الذي يجدد في سلسلة الأشكال الأدبية، وليس ذلك العمل الذي يكتفي بإعادة إنتاج الشكل والأسلوب والجنس التي أصبحت منحطة، مقصاة إلى الظل من منظور الشكلانية مرحلة جديدة من التطور لكي تصبح قابلة للإدراك من جديد . وهكذا يتيح مفهوم التطور الأدبي ضمن تأريخ أدبي شكلاني إلغاء مفهوم الغائية والمطابقة بين تاريخية العمل وطابعه الفني المخصوص. فما يحدد الطابع التطوري والأهمية التاريخية لظاهرة أدبية ما، هو بالأساس نسبة التجديد فيها غير أن هذا التجديد من منظور الشكلانية الروسية يتم ضمن نسق معين يقضي بتطور الأدب من لحظة الإبداع الأصلي إلى تشكيل آليات تكرارية. فتوجيه صيرورة الأشكال الأدبية ظل سؤالا بدون جواب، كما أن التجديد n لا يكفي وحده ليصنع القيمة الجمالية، أما إنكار العلاقة بين التطور الأدبي والتحول الاجتماعي يعني أن هذه العلاقة غير موجودة، ولهذا يقترتطعيم هذه النظرية بما ينقصها ألا وهو التجربة التاريخية دون إسقاط الوضع التاريخي للملاحظ الراهن أي مؤرخ الأدب .كما أن الصراع بين القديم والجديد المحدد للتطور الأدبي يعتبر اختزالا لتاريخية الأدب في المظهر السطحي لتحولاته، وقصر الفهم التاريخي على هذه التحولات. بينما أن هذه الأخيرة لا تحدث في السلسلة الأدبية ولا تشكل في تعاقب تاريخي إلا حين يسمح نقيض الشكل الجديد للشكل القديم بإدراك علاقة الاستمرارية التي تجمعها. هذا الاستمرار الذي يعني الانتقال من الشكل القديم إلى الشكل الجديد في إطار تفاعل العمل والمتلقي (الجمهور، الناقد، أو المؤلف الجديد) أي في إطار تفاعل الحدث الواقع والتلقي الذي يعقبه، ولتحديد الوظيفة التي تقوم بها التجربة التاريخية ويقترح أن يستخدم المؤرخ تجربته الخاصة، لأن الأفق الذي كان منخرطا فيه سابقا بخصوص كل من الشكل القديم والشكل الجديد، المسألة وحلها لا يمكن معرفته إلا باستمراريته في الأفق الراهن
ولذلك يتعين على جمالية التلقي من خلال جدلية التلقي والإنتاج الجماليين أن يتواصل استمرارها إلى اللحظة التي يكتب فيها المؤرخ بحيث يصبح وضع المؤرخ ضمن التاريخ نقطة وصول للسيرورة التطورية، كما يتيح هذا المفهوم أيضا الكشف عن عمق الحقل الزمني تجري فيه التجربة الأدبية، وذلك بإظهار التغيرات التاريخية للانزياح بين الأدلة الراهنة والدلالة الاحتمالية للعمل. فدراسة التطور الأدبي ليس ممكنا إلا حينما نعتبره سلسلة ونسقا مرتبطا مع السلسلات أو الأنساق الأخرى ومشروطا بها . إن البحث يجب أن ينطلق من الوظيفة البنيوية في اتجاه الوظيفة الأدبية، ومن الوظيفة الأدبية في اتجاه الوظيفة الشفهية. كما عليه أن يضيء التفاعل ذي الطبيعة التطورية للوظائف والأشكال. إن الدراسة التطورية عليها أن تسير في السلسلة الأدبية في اتجاه السلسلات المترابطة والمتجاورة، وليس البعيدة جدا على الرغم من كونها أساسية.
ولهذا يأخذ التطور شكل معركة تحطيم كل ما هو موجود سلفا، وإقامة كل ما هو موجود سلفا ولإقامة بناء جديد انطلاقا من عناصر قديمة ، وهكذا فإن الشكل الجديد لا يظهر لكي يعبر عن مضمون جديد، ولكن ليحل محل الشكل القديم
إن منهج التأريخ الأدبي وهو يسعى إلى دراسة التطور الأدبي يضع مجموعة من الطرق إما أن يدرس الأدب كتعاقب زمني لأنساق معينة، ودراسة نقط الانفصال والاتصال بين الأعمال الأدبية لتمييز لحظاته القوية وتوقعاته الحاسمة.


الباب السابع عشر
أثر التحقيب السياسي
في التحقيب الأدبي :
اذا كان التحقيب بمغناه العام هو تصنيف التاريخ الى عصور ، فان التحقيب الادبي يعني تصنيف الظواهر الادبية ضمن عصور مختلفة ؛ فانه لا أحد يماري في اختلاف التحقيب السياسي عن التحقيب الأدبي في كل الحضارات، كما لا تخفى أهمية التحقيب في دراسة الأدب العربي ولهذا نجد الكثير من الدراسات اهتمت بقرن معين أو عهد أو حقبة، مع الإقرار باختلاف هذه المصطلحات الثلاث في الكم الزمني، فالحقبة أطول من العهد وهذا الأخير أطول من القرن والحقبة هي بمثابة المقولة التي تكون جامعة لأجناس وأنواع عديدة لوجود خصائص مشتركة بينها؛ وهي، بهذا الجمع، تنظم الوقائع النصية والتاريخية في الذاكرة حتى لا تبقى تلك الوقائع مجرد ذرات متناثرة لا يجمع بينها جامع ولا ينظمها ناظم. وهذا التنظيم يتم ضمن كل حقبة على حدة ثم ينال الحقب جميعها لاستخلاص نواة جامعة للثقافة العربية أو روح موجه لها وهي بهذا الفهم لا ترتبط بكم زمني محدد، وإنما تخضع لاشتراك خصائص معينة لعدة وقائع نصية وتاريخية. وقد يتداخل مصطلح "الحقبة" مع مصطلح "العصر"، فتنحو –الحقبة- نحو الاصطباغ بصبغة سياسية ، فالحقبة عصر يتميز بسمات خاصة، وتغلب مذهب ما، وغالبا ما تنسب إلى وقائع سياسية، غير أدبية. وهي دائرة مغلقة على الشخصيات الأدبية والفضاءات الجغرافية وهي تتسم بفهم مدرسي سطحي للأدب. ولا يمكن تحديد حقبة بتاريخ معين، لنزوع الأحداث إلى الامتداد إلى السابق، أو اللاحق فعدم انضباط الحقبة للزمن راجع بالأساس إلى حقيقة مفادها أن الأحداث يكون لها امتداد زمني سابق ولاحق لها، كما هو الحال بالنسبة للفكر بصفة عامة إذ يصعب تحجيمه في زمن معين. وقد كان هاجس التحقيب للحضارة العربية حاضرا لدى بعض الدارسين القدماء والمحدثين؛ فهذا عبد الرحمان بن خلدون(تـ808هـ) يحقب الحضارة العربية بعد انتقالها من الفرس إلى:
1.حضارة بني أمية وبني العباس.
2.حضارة الأندلس.
3.حضارة المغرب.
وبوعيه التام بتسلسل هذه الحقب، والانتقال بينها حيث تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدولة الخالفة، فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد وأما جهود المحدثين فكثيرة، نشير فقط لجهود الدكتور شوقي ضيف في مصنفاته ، وحسن توفيق العدل في كتابه:"تاريخ الأدب"، حيث يقول:" رأينا أن نقسم الكلام على تاريخ أدب اللغة العربية إلى خمسة عصور:
1.عصر الجاهلية.
2.عصر ابتداء الإسلام.
3.عصر الدولة الأمية.
4.عصر الدولة العباسية والأندلس.
5.عصر الدول المتتابعة إلى هذا العهد
وأما عن جهود الدراسات التي تناولت تحقيب الأدب والثقافة بالغرب الإسلامي، نجد أن بعض دراسات المحدثين قد اقترح تحقيبا للحضارة المغربية، ومن ضمنهم: عبد الله كنون(تـ1989م)، فقد قسم كتابه: "النبوغ المغربي في الأدب العربي إلى حقب :
1.عصر الفتوح،
2.عصر المرابطين والموحدين،
3.عصر المرينيين وعصر السعديين وعصر العلويين.
وقسم محمد ابن تاويت التطواني (تـ1993م) كتابه:" الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى" إلى حقب تختلف عن حقب كنون في اعتماد الوحدة السياسية والأيديولوجية:
1.ما قبل العصر المرابطين،
2.العهد المرابطي،
3.العهد الموحدي،
4.العهد المريني،
5.الدولة الوطاسية،
6.العهد السعدي إلى وفاة المنصور،
7.العصر العلوي قبل فرض الحماية،
8.عهد الحماية.
وهذا التحقيب الذي يرى أن كل دولة تشكل حقبة حضارية وفكرية وأدبية تبناه العديد من الدارسين العرب عامة، والمغاربة خاصة، فقد جعل محمد حجي من العصر السعدي حقبة في كتابه:"الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، وبالمقابل، لم يكن هاجس الانضباط للتحقيب وفق النظرة السابقة حاضرا لدى علال الغازي في أطروحته لنيل الدكتوراه: "مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة بل كان شغله الشاغل هو خدمة التراث المغربي، يقول: "إن ما وقفنا عليه من مصادر نقدية وبلاغية خاصة وعامة، يحقق مشروعية اختيار: مناهج النقد الأدبي بالمغرب خلال ق 8 بين النظرية والتطبيق" موضوعا لهذه الأطروحة ، ويضيف مؤكدا ذلك: "دراسة ما نشأ وتطور من تراث فكري ولغوي وأدبي داخل كل إقليم محكوم بظروف لا دخل فيها لمفهومي الوحدة والإقليمية. إن الهدف هو خدمة الثوابت التي وحدتنا وتمثل قوتنا ووحدتنا العربية الإسلامية، وهو روح وهدف هذه الأطروحة ،وأما محمد مفتاح فقد خصص بعض الفصول في كتابه: "التشابه والاختلاف لقضية التحقيب في الأدب المغربي مقترحا تحقيبا يعتبره جديدا، ومخالفا لما سبق، وذلك بالاستناد إلى نواة تعد الروح الناظمة له وهي:" الدعوة إلى الاتحاد للقيام بالجهاد"، ويخضع هذا التحقيب في نظره للأحداث التاريخية التي مر بها المغرب منذ الفتح الإسلامي، وخصوصا دخول الإسلام عام 62هـ وفتح طارق بن زياد الأندلس عام 92هـ، ليتلو ذلك الاستقلال السياسي للأندلس عن العدوة الدنيا، فهذه الأحداث شكلت أربع حقب:
حقبة الهيمنة: وتمتد من فتح الأندلس عام 92هـ إلى سقوطها سنة 892هـ.
حقبة التحصين: وتمتد من سقوط الأندلس إلى الانتصار في وقعة وادي المخازن (986هـ/1578م).
حقبة البعث: وتمتد من وقعة وادي المخازن إلى فرض الحماية (1330هـ/191م)
حقبة استكمال التحرير وبناء الدولة العصرية، وتمتد من فرض الحماية إلى يومنا هذا......وهكذا يبدو أن قضية التحقيب –من خلال هذه النماذج- كانت مثار جدل ومماحكة بين الدارسين، وأسالت مدادا كثير منذ القديم وإلى يومنا هذا، وقد كان المنهج التاريخي في تناول الظاهرة الأدبية من أهم عوامل الإحتفال بربط التحقيب السياسي بنظيره الأدبي.



الباب الثامن عشر
التحقيب الأدبي
عند الأمم غير العربية:
لم تستنكف اي امة من الامم عن تحقيب تاريخها الادبي ، فتاريخ الأدب هو التطور التاريخي للكتابة النثريه والشعريه التي تقدم للقارئ اوالمستمع اوالمشاهد المتعه والثقافة والعلم فضلا عن التطور في التقنيات الأدبية المستخدمة في ايصال هذه القطع ببعضها. ليست كل الكتابات ادباً.

بدايات الأدب

الأدب والكتابة مع انها متصله الأ انها ليست مترادفه. الكتابات الأولية للسومريين القدامى مهما كان تعريفها معقولاً لاتشكل ادباً-والأمر نفسه ينطبق على الهيروغليفية المصرية في وقتها المبكر أو الآلاف من السجلات من العصور الصينية القديمة. التعريف موضوعي إلى حد كبير وهناك اخنلاف دائم للعلماء فيما يتعلق بالكتابات المسجلة التي تشبه الأدب كثيرا. وعلاوة على ذلك، لابد ان نضع في الأعتبار أنه نظرا لأهمية البعد كمعزل ثقافي في القرون الأولية، فأن التطور التاريخي للأدب لم يحدث بوتيرة واحده في أنحاء العالم. ومما يزيد من صعوبة إنشاء تاريخ عالمي موحد للأدب هو حقيقة ان العديد من النصوص فقدت على مدى آلاف السنين، إما عمدا أو عن طريق المصادفه أو بسبب التلاشي الكلي للثقافة. لقد كتب الكثير، على سبيل المثال تدمير مكتبة الأسكندرية في القرن الأول قبل الميلاد أدى إلى فقدان عدد لايحصى من النصوص الرئيسية بلهيب النيران. القمع المتعمد للنصوص (وغالبا حتى مؤلفيها) من جانب المنظمات إما الروحية أو ذات الطابع المؤقت أدى إلى تغطية الموضوع. ومع ذلك هناك نصوص أساسية معينة قد عزلت والتي لها الدور كابداية أولى للأدب. ومن أمثلتها ملحمة جلجامش في نسختها السومرية التي سبقت عام2000 قبل الميلاد. وكتاب الموتى المصري وهو مكتوب في بردية من العاني في حوالي عام 250 قبل الميلاد ولكن يحتمل ان تكون من حوالي القرن 18 قبل الميلاد. الأدب المصري القديم لم يكن مدرجاً ضمن الدراسات المبكرة للتاريخ الأدبي لأنه لم يتم ترجمة كتابات مصر القديمة إلى اللغات الأوروبية حتى القرن ال19 عندما تم فك رموز حجر الرشيد. كثير من النصوص نقلت شفوياً على مدى قرون عدة قبل أن يتم تثبيتها في شكل خطي ولذا فمن الصعب أو المستحيل ان تؤرخ.جوهر ريجفدا ربما تؤرخ إلى منتصف الألفيه قبل الميلاد. أسفار موسى الخمسة تؤرخ تقليديا إلى القرن الخامس عشر، على الرغم من أن الدراسات الحديثة تقدر بأن أقدم جزء لها مؤرخ بالقرن العاشر قبل الميلاد على اقرب تقدير.

إلياذة هوميروس والأوديسة تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد وتعتبر نقطة بداية العصور الكلاسيكية القديمة. وهما أيضا نقلا كتقاليد شفوية تعود إلى العصر البرونزي المتأخر.

نصوص سروتي الهندي التي يرجع تاريخها بعد ريجفدا (مثل Yajurveda وAtharvaveda وBrahmanas) فضلاً عن تناخ العبرية ومجموعة من القصائد الصوفية للاو تسي وتشينج تي تاو، أُرخت إلى العصر الحديدي، ولكن تواريخهم صعبة ومثيرة للجدل. كانت كبرى الملاحم الهندوسية المنقولة شفوياً أيضاً من المرجح انها سبقت فترة موريا. التقاليد الشفوية الأخرى ثُبتت خطياً بعد ذلك بكثير، مثل الشيخ ايدا التي كُتبت في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر. هناك العديد من المرشحين لأول رواية مكتوبة.

العصور القديمة

الصين أول مؤلف كبير في التكتيكات العسكرية والاستراتيجية هو صن تزو، صاحب فن الحرب التي لا تزال على رفوف العديد من ضباط العسكرية الحديثة (وطبقت مشورتها في عالم الأعمال أيضاً) الفلسفة تطورت بشكل مغاير في الصين عنها في اليونان، بدلاً من تقديم حوارات موسعة، المختارات الأدبية لكونفوشيوس ولاو تسي تشينج في الأقوال والأمثال قٌدمت بشكل أكثر مباشرة وتعليماً.

العصور الكلاسيكية القديمة

الأدب اليوناني اهتم المجتمع اليوناني القديم اهتماماً كبيراً بالأدب. ويرى كثير من الكتاب ان تقاليد الأدب الغربي بدأت مع قصائد ملحمة الإلياذة والأوديسية، والتي لا تزال عملاقة في مفهوم الأدب لمهارة وحيوية تصويرها للحرب والسلام والشرف والعار والحب والكراهية. ومن أبرز الشعراء اليونانيين سافو الذي عرّف ومن نواحي كثيرة الشعر الغنائي كنوع ادبي.

الكاتب المسرحي المسمى إسكلس غير الأدب الغربي للأبد عندما أدخل افكار الحوار والشخصيات التفاعلية إلى الكتابة المسرحية. وبفعله هذا يعتبر هو أساساً من اخترع "الدراما": ويُنظر إلى مسرحيته الثلاثية أوريستيا انها المتوجه لأنجازاته. ومن بعض منتجين المسرحيات هما سوفوكليس ويوريبيدس. وتقيد سوفوكليس بمهاره متطورة ساخره كأسلوب أدبي، وأشهرها في مسرحيته أوديب الملك. يوريبدس على العكس يستخدم مسرحياته لتحدي الأعراف والعادات الأجتماعيه-وهذه سمة مميزة للكثير من الأدب الغربي لـألفين وثلاثمائة سنه مقبله وما بعدها- واعماله مثل المدية. الباكوسيات وThe Trojan Women لا تزال بارزة لقدرتها على تحدي مفهومنا للياقة والجنس والحرب. أريستوفنس وهو كاتب مسرحي هزلي، عرّف وشكّل فكرة الكوميديا تقريبا كما شكّل إسكلس التراجيديا كفن أدبي- أكثر مسرحيات أرستوفان شهرة هي ليسستراتي وThe Fogs.

دخلت الفلسفة في الأدب في حوارات أفلاطون،الذي حول الأخذ والعطاء في الأستجواب السقراطي إلى صيغة مكتوبة. أرسطو، تلميذ أفلاطون، كتب العشرات من الأعمال في التخصصات العلمية، لكن أكبر أسهاماته في الأدب هو في الجانب الشعري، والذي يحدد مفهومه للدراما، ويرسي بذلك المعايير الأولى للنقد الأدبي.

العهد الجديد هو مجموعة غير عادية من النصوص--رسائل بولس هي أول مجموعة من الرسائل الشخصية التي عوملت كأدب، ويمكن القول بأن الأناجيل تقدم أولى السير الذاتية الواقعية في الأدب الغربي، وكتاب جون الوحي، على الرغم بأنه ليس الأول من نوعه، يعرف أساساً بنهاية العالم كنوع أدبي.

الأدب الاتيني

في كثير من النواحي، تجنب الكتاب من الجمهورية الرومانية والإمبراطورية الرومانية الأبتكار لصالح تقليد عظماء كتّاب اليونان. فرجيل إينييد في كثير من النواحي، احتذى إلياذة هوميروس، بلاتوس وهو كاتب مسرحي كوميدي كان على خطى اريستوفنس، مجلة او حوليات تاسيتوس وجرمانيا اتبعت النهج التاريخي نفسه لثيوسيديدز (المؤرخ المسيحي يوسابيوس تأثر أيضا، وان كانت كتاباته اكثرتأثراً بدينه عن اي من تاسيتوس أو ثيوسيديدز التي تأثرت بالشرك الروماني واليوناني) وتحولات أوفيد تكشف لنا الأساطير اليونانية في وسائل جديدة. ويمكن القول ان الكتّاب الرومانيين بعيدين عن التقليد بطيش، حسنوا أنواع الأدب التي انشئت بالفعل من قبل أسلافهم اليونانيين. على سبيل المثال تحولات أوفيد أبدعت نموذج واضح من نوع تيار الشعور. ما لايمكن إنكاره هو ان الرومان بالمقارنه مع اليونانيين ابتكروا عدد من الأنماط الأدبيه بأنفسهم.

السخرية هي واحدة من عدد قليل من الإضافات الرومانية للأدب. هوريس كان أول من استخدم السخرية على نطاق واسع كأداة للحجة. وجوفينال استخدمه كسلاح.

اوغسطينوس صاحب The City of God قدم للأدب الديني مأقدمه أفلاطون في الفلسفة. ولكن نهج اوغسطين كان اقل تخاطباً. أعترافاته ربما كانت أولى السير الذاتية حقيقة، وانها ادت إلى هذا النوع من الأدب الطائفي الذي هو الآن أكثر شعبية من اي وقت مضى.

الهند

سلمت تقاليد المعرفة والعلوم بالهند كل المفاهيم الفلسفية واللاهوتية من خلال تقاليد شروتي وسمريتي، يعني انه مايتم تعلمه وتجربته- وشملت هذه الفيدا. ويعتقد عموماً ان بوراناس هي أولى الكتابات الفلسفية في تاريخ الهند. بالرغم من أن الأعمال اللغوية السنسكريتية كانت موجودة قبل ألف عام قبل الميلاد. اعمال البوراني مثل الملاحم الهندية :رامايانا وماهابهاراتا، أثرت على اعمال أخرى لاحصر لها، بما في ذلك Balinese Kecak وعروض أخرى كعرائس الظل wayang والكثير من الأعمال الأوروبية. أدب بالي (لغة) كان له دور هام في ظهور البوذية.الزهور في الأدب الكلاسيكي في اللغة السنسكرتية في فترات موريا وغوبتا، والتي تمتد تقريباً من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثامن الميلادي.

الصفحة الرئيسية بوابات كنانة أونلاين المقالات الصور الروابط التحميلات أستاذ الأدب والنقد، وعلمي العروض والقافية إنشاء موقع مجاني دخول الأعضاء
الأستاذ الدكتور صبري فوزي أبوحسين
الرئيسيةالمقالاتالصورالروابطالتحميلاتمكتبة الفيديومن نحن؟
تحقيب الأدب العربي: قراءة في أبجدياته وإشكالياته
الرجوع إلى قائمة المقالات


الباب التاسع عشر
تحقيب الأدب العربي:

ليس الأدب عبثًا ولا تَرَفًا ولا مَسْلاة أو مَلْهاةً، بل إنه أساس التعرف على الحياة والأحياء, و ديوان علم العرب، أقبل الأصلاء على تعلمه، وتعليمه، والبحث فيه، والعملِ على إحيائه واستدعاء نماذجه الإيجابية في كل عصر ومصر، ودَعَوْا إلى أن يظل في عصرنا- كما كان من قبل- ضرورةً من ضرورات الحياة العقلية، وغذاءً للعقول والقلوب، وتهذيبًا للنفس وتزكيةً للجنان، وتمرسًا على إجادة الفنون المنظومة والمنثورة، وتعرفًا على أساليب العرب وطريقتهم في الإبداع، ورأوا فيه مُقوِّمًا لشخصيتنا، مُحقِّقًا لانسلنيتنا عاصمًا لنا من الفناء في الأجنبي، مُعينًا لنا على أن نعرف أنفسنا ونُعرِّف بها؛ لأن الأمم تحيا بآدابها؛ ولذلك ترى المؤرخين يقدمون في تاريخهم تاريخَ الآداب على تاريخ الوقائع، بل أفردوا للآداب تاريخًا قائمًا بذاته يثبت ما يختص بالعلوم والمعارف في كل حضارة، مخبرًا عن نشأة الآداب بينها واتساع نطاقها وأسباب ترقيِّها ودورها الإيجابي في إصلاح الحياة والأحياء.

وقد صار الأدب في الاستعمال الحديث والمعاصر ذا مفهوم خاص خالص، مقسمًا إلى شعر ونثر، ومشتملًا على فنونهما التراثية التقليدية، تلك التي أضاف إليها العرب في القرن العشرين فنونًا عديدة؛ وذلك بحكم انتشار الطباعة والصحافة والإذاعة، والتليفزيون ووسائل الاتصال والتواصل التكنولوجية الحديثة والمعاصرة؛ مما يتطلب تحديث النظرة إلى هذا الأدب، وتجديد مناهج درسه وبحثه وعرضه وتحليله وتقييمه؛ مراعاة للمستجدات والمستحدثات. والأدب العربي أقدم أدب حي، ترجع نشأته إلى نحو ستة عشر قرنًا، ومن ثَمَّ فلابد أن يعقبه ويتابعه علم يؤرخ له، عن طريق سياحة في مجاميعه، وسباحة مع أعلامه، ومفاتشة لما فيه من إنجازات وإخفاقات، وقد أداها الأسلاف خير أداء، حسب طرائقهم في البحث والتدوين وطبيعة الأنواع الأدبية عصرئذ... أما في عصرنا هذا فإن السياحة مع الأدب العربي والسباحة فيه تحتاج إلى تعرف مناهج بحثه ونقده، وعرض مسيرته وتبيُّن آثاره. والمنهج التاريخي في درس الأدب وبحثه ونقده، قد ظُلِم -ويظلم دائمًا- من قبل الباحثين والنقاد بطريقة استعلائية انتقاصية لا مبرر لها؛ على الرغم من أنه ما زال له حضور في قاعات الدرس والبحث والتعليم، كما أنه منهج انبنى على قواعد متينة، هي في حد ذاتها نتاج فلسفات وتيارات فكرية عرفتها الإنسانية عبر سيرتها الطويلة، والمنهج العلمي يقتضي أن يُدرَس الأدب العربي وَفْقَ مقاييسَ تناسب ظروفه البيئية والجغرافية والاجتماعية وغيرها من الحيَوَات التي نبت فيها، والتي تجعله مختلفًا تمام الاختلاف عن البيئات الأدبِية والحَيَوَات المجتمعية الأخرى في العصور التالية، وتجعله يكاد يكون أقربَ الصُّور لرؤية إنسان ذلك العصر وانفعاله وفعله بماجرياته. كما أن المنهج التاريخي أعيد إحياؤه في آننا؛ إذ استُدعي من قبل دعاة الحداثة فيما يسمى"التاريخانية الجديد ة، التي تهدف إلى فهم العمل أو الأثر الأدبي ضمن سياقه التاريخي مع التركيز على التاريخ الأدبي والثقافي والانفتاح أيضًا على تاريخ الأفكار. وبالمثل يطمح في أن يكون الأدب أكثر حيادية تجاه الأحداث التاريخية، وأن يكون أكثر تفهمًا وإدماجًا لهذه الثقافات المختلفة؛ ولذلك ارتبطت التاريخانية بمفهوم التاريخ والتطور التاريخي والثقافي وقراءة النصوص والخطابات التاريخية في ضوء مقاربة تاريخانية جديدة. وكانت تُعنَى باستكشاف الأنساق الثقافية المضمرة ، وتقويض المقولات المركزية السائدة. جاءت هذه المقاربة النقدية استنادًا إلى فرضية أن العمل الأدبي ينبغي أن يكون نتاج زمان ومكان وظروف، أكثر من كونه نتاج عمل منفرد في خلقه. وجاءت التاريخانية بمثابة ردة فعل ضد النظرية النقدية الحديثة في تحليلها الشكلي للنصوص الأدبية، والتي كانت محل اهتمام جيل جديد من القراء من منظور آخر، وقد حاول التاريخيون الجدد فهم العمل الأدبي من خلال سياقه التاريخي وفهم التاريخ السياسي والثقافي من خلال الأدب، والذي يقود إلى علم جديد وهو تاريخ الأفكار، فالأدب مصطلح له تطور دلالي واسع وتدرج فكري كبير عبر الأعصار والأمصار، وتتبُّعه يدل على مرونة اللغة العربية وسَعتها وقابليتِها للتطور، وقدرتِها على التفاعل مع المستجدات والأحداث، والتلون بألوان كل عصر ومصر. وقد أضحت كلمة (أدب) في العصر الحديث تعني عند كل الأمم التعبير بالكلمات عن كل ما في الحياة و ما في النفس البشرية من خير و شر على السواء، على أن يقود العمل الأدبي (الأصيل) في النهاية إلى الخير دائمًا، مهما كانت نوعية الصور التي يعرضها ذلك العمل الأدبي. و التعبير بالكلمات لابد أن يكون مبنيًّا على أسس جمالية فنية يحدد مواصفاتها ومعاييرها النقد الصحيح النزيه الذي تختلف موازينه من عصر إلى عصر .
كل ما يكتب باللغة من البحوث العلمية، والفنون. فيشمل كل ما أنتجته خواطر العلماء، وقرائح الأدباء، مهما كان أسلوبه ومهما يكن موضوعه.
وبهذا المفهوم يكون كل ما ينتجه العقل والشعور أدبًا خالصا يقصد به التعبير عن معنًى من المعاني بل يراد به أيضًا أن يكون جميلًا بديعًا مشتملًا على تصور الأخيلة الرقيقة، والمعاني الدقيقة، مؤثرًا في عاطفة المتلقين: قراء وسامعين، مما يهذب النفس، ويرقق الحس، ويثقف اللسان ، ويتداخل أو يترادف مصطلح الأدب في كتابات مُحَقِّبي الأدب مع مصطلحين آخرين هما:العمل الأدبي، والنص الأدبي. أما "العمل الأدبي" فهو "بناء لغوي، يستغل كل إمكانات اللغة الموسيقية والتصويرية والإيحائية، في أن ينقل إلى المتلقي خبرة جديدة منفعلة بالحياة". إنه الشيء القائم الملموس، أما الأدب فهو ذلك الشيء المجرد، الصادر عن عاطفة صادقة مؤثرة ؛ أما النص الأدبي فهو مصطلح يحل محل العمل الأدبي، ويشمل كل ألوان الأدب المأثورة من المنظوم والمنثور الذي أنتجته العقول وفاضت به القرائح وجادت به الخواطر على مر العصور، ما دام ذلك النص الأدبي يخرج إلى الناس في صورة أدبية معبرة ملتزمة طرائق كل نوع من الأنواع الأدبية في التعبير. إنه "التعبير عن تجربة شعورية تعبيرًا موحيًا
وأما تاريخ الأدب فيقصد به "تطبيق مناهج التاريخ لوصف الأدب في عصر أو في عصور متتالية عند شعب واحد أو عدة شعوب مختلفة، فعلى المؤرخ الأدبي إذن أن يحدد عصورًا أدبية، ذاكرًا اتجاهاتها العامة وأن يحاول الربط بين إنتاج الأديب وغيره من الأدباء، كما يربط أيضًا بين الحدث الأدبي -أينما كان- والأحداث التاريخية العامة سياسية كانت أو اجتماعية. وعليه أن يصف الأدب لا كظاهرة ثابتة، وإنما كظاهرة تتغير وتتطور مع مرور الزمن لرد فعل أو تأثر أو تفاعل بين عناصر أدبية مختلفة عبر العصور.إنه علم مستحدث ، يبحث أحوال الأدب العربي-شعرًا ونثرًا- في عصر ما قبل الإسلام، عن طريق وصف مسلسل مع الزمن، لما رُوِي أو دُوِّن وسُجِّل؛ تعبيرًا عن عاطفة، أو فكرة، أو تعليمًا لعلم، أو فن، أو تخليدًا لحادثة، أو واقعة، مبينًا نشأة هذا الأدب، وتطوره، وأهم أعلامه من الشعراء، والخطباء والحكماء والكتاب. إنه الباحث في الإنتاج اللغوي لعصر محدد زمانيًّا ومكانيًّا، معددًا المؤثرات المتنوعة فيه، محللاً نثرها ونظمها، مبينًا مدى رفعتها أو ضَعتِها، وعما كان لنابغيها من الأثر البيِّن فيها...والتحقيب لفظة تعنيالدراسات التي عُنيت بقرن معين أو عهد أو حقبة، مع الإقرار باختلاف هذه المصطلحات الثلاث في الكم الزمني، فالحقبة أطول من العهد، وهذا الأخير أطول من القرن، فالحقبة مقولة جامعة لأجناس وأنواع أدبية عديدة لوجود خصائص مشتركة بينها؛ وهي، بهذا الجمع، تنظم الوقائع النصية والتاريخية في الذاكرة حتى لا تبقى تلك الوقائع مجرد ذرات متناثرة لا يجمع بينها جامع ولا ينظمها ناظم. وهذا التنظيم يتم ضمن كل حقبة على حدة ثم ينال الحقب جميعها لاستخلاص نواة جامعة للثقافة العربية: مشارقية أو مغاربية، أو روح موجِّه لها. وهي بهذا الفهم لا ترتبط بكم زمني محدد، وإنما تخضع لاشتراك خصائص معينة لعدة وقائع نصية وتاريخية ، وقد يتداخل مصطلح "الحقبة" مع مصطلح "العصر"، فتنحو –الحقبة- نحو الاصطباغ بصبغة سياسية ، فالحقبة عصر يتميز بسمات خاصة، وتغلب مذهب ما، وغالبا ما تنسب إلى وقائع سياسية، غير أدبية. وهي دائرة مغلقة على الشخصيات الأدبية والفضاءات الجغرافية وهي تتسم بفهم مدرسي سطحي للأدب. ولا يمكن تحديد حقبة بتاريخ معين، لنزوع الأحداث إلى الامتداد إلى السابق، أو اللاحق ، فعدم انضباط الحقبة للزمن راجع بالأساس إلى حقيقة مفادها أن الأحداث يكون لها امتداد زمني سابق ولاحق لها، كما هو الحال بالنسبة للفكر بصفة عامة إذ يصعب تحجيمه في زمن معين ، فالتحقيب جزء من التأريخ، وأداة من أدواته، فائدة الدعوة إليه راجعة إلى كونه أكثر تحررًا من التأريخ، ويوسع في مجالات الدرس الأدبي. ويُعنَى علم تحقيب الأدب بالتأريخ للأدب، وبيان نشأته، وتطوره، والتعريف بأهم أعلامه من الشعراء، والكتاب. والأدب العربي يُمثِّل منذ بدايته الأولى إلى حداثته الآنية، نتاجًا كبيرًا ممتدًّا زمانيًّا، ومتشعب مكانيًّا، ومتنوعًا فنيًّا، يصعب عرضه عرضًا كليًّا شاملاً مفصلاً للدارس بمنهج واحد صارم، بل لابد من التنوع في العرض تحديدًا وتقسيمًا...والعلم الذي يهتم بالأدب/النص الأدبي/العمل الأد بي...هو ر(تاريخ الأدب)، والمنهج العلمي المتبع في دراسة هذه المادة (المنهج التاريخي)، والأداة الأساسية التي يستخدمها المنهج، وهي(التحقيب)، وتكاد تكون العلاقة بين هذه الاصطلاحات بهذا التحليل متسلسلة منطقيًّا. ويقصد بالمنهج النقدي: الطريقة ذات الرؤية الفلسفية والإجراءات العملية والاصطلاحات العلمية الخاصة، المستعان بها في معايشة النص الأدبي ومحاورته بقصد وصفه وتحليله وتقديره، ببيان ما به من إنجازات أو إخفاقات، بدرجة علمية عالية في أسلوبها ومنطقها، حتى يكاد الحكم النقدي يتحول إلى نتيجة علمية كأنها صادرة في مختبر تجريبي! وقد شهد العصر الحديث في البلاد العربية تطورات كثيرة، من تعدد الاتجاهات الفكرية، و تنوع العلوم الإنسانية و تطورها، فاستفاد النقد الأدبي كثيرًا من هذا التنوع المعرفي، و وظفه في عالم الأدب وصفًا وتحليلاً وحكمًا وتغذَّى بثمار متنوعة من آداب العالم وفنونه ونظرياته النقدية، وشهدت دوائر البحث الأكاديمي والمؤتمرات والندوات ودور النشر كثيرًا جدًّا من الأعمال التي تناولت الأدب: قديمه وحديثه، تأريخه ونقده، هذا على حين ظلت مناهج الدراسة الأدبية في أغلب المؤسسات التعليمية العربية على اختلاف مستوياتها في واد منعزل، كأنها في صمم عما يدور حولها من تلك التطورات وما فيها من إِضافات وتجديد في الأحكام والمعايير النقدية. وقد أفرز العصر الحديث عددًا من المناهج النقدية؛ إذ اجتهد عدد كبير من الأدباء والمؤلفين والدارسين في تدوين تاريخ الأدب العربي في كتب تتفاوت في أحجامها ومناهجها، فجاء بعضها في كتاب، وبعضها الآخر في مجلدات، وأخذوا ينهجون مناهج متباينة في كتابتهم تاريخ الأدب العربي وفي تحقيبهم إياه،




الباب العشرون
مناهج التحقيب الادبي
اعتمد كتاب تاريخ الادب على مناهج متعددة في كتابة التاريخ الادبي أسهمت في تطور الدراسات الادبية وتاريخ الادب، وعملت على ابراز نظرة جديدة للادب وموقف الاخءرين منه، ومن ابرز هذه المناهج


المنهج الموضوعي:

ذلك الذي يراعي النوع أو الجنس الأدبي في الدرس، فيدرس النتاج الأدبي في الأنواع الأدبية، كالقصة، والمسرحية، والمقامة، والمقال، والشعر، أو يتناول الظواهر الأدبية، كالنقائض، أو الموشحات، أو الأوزان المستحدثة. وهو ما يسمى أحيانًا المنهج الفني، ويقسم الأدب العربي حسب الأغراض الفنية أو الفنون والأنواع الأجناسية كما فعل مصطفى صادق الرافعي في كتابه "تاريخ الأدب العربي"،وطه حسين في "الأدب الجاهلي" حينما تحدث عن المدرسة الأوسية في الشعر الجاهلي التي امتدت حتى العصر الإسلامي والأموي، وشوقي ضيف في كتابيه" الفن ومذاهبه في الشعر العربي" و" الفن ومذاهبه في النثر العربي"حيث قسم الأدب العربي إلى ثلاث مدارس فنية: مدرسة الصنعة ومدرسة التصنيع ومدرسة التصنع، و محمد مندور في كنابه" الأدب وفنونه"، وعز الدين إسماعيل في" فنون الأدب"، وعبد المنعم تليمة في" مقدمة في نظرية الأدب"، ورشيد يحياوي في"مقدمات في نظرية الأنواع الأدبية". فهؤلاء الدارسون عددوا الأجناس الأدبية وقسموها إلى فنون وأنواع و أغراض وأنماط تشكل نظرية الأدب ، فهو يدرس الجنس الأدبي مستقلا عما عداه من أجناس الأدب حتى ينتهي منه، ثم يتوجه إلى غيره فيفعل معه مثل ذلك؛ مما يسمح بالتعمق في كل جنس والقدرة على سبر أغواره وذكر كل شيء عنه بأدق تفصيلاته، وهو ما لايتاح في الدراسات المجمعة في اعتقاد الداعين إليه، غير أن هذا المنهج على ما فيه من المزايا يحرم الدراس من الإحاطة بالحالة الأدبية في عصر من الأعصار أو مكان من الأمكنة.

المنهج البيئي:

ذلك الذي يراعي المكان في الدرس الأدبي فيدرس النتاج الأدبي في مكان معين، فنجد الأدب الأندلسي، والأدب في بلاد الشام، والأدب في العراق، والأدب في الجزيرة العربية، والأدب المغاربي، والأدب المصري... وهكذا دواليك. وهو ما يسمى أحيانًا المنهج الإقليمي، وقد ظهر عند الأستاذ أحمد ضيف في كتابه" مقدمة لدراسة بلاغة العرب"، والأستاذ أمين الخولي(1895-1966م) في كتابه" إلى الأدب المصري"، والأدب العربي في مصر من الفتح حتى العصر الأيوبي للأستاذ محمود مصطفى، وشوقي ضيف في موسوعته" عصر الدول والإمارات"، وكتابه"الأدب العربي المعاصر في مصر"، والعلامة عبد الله كنون(1908-1989م) في كتابيه: " النبوغ المغربي في الأدب العربي"، و"أحاديث عن الأدب المغربي الحديث"، والدكتور كمال السوافيري(1917-1992م) في كتابه: "الأدب العربي المعاصر في فلسطين ...إنه منهج يدرس الأدب جغرافيًّا في كل إقليم على حدة، وهذا من موروثات الحركة الاستعمارية الاستدمارية الخبيثة القبيحة، التي سعت إلى فصم عرى أمة واحدة في لغتها ودينها إلى أمم ودول عديدة؛ فهو يتنكر لمسلمة يقينية كان لها أثرها في الأدب فلم يعرف أدب للشام إلا وأدباء العراق لهم فيه نصيب، ولم يعرف أدب لمصر إلا وأدباء الشام لهم فيه نصيب، فكيف يمكن فصم ذلك وفصله والتمييز بينه إلا افتعالا ومجافاة للموضوعية.

وليس نقد هذين المنهجين رفضًا لهما، وطردًا لهما من دنيا البحث الأدبي، بل إن لهما حضورًا وضرورة يقتضيها البحث العلمي، من أجل تسليط الضوء على جانب من جوانب الحياة الأدبية أو ظاهرة بعينها، والحق أن لكل من المنهجين مكانه المناسب في مكتبة الدرس الأدبي ومدونته، فالمنهج الموضوعي يخدم مجال النقد الأدبي أكثر من تاريخ الأدب، والمنهج البيئي يخدم تاريخ الأدب أكثر من النقد الأدبي!

المنهج الزمني(التاريخي):

ذلك الذي يراعي الزمان في الدرس الأدبي، والذي يتفق مع روح التاريخ ومعناه، فما دامت الدراسة تاريخية فليكن محورها العنصر الزماني، ولكل باحث محق ومؤرخ منهجه في التحقيب والتأريخ، وطريقته في الدرس والتفكير.. وقد ظهر نتيجة للصلة الوثيقة بين النقد والعلوم الإنسانية التي تدرس نشاط الإنسان بوصفه إنسانًا، كالفلسفة بفروعها المختلفة، والتاريخ، وعلوم اللغة، والاجتماع، وهذه العلوم قسيمة للعلوم التجريبية التي تدرس الإنسان نفسه من جانب فسيولوجي، أو بيولوجي.

وكان هذا المنهج هو المختار لدى جمهرة الدارسين في ربوع الوطن العربي، وعند المستشرقين؛ فقد حاولوا تقسيم حياة هذا الأدب إلى عصور وحقب أطلقوا عليها تسميات أو مصطلحات حددوها بفترات زمنية أو فنية معينة، وقسموها عصورًا أدبية.. والتحديدات الزمنية والتسميات المختارة لها قد تعاورتها كتب التاريخ العام وتاريخ الأدب على الخصوص.. وليس هذا الأخير إلا من ذاك الأول ؛ رغبة في إتمام عملهم هذا وتسهيلاً لمهمتهم فيه وتيسيرًا لفهم الأدب وتفهمه ثم تقديمه مادة دسمة وأكلة فكرية/أدبية طازجة لبني قومهم وجلدتهم، وتعين الدارسين على البحث العلمي في تاريخ الأدب.. وتيسر لهم مهمة إصدار هذا الأدب إلى المتلقي في أبهى صورة، وأخف ظل؛ فالهدف من هذا التحقيب بحثي نقدي تعليمي.

وينبغي أن يعلم أنه ليس المستشرقون أول من طبق المنهج التاريخي على الأدب العربي، بل كان هاجس التحقيب للحضارة العربية حاضرًا لدى بعض الدارسين القدماء، كابن سلام الجمحي (ت213هـ) في طبقاته، وابن قتيبة(ت276هـ) في الشعر والشعراء، والأصفهاني(ت356هـ) في أغانيه، والجرجاني (ت392هـ)في الوساطة ([21])، والثعالبي(ت429هـ) في اليتيمة، وعبد الرحمن بن خلدون(تـ808هـ) الذي حقَّب الحضارة العربية بعد انتقالها من الفرس إلى: حضارة بني أمية وبني العباس، حضارة الأندلس، حضارة المغرب، وبوعيه التام بتسلسل هذه الحقب، والانتقال بينها، يقول:" تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدولة الخالفة، فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد

أما جهود المحدثين العرب فكثيرة جدًّا، منها جهدالأستاذ حسن توفيق العدل(1862-1904م)في كتابه"تاريخ آداب اللغة العربية" الذي ألفه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وحفني ناصف في كتابه "تاريخ الأدب أو حياة اللغة العربية" في جزءين (1910م)، وأحمد الإسكندري(1875-1938م) في كتابه"تاريخ آداب اللغة العربية في العصر العباسي" (1911م)، و جرجي زيدان(1861-1914م)، في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية" في أربعة أجزاء (1911م) والذي انتهى منه سنة 1914م، وأحمد الإسكندري ومصطفى العناني في كتابيهما "الوسـيط فـي الأدب الـعربي وتـاريـخه" (1919م)، وأحمد حسن الزيات(1885-1968م) في كتابه"تاريخ الأدب العربي"(1925م)، وأحمد أمين(1886-1954م) في كتبه المتسلسلة: "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، و"ظهر الإسلام"، وحنا الفاخوري(1916-2011م) في كتابه المدرسي "تاريخ الأدب العربي"، وعمر فروخ(1906-1987م) في تأريخه للأدب العربي، والدكتور شوقي ضيف(1910-2005م) في موسوعته: "تاريخ الأدب العربي"...إلخ([23]).

ويعد هذا المنهج أشيع هذه المناهج، ويسمى المنهج المدرسي؛ لأن هذا المنهج كان يدرس في المدارس الثانوية والجامعات في أوربا والعالم العربي، وما زال مهيمنًا على قاعات الدرس الجامعي. وهو يتعامل مع الظاهرة الأدبية من زاوية سياسية، فكلما تقدم العصر سياسيًّا ازدهر الأدب، وكلما ضعف العصر ضعف الأدب. ويتكئ هذا المنهج على كون الطابع التاريخي والسياسي والاجتماعي لازمًا لفهم الأدب وتفسيره, لذا لا يكون الأديب عبقريًّا لو تقدم عصره أو تأخر عنه مادامت عوامل البيئة قد وجهته, وأفرزته إلى هذه الوجهة.

و يعقد هذا المنهج صلة وثيقة بين الأدب والتاريخ، واتخاذه التاريخ وسيلة لفهم الأدب وتفسيره وتعليل مزاياه في بيئته إذ كان الأدب صورة للحياة الاجتماعية يتأثر بها كما يؤثر فيها. فقد لاحظ أن التطور في حقل الظواهر الأدبية كثيرًا ما يؤدي إلى بروز نوع جديد تتضح فيه بقايا نوع سابق على نحو تطور الكائنات العضوية وتدرج الأنواع، في فنون الأدب من شعر وكتابة وخطابة وغيرها، ودراسة كيفية نشأتها وتطورها عبر العصور، وكيفية تأثر لاحقها بسابقها . .مع التركيز على شخصية الأديب تركيزًا مطلقًا، وأن النص "تعبير عن مزاج فردي"، لذلك كان ولوعًا من خلال التقصي لحياة الكاتب الشخصية والعائلية، ومعرفة أصدقائه وأعدائه، وحالاته المادية والعقلية والأخلاقية، وعاداته وأذواقه وآرائه الشخصية، وكل ما يصب فيما كان يسميه "وعاء الكاتب الذي هو أساس مسبق لفهم ما يكتبه، حتى وإن كان هذا النقده قد سمي بالنقد التاريخي فمن الواجب أن نفهمه على أنه هو النقد التفسيري. والأدب من هذا المنظورليس إلا نتاجًا لشخصية الفرد, وهذا ما يدعو الى رسم صورة أخلاقية ونفسية وأدبية للأدباء الذين ندرسهم أكثر مما نسعى لتقديم دراسات قيمية بحق أدبهم. فما دامت هذه الآثار صادر عنهم مباشرة فإنها تمثل نفوسهم وتتأثر بعوامل البيئة الفكرية والسياسية والاجتماعية التي خضعوا لها، وهذا المنهج يهتم بدراسة الأدباء دراسة علمية تقوم على بحوث تفصيلية لعلاقاتهم بأوطانهم, وأممهم, وعصورهم, وآبائهم وأمهاتهم, وأسرهم, وتربيتهم, وخواصهم النفسية والعقلية, وعلاقاتهم بأصدقائهم, ومعارفهم, والتعرف على كل ما يتصل بهم من عادات وأفكار, ووظيفة النقد الأدبي هنا هي النفاذ إلى ذات المؤلف لتشف روحه من وراء عباءته بحيث يفهمه قراؤه, وبذلك يضع الناقد نفسه موضع الكاتب. و ثمة ثلاثة عوامل تؤثر في إنتاج الأديب، وجعل الأدب ثمرة محتومة لها، ودرس النصوص الأدبية في ضوئها:
ــــ العرق أو الجنس بمعنى الخصائص الفطرية الوراثية المشتركة بين أفراد الأمة الواحدة المنحدرة من جنس معين.
- البيئة، أو المكان أو الوسط، بمعنى الفضاء الجغرافي وانعكاساته الاجتماعية في النص الأدبي.
- الزمان أو العصر أي مجموع الظروف السياسية والثقافية والدينية التي من شأنها أن تمارس تأثيرًا على النص. مع الاستعانة بالمنهج الإنساني السيكولوجي، حيث الربط بين البيئة والحالة السياسية والاجتماعية والأدب ربطًا علميًّا، والربط بين الحدود التاريخية وحدود الأطوار الأدبية، مع مراعاة النظرة الموضوعية والدقة المنهجية والعمق في طرق الخبر التاريخي بعد نقده وتمحيصه وتوثيقه من خلال التوقف عند مصادره واستبعاد ما حوله من شبهات. وهذا دور المحقق والعالم المحاور والباحث المناقش لأطروحات الآخرين . فالنصوص الأدبية –ومنشئوها –خلاصة طبعية لخواص الشعب الذي أظلها في زمن ومكان بعينهما، ورجال الأدب هم الذين يمثلون روح عصرهم بما يقولون أو يكتبون. وعلى دارس الأدب أن يتفهم أولاً هذه العوامل الثلاثة ليستطيع فهم الأدب وإرجاع خواصه إلى مصادره الأولى.. وقد قيد كتاب التاريخ الادبي إجراءاته التأريخية الموضوعية بسلسلة من العمليات العلمية المتراوحة بين تحقيق النص وتوثيقه وتحليله وتقويمه وتصنيفه، كي تتكامل في نظره المعرفة الموضوعية التاريخية مع التأثر الشخصي والذوق الخاص، وتراعي خصوصيات المادة الأدبية ، وبجانب ذلك، لا بد أن نقف عند أساليب الأدباء وتشكيلاتهم اللفظية وما تستوفي من قيم جمالية مختلفة. ولا بد من المقارنة بين السابق واللاحق في التراث الأدبي العربي جميعه ، ويعتمد المنهج التاريخي على وصف وتسجيل الوقائع وأنشطة الماضي ولكن لا يقف عند حد الوصف والتسجيل ولكن يتعداه إلى دراسة وتحليل للوثائق والأحداث المختلفة وإيجاد التفسيرات الملائمة والمنطقية لها على أسس علمية دقيقة بغرض الوصول إلى نتائج تمثل حقائق منطقية وتعميمات تساعد في فهم ذلك الماضي والاستناد على ذلك الفهم في بناء حقائق للحاضر وكذلك الوصول إلى القواعد للتنبؤ بالمستقبل. فالمنهج التاريخي له وظائف رئيسية تتمثل في التفسير والتنبؤ وهو أمر مهم للمنهج العلمي. إنه المنهج الأقدم، والأوسع ذيوعًا واستخدامًا بين الباحثين، والأكثر رسوخًا في الثقافة الإنسانية، والأسهل في التأليف، ويميل إليه صانعو القرارات في مؤسسات التربية والتعليم والثقافة، كما رأوا فيه اتجاهًا وسطيًّا، والناس إلى الاعتدال أقرب وفيه أرغب ، وهذا المنهج يؤدي إلى معرفة أسباب ارتقاء أدب اللغة وانحطاطه، وتبيُّن أساليب اللغة، وفنونها، وأفكار أهلها ومواضعاتهم، واختلاف أذواقهم في نثرهم ونظمهم، على اختلاف عصورهم، وبيان أحوال النابهين من أهل اللغة في كل عصر، وما كان لنثرهم وشعرهم، وتأليفهم من أثر محمود، أو حال ممقوتة؛ لنحتذي مثال المحسن، ونتنكب عن طريق المسيء... حتى يتهيأ للمتخرج في هذا العلم أن يميز بين صور الكلام في عصر وصوره في آخر، بل ربما صح أن يلحق القول بقائله عينِه.
ولا ننس ان دعاة المنهج التاريخي عملوا على تخليص الأدب من قيود العلم التي تتناسى ما فيه من جمال فني ، فالأدب يبعث في نفس القارئ تأثيرا وانفعالا عقب قراءته أيًّا كان هذا التأثير ودواعيه، و فن النقد مثله لا يتسنى لصاحبهما الخلاص من ذوقه وشخصيته. ولا يزال الأدب يعاني في تاريخه ونقده آثار هذا الصراع الدائم بين مذاهب العلماء ونزعات الفنيين...

وقد درج مؤرخو الأدب العربي على تقسيم العصور الأدبية تقسيمًا يتسق مع تطور التاريخ السياسي؛ لما بين تاريخ الأدب وتاريخ السياسة من تأثير متبادل. ولكن هذا التقسيم لا يعني أن الظواهر الأدبية تتفق مع العصور التاريخية اتفاقًا تامًّا؛ وذلك أن الظواهر الأدبية تتداخل قليلاً أو كثيرًا في العصور التاريخية، ولا ترتبط بالأحداث السياسية ارتباطًا كاملاً؛ فالتغيّر في الأدب، والانتقال من حال إلى حال لا يحصل إلاّ بالتدريج البطيء حتى لا يُشعَر – في الأغلب – بالفروق بين الدرجة القادمة، والدرجة التالية لها

ويلاحظ على هذا المنهج أن الحدود الفاصلة من أحداث التاريخ المشهورة التي يراها رواد هذا المنهج علامات صالحة للفصل بين مرحلة وأخرى من مراحل تطور التاريخ الأدبي، ليست حدًّا فاصلا كالحد بين البر والماء يختلف جوهر جانبيه، وذلك لم يدر بخلد أحد، وإنما هي عملية متواصلة دائمة ترى الشاعر والكاتب يعيش الواحد منهما بين عصرين ولا يقطعه العصر نصفين ولا يشطره الحد شطرين؛ ولهذا فإننا لم نعدم خلافًا بين الدارسين في الحدود الفاصلة بين العصور المتداخلة أو خلافًا في طول هذه العصور وتسميتها ! ومن ثم تعرضت "النظرة المدرسية" لكثير من الانتقادات والمعارضات التي تتبنى الوجهة التاريخية، والهجمات والحملات الأدبية من طرف ثلة من النقاد والأدباء المحدثين.
ان تقسيم الأدب إلى عصور : أموي وعباسي وغيرهما هو تقسيم أجنبي ظالم، فضلا عن وصف عصري الممالك والدولة العثمانية باسم (عصر الانحطاط) بينما هذا العصر عصارة ثمرات تطور الأدب العربي والفكر الإسلامي مما يجعله خليقا بأن يسمى عصر الموسوعات.


الباب الحادي والعشرون

تحقيب تاريخ الأدب العربي والاسلامي

تبرز في العصر الخديث قضية التأريخ للأدب الاسلامي والعمل على إبراز معالمه –إبداعا ونقدا وتنظيرا..- انطلاقا من نبتته الأولى إلى رسم أفقه المستقبلية مرورا بمحطات تاريخية عديدة ومتنوعة..
ومتى يوجد تاريخ للآداب العربية؟ والاسبامية على اعتبار أن تاريخ الآداب العربية يمثل جزءا لا يتجزأ من تاريخ الآداب الإسلامية الذي يحتوي على مجموع آداب الشعوب الأخرى غير العربية، ولكنها تنتسب إلى الإسلام.. فلتاريخ الأدب – ونعني به التأريخ للأدب ونقده فوائد جمة وإيجابيات كثيرة، تكون لصالح الأمة التي تهتم به وتعنى بالعمل على تطوير أدواته وازدهار أساليبه وتلميع مقوماته وصقل ركائزه والحفاظ على أحسن مكوناته وأفضل خصائصه والعناية بميزاته ومميزاته، وتتفنن في ترويجه وتعميمه وتسعى إلى تحسين ظروف تعليمه، وتبرز أزهى مراحله وأزكى ما فيه وتصلح أخطاءه وتعيب على المروق إذا وجد فيه كما توضح ثغراته ولا تسكت عن عثرات بعض فترات جموده.. فهو بالنسبة لها وسيلة أساسية للحفاظ على شخصيتها ومقومات وجودها وأمجادها وطريقة رئيسة للكشف عن هويتها ومدى أصالتها وعمق تجاربها، ومرآة خالصة تعكس للأمة الصورة الحقيقية لوجهها مما يسعفها على المضي في تزيينه وتنميقه إن كان وجها حسنا، أو تسعى لتنقيته وتحسينه إن بدا على ما يخالف ذلك.. وأداة طيعة للاحتفاظ بلغتها نقية صافية بيضاء تتمتع بعذوبتها وجزالتها وسلاستها ورصانتها وسهولتها وفصاحتها، وتعيش بعيدة عن أسباب الانحطاط أو الضعف التي تتربص باللغات الطبيعية الدوائر.. و إن شدة الاعتناء بأداء العربية وتاريخها ليست فقط مسألة علمية، بل هي وسيلة لتوضيح المؤثرات التي توالت وأثرت في عقلية الأمة وثبتت في ذاكرتها، ولتوضيح الآثار التي قد تركتها هي في غيرها من الأمم والشعوب.. كما أنه – أي تاريخ الأدب – أداة للتعريف بشخصياتها وعباقرتها وروادها الأفذاذ الذين صنعوا أمجادها ووشحوا حياتها بزينة العلوم والآداب والفنون المؤدية إلى التقدم.. وأقاموا حضارتها شامخة للعيان، وخلدوا للخلف آثارها، ورفعوا رايتها بين الأمم، ونشروا تحفها وفرائدها وأذاعوا قضاياها.. ثم إن تاريخ الأدب يبصرنا بخوالج النفوس ومكنوناتها وطبائعها كما يرسم بريشة المبدع الأديب عواطف القلوب وهزاتها، وميول الأهواء وشطحاتها، ومستويات العقول ودرجات تفكرها، وعلاقات الأفراد ومشاعرهم وسلوكياتهم، وأحوال المجتمع وما يتعرض له من تطورات، أو ينتابه من تغيرات، أو يلحقه من انقلابات أو انفلاتات.. ويحمل كذلك بين طياته نظرات إنسان الأمة إلى الكون والوجود والطبيعة والحياة والإنسان ذاته، وتصوره لنفسه ولمن حوله من الخلق والمخلوقات، وسبحاته في كل ذلك، مع محاولات التفسير والتوضيح وإضفاء الذات، والتغيير والدفع إلى المزيد من خدمة الإنسان كخليفة في هذه الأرض.. وغير هذا كثير من الأمور التي يمكن أن نلمسها ونستشفها من إبداعات الأدباء وإنتاجاتهم، وهي لا تخفى على دارسي ومؤرخي الأدب..

إن تاريخ الأدب عملية مثمرة ومستمرة.. لا يمكن أن تستغني عنه أمة من الأمم إلا إذا وقعت تحت براثن الجمود الفكري، وجحدت الحركة الثقافية والفكرية والأدبية – على الخصوص – وأثرها في الحياة والناس.. وقطعت ما بينها وبين ماضيها – القريب أو البعيد – من وشائج وأواصر، وتنكرت لما قد يحويه هذا النوع من الممارسة الإنسانية الحيوية من مفاهيم ورؤى ونظرات ترسم من خلالها آفاقا معينة، مما قد يعرضها للتيه والضلال في حياتها، والقطيعة عن أصولها وعدم غرس أو بناء نبتتها التي يمكن أن تكون أصلا لخلفها ومن يأتي من بعدها.. وأنكرت سلفها ورجالاتها ولم تحفل بحضارتها مما يدفعها إلى البحث في حضارات أخر عن رجال آخرين غير رجالها، وأجدادنا الذين مهدوا – فعلا – لرجالات تلك الحضارة الطريق وسددوا لهم الخطا كي يحققوا أخيرا ما هم فيه..

ولهذا فإن الأمة إذا استغنت عن تاريخ آدابها أو غفلت عنه – كما ثبت في تاريخ بعض الأمم – أو تجاهلته أو تركته للأيدي الملوثة تعبث به فقد حكمت على نفسها بأن تكون في عداد الموتى فوق التراب لا تحته، أو بأن تكون أمة بلا شخصية أو مجردة من كل ما يربطها بأمجادها، ومن ثمة فهي خارج التاريخ لأنها لا تنتج وإنما تستهلك فقط.

والأمة الإسلامية ما فرطت أبدا في تاريخها ولا في آدابها إلا أنها تركت فسحة واسعة جدا استقبلت من خلالها ما هب ودب من الآداب والأفكار ما مزق الأصول الأصيلة فيها، وقزم الفروع التي أتت منها، فأصبحت الأمة في مهب الريح.. مرة تكتسي بكسائها على الرغم من وجود رقع متعددة ومختلفة، ومرة ترتدي ثوب غيرها.. والآن فإن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون إلى تاريخ آدابها من أي وقت مضى.. فهي في حاجة إلى أقلام مسلمة مخلصة تعيد كتابة تاريخ الآداب الإسلامية كفرع من فروع التاريخ العام، وذلك عن طريق الهدم والبناء..هدم كل المحاولات التي أنتجتها مجموعة من الأقلام المسعورة أو المأجورة أو المغفلة.. ونسف كل ذلك الركام الأدبي العالق بتاريخ الإسلام والذي يحسب عليه وهو في الحقيقة لا يمت إليه بصلة.. وبناء نظرية إسلامية تاريخية نقدية يصاغ على أساسها الأدب ويعاد من خلالها تفكيكه وتشكيله، كما يتم نقده ودراسته اعتمادا على رؤيتها وبناء على نظريتها وانطلاقا من زاويتها ليسير على هداها..

هذا الهدم والبناء هو المنهج الذي يخول للناقد الإسلامي أن يبعث في الأدب وتاريخه روحا جديدة، ونفسا طويلا وزكيا، ووظيفة إيجابية تعمل في النفس والمجتمع والحياة.. وبهذا المنهج يتمكن الإسلامي من الربط بين ماضيه العريق وحاضره المتردي، كي يرسم خطوطا عريضة وواسعة وكبيرة لبناء مستقبل مخالف لذلك الماضي الأدبي المنحرف والمدسوس في كثير من جوانبه، ومتجاوزا لهدا الحاضر الأدبي المنحل الذي ينشر ظلماته على الساحة الأدبية الآن..

الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تاريخ آدابها برؤية إسلامية تتمتع بنظرة إيمانية ربانية، ومقومات ذات أسس إنسانية قويمة، وخصائص فكرية وفنية متميزة، ومكونات أدبية مستقيمة، وتتغيا إحقاق الحق وإزهاق الباطل.. كما أنها في حاجة ماسة إلى لغتها من منبعها الصافي المعين.. في حاجة ماسة إلى رجالاتها وسلفها وقوادها الثقافيين والأدبيين الصالحين.. إلى معرفتهم والاقتداء بهم واتباع آثارهم وتتميم ما بدؤوه من أعمال شامخة وخالدة في التاريخ، يفخر بها حتى أعداؤهم أنفسهم.. كما أنها في حاجة ماسة إلى معرفة التيارات المنحرفة وأساليبها وملابساتها، أو ما يمكن أن يمس الحياة الإنسانية من انحراف وضلال وتيه وتعثر وسقوط، وذلك عن طريق الكشف عما تراكم في التاريخ من ذلك، والوقوف عنده طويلة وقفة المتأمل الدارس الحصيف.. وهذه المعرفة الأخيرة تخول لنا عدم تكرار التاريخ بأخطائه وانحرافاته وزيغ أدبائه عن الصراط السوي..

إن تاريخ الأدب في حس الإسلامي يجب أن يكون حافزا لتكوين شخصية لغوية أدبية منفردة تسعى إلى إيجاد عالم مغاير جديد يقوم على أنقاض هذا العالم المشوش الملبس بالخطيئة.. كما تسعى إلى توحيد غايات الأمة وأهداف الجماعة، وتبلور كل الوسائل التي توصل إلى هذه الغايات وتلك الأهداف..

ويبقى تاريخ الأدب وسيلة من عدة وسائل أخر تعمل مجتمعة متفاعلة فيما بينها كي تؤسس المدينة التي طالما حلم بها الأدباء وبحث عنها المفكرون إلا أنهم أخطؤوا طريقها.. إذن الاهتمام بهذا الموضوع / القضية يجب أن يكون من بين اهتمامات كثيرة يعمل فيها أهل التخصص، كل في مجاله، مما يساهم في آخر المطاف في تجميع الجهود وتنويرها وتكثيفها وحشدها وإعمالها . ونلحظ أن مجموعة من الأدباء المؤرخين والباحثين، ولفيفا من الدارسين والنقدة المتمرسين قد اهتموا بالأدب وتاريخه أيما اهتمام.. وخصصوا له عدة مؤلفات وكتب، كل حسب منهجه في البحث، وطريقته في الدرس والتفكير.. ولإتمام عملهم هذا وتسهيلا لمهمتهم فيه وتيسيرا لفهم الأدب وتفهمه ثم تقديمه مادة دسمة وأكلة فكرية / أدبية طازجة لبني قومهم وجلدتهم.. حاولوا تقسيم حياة هذا الأدب إلى عصور وحقب أطلقوا عليها تسميات أو مصطلحات حددوها بفترات زمنية أو فنية معينة، وقسموها عصورا أدبية.. والتحديدات الزمنية والتسميات المختارة لها قد تعاورتها كتب التاريخ العام وتاريخ الأدب على الخصوص.. وليس هذا الأخير إلا من ذاك الأول..

وأشهر هذه التقسيمات وأكثرها رواجا تلك التي تنبني على مسميات ارتبطت أصلا بالعشائر الحاكمة، بالبلاطات وأصحابها، بتلك الدول التي تعاقبت عبر تاريخنا، كالعصر الأموي والأعصر العباسية وعصر الإمارات.. أو على مفاهيم أحدثها إسلام فانتشرت في البقاع، ولم يجد أحد فكاكا منها، على الرغم من الموقف العدائي ضدها عند بعضهم كتسمية ما قبل الإسلام بالفترة الجاهلية أو العصر الجاهلي..

هذا ما نجد في كثير من كتب تاريخ الأدب العام، كما عند أحمد حسن الزيات وشوقي ضيف وغيرهما، مع اختلافات طفيفة أحيانا في تسمية بعض الفترات التاريخية، أو تحديد الإطار الزمني لها أحيانا أخرى.. والعصور التي اشتهرت في تقسيم تاريخ الأدب هي:

1* العصر الجاهلي: ويتحدد زمنيا بما قبل الإسلام بنحو مائة وخمسين سنة أو أكثر حسب المؤرخين..

2* العصر الإسلامي: وقد قسموه إلى فترتين زمنيتين اثنتين:

أ+ تبدأ الأولى بظهور الإسلام وتختتم بانقضاء الخلافة مع الإمام علي كرم الله وجهه حوالي سنة 40 هجرية..

ب+ وتنطلق الثانية من تولي بني أمية الحكم ابتداء من السنة 41 للهجرة تقريبا إلى قيام الدولة العباسية سنة 131 هجرية..

3* العصر العباسي: ويبتدئ انطلاقا من استيلاء بني العباس على الحكم سنة 132 هجرية وينتهي بهجوم المغول على بغداد وسقوطها سنة 656 هجرية.. وقد قسم بعضهم هذه العصر إلى فترات أسموها العصر العباسي الأول والثاني ..إلخ.

4* العصر الحديث: وجعلوه يبتدئ بقيام دولة محمد علي بمصر إلى وقتنا الحاضر وقسموه بدوره إلى حديث ومعاصر..

ومن بين الباحثين من جعل ضمن هذه التقسيمات المذكورة عصورا أخرى كعصر الانحطاط والعصر التركي.. إلى غير ذلك من التسميات والتحقيبات التي تعين الدارس على البحث العلمي في تاريخ الأدب.. وتيسر له مهمة إصدار هذا الأدب إلى المتلقي في أبهى صورة، وأخف ظل..

ولا بأس هنا من الإشارة إلى إحدى التقسيمات الاستشراقية لتاريخ هذا الأدب، فقد قسم “كارل بروكلمان” على سبيل المثال تاريخ الأدب العربي إلى مرحلتين زمنيتين، كل مرحلة قسمها بدورها إلى مراحل تاريخية.. يقول(5): “ومن هنا نقسم نحن الأدب العربي إلى مرحلتين أساسيتين:

1/ أدب الأمة العربية من أوليته إلى سقوط الأمويين سنة 132 هـ / 750 م وتنقسم هذه المرحلة إلى الأقسام التالية:

الأدب العربي إلى ظهور الإسلام..
محمد (ص) وعصره..
عصر الدولة الأموية..
2/ الأدب الإسلامي باللغة العربية {….} نقسم تاريخ الأدب الإسلامي إلى خمسة أعصر:

عصر ازدهار الأدب في عهد العباسيين بالعراق منذ حوالي 750م إلى سنة 1000م تقريبا..
عصر الازدهار المتأخر للأدب منذ 1000م تقريبا إلى سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 1258م..
عصر الأدب العربي منذ سيادة المغول إلى فتح مصر على يد السلطان سليم 1517م..
عصر الأدب العربي من سنة 1517م حتى أواسط القرن 19..
الأدب العربي الحديث..
كما تجدر الإشارة إلى قضية جد مهمة ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه التقسيمات والتسميات، وهي أن هذه التقسيمات بمفاهيمها كان لها أثر واضح عند أصحابها في دراستهم لهذا الأدب لأنها ارتبطت عندهم بفلسفة تعتمد السياسة والاجتماع أساسا في البحث الأدبي، يقول أحمد حسن الزيات: “آثرنا أن نجاري كثرة كتابنا في تقسيم تاريخ أدبنا إلى خمسة أعصر على حسب ما نال الأمم العربية والإسلامية من التقلبات السياسية والاجتماعية..
إلا أن هذه النظرة – والتي أطلق عليها اسم “النظرة المدرسية” – التي تقيم درس الأدب العربي على قسمة العصور قسمة تاريخية تعرضت لكثير من الانتقادات والمعارضات التي تتبنى الوجهة التاريخية، والهجمات والحملات الأدبية من طرف ثلة من النقاد والأدباء المحدثين..ويبدو أن النظرية المدرسية لا تحقق المنهج السليم في الدراسة الأدبية: لا تحققه في نفسها ولا تحققه فيما يكون عنها من تفرعاتها أو إيحاءاتها..ويعد تقسيم الأدب إلى عصور : أموي وعباسي وغيرهما هو تقسيم أجنبي ظالم، فضلا عن وصف عصري الممالك والدولة العثمانية باسم (عصر الانحطاط) بينما هذا العصر عصارة ثمرات تطور الأدب العربي والفكر الإسلامي مما يجعله خليقا بأن يسمى عصر الموسوعات. وعندما نقد المحدثون النظرية المدرسية لم يكتفوا بالنقد فقط بل حاول بعضهم أن يطرح البديل الذي يراه مناسبا والعوض الذي يجده أفضل من غيره أو مما هو موجود بحدة في ساحة الأدب من هذه التقسيمات التي اعتمدت تحقيب الأدب على الشكل الذي سبق ذكره.. ونجد في هذا المضمار عدة محاولات منها على سبيل المثال اقتراح تسمية العصور فنيا وكذل خط اخرون لانفسهم طريقا أخرى في التقسيم والتسمية على العموم.. إذ خص بعضهم تقسيمات “فجر الإسلام” مثلا للدولة الأموية مع صدر الإسلام.. وكتابه “ضحى الإسلام” للمائة الأولى من العصر العباسي.. وكتابه “ظهر الإسلام” إلى آخر القرن الرابع الهجري.. وينسب الى بعضهم مناهج معرفية تتميز بخمس فترات أساس هي: “فترة العصر الافتتاحي أو التجربة التأسيسية، ثم الفترة الكلاسيكية، ثم العصر السكولاستيكي الأرثدوكسي، ثم عصر النهضة، ثم مرحلة الثورة ، وهناك محاولات عديدة في هذا الباب منها ما لم يكتب له الشيوع ولم يجد له من القوم سندا، ومنها ما لم تتضح معالمه بجلاء كتلك التي تعتمد على الفكر الماركسي في تحقيبه للتاريخ..

وبعيدا عن كل تشنج فكري أو تعنت أدبي وثقافي أو تعصب غير مضبوط بضوابط الشرع والعقل تناقش النظرية المدرسية من وجهة نظر إسلامية وتفكك ويعاد تركيبها وضبط إوالياتها من خلال مصطلحاتها التي استعملتها وتقسيماتها التي اختارتها ومنهجها الذي اتبعته في كتابتها لتاريخ أدبنا العربي والإسلامي.. و النظرية المدرسية ليست شرا كل الشر كما أنها ليست خيرا كل الخير، أو أن منهجها غير صالح بتاتا، بل إن لها مسوغات يمكن قبولها إلى حد ما إذا ما نظرنا إلى الظروف والأحوال الحياتية التي أحاطت بالعالم الإسلامي في فترة من فتراته جعلت أدباءه ومؤرخيه ينهجون هذا المنهج ويختارونه ويستعينون بتلك التقسيمات، وإن كنا لا نعذرهم على كل حال.. يقول طه حسين: لست من الذين يحبون أن يؤرخوا الآداب بالأحداث السياسية، لأني أشك في استقامة هذا النوع من التاريخ، لكن بعض الأحداث التي تصيب حياة الأمم السياسية قد تكون دليلا، وقد تميز بعض الظروف الأدبية، فليس هناك بأس أن نعتمد على بعض الحوادث السياسية أحيانا، لا على أنها تؤرخ تطور الحياة الأدبية بل كدليل على بعض الوجود والأنحاء لهذا التطور.. فالأدب الذي عاش مثلا –أو ترعرع ونما مبدعه- في حضن (الدولة الأموية) لا يعني أبدا أنه قام مع قيا مها و ظهر بوجودها و اندحر أو انقرض مع قيام (الدولة العباسية), كما لا يعني أنه ا ستمر على وتيرة واحدة ونهج واحد لم يحد عنهما طيلة السنوات الممتدة مثلا بين سنتي 41ه و 656ه . كما أنه لم يعش حياة ذل و خنوع تتحكم في رقبته الأحداث السياسية و تلوي عنقه ا لقضايا الاجتماعية فيدور حيت دارت, ويمشي حيت مشت أو يحط حيث رسمت له, لأن الأدب أولا كائن حي منفعل ومتفاعل .. ولكونه يحمل في ذاته شروط التغير و التطور والتحول المستمر لتركيبه الخاص.. و لكونه يصدر عن إنسان حي عاقل عاطفي وجداني سلوكي يتفاعل مع الحياة برمتها فيتأثر و يؤثر, ويفعل و ينفعل, وارتباط الأدب بالإنسان هو ارتباط بالحياة بكل ما تحمله من معان و دلالات وممارسات.. فالحياة ليست سياسة فقط بل هي أكبر من ذلك, إنها الحياة كما نعيشها بكل مستوياتها وبكل مقوماتها وبجميع غاياتها وتطلعاتها.. وبكل ما ظهر منها و ما بطن.


الباب الثاني والعشرون

الأدب والتاريخ:

التاريخ بوصفه دراسة علمية للوقائع الإنسانية الماضية والأدب بوصفه تشكيلا لغويا جماليا مؤثرا ومتأثرا في وبالواقع الإنساني يلتقيان عند الإنسان باثا ومتلقيا وموضوعا . ولهذا الترافد أشكال متنوعة منها : ترافد الانبناء وترافد الإيحاء وترافد الانتهاء ، فترافد الانبناء : فيه الأدب الذي يمكن إن ينبني مستندا إلى التاريخ كما هو الحال في أي إبداع أدبي يستبطن حادثة تاريخية, و يمكن للتاريخ إن ينبني مستندا إلى الأدب حين يغير النص الأدبي من مسار التاريخ ، وترافد الإيحاء الذي هو كل نص إبداعي له أبعاد يعتبر البعد التاريخي فيها أكثر من مهم . وترافدالانتهاء الذي هو دراسة التاريخ بثابته ومتغيره تسلح الإنسان بما يمكنه من التحكم في المستقبل وكذلك الأدب بامتياحه من أغوار الجوهر الإنساني قد يحمل إرهاصات مستقبلية . هذه الأشكال من تعالق الأدب والتاريخ لا تعدو الظاهر .أما باطن التعالق فصراع " تراجيدي " محوره الإنسان والزمن .وهل من أدب لا يجادل زمنه ؟ وهل من تاريخ دون زمن ؟ . تمر أجيال وراء أجيال, آداب وراء آداب ,,, ويسحق الزمن كل شيء , ولا يبقى سوى التاريخ . من هنا كان التاريخ سجلا لعظماء الإنسانية وأبطالهم .فمن الذي يؤرخ ؟ ومن الذي يحقب للاخر؟ إن تعالق التصارع يجعل من الأدب المتعالي على التاريخ حادثة تاريخية لان الإنسان مبدعه ليس إلا كائنا تاريخيا . لكنه حين يسعى إلى تجاوز التاريخ كصيرورة وتعاقب يدحرجانه للفناء والتلاشي يلتحم بالثابت الخالد ويكتسب عمقه الدرامي وبطولته التراجيدية لينتصر على الزمن والتاريخ . مكمن الصراع في الخلاصة تجاذب للبطولة وساحته المثلى مبحث التاريخ الأدبي حيث يبدو ظاهريا إن التاريخ يمسك بزمام الإبداع الأدبي يقسمه ويفصله ويحقبه لكن العكس صحيح أيضا لان النص الإبداعي هو الذي يعري المفاصل التاريخية ليبرهن على تمفصلات الأحقاب والعصور .وهل يخلو تاريخ أدبي من ممارسة مفارقة كهذه ؟ وليست مفارقة التحقيب بين الأدب والتاريخ يتيمة في هذا المجال . فمن المفارقات أيضا ما يطال هذه الفروع المعرفية بين التقارب والتباعد . فالأكيد أننا تجاوزنا عصر التخصص العلمي والمعرفي إلى عصر تخصص التخصص . فالتاريخ قد تفرق شعبا والأدب عرف المصير نفسه. وغدا التماهي بين فرعين أدبيين مسلكا صعبا فما بالك بنسقين معرفيين كالأدب والتاريخ تباعدا إلى حد كبير؟ والقضية ليست بنت اليوم أو الأمس القريب. فلقد ارق الانتحال : انتحال الأخبار الأدبية والتاريخية كلا من نقاد الادب
المؤرخين .وأرقتهما أيضا إشكالية الخيال والواقعية في النص أي نص مهما كان اقتراب رمزه اللغوي من مرجعه. ظاهريا تبدو المسائل محسومة خاصة عند المؤرخ لكن ثمة من المعطيات ما يؤكد إن لاشيء قد حسم بشكل يقيني ونهائي .قال المؤرخ يشغلني تحليل معرفة الماضي وكل شيء عندي مصدر تاريخي ولا يعنيني كثيرا إلا وفق منهج الاستنطاق إن يكون المصدر نصا أدبيا أو هيكلا عظميا . وقال الأديب ما زال الأمر بعيدا عن قول فصل .صحيح إن التاريخ علم والأدب فن .ولكن من منع المؤرخ أن يكتب بلغة الفن ؟ ومن منع الأديب أن يطمح إلى تأسيس علم الأدب ؟ ثم ها هو المؤرخ الأدبي أمامنا يسال: هل أنا مؤرخ أم أديب ناقد فنان ؟ وها هو الشكلاني المؤسس لعلم الأدب يهتف بموت التاريخ ( مؤلفا ومتلقيا وبيئة ) في ساحة الأدب /العلم . وها هو صاحب التلقي يستعيد نصوص الماضي في الحاضر ويتلمس تماس الخطاب الأدبي والخطاب التاريخي حين يقترب النص من النص إلى حد يشرع للحديث عن تناص بين الحقول المعرفية . لقد سادت الدراسات التاريخية في بدايات القرن العشرين ممثلة في المنهج الفيلولوجي والمنهج التطوري على ساحات المعرفة لغوية وأدبية وفلسفية . وانبثقت إثرها حركات منادية بإقصاء التاريخ من الساحة . طغت البنيوية برفضها للمعيارية والزمانية فكان إن شبهت المدارس الأسلوبية المؤرخ الأدبي ب"ـالشرطة التي تفكر باعتقال. إن مؤرخي الأدب يأخذون أطرافا من كل شيء ويركبون كل علم "إلا العلم الأدبي ، وقد وسعت المناهج البنيوية عبر فصلها بين التناول الداخلي والتناول الخارجي إلى طرد التاريخ تاركة له ما هو خارج النص وخارج الأدب. وغدا طموحها إن تؤسس علم الأدب بالارتقاء بالممارسة النقدية والإبداعية من ورائها عبر نزوع إلى التقنين والتكميم فتماهى الخطاب الأدبي والخطاب العلمي في لغة المعادلات والرموز المجردة .وعاد التاريخ من الشباك من خلال ذلك التماهي بين الخطابين . لقد أصبح الخطاب الأدبي كيانا محدد الآليات في القصة والشعر والمسرح...وأصبحت الشعرية أو الأدبية منظومة " قواعد تحويلية " تمكن من توظيف اللغة والارتقاء بها عن الدرجة الصفر في المظاهر الصوتية والصرفية والتركيبية بل امتد التناول إلى لسانيات الخطاب لتبحث عن قواعد كمية مقننة لانسجام النص الأدبي وتضع الفروق بينه وغيره من النصوص في مبحث الانسجام هذا والياته . ولنا في كتب البنيويين والأسلوبيين جداول إحصائية تلهث وراء الفروق بين الخطاب العلمي والخطاب الأدبي . ومهما تجذر الخطاب التاريخي في لغة النثر العلمي التي تحلل تلك الجداول اختلافها عن اللغة الشعرية لغة الإبداع الأدبي فان الفوارق لا تنفي وجوها من الاتفاق منها:أن المؤرخ يتناول الوقائع ليدرسها باحثا عن تعليل وتقنين وهو هنا لا يختلف عن الناقد الادبي الذي يدرس الوقائع باحثا عن تعليل وتقنين. تنتهي الدراسة بالأولى إلى معرفة بالماضي وفلسفة للتاريخ وتنتهي الدراسة بالثاني إلى معرفة بالماضي ونظرية للأدب .وقد يمارسان تحقيبا متطابقا إذا ما انبنى على المعيار نفسه كنظام الحكم السائد ( أموي /عباسي / عثماني ) أو العامل الزمني وامتداداته ( قديم/ وسط/ حديث )أو الفاعلية الحضارية ( ازدهار / انحطاط / نهضة ) . ولذلك نتفهم مطالبة الخطاب الأدبي بتحقيب يعتمد المعايير الأدبية الفنية الخالصة دون غيرها لان الخصائص الأدبية متغيرة متطورة عبر الزمن .وهو ما يمكن من اعتماد امتدادها اوتغيرها مقياسا في التحقيب الأدبي الذي لن يخرج رغم ذلك عن كونه تحقيبا تاريخيا . وهو ما يؤكد على إن الخطاب الأدبي تاريخي في شكله وفي مضمونه ...ولذلك نجد تداخلا في الكتابات التاريخية القديمة بين ما هو تاريخ موضوعي وما هو اقرب إلى التاريخ المتخيل ، وعلى العكس فإننا نجد العديد من التعابير الحكائية هي تعبير عن وقائع تاريخية ، وكتابة التاريخ وكتابة الأدب القصصي يقومان أولا على اهتمام بالواقع والحياة وإعادة تمثيلهما وتشكيلهما. إن كل تمثيل ( تاريخيا كان أم أدبيا ) هو تصحيف وتحوير.فالفرق بين النصوص التاريخية والأدبية ليس في أي منهما أكثر اتصافا بالواقعية بل في كيفية إعادة بناء الواقع وإعادة تشكيله داخل النص ، ويشترك الأدب والتاريخ في قدر من التخيل والسرد والتعالق بالواقع عبر صياغة لوقائع إنسانية ينهض بها فواعل داخل بناء منتظم مكانا وزمانا وحبكة .إن هذا الاستنتاج يدفع بالفن القصصي بجميع ألوانه من الأسطورة إلى الرواية إلى سطح التماس بين النصين التاريخي والأدبي .ومما يدعم ذلك إن الكتابة التاريخية والأدبية في عصور طويلة قامتا على العجائبي والغرائبي فالتحم التاريخ والأسطورة إلى حد القول : "ليست الأسطورة إلا المراحل الأولى للمعرفة التاريخية وليس التاريخ إلا التطور المعرفي للأسطورة مما يؤدي إلى تواجد أجناس أدبية دالة على تماه بين الأدب والتاريخ كالخبر والسيرة الذاتية والسير الشعبية والملاحم والرواية وكلها تعبيرات عن تاريخية البطل الأدبي .هذا إضافة إلى كتابات أخرى هي كتابات تاريخية شفافة على الأدبية مثل السير التاريخية والسير الغيرية وكتابات التفسير التمجيدي البطولي للتاريخ وكلها تعبيرات عن أدبية البطل التاريخي.
وقد سحبت توجهات الدرس النقدي هذه على السردية العربية وعلى الرواية فيها بشكل خاص . ربما لان البدايات الروائية اتصلت بالتاريخ شكلا ومضمونا . وهكذا يصبح التاريخ قناعا يتخفى وراءه طرح معاصر ويتحول البطل من بطل تاريخي إلى بطل أدبي ينطق بهموم عصر غير عصره


الباب الرابع والعشرون
قضايا المنهج في التاريخ الادبي

يتطلب تنظيم تاريخ الادب حل مشكل أولي يكمن في التحديد او الاحاطة بالمجال الذي ستهتم به الدراسة . قد يتضمن هذا التحديد مشاكل أساسية وجذرية ( أدب شفوي أو مكتوب ؟ مقدس أو مدنس ؟ ) كما قد يتضمن حالات منعزلة خاصةباتخاذ وجهة نظر متميزة ، سواء كانت جغرافية او لغوية او تاريخية ، كل واحدة تدعي مشروعيتها .
1 - المجال الجغرافي
كل تاريخ للادب يقتضي تجسيد دائرته الخاصة : الادب الكوني ، الادب الغربي ، الاوروبي ، الشمالي ، الجنوبي ، الوطني ، الاقليمي الجزيري العربي . إنه من السهولة أن نتصور المشاكل المتنوعة التي يثيرها أحيانا المعيار الجغرافي بمظهره السريع والبسيط : ( الادب العربي هو أدب العرب ) . لا ينتمي كتاب وآثار أدبية لادب وطن ما بمجرد ولادتهم داخل حدوده ؛ و ان التسميات الجغرافية لا ينبغي ان تؤخذ بالمعنى الحرفي للكلمة ، ومع ذلك فان التواريخ العالمية للادب وكذا التواريخ الوطنية يعتمدان في تقسيماتهماعلى تجزيئات على التوالي وطنية ومحلية للاداب . ولا ينحصر التاريخ العالمي للادب في ذكر الجهود الادبية لكافة الانسانية فحسب ، انه بالاحرى عبارة عن جغرافية الروح ، فالكل يشبه خريطة الارض حيث تشكل كل مجموعة أدبية او لسانية قارة ، وينبغي ان يتميز كل بلد او شعب بلونه الخاص داخل قارته . كما يجب أيضا ابراز طرق التواصل الفكري ومناطق التاثير الفني والتداخلات الثقافية ، وبلورة مجهود البشرية المتواصل من أجل تفسير وضعها الحالي وبيان ما تطمح اليه من مصير."
ومع ذلك لم يقع تناول جغرافية الروح بصورة مستمرة . غير أن الجغرافيا تتكامل مع التاريخ ، ويجب ان تحتفظ مفاهيمها بنوع من المرونة . أيهما أكثر دقة : حدود قرن أو عصر ، أو تكريس دائرة واحدة لكاتب عاش في نواح مختلفة أو اختار اقليما آخر؟ ألا يمكن اعتبار هذا مشابها لما يطرحه التقسيم حسب الاجناس ؟ فالجغرافية سيقع التخلي عن اعتبارها غاية لتتحول -مثلها مثل التاريخ -الى وسيلة لعلم الادب ، واذا كان حقا أن الجغرافية الانسانية ينبغي ان تمتنع عن تفسير كل شيء اعتمادا على المناخ ، والتضاريس وانظمة المياه ، فإن الجغرافية الأدبية لاسباب أقوى من ذلك لاينبغي لها أن تثق في خرائطها وقصصها ، واللغة بدورها لا تحل شيئا مهما قيل فان إن ألوان الخريطة الادبية قد تختلط فيما بينها ، لان الحدود السياسية لا تنطبق دائما مع الحدود اللغوية.
ان التحديد التاريخي هو في كثير من الحالات عملية اعتباطية أو هو سراب ، هو اعتباطي لانه يقوم بوضع تقسيمات في الزمن ، ففي اكثر الحالات ليس المعيار التاريخي هو المحدد في ذلك . بل قد يكون معيارا لسانيا أو جماليا او سياسيا او اجتماعيا او غير ذلك والتاريخية الدقيقة تبدو غريبة عن الادب ، والمعايير الاجنبية ( سواء كانت دلالية او لسانية او جمالية ) قد تحقق بصعوبة الاستقلالية المطلوبة ، او تغدو غير قابلة للفصل عن المعايير التاريخية .
قد تواجه تدقيق الحدود مشاكل أكثر صعوبه ، تبدو معها المعايير السالفة الذكر غير مجدية ( اللسانية والتاريخية والجغرافية ) ، ويتطلب حل هذه المشاكل اعتماد معايير أخرى ذات طابع سيكولوجي او اجتماعـــي او ثقافي ، ذات الاستعمــال الحذر والادراك الدقيق جدا.
إن كل تصنيف يعنف أصالة الاثار الادبية وينال من فرادتها ، غير أن التاريخ هو بالأساس مجهود يبذل في مجال النمذجة والتنظيم والتجميع . ان مهمة التاريخ تمكن في البرهنة على أن الاشياء ثابتة ، وأنها تتجلى في كل لحظة بصورة مغايرة نفس الشيء يصدق أيضا على تاريخ الادب . بالفعل ظل الادب هو نفسه دائما ، كل ما هنالك ان كيفيته تتغير في كل لحظة .
وبهدف التقاط تلك الطرق المختلفة تتارجح تواريخ الادب بين النسقية ( الجمالية والفلسفية والمفاهيمية ) والتنظيم التاريخي المتمثل في التحقيب ، وتنمحي النسقية عموما في التقسيم حسب الاجناس او المدارس . ويحاول التنظيم التاريخي الاحاطة بالانتاج الادبي المتعدد الاشكال اعتمادا على دورات أو مراحل أو حقب .
ويعد التحقيب مشكلا خاصا في التاريخ ، وكل تاريخ خاص يجد نفسه بدوره مضطرا الي مواجهة هذا المشكل . وقد يبدو مشروعا ان يحدد كل تاريخ الحقب اعتمادا على معايير خاصة . يعتمد تاريخ الادب على مقاييس أدبية ، وبذلك فان علم الحقب ليس وسيلة تصنيفية فحسب ، بل يطرح المعيار الاساسي المعتمد في دراسة علم معين او ادب معين ، وعلم الحقب كنسق من قوانين التتابع ورسم الحدود قد لا يثير الا مشاكل دنيا ، وبالمقابل حين يعد كخط لا آلة وكشكل اساسي لا مجرد معيار تنظيمي فهو يكشف عن بنية كلية لعلم معين ، وعبره عن جانب من الدائرة الثقافية ، بل وحتى نصف هذه الدائرة . لقد طبق التقسيم الحقبي بشكل تقليدي وبصورة تجريبية ، وتبرز تحاليله غياب معيار موجه ، كما تخلط بين التاريخ والتاريخ الادبي وتتأرجح بين التاريخ الفردي والجماعي ، كما أن مفهوم الحقبة عام وعائم ؛ يقصد به تارة التقويم السنوي ، وتارة الاحداث التاريخية ، والناس الذين عاشوها تارة ثالثة . يفهم في بعض الاحيان أن الحقب هي التي تصنع الشعراء ، وفي أحيان اخرى أن الشعراء هم الذين يصنعون الحقب .
ان هذا التقسيم يثير مشكلا محرجا لتاريخ الادب ، فهو يلزم اتخاذ معيار ، إن لم يكن ثابتا فهو يثير الخلط والفوضى ، وان كان ثابتا يفقد المرونة الضرورية التي تستلزمها التجمعات المختلفة التي تفرض نفسها على الناقد والمؤرخ بصورة تكاد تكون طبيعية .واذا اهتمت الحقب من جهة اخري بمضامينها فهي تستجيب لنماذج غير كرونولوجية ( وحدة الاسلوب ، والجيل او المبدإ ) أكثر مما تستجيب لمعيار موحد منسجم في التحقيب التاريخي ، واذا تخلت عنها ستكون فارغة واعتباطية وغير ملائمة للحدث الادبي .
ان مجرد الاختلاف في الامتداد المعتمد في تحديد زمن الحقب يثبت اختلاف المبادئ
ان الحقب والانماط الحقبية ليست تقسيمات لاشياء موجودة قبلا ، لكنها اشكال تحقق وتطور لأشياء لا وجود لها واقعيا خارجها ، وليست الحقب اذن أشياء مجردة . كما أنها ليست متقلبة الاطوار كلية ، بل تستجيب لنماذج أو مقتضيات تاريخية او سياسية ، ويسعى تاريخ الادب الى جعلها حقبا أدبية بشكل خاص . يحمل التحقيب بالضرورة في طياته بذرة تناقض غير قابل للانحلال : ينبغي ان تتشكل الحقب بالاعتماد علي نماذج تهيمن عليها وتمنح لها معنى ، غير أن هذه النماذج لا يمكن ان تستخرج الامن الحقب المختلفة . وكذلك تعد الاجيال الشكل الاكثر خصوبة ضمن مختلف اشكال التحقيب المستعملة في تاريخ الادب ، ولكنها أيضا مثار جدال طويل يضيف التصنيف الجيلي الى المشكل الخاص لكل تصنيف مشكلا ليس أقل صعوبة وذ
ن طريقة التصنيف في تاريخ الادب وأيضا في تاريخ الفن بالرغم من اختلافهما


الباب الخامس والعشرون
“الأدب العربي القديم في كتابات المستشرقين الفرنسيين:
(أندري ميكيل) و(شارل بيلا ) نموذجين ”
[أنا أقرأ الأدب القديم وحده لأن الأدب العربي

الحديث أدب غربي بحروف عربية] شارل بيلا

لا يمكن إنكار دور المستشرقين الإيجابي ( مع وجود دور سلبي) في دراسة الأدب العربي وإضاءة الكثير من جوانبه التي كانت مظلمة بفعل عوامل كثيرة أهمها ميل العرب الواضح للعلوم الدينية، وانحصار التعليم المدني في بعض المناطق الآهلة، إضافة إلى الأمية التي كانت تضرب الوسط الاجتماعي العربي حتى بداية القرن العشرين. وبصرف النظر عما يقال عن أهداف المستشرقين من دراسة الأدب والتراث العربيين، فإن الفائدة التي جناها العرب من تلك الدراسات لا تنكر، سواء أراد المستشرقون ذلك أم لم يريدوا، بل إن ما يبدو للعرب خطأ في استنتاجاتهم كان سببا في إنتاج دراسات ترد على تلك الأخطاء وتصوبها من وجهة نظر علمية أو منهجية أو تاريخية، حتى غدت افتراءات بعضهم مكشوفة، وأغراضهم معروفة. أما ما توصلوا إليه من دراسات علمية نزيهة فقد استفاد منه العرب وثمنوا قيمته وبنوا عليه كثيرا من كتبهم في الأدب تاريخا ونقدا.

وهكذا، ترك التراث الاستشراقي آثاره الواضحة في الدراسات العربية والإسلامية، كيف لا وقد جند ترسانة هائلة من الإمكانات البشرية والمادية للوصول إلى أهدافه متعددة الأوجه؟ لكن العقل يدعونا إلى الإنصاف في الحكم على هذا التراث، بل إن المنطق العلمي يفرض علينا أن نميز بين التيارات والتوجهات، وأن نحتكم إلى النصوص والوقائع التي ترفض أن نضع الفكر الاستشراقي كله في سلة واحدة؛ خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفصل بين الدراسات الدينية والدراسات الأدبية، فإذا كانت أخطاء المستشرقين في الأولى كثيرة، فإنها في الثانية أقل، على الرغم مما تمكنوا من تحصيله من آثار أدبية ومخطوطات نفيسة لم تتوفر لدى كثير من الدارسين العرب.

ولقد اهتم الاستشراق الفرنسي بالأدب العربي اهتماما متميزا، لعل ذلك يعود إلى أسباب عدة منها ريادة الفرنسيين الأدبية في أوروبا فترة طويلة، واحتكاكهم المتواصل بالبلدان العربية، بل ومكوث بعضهم في هذه الدول ردحا من الزمن، ومولد آخرين بها. لكن السبب الأهم هو حصولهم على عدد كبير من المخطوطات العربية التي ما تزال المكتبات الفرنسية تزخر بها إلى الآن. ومهما يكن من أمر، فإن الدراسات الأدبية الفرنسية حول الأدب العربي تكاد تكون المرجع الأساس لكثير من المؤلفات العربية التي تناولت تاريخ الأدب وقضاياه في الفترة الكلاسيكية. ونحاول في هذا البحث أن تطرح جملة من الأسئلة أهمها:

لماذا ظلت نظرة المستشرقين الفرنسيين للقرآن والإسلام غالبة على كثير من دراساتهم اللغوية والأدبية؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبارها عاملا ساهم في تطوير النقد الأدبي في عصر النهضة وما بعدها؟

لماذا حرص المستشرقون الفرنسيون على التفريق بين اللغة العربية الكلاسيكية وبين اللغات العامية العربية في الوطن العربي؟ وكيف نظروا إلى مستقبل الفصحى وانعكاسات ذلك على دعاوى الحداثة؟
ما هي العيوب التي اتسمت بها الدراسات الاستشراقية في هذا المجال الحيوي في الثقافة العربية؟ ويجد الباحث في التراث الاستشراقي الفرنسي عددا محترما من الدارسين الذين اهتموا بالأدب العربي من جوانبه المختلفة، فمنهم من عكف على دراسة اللغة العربية وفقه اللغة والأدب العربي أو اشتغل بالمعاجم وما شابه ذلك، ولهؤلاء بحوث قيمة مفيدة ، ومنهم من تضمنت بعض أعمالهم الاجتماعية أو الإنسانية مثل الدين والتاريخ والفنون وغيرها نتفا من إشارات إلى اللغة والأدب في سياقات معينة. فالنوع الأول يعرف من عنوانه غالبا، فـجاك بيرك Jacques Berque( 1910 – 1995 م) الذي فتن بالمغرب الأقصى ودرس جوانب الحياة فيه في مؤلفات كثيرة، نجد له (اللغة العربية الحاضرة) وهو كتاب طرح فيه إشكالية اللغة العربية في المغرب بين الفصحى والعامية، أو بين العربية الكلاسيكية الأكاديمية واللغة المنطوقة المستعملة، و(ترجمة معاني القرآن الكريم). بينما أولى ريجي بلاشير Regis Blacher (1900- 1973 م) اهتماما بالأدب العربي، حين ألف عمله الشهير (تاريخ الأدب العربي Histoire de la Litterature Arabe) على غرار ما فعل بروكلمن الألماني، وهو عرض لنشأة التدوين التاريخي في الإسلام في ثلاثة أجزاء، توقف عند القرن الثاني الهجري أو الثامن الميلادي، كما كتب (شاعر عربي من القرن الرابع الهجري: أبو الطيب المتنبي)، وأنجز ترجمة فرنسية لكتاب (طبقات الأمم) لصاعد الأندلسي. وترجمة لمعاني القرآن الكريم بعنوان (القرآن)، عكست قصور ترجمات المستشرقين في نقل المعاني المضبوطة لبعض ما جاء فيه لأسباب معينة. وفي مجال اللغة ألف كتابا بالاشتراك مع ماوريس ديمومبين بعنوان (نحو العربية الفصحى Grammaire de l’Arabe Classique).
أما تلميذه اندري ميكال André Miquel فكتب كتابه (الأدب العربي)، وهو مسح مختصر للأدب العربي في عصوره المختلفة، وألف شارل بيلا Charles Pella (اللغة والأدب العربي)، وغاسطون فييت Gaston Wiet (1887-1971) كتابه( مدخل إلى الأدب العربي Introduction a La Litterature Arabe).
أما النوع الثاني فنجد فيه إشارات أو مباحث عن اللغة والأدب لها علاقة بمجال إنساني أو اجتماعي معين، مثل ما نجده عند إيميل درمنجم E.Dremenghem في كتابه (محمد والتقاليد الإسلامية)، وروبير مونتران Robert Montran في كتابه (التوسع الإسلامي)، ودومينيك سوردال Dominique Sourdel في عمله (تاريخ العرب) و(الإسلام)، وماكسيم رودنسون Maxime Rodinson في كتابه (محمد) (1961م) وبلاشير في عمله (قضية محمد Le Problème de Mahomet)، الذي لخص فيه أبحاث المستشرقين الذين كتبوا عن حياة النبي، وغيرها كثير.
ولا يتوقف الأمر عند هذه الأسماء؛ فثمة غيرها تعددت رؤاها واستنتاجاتها، مما استوجب الاهتمام بها عربيا إما لتصحيح بعض ما جاء فيها بحسب النظرة العربية الإسلامية، أو تثمينه والبناء عليه.
ومضت الدراسات الأدبية واللغوية جنبا إلى جنب مع الدراسات الإعجازية التي ركزت على التفوق الذي حققه القرآن الكريم على مستوى التوظيف البياني خاصة، والفترة الممتدة بين القرن الثاني والخامس تركت هذا الانطباع وعمقته، حتى غدا كل إنجاز أدبي يقاس بمدى تشربه من روح لغة القرآن وبيانه.
وكان طبيعيا أن يلتفت المستشرقون إلى القرآن الكريم ليس فقط بوصفه كتابا دينيا، بل أيضا بوصفه جامعا لخصائص الأدب ومهيمنا عليه، بل إن منهم من تعامل مع القرآن على أنه نص أدبي له تأثره الواضحة بالشعر الجاهلي الذي امتد قبله لقرن ونصف على الأقل وتأثيراته في الشعر العربي في عصوره المتتابعة بعده؛ فماكسيم رودنسون وضع أدبية القرآن خارج نطاق المألوف من الأدب عند العرب، فهو يرى أن الرسالة التي تلقاها محمد هي أقرب إلى الشعر الخالص، بقدر ما تبتعد عن الشعر التقليدي، وقد توصل إلى هذا الاستنتاج بعد مقارنة عميقة بين لغة الشاعر والخطاب القرآني الذي استثمر خصوصيات اللغة، بشكل يختلف كلّ الاختلاف عما يستطيعه الشاعر.
أما غاسطون فييت فقد خصص لهذا الموضوع حديثا في كتابه(مدخل إلى الأدب العربي)، إذ ألحّ على أن النص القرآني ليس خارجا عن نطاق نثر الشاعر رغم اعتباره قمّةً من حيث القيـمة الأدبية. وكان فييت حريصا على اعتبار هذا النص حلقة وسطى بين الشعر وبين النثر في الأدب العربي، وقد عبّر عن ذلك في استنتاج مفاده أن من بين مزايا القرآن أنّه كان إيذانا بانطلاق النثر العربي.
وربما أراد من هذا الوصف ما أراده سيد قطب، حيث يقول رداً على رأي طه حسين في القرآن ، فالقرآن نثر متى احتكمنا للاصطلاحات العربية كما ينبغي، ولكنّه نوع ممتاز مُبْدِع من النثر الفني الجميل المتفرِّد.
وإذا كانت هذه الآراء في أغلبها نظرية وعامة، وردت ضمن وصف شامل للنص القرآني، فإن آراء أخرى انبنت على أساس تطبيقي ملموس؛ من ذلك ما توصل إليه جاك بيرك في دراسته لبعض سور القرآن، مؤكدا على أهمية الدراسات الصوتية القائمة على التحليل النصي، في النظر إلى الجانب الإيقاعي في القرآن الكريم، هذه الدراسات التي تخرج عن المجال الفيلولوجي الذي ساد طويلا؛ ففي سورة النمل على سبيل المثال يشير بيرك إلى أهمية الدراسة الفونولوجية للنص، التي تساعد على فهمه؛ فالتغيرات الصوتية مهمة، ويلح على أن تناسق النص يمكن أن يقود إلى فهمه ، فهو لا يفصل النظام الموسيقي عن مجال الدلالات والمعاني، مما يعني أن الإيقاع القرآني، ومهما قيل عنه من حرارة وقوّة وبروز بما يشبه الشعر، فإن المعنى هو الذي يقوده، ويتحكّم في مساره. ولعلّ هذا ما ألحّ عليه الدارسون العرب، الذين وضعوا نصب أعينهم أن القرآن كتاب دعوة قبل أيِّ اعتبار آخر، وأن كنوزه المعرفية والشكلية ما هي إلا خادمة لغرضه الأساس ذاك.
ولقد كانت لبلاشير معرفة بقيمة القصة في القرآن تنطلق من محيطه الأدبي والفكري، من ذلك اعتباره أن اللغة العربية تضفي على الحكاية طابعا غريبا، بميزتها المكثفة، وباهتمامها بالتذكير أكثر منه بالوصف.
كما وقف بلاشير في كتابه (تاريخ الأدب العربي) على بعض الصور القرآنية، خاصة تلك التي حفلت بها الفترة المكية مثل الصور الأخروية الواردة في سورة الغاشية، والمبنية على أساس التقابل بين الأبرار والأشرار، ثم قال معلقا: “إن للأوصاف الأخروية الواردة كما هي في السور طابعا استحضاريا مثيرا مميزا للذهنية العربية، وإن ترديد الأجزاء التفصيلية ذاتها، عوضا عن أن يسبب كللا، فهو يؤثر على العـقل في شكل هاجس ثابت، مُطلِقا زمرة من التصورات الثانوية التي لا تؤلف دون ريب لوحة، ولكنها تفجر محيطا.
وهكذا تستوقف بلاشير في الآيات المكية عموما والقصيرة منها على وجه الخصوص القوّة في تصوير أشياء غيبيّة، من خلال مظاهر ماديّة، فتكون عناصر الصورة منتزعة من الحياة الدنيا، وكأنما تدفع القارئ إلى تصور المصائر الأخروية بناء على ما يمكن أن يدركه في عالمه الأرضي. والمقاربة بين العالمين هي الكفيلة بدفع المرء إلى تصـحيح مساره، آخذا بعين الاعتبار موقع المتع واللذات أمام الفزع الناتج عن التهديد بيوم الحساب.
هذا الذي دفع المستشرقين إلى الإشادة بدور البيان القرآني الكبير في التأثير في القارئ، فإذا كان فريدريك نيتشه يعتبر حقيقة اللغة في أنها جيش متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات المجسمة، فإن العربية من أكثر اللغات تجسيدا لهذا المعنى، بشهادة المستشرقين. إنّ البيان العربي يلح على خصائص من قبيل غنى المجاز، والإيجاز، والإيقاع الموسيقى ،
اماآراء شارل بيلا في الإدب العربي:
ساهم فيه تواجد بيلا في المغرب العربي بين الجزائر والمغرب، في تأثره بالأدب العربي، وولعه بكل ما يرتبط بالعرب من تراث، فقد تمكن إلى حد ما من اللغة العربية، وأسعفه المنهج التاريخي والاجتماعي في دراسة ذلك التراث بما يكشف عن مميزاته وخصائصه، كما نوع الدراسات الأدبية بين قديم وحديث؛ ففي الوقت الذي خصص فيه جهدا واسعا للجاحظ والبيئة العباسية، نجده يتتبع اللغة العربية الحديثة في دراسات كثيرة، بل يتجاوز ذلك إلى البحث في المستويات اللغوية التي تشكل ثقافة العرب، والمغاربة منهم على وجه الخصوص.
فقد تناول شارل بيلا في مؤلفه (اللغة والأدب العربي) تاريخ الأدب العربي في مراحله المختلفة، وبشكل غاية في الاقتضاب، من خلال الكشف عن خصائص اللغة العربية في شكلها الأدبي والشعبي، في أربع عصور هي العصر الجاهلي إلى حدود سنة 750م، فالعصر الإسلامي الممتد من بعثة النبي إلى الغزو المغولي وسقوط بغداد عام 1258م، فمرحلة عصر الظلمات الذي ينتهي سنة 1800م، ثم عصر النهضة بدءا من هذا التاريخ.
ولم يفت بيلا الخوض في القرآن الكريم وظلاله الأدبية، فمن آرائه التي سجلها في كتابه هذا، قوله: إن ذوق العرب للتعابير المجازية المكثفة خاصة في الصيغ المثَليّة كان دائما حيا. ويقول في موضع آخر: لقد وُجِّه المجاز إلى لفت النظر إلى مواطن الجمال في القرآن وهو يدرك أن هذه التعابير المجازية هي العمود الأساس لكل بناء أدبي فني، وقد أبدع العرب فيها من منطلق المثال القرآني الماثل في الأذهان.
ولا نجد اختلافا بينا بين هذا الكتاب وتلك التي كتبها بلاشير وميكل وغيرهما، إذا استثنينا حجم العمل بطبيعة الحال. وبخاصة تركيز جمهور المستشرقين على دور غير العرب في المساهمة في إعطاء الأدب العربي تنويعا في الإنتاج ودفعا في وتيرة التطور، وميزة في التعبير، وهي الإشارة الواضحة إلى تأثر الأدب العربي بالرافد الأجنبي والفارسي منه على وجه الخصوص، أو إلى التقليل من قيمة الإبداع لدى العربي رجل الصحراء الجرداء القاحلة عديم الخيال والابتكار. لقد ترددت هذه المقولة كثيرا عند المستشرقين، وجسدوها من خلال الإشادة الشعراء والناثرين الأعاجم كابن المقفع في كليلة ودمنة، وأبي نواس وبشار بن رد في الشعر، وغير هؤلاء، وكأنما أهملوا أن البيئة العربية التي عاش فيها هؤلاء الموالي هي التي صقلت مواهبهم وشكلت إبداعهم، وأن عبقرية اللغة العربية هي التي أتاحت لهؤلاء وغيرهم أن يخلدوا في التاريخ الأدبي.
غير أن الغربيين عموما كثيرا ما يقعون في شيء من التناقض في تناولهم للقضايا العربية، تاريخية أو أدبية، قديمة أو حديثة. من ذلك أننا إذا قارنا ما ورد في كثير من دراسات بيلا مثلا حول اللغة والأدب العربي نجد إشادة بهذه اللغة التي استطاعت أن ترتفع باللهجات القبلية البدائية إلى مصاف اللغة الحضارية، والتي تمثل أمة تصبو إلى استرجاع مجدها الذي تسببت في إضاعته جملة من الظروف، لكننا نجد إلى جانب ذلك آراء أخرى من قبيل قوله: يعتري القارئ بصورة عامّة الملل عند قراءة الآثار العربيّة مهما كان موضوعها وعنوانها مغريين
ومهما يكن من أمر، فإننا لا نريد من المستشرقين أيا كانت توجهاتهم أن يمدحوا تراثنا ويثنوا عليه، فحسبنا وقد أتيح لهم الحصول عليه قبل الدارسين العرب، وبعد تمكنهم من المناهج البحثية المتمكنة، أن يدرسوا هذا التراث وأن يكشفوا عن جوانبه المختلفة، أما الأحكام التي يمكن أن تصدر عنهم فمن اليسير نقدها والرد عليها. ولقد أشرنا في بداية هذا البحث أن رسالة المستشرقين موجهة إلى الأوروبيين والغربيين أكثر مما هي موجهة إلى العرب المسلمين، وعليه فمن الجحود أن ننكر إيجابية تلك الدراسات الاستشراقية القيمة رغم ما تحويه من آراء قد نصفها بالتحيز أو ربما العدائية، ولقد عبر عن ذلك عبد الحليم النجار عندما قال في مقدمة كتاب بروكلمان Carl Brockelmann:” كان تعريب كتاب (تاريخ الأدب العربي) لكارل بروكلمان حلما راود كل قارئ بالعربية، حينما يبحث في علوم العرب وآدابهم، أو يحاول سبر جهود العلم العربي ومتابعة خطواته في تأسيس ثقافة العالم الجديد وتنمية حضارته وهي الرؤية التي تتناسب ومبدأ البحث والتطوير في حقول العلم كافة.
لم يترك المستشرقون شاردة أو واردة في ثقافتنا وأدبنا وتراثنا عامة لم يتطرقوا إليها في أبحاثهم ودراساتهم، فلقد تمكنوا في ظروف تاريخية معينة أن يحصلوا على مادة الدراسة في شكل مخطوطات أو تواجد احتلال أو رحلة استكشاف أو مهمة تدريس في البلاد العربية مترامية الأطراف. وهكذا تمكنا من قراءة كثير من جوانب شخصيتنا من الآخر الأجنبي، وعانينا في ذلك بعض المعاناة بفعل الاختلاف في الرؤية والتحليل.
لكننا غنمنا منهم دراسات كانت منطلقا لنهضة أدبية كبيرة، قامت على سواعد الأدباء والنقاد العرب الذين صقلتهم تجارب الاحتكاك التاريخي بالأوروبيين منذ بداية القرن العشرين خاصة، تلك الدراسات التي انطلقت من حيث انتهت أبحاث أغلب المستشرقين الفرنسيين والألمان والإنجليز، الذين دفعهم الانتماء إلى أمة قائمة على احتلال الشعوب الصغيرة إلى الاهتمام بتراث أسال لعاب الباحثين منذ الحروب الصليبية أو قبلها.
وكان الرواد في تلك الدراسات هم الفرنسيون الذين نحصي منهم الكثير قديما وحديثا، وهم الذين أقاموا المعاهد والمدارس الخاصة باللغات الشرقية عموما، واللغة العربية بخاصة، بحكم ارتباطها بكتاب ديني شكل أمة كاملة متكاملة في شتى الاتجاهات العملية والمعرفية. وهكذا عكفوا على دراسة هذه اللغة وأدبها وشعوبها ودينها وتاريخها وكل ما يتعلق بها بشكل موسوعي تارة، وبشكل مختصر تارة أخرى.

الباب السادس والعشرون
الحقب الأدبية العربية
العصور الأدبية العربية
قسم دارسو الأدب العربي أدبنا على مر الزمن تاريخياً إلى عصور وحقب هي :
1 - عصر ما قبل الإسلام (العصر الجاهلي) : وهي الفترة الزمنية التي كانت قبل ظهور الإسلام الحنيف بــــ(150) سنة قبل الإسلام فما دون
2 - عصر صدر الإسلام : ويمتد من الهجرة النبوية إلى موت الرسول صلى الله عليه وسلم
3 - عصر الخلفاء الراشدين : من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين وقيام الدولة الأموية (40هـ - 660م)
4 -العصر الأموي : (41هـ - 661م) إلى (132هـ - 750م)
وهناك من يعد العصر الإسلامي من ظهور الإسلام إلى أواخر الدولة الأموية ثم يقسم ذلك من ظهور الإسلام إلى أواخر دولة الخلفاء الراشدين ويطلق عليه عصر صدر الإسلام ، ثم يسمى العصر الذي يليه العصر الأموي .
5 - العصر العباسي :
هناك من يقسمه إلى قسمين :
أ - العصر العباسي الأول : ويمتد من -132هـ إلى - 247هـ أي : من 750م – 861م . من عهد الخليف العباسي أبو جعفر المنصور إلى وفاة الخليفة العباسي العاشر المتوكل على الله (جعفر بن محمد المعتصم) الذي حاول نقل عاصمته إلى دمشق غير أنه عاد إلى سامراء حيث اغتاله القادة الأتراك بالاشتراك مع ابنه الأكبر المنتصر، وكان موته انحطاط للدولة العباسية .
ب ـ العصر العباسي الثاني : يمتد من سنة -247هـ إلى - 656هـ أي : من861 م - 1258م أي من وفاة الخليفة العباسي العاشر المتوكل على الله (جعفر بن محمد المعتصم) إلى وفاة الخليفة العباسي السابع والثلاثين المستعصم (عبد الله بن منصور المستنصر) وهو آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الذي عجز عن صد الزحف المغولي بقيادة هولاكو الذي قتله بعد أن احتل بغداد ، وأعمل السيف برقاب أهلها ، وقضى على مكتبتها .
وهناك من يقسم هذا العصر إلى ثلاثة أقسام هي :
1- العصر العباسي الأول 132هـ - 750م – 247هـ -861م
2- العصر العباسي الثاني : 247هـ - 861م – 334هـ - 945م
وذلك بعد أن دخل البويهيون بغداد في هذا العام في خلافة المطيع لله (الفضل بن المقتدر) ، وهو الخليفة الثالث والعشرون الذي غدا ألعوبة في أيديهم .
3- العصر العباسي الثالث : 334هـ / 945م – 656هـ /1258م
ومن المؤرخين من يقسم هذا العصر إلى :
1-العصر البويهي 334هـ /945م – 447هـ /1055م
2-العصر السلجوقي: 447هـ/1055م – 656هـ/ 1258م
العصر المغولي ، أو العصر التتري : يبدأ من سنة- 656هـ /1258م – 1213هـ /1798م أي : إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .
6 - العصر الحديث : يبدأ من 1223هـ /1798م إلى يومنا هذا ،
وهناك من المؤرخين من يلجأ إلى تقسيم العصور الأدبية إلى ثلاثة حقب هي :
1-الأدب القديم : يبدأ من أقدم العصور الجاهلية إلى آخر العصر الأموي أي إلى سنة : 132هـ / 750م .
2-الأدب العباسي : من ـ 132 إلى 656 هـ ـ
3-الأدب المحدث : ويبدأ من مطلع القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا .
ويذهب بعض المؤرخين إلى تقسيم هذه العصور إلى أقسام نظراً لطول فترة العصر وهي :
1-العصر الجاهلي :
2-عصر المخضرمين ، أو صدر الإسلام ؛ وذلك من أول الإسلام إلى آخر دولة الخلفاء الراشدين ، وقيام الدولة الأموية 40هـ / 660م.
3-العصر الأموي: 41هـ /661م – 132هـ /750م
4-العصر العباسي : 132هـ / 750م – 656هـ /1258م
ويقسم إلى الحقب التالية :
1-الحقبة الأولى: حقبة بغداد: 132هـ /750م – 334هـ /945م
2-الحقبة الثانية: حقبة الدويلات: 334هـ/945م – 447هـ/ 1055م
3-الحقبة الثالثة : حقبة السلاجقة: 447هـ/1055م – 656هـ /1258م
وهناك من يقسم العصر العباسي إلى عصرين :
1-العصر العباسي الأول : يبدأ بقيام الدولة العباسية سنة 132هـ - 334م
2-العصر العباسي الثاني: يبدأ بقيام الدولة البويهية سنة 334هـ - 2945م/ 656هـ - 1258م أي : بدخول التتار بغداد
6 - العصر الأندلسي: يقسم إلى الحقب التالية :
أ-حقبة الولاة : تبدأ بدخول المسلمين الأندلس سنة 98هـ - 716م إلى 138هـ- 755م أي إلى قيام دولة الأمويين هناك.
ب-حقبة ملوك بني أمية ، وملوك الطوائف: تبدأ سنة 138هـ/755م حتى 484هـ/1091م إلى عصر المرابطين والموحدين .
ج-حقبة المرابطين والموحدين : تبدأ سنة 484هـ/ 1091م حتى 630هـ/1232م أي : إلى قيام دولة بني الأحمر .
د-حقبة دولة بني الأحمر : تبدأ سنة 630هـ /1232م – 897هـ /1491م حين طرد المسلمون من الأندلس .
7 - عصر الدول المتتابعة
8 - العصر التركي : يبدأ سنة 656هـ/ 1258م- 1213هـ 1798م أي : إلى بداية الحملة الفرنسية على مصر .

9 - العصر الحديث : يبدأ من سنة 1213هـ - 1798م


الباب السابع والعشرون
قضايا تاريخية
نموذج كتاب الاغاني
لابي فرج الاصفهاني


دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2003.
صُدفة اللقاء مع الاصفهاني
kitab_ak_aghaniربما كان من الطريف أن أذكر في البداية كيف التقيت بالأديب أبي الفرج الأصفهاني، في سياق الاشتغال بالتاريخ. فعند إلقاء محاضرة حول أدب الأنساب في المغرب في معهد الدراسات العربية بمدريد في بداية تسعينيات القرن الماضي، بينت أن كتابة الأنساب تتضمن في كثير من الحالات فصولا من التاريخ السياسي، وتوقفت في حالة الشرفاء الأدارسة بالمغرب عند أهمية حضور مفهوم النكبة والمحنة في تاريخيات هذه السلالة.
وأثناء المناقشة نبهتني الباحثة ماريبال فييرُّو (Maribel Fierro) إلى أن الموضوع المذكور يذكِّر بملف إسطوغرافي أوسع يطلق عليه اسم “مقاتل الطالبيين”، وتبين لي فيما بعد أن هذه التسمية هي في آن واحد عنوان كتاب ألفه أبو الفرج الأصفهاني.
وفي مرحلة لاحقة، اكتشفت أن نفس المؤلف صنف عددا من الكتب التي تنتمي إلى جنس “الأخبار” المرادف للتاريخ كما هو معلوم، ومن بينها العناوين التالية:
كتاب الأخبار والنوادر،
كتاب أخبار الطفيليين،
كتاب مجموع الآثار والأخبار،
كتاب أخبار القبائل وأنسابها،
كتب أيام العرب.
أما كتاب الأغاني، فعلاوة على سابقة معرفتي به في إطار الثقافة الأدبية المدرسية، فقد أعدت اكتشافه بفضل معرفتي باشتغال أ. بوحسن بهذا المصنف الكلاسيكي، لاسيما وأن الباحث المذكور سبق له أن عبر عن اهتمامه الجاد بقضايا تاريخ الأدب والتحقيب كمسألة نظرية من خلال سلسلة الكتب الجماعية المنشورة التي أشرف على نشرها بمشاركة محمد مفتاح1 .
وبعد نشره لأطروحته حول الأصفهاني، تأكد لي أننا أمام عمل يحاور بشكل إيجابي بعض جوانب المنهج التاريخي.
أدوات نظرية
يتكون كتاب بوحسن من لحظتين أساسيتين، تسعى الأولى إلى إقامة بناء منهجي، وتركز الثانية على دراسة كتاب الأصفهاني. فقد تناول المؤلف في الشق النظري على التوالي القضايا التالية:
المفهوم، وهو “تمثل تصوري للظواهر وصياغة نظرية لها؛ بحيث تتم صناعة المفهوم من جماع المدركات التصورية التي تنتج عن الممارسة الفعلية والتاريخية والفكرية للموضوع. المفهوم، إذا، كل، ولكنه كل مجزأ، أو أنه ككل يجمع إليه أجزاءه” (ص.15-16). والمفهوم هو “عبارة عن تراكم ممارسات متنوعة ومختلفة، تاريخية واجتماعية وفنية ولغوية وغيرها، إنه في النهاية تراكم معان” (ص.18). ويتميز المفهوم بالدينامية والسيرورة والانفتاح. والمصطلح هو الذي يعطي المفهوم بعدا تداوليا في مجال التواصل اللغوي.
النموذج، وهو عبارة عن عملية ذهنية تقوم على “محاولة تقليد الواقع” عن طريق بناء صورة مصغرة له. “والغرض الأساسي من النموذج في الأدب هو التحكم في موضوع الأدب وحصر نسق اشتغاله، بشكل يسمح لنا بمعرفة دينامية النصوص الأدبية وما يرتبط بها، في إطار فرضيات تساعد النماذج على تأكيد صحتها أو دحضها” (ص.30).
النسق، وهو شبكة من العلاقات القائمة سواء بين النصوص داخل عالم الأدب، أو بين النصوص وممارسات أخرى تنتمي إلى عوالم خارج مجال الأدب.
التحقيب، وبصدده طرح بوحسن مجموعة من الأسئلة التي تتصل بالأدب والتاريخ. لماذا التحقيب؟ وما معنى الحقبة؟ وما هي وظيفة التحقيب؟ وما هي خلفيات التحقيب؟ وما هي أشكال التقطيع في تاريخ الأدب؟
تاريخ الأدب. “موضوع تاريخ موضوع يمتد خارج ذاته وواقعه. ولذلك كان يتحدد دائما بالنظر إلى ممارسات أدبية أو فكرية أخرى” (ص.61). وتاريخ الأدب “يستمد موضوعه من خارج موضوعه”، فقد يكون هو النقد، وقد يكون علم الاجتماع وقد يكون التاريخ أو تاريخ حيوات الأشخاص” (ص.61). ثم يتناول بوحسن موضوع التاريخ، والعلاقة الحوارية التي طبعت العلاقة بين التاريخ والأدب. وبعد ذلك يحدد ملامح التوجهات الجديدة في تاريخ الأدب. وهنا يعود بوحسن إلى نظرية الأنساق.
“ولكي يتسنى لتاريخ الأدب أن يستوعب المجهودات النظرية التي ركزت على النصوص الأدبية-علم الأدب أو علم النصوص- والدراسات البنيوية التي قالت بلا زمنية النصوص، والدراسات الاجتماعية للأدب التي قامت على العلاقة بين الأدب والتاريخ والمجتمع، فقد ظهرت نظرية الأنساق وتعدد الأنساق التي ستدمج تاريخ الأدب في إطار النسق الاجتماعي العام. ونظرية التلقي التي اعترفت بتاريخية التلقي والوقائع” (ص.77).
مفاتيح كتاب الأغاني
-


الباب الثامن والعشرون
مؤرخو الأدب ونقاده
ثمّة فرق شاسع بين النقد والتاريخ الأدبي، ومن ثمّ، بين الناقد ومن يقوم بكتابة تاريخ الأدب. الاثنان يعملان على المادة ذاتها، لكنهما يفترقان في طرق المقاربة وزوايا النظر إلى الظواهر ورؤيتهما الى ما هو أساسي في النصوص. كلاهما يدّعي أنه الأكثر قدرة على تحديد المنعطفات الفارقة التي تمر بها الآداب"الناقد من خلال تفحصه النصوص واشتغاله على دقائقها وتفاصيلها، والمؤرخ الأدبي من خلال رؤيته للظواهر والتيارات والأساليب وهي تتوالد وتنمو عبر العصور.
ولكن، على رغم ادعاءات كلّ من الناقد والمؤرخ الأدبي بأفضلية الواحد منهما على الآخر، فإن لكل منهما دوراً مركزياً في تطور النقد وتنمية الآداب ونشر التقاليد الأدبية الجديدة"الناقدُ عبر عمله المدقق على النصوص وآليات اشتغالها ومراكزها العصبية المولّدة للمعنى، والمؤرخُ الأدبي عبر إدراكه العميق للظاهرة الأدبية وتحولاتها في الزمان والمكان، وكذلك من خلال وعيه بالأعلام الأساسيين والتيارات الأدبية والأمزجة المتحولة في العصور المتعاقبة.
ينقطع النقاد الى قراءة النصوص، ويقلّبونها على وجوهها، ويسعون إلى التعرّف على عوالمها الداخليّة ومكامنها التي لا تدركها الأبصار الضعيفة والذائقة المتكلّسة والعقول غير العارفة. يحدث ذلك بغض النظر عن أشكال المقاربة النقديّة، شكلانيّة أكانت أم مضمونية، لسانية أم بنيوية، تفكيكية أم أسطورية. المهم أن الناقد يضع نصب عينيه تحليل النصوص وإعادة خلقها من جديد في ضوء رؤيته وتجاربه النقدية، حيث تتبدّى النصوص في حلّة جديدة وضوء مختلف مثير للأذهان. هذا ما يميز الناقد الخلاق عن الناقد الذي ينقل من كتاب النظرية ويشرح وينثر ويعمم"الأول يقوم بإعادة كتابة النص، فيما الثاني يكتفي بالتعليق عليه من خارجه من دون الدخول في تضاعيفه ومنعرجاته.
فـــي المنقلب الآخر من الظاهرة النقدية، يقف المؤرخ الأدبي الذي ينبغــي أن يمتلك أدوات المؤرخ، أو العالم بالتاريخ، ليستطيع إضاءة كيفية تخلّق السلسلة الأدبية في مرحلة أدبية، أو في عصر من العصور. إنه عالم بالتاريخ، لكن مادته التي يعمل عليها هي نصوص الأدب وظواهره وتياراته وشخصياته وأساليبه وطفراته وعلاقة ذلك كلّه بالتاريخ العام. ولذلك فإننا لا نطلب منه أن يقوم بالتحليل الضافي للنصوص، والعمل المدقق الصبور على الأعمال المفردة، لأن ذلك سيشغله عن تتبع حركة نمو الآداب والتعرّف إلى ما هو جوهري في حركة التطور. يمكن المؤرخ أن يستخدم المادة التي عمل عليها الناقد، ويستفيد من خلاصاتها لكي يضع يده على المجرى العام لنهر الإبداع في حقبة من الحقب أو عصر من العصور. وبذلك يتكامل عملا الناقد والمؤرخ الأدبي، ويعزز كلُّ منهما الآخر.
لكنّ المشكلة أن ثمة خلطاً شديداً في الثقافة العربية بين عمل الناقد والمؤرخ الأدبي. هذا شيء ضارب في القدم، متصل بالميراث النقدي وكذلك بتاريخ الأدب العربي لعدم ازدهار الظاهرة النقدية بصورة منفصلة عن المعارف والعلوم المختلفة"من فقه وفلسفة وعلم كلام وتأريخ للأعلام والأمصار وحوادث الزمان. ثمة اشتباك لكل هذا بحيث يشحب دور الناقد ويتضاءل فيما يتعملق دور المؤرخ. أما في الزمان الحديث، فإن تاريخ الأدب يقتصر في الغالب على تتبع سير أعلام الأدب وتياراته"إن من يتصدّون لمثل هذه المهمة الصعبة يكتفون بالرصد والتعداد من دون أن يغوصوا عميقاً في قلب الظواهر الأدبية وكيفيات تشكلّها، أو يبحثوا في الأسباب والعوامل المركزية التي جعلتها ممكنة. وهذا هو الفرق بين المؤرخ الأدبي الحقيقي وذلك المدرسيّ الذي يردد مثل الببغاء ما قاله من سبقوه. والنوعية الأخيرة هي التي تشكّل الغالبية العظمى لمن يتصدون للتاريخ الأدبي في ثقافتنا العربية في الوقت الراهن.

الباب التاسع والعشرون
مجموعة من الكتب الهامة في الأدب العربي وتاريخه

مجموعة هامة من الكتب المتعلقة بالأدب العربي، لا سيما تاريخه عبر عصور مختلف وجغرافية عربية منوعة.. مجموعة لا غنى للمهتم بالأدب عنها، تضيىء زوايا وتثري معرفة وتجيب على تساؤلات وتفتح أمام الدارس والباحث آفاق في عوالم الأدب العربي..
أدب صدر الإسلام. الصمد
أدب صدر الإسلام. خضر
أدب مصر الإسلامية. عصر الولاة
الآداب العربية في العصر العباسي الأول
الأدب الجاهلي في آثار الدارسين
الأدب الجاهلي. طليمات والأشقر
الأدب الجاهلي. يوسف
الأدب العربي الحديث. تاريخ كمبرج ج1
الأدب العربي الحديث. تاريخ كمبرج ج1
الأدب العربي الحديث. تاريخ كمبرج ج2
الأدب العربي المعاصر في مصر. ضيف
الأدب العربي في مصر من الفتح إلى الأيوبي
الأدب العربي وتاريخه في العصر الإسلامي
الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي
الأدب العربي وتاريخه في العصر العباسي1
الأدب العربي وتاريخه في العصر العباسي
الأدب العربي وتاريخه في عصر المماليك والعثمانيين والحديث
الأدب المصري من الأيويبة إلى الحملة الفرنسية
الأدب في العصر الأيوبي. سلام
الأدب في العصر الفاطمي. سلام1
الأدب في العصر الفاطمي. سلام2
الأدب في عصر النبوة والراشدين. الهادي
الجامع في تاريخ الأدب - الحديث
الجامع في تاريخ الأدب - القديم
الجامع في تاريخ الأدب العربي
الشعر الجاهلي. النويهي ج1
العصر الجاهلي. الأشتر
الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى ج1
الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى ج2
الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى ج3
الوسيط في الأدب العربي وتاريخه
بروكلمان 1
بروكلمان 1-6
بروكلمان 2
بروكلمان 3
بروكلمان 4
بروكلمان 5
بروكلمان 6
تاريخ آداب العرب. الرافعي ط دار الإيمان ج1
تاريخ آداب العرب. الرافعي ط دار الإيمان ج2
تاريخ آداب العرب. الرافعي ط دار الكتب العلمية ج1
تاريخ آداب العرب. الرافعي ط دار الكتب العلمية ج2
تاريخ آداب العرب. الرافعي ط دار الكتب العلمية ج3
تاريخ آداب العربية. الظواهري
تاريخ آداب اللغة العربية جرجي زيدان 1
تاريخ آداب اللغة العربية جرجي زيدان 2
تاريخ آداب اللغة العربية جرجي زيدان 3
تاريخ الآداب العربية. لويس شيخو
تاريخ الأدب الأندلسي. إحسان عباس
تاريخ الأدب الأندلسي1. عصر سيادة قرطبة
تاريخ الأدب العربي ع العبد
تاريخ الأدب العربي لفروخ 01
تاريخ الأدب العربي لفروخ 02
تاريخ الأدب العربي لفروخ 03
تاريخ الأدب العربي لفروخ 04
تاريخ الأدب العربي لفروخ 04
تاريخ الأدب العربي لفروخ 05
تاريخ الأدب العربي لفروخ06
تاريخ الأدب العربي. الزيات
تاريخ الأدب العربي. عمر فروخ كاملا
تاريخ الأدب حسين الواد
تاريخ التراث العربي. سزكين 1-2
تاريخ التراث العربي. سزكين 2-1
تاريخ التراث العربي. سزكين 2-2
تاريخ التراث العربي. سزكين 2-3
تاريخ التراث العربي. سزكين 2-4
تاريخ التراث العربي. سزكين 2-5
تاريخ التراث العربي. سزكين 8-1
تاريخ التراث العربي. سزكين. مخطوطات
تاريخ الشعوب الإسلامية. بروكلمان
تطور الأدب الحديث فى مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى الثانية- أحمد هيكل
حركة الحياة الأدبية بين الجاهلية والإسلام
حياة الأدب اليمني في عصر بني رسول
حياة الأدب اليمني في عصر بني رسول
شوقي ضيف. العصر الإسلامي
شوقي ضيف. العصر الجاهلي
شوقي ضيف. العصر العباسي الأول
شوقي ضيف. العصر العباسي الثاني
شوقي ضيف. عصر الدول والإمارات. الجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان
تاريخ الأدب الحديث. المرعي
مكتبة العصر الجاهلي و أدبه




الباب الثلاثون
طريقة تدريس
مادة تاريخ الأدب العربي ؟
تاريخ الادب هو العلم الذى يتناول دراسة الظواهر الأدبية ، ويصفها وصفا علميا يكشف عن الخصائص الفنية مبرزا العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تأثرت بها .
ودرس الأدب يحتاج إلى ما نسميه تاريخ الأدب ، كما أن تاريخ الأدب يعتمد على دراسة النصوص الأدبية ، كمادة التاريخ الأدبى التى تقوم حولها دراسته هى الأدب الصرف ، التى لا تزال نصوصه حية ذات قدرة على الاثارة الفكرية والوجدانية " .
أهداف تدريس تاريخ الأدب :
1ـ بيان الظواهر الفنية والعوامل التى تؤثر فيها .
2ـ بيان العوامل المساعدة لفهم النصوص الأدبية .
3ـ معرفة مدى تطوير الظواهر الأدبية وعوامل رقيها وانحطاطها .
4ـ معرفة أعلام الأدب،وفى هذا عون للدارسين على تتبع أثرهم كى ينهلوا منهم وينهجوا نهجهم
5ـ بث القيم والمثل العليا فى نفوس المتعلمين .
6ـ امتاع الدارسين ما يدركونه من تعليلات للظواهر الابية .
7ـ معرفة الآثار الأدبية ، والالمام بتاريخ أصحابها والوقوف على حياتهم والعوامل المؤثرة فى إنتاجه الأدبى .
.ويشتمل تاريخ الأدب على :
1ـ الظواهر الأدبية مثل :أغراض الشعر من مدح ورثاء ووصف إلخ .
2ـ الأحداث التى أجريت فى كل عصر من عصور الأدب .
3ـ العوامل التى أدت إلى قوة الأدب أو ضعفه .
4ـ تراجم الأدباء ، دراسة شخصية الاديب ، ومواهبه العقلية والفنية وحالاته النفسية ، والعوامل المؤثرة فى فنه ، ودراسة انتاجه ، ومدى تفاعل الاديب مع مجتمعه .
وكانت المناهج القديمة تفصل تاريخ الأدب عن النصوص الأدبية لأنها تعتبره مادة مستقلة بذاته ، ووجهت إليه عناية كبرة فى ذاته ،مما ترتب عليها عدم ادراك النواحى الجمالية والحس الفنى لدى المتعلمين ، بل أدى هذا إلى صرفهم عن تذوق الأدب نفسه إلى حفظ خصائص الأدب وما طرأ عليه فى العصور المختلفة وإلى استظهار تراجم الشعراء والخطباء والكتاب .
وكانت الشواهد الأدبية من الشعر والنثر تختار على غير أساس تربوى وكان الطلاب يؤمرون بحفظها ولو لم يفهموها ،وكان هذا المنهج لا يساعد الطلاب فى تسمية التذوق الأدبى.
أما النظرة الحديثة لتدريس الأدب وتاريخه فقد أوجبت عدم الفصل بينهما ، بل يدرس تاريخ الأدب فى ظل نصوصه التى تختار للدراسة ، وكذلك التراجم الأدبية للأدباء والتعرف بهم ودراسة آثارهم وغير ذلك مما يندرج تحت تاريخ الأدب .
طريقة تدريس تاريخ الأدب :
بعد وضوح الهدف من الدرس والتمهيد يمكن للمعلم أن يسير فى درسه وفق النقاط الآتية :
1ـ تختار النصوص الأدبية التى تشكل ظواهر أدبية مختلفة وهذا الاختيار يتم بمشاركة التلاميذ مع المعلمين " إذا كان درسا حرا " أو تختار هذه النصوص من قبل الوزارة فى ضوء 0ن وضحناه ـ يسأل المعلم أسئلة لابراز النواحى الفنية والظاهرة الأدبية المراد توضيحها من حيث العوامل التى أثرت فى ظهورها ، ومدى تطور الظاهرة شكل الحياة السياسية والاجتماعية أنذاك .
3ـ جميع العامل المختلفة ، والخصائص المتفرقة التى تكون فى وحدتها الظاهرة العامة بوضوح فى أذهان الطلاب .
4ـ ارشاد الطلاب إلى قراءة هذا الموضوع فى مراجعة وهى كذا ، وكذا .
5ـ التقويم وهو يهدف إلى معرفة مدى نجاح المعلم فى تحقيق الاهداف المنشودة لدى تلاميذه.
مرحلة التدريس أولاً: مراحل التدريس:من الضروري تقسيم برامج التدريس إلى مراحل، لتمثل كل مرحلة من هذه المراحل نوعا معينا من فروع الأدب تكون مناسبا لمستوى للطالب، وتتدرج هذه المستويات في خطوات مرتبة طبيعية حتى تصل للمستوى النهائي المقترح للبرنامج، فتبدأ بالتمهيد ثم عرض المقدمات ثم الجانب الوصفي التاريخي قبل الدخول في الجانب الموضوعي، وهكذا بمراعاة التطور الطبيعي للمادة الأدبية. وهذا عرض لمراحل التدريس أو الخطوات المرتبة المقترحة لها
- تدريس تاريخ الأدب:هذه المرحلة يمكن اعتبارها المرحلة الأولى من مراحل تدريس الأدب في برامج تعليم العربية لغير الناطقين بها، إذ تعرض فيها مبادئ الأدب، من عرض للمادة التمهيدية للأدب العربي، ثم المقدمات التاريخية في نشـأته ومكوناته وظروفه وعصوره، ثم رواده وما أنتجوا من الأعمال الأدبية الخالدة، دون الدخول في المسائل البلاغية الدقيقة أو النقدية، أو التعرض للمذاهب الأدبية، اقتصارا على ذكر أحوال الأدب وعوامل نهضته وسقوطه، وأعلام اللغة والأدب في عصوره المختلفة، وبيان ما أثر فيه من العوامل السياسية والاجتماعية والطبيعية."اتخذت دراسة تاريخ الأدب في المناهج القديمة سبيل الاهتمام بالموضوعات النظرية التي كانت تطغي على المادة الأدبية نفسـها، حتى أصبح تاريخ الأدب يدرس في عزلة تامة عن الأدب…أما في المناهج الجديدة فقد تطور تدريس تاريخ الأدب، وأصبحت الدراسة النصية أساس جميع الدراسات الأدبية، بحيث أصبح تاريخ الأدب تابعا للأدب ونابعا منه…
- تدريس فنون الأدب:في هذه المرحلة يمكن أن نبدأ في عرض الفنون المختلفة التي تتعلق بالأدب العربي، بدءاً بالتعريف للنوعين الرئيسيين للأدب العربي، وهما: الشعر والنثر، ثم بيان الفنون الشعرية وأغراضه، والفنون النثرية، القديمة منها: كالأمثال والخطب والرسائل والمقامات، والمسـتحدثة: كالقصة والرواية والمسرحية. ولا يكون التركيز في الأمثلة والشواهد وشرح معاني الألفاظ بقد ما يكون في بيان الأنواع، ثم الشرع بالتخصيص لكل فن من الفنـون على حدة، والعمد إلى التفصيل لما يتعلق بكل فن، ويمكن تفصيل المسائل كالأتي:الشعر: التعريف بماهية الشعر وميزته عن النثر، وبيان اختصاصه بالإيقاع الموسيقي واعتماده على أوزان خاصة وقوافي، "وقد أجرت تجربة ميدانية حول الإحساس بأوزان الشـعر العربي عند دارسي اللغة العربية غير الناطقين بها، أدت إلى القول بإمكانية تطبيق تجربة الشعر لهم منذ المستوى الابتدائي".ثم بيان الأغراض الشعرية من مدح أو هجاء أو غزل أو حماسة أو حكمة أو غيرها.النـثر: التوضيح لأنواع الفنون النثرية كالخطابة والرسائل والمقامات الأدبية، وبيان أغراضها ودواعيها وخواصها، ثم الفنون النـثرية الحديثة : كالقصة والمسرحية والمقالة، ومميزاتها في ظل الأدب العربي.و"ينبغي عند تدريس الأدب العربي الحديث والمعاصر خاصة للمستويات المتقدمة في برامـج تعليم العربية للناطقين بلغات أخرى، تعريف الدارس بالأجناس الأدبية المختلفة، من قصـيدة، إلى مقال، إلى قصة قصيرة، إلى مسرحية…إلى غير ذلك من أجناس. كذلك تقديم بعض النماذج من الشعر الحديث (الشعر الحر) حتى يقف على بعض الاتجاهات المعاصرة في قرض الشـعر العربي، وينبغي تمثيل البلاد العربية المختلفة حتى يلم الدارس بأهم الاتجاهات الأدبية في هذه البلاد - تدريس النصوص الأدبية:هذه هي المرحلة الفعلية في دراسة الأدب، والخطوات السابقة كانت بمثابة تمهيد لها ومكملة، ولكن لا يمكن الاستغناء عنها،"كما لا نستطيع أن نهمل دور الدراسات الفنية والجمالية في الكشف عن منابع الجمال في النص الأدبي، لا نستطيع أيضا أن نلغي دور الدراسات التاريخية للنص بما تتضمنه من عمليات التنقيب عن الروافد والمصبات، لأنها تضيف إلى استمتاعنا العاطفي الوجداني بالأدب متعة عقلية فكرية أخرى".وفي تدريس النص الأدبي عادة تتبع هذه فيه الخطوات:ا- التحليل: هذه الخطوة يقصد منها إيضاح المضمون الكلي للنص، يُوضّح المعني اللغوي للألفاظ أولاً، ثم المعني العام له، والمعنى الخاص الذي يرمي إليه الأديب إن وُجد، والمعني الداخلي الذي أدّى إليه بعض الألفاظ، ثم مناسـبة الإلقاء وجَـوّه، وحالة الأديب نفسه، كما يلتفت إلى ما اشتمل عليه من أساليب بديعية، فإن كان شعراً يُنظر أيضا في الجانب الإيقاعي للقصيدة من أوزان وقوافي.ب-النقـد: بعد تحليل النص والوصـول إلى المضمون الكلي له، تأتي مرحلة النقد، ويقصـد من ورائه إظهار وُجُـوه الجمال فيه من حيث الأسلوب والتصوير البياني، والنقاط البلاغية المميزة، ومدى صدق الفكرة وصدق المشاعر، ومدى انفعال الأديب، وانفعال القارئ معه، ثم التوصل إلى الحكم في نهاية الأمر على المستوى الفني العام للنص الأدبي.ج- المقـارنة: لا يمكن مقارنة نص أدبي بآخر إلا بعد التعرض له بالتحليل والنقد، فإن استطعنا الحكم عليه يمكننا بعد ذلك مقارنه بنص آخر بعد أن سلكنا معه نفس الخطوات السابقة، ويمكننا حينه تفضيل أحدهما على الآخر كليا، أو في أجزاء وصـور معينة، وغالبا لا نستطيع التفضيل بالكلية إن كان النصّان أو النصوص في مستوى متقارب. وهذه المرحلة يكون فيه الطالب في مستوى عال من الحس الأدبي والذوق الفني، ويكون قد استوعب كثيرا من الأسس النقدية.ثانياً: خطة التدريس:نجاح البرنامج بشكل عام يعتمد على طريقة التدريس والخطة المرسومة لها، ووضع خطة التدريس أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى دراسة ميدانية وخبرات عملية طويلة كي يُضمن لها النجاح وتحقِق الغرض المطلوب." هناك عدة مداخل لتدريس فروع الأدب العربي في برامج تعليم العربية كلغة ثانية. من أكثرها شيوعا ما يلي:الطريقة الاستنتاجية: وهي التي يبدأ فيها بالقاعدة العامة، ثم يضرب لها مجموعة من الأمثلة التي تؤديها.فيبدأ المعلم بالحديث عن خصائص الأدب العربي في مرحلة ما، ثم يقدم النص المطلوب شرحه والذي يصلح شاهدا للحقائق والأحكام الأدبية التي عرضت لها سابقا. والأمر نفسه يصدق على البلاغة والنقد، إذ يبدأ بذكر قوانين البلاغة، ومذاهب النقد واتجاهاتها، ثم يضرب أمثلة لأعمال أدبية تتوفر فيها هذه القوانين، فيحكم لها، أو تخلو من هذه القوانين فيحكم عليها. ولهذه الطريقة مزايا وعيوب: فمن مزاياها أنها تثبت في ذهن الطالب مجموعة الأحكام والقوانين الأدبية في التراث العربي لما تعطيه من أهمية في الشرح. إلا أن عيوب هذه الطريقة كثيرة، أهمها عنايتها بالمعارف المتصلة بالتراث العربي أكثر من العناية بالتراث نفسه.كما أنها تشغل ذهن الطالب بمفردات قد لا يستوعبها عند شرحها منفصلة عن أمثلتها.فيحدث أن يحفظ خصائص الأدب وأصول الكتابة وأحكام البلاغة وقوانين النقد مع العجز عن تطبيقها، شأن ما يجري في تدريس النحو بهذه الطريقة.الطريقة الاستقرائية: وهي عكس الأولى. إذ تبدأ بالأجزاء مستخلصة منها القاعدة الكلية، فتقدم للطالب نصا أدبيا منتقى على أسس معينة، ثم يُسـاعَد على استخلاص ما يتميز به من خصائص. وفي مثل هذه الطريقة يدور العمل حول النص فتستنبط الأحكام الأدبية،وتستقرئ الأحكام الجمالية في البلاغة، وتقوم أشكال التعبير في النقد. وهذه الطريقة أكثر جدوى من سابقتها. إذ تبدأ بالمحسوس ، وتنتهي بالمجرد الذي يتطلب جهدا متواصلا وفكرا عميقا لإدراكه. كما أن إشراك الدارس في اسـتخلاص الأحكام والقوانين يضعه في موقف عملي يتدرب من خلاله على الاتصال بالعمل الأدبي وتملك مهارة التنقيب فيه"."كيف ينبغي أن يسير درس الأدب العربي؟ ليس هناك خطوات ثابتة على المعلم أن يلتزم بها، كما لا توجد طريقة مثلى عليه أن يحتذيها. فهو صاحب القرار، والأكثر وعياً بظروف طلابه. ومع هذا نسـتطيع أن نقدم الخطوط العريضة لطريقة تدريس النص الأدبي كالتالي:المقدمة: يُهيّء الطالب لموضوع النص، ولها عدة أساليب: إما بإثارة قضية للمناقشة، أو الحديث عن أمر يشغل الدارسين وقتها، أو طرح فكرة متصلة بالنص المستهدف وذات صلة بالدارسين. والمهم أن تقدم معلومات ومعارف تتصل بالنص ويهيء الدارسين له.العرض: تقدم النص الأدبي كما هي، أو مبسط ومعدل لتناسب مستواهم.القراءة النموذجية: يقرأ المعلم النص قراءة ممثلة للمعنى، ويكرره حتى يسـتطيع الطالب أن يُكلف بذلك.الشرح: تُشرح الكلمات الصعبة، والتراكيب الجديدة. وتكتب على السبورة، ويدرب الطلاب على اسـتخدامها. ثم يتناول النص بالتعليق من خلال تجزئته لوحدات صغيرة ذات معنى، ولا ينبغي أن يسرف المعلم في عرض المفاهيم والحقائق العلمية أو الشرح التفصيلي للنص.القراءة الجهرية: يتيح الفرصة لأكبر عدد من الطلاب لقراءة النص جهريا.المناقشة: يطرح المعلم مجموعة من الأسـئلة التي يتعمق فيها مع الطلاب في تناول النص. كما يستطيع من خلال هذه الخطوة أن يقارن لهم بين تصور الإنسان العربي لقضايا الحياة، وتصور غيره من أبناء الثقافات الأخرى.المشاركة: يتشارك الطلاب في تناول النص والتعليق عليه ونقده. ويكون المعلم مجرد موجه ومرشد لمواطن الجمال، تاركا لهم التلقائية الكاملة والحرية التامة في التعبير.التذوق الأدبي: وهو الهدف الأسـاسي من تدريس الأدب العربي. ولتنمية التذوق عند الطلاب عدة وسائل منها:1-تعدد قراءة النص واستعراضه استعراضا شاملا وبعناية وتمهل.2-الموضوعية في النقد، فلا يتأثر بشيء جانبي ويدخل بحكم مسبق.3-عقد الموازنات بين عدة نصوص لتقدير الجمال الأدبي.4-عدم إملاء وجه نظر خاصة وفرض استجابات معينة5-عدم الإسـراف في سرد الحقائق التاريخية أو الجغرافية أو العلمية التي لا تمتبصلة قوية إلى النص.6-عدم الإسراف في كشف المحسنات البديعية والاستعارات والتشبيهات بعيدا عنالروح النفسية والفنية المرتبطة به.إعداد التدريبات: تعتبر خطوة مهمة للتأكد من استيعاب الدروس السابقة، وترسيخ المعلومات، وتعـويد الطالب على التطبيق العملي، وينبغي عند إعداد التدريبات مراعاة عدة أمـور، أهمها:1-أن تكون متنوعة بحيث يعالج كل منها مهارة لغوية أو تذوقية معينة.2-أن تكون كثيرة بحيث تغطي أكبر عدد من المهارات اللغوية والتذوقية.3-عدم الاقتصـار على تنمية وقياس الجانب العقلي في التذوق ،كإدراك الصـلةبين النص والبيئة ونحوه، إنما تُدرّب أيضا على المهارات الوجدانية والجمالية.4-أن تقسـم إلى: تدريبات تعليمية يسـتهدف بها تنمية أو اكتسـاب مهاراتمعينة، وتدريبات تقويمية تسـتهدف الوقوف على مستوى الدارس، وتشخيصنقاط الضعف عنده.5-أن تتيح لهم فرصة القراءة الجهرية التذوقية تمثل المعني وتنقل الفكرة بصدق.6-تخصيص بعض التدريبات للعمل الجماعي، فتوزع المسـئوليات عليهم، لتنميةالإحساس بالمشاركة والثقة بالنفس وتقدير الذات والاندماج في العمل الأدبي".الخاتمة:إن للدراسات الأديبة المكانة الأولى في إعداد النفس وتكوين الشخصية وتوجيه السلوك الإنسـاني، وتعينها على فهم الحياة وفهم الطبائع الإنسانية من خلال النتائج الأدبية، واتخاذ تدريس الأدب عنصراً أساسياً في برنامج تعليم اللغة العربية وسيلة فعالة لترسيخ اللغة لدى دارسـيها، وتحكيم ارتباطهم بها، وفتح آفاق جديدة تعينهم على الإنتاج والإبداع. وفيها يُدرِك ميزتَها وخصائصَها غيرُ أهلها.إن اللغة العربية لغة أدب يحمل رسـالة أمة، وامتدادٌ لحضارة عريقة، فإن كنا ننشر هذه اللغة، فجدير أن نشرها بأدبها الذي يعبر عن قيم عربية أصيلة نابعة عن شخصية الإنسان العربي إثر الثقافة الإسلامية، التي ترتبط بها: تاريخاً واعتقاداً، وأدباً يتميز بالأصـالة والجمال والثراء، يعبر عن الأدب الإنساني كافة، وفي ذلك إسهام في مواصلة انتشار اللغة العربية بفكرها وثقافتها وحضارتها وما تحمل من رسالة سماوية خالدة.وبعد :فإن نجاح البرنامج بشكل عام، يعتمد على طريقة التدريس… ووضع خطة التدريس أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى خبرات وممارسة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف