الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الابن البار بأمه ترجمة : حماد صبح

تاريخ النشر : 2017-03-28
الابن البار بأمه ترجمة : حماد صبح 

عاش في غابر الزمان مزارع فقير مع أمه المسنة المترملة عند جبل ، وكان لهما قطعة أرض صغيرة توفر قوتهما ، واشتهر الاثنان بالتواضع والهدوء والسعادة . وكان يحكم المقاطعة التي يعيشان فيها والٍ مستبد طاغية يرتاع ارتياعا عظيما مثل ارتياع الجبناء _ رغم كونه محاربا _ من كل ما يوحي بضعف الصحة ونقص القوة ، الأمر الذي حضه إلى إصدار بيان قاسٍ لبابه مرسوم صارم لكل أهل المقاطعة بالإعدام الفوري لسائر المسنين . وكان المزارع يحب أمه حبا كبيرا ؛ لذا أفعم مرسوم الموت قلبه أسى وجزعا إلا أن أي شخص ما كان له أن يتردد في إطاعة مرسوم الوالي الصارم الحازم . وهكذا تأهب الشاب بالكثير من تنهدات اليأس العميق لما كان يحسب أرحم طريقة للموت . فحين انتهى عمله غروبا ، أخذ كمية من الأرز غير المقشر الذي كان هو القوت الأساسي للفقراء ، وطبخه ويبسه وربطه في قماشة مربعة علقها في صرة حول عنقه مع قرعة ملأها ماء فراتا باردا ، وحمل أمه المسنة العاجزة فوق ظهره ، ومضى في رحلة الآلام صاعدا الجبل . كان الطريق مديدا ، ضيقا ، مسرفا في تحدره ، تقاطعه بين مسافة وأخرى مجازات كثيرة دمثها الصيادون والحطابون . وضل الاثنان في بعض الطريق ، وتشابهت عليهما المجازات إلا أن المزارع ما بالى ذلك . لم يكن يعنيه في أي مجاز يسيران قدر ما كانت تعنيه نجاة أمه . وهكذا والى مسيره صاعدا كأنه أعمى صوب قمة الجبل العالية العارية الذي يسمى أوباتسوياما أو " جبل نبذ المسنين " . ولم تكن عينا الأم المسنة بالعاجزتين عن الرؤية المناسبة ؛ إذ إنها لاحظت السرعة المتطيشة لابنها في التنقل من مجاز إلى مجاز ، فاعترى القلق والخشية قلبها المحب له . إنه يجهل مجازات الجبل الكثيرة ، وهذا قد يحيل رجعته خطرة . فأخذت تبسط يدها وتقتطع الأماليد الناعمة من الآجام التي يجتازانها ، وشرعت بهدوء تطرح قطفات منها كل جملة خطا حتى تنقط الطريق الضيق وراءهما بالأماليد الصغيرة في مواضع كثيرة منه . وأخيرا اعتليا القمة منهكي الجسد ، محهدي القلب من الصعود الشاق ، فأنزل الشاب حمله إنزالا هينا لينا ، وأخذ يهيء صامتا موضعا لراحة من يحبها بحسبان ذلك آخر واجباته نحوها . ولم أعوادا ساقطة من الصنوبر ، وهيأ وسادة وثيرة رفع أمه حنونا إليها ، ولف سترتها المخططة لفا موثقا حول منكبيها المائلتين ، وودعها وداعا أبديا باكي العين موجع الحشا ، وقبل أن يفارقها وصته وصاتها الأخيرة بصوت مرتجف ، مفعم حبا وإيثارا قائلة : " احذر يا ولدي عمى البصر ! طريق الجبل مشحون بالمخاطر . انتبه ! واسلك الطريق الموجودة به قطفات الأماليد ! ستقودك نحو الطريق المألوف الهابط إلى أسفل الجبل ." ، فالتفت وراءه في ذهول ، وتطلع إلى يدي أمه الذابلتين اللتين خدشهما ووسخهما ما حملها من الحب إلى خدمته ، فانحطم قلبه ، ومال إلى الأرض ، وصاح عالي الصوت : "أماه أيتها المكرمة ! عطفك علي يحطم قلبي . لن أتخلى عنك . سنتبع سويا طريق الأماليد ، وسويا سنموت". وحملها ثانية ، وكم بدا حملها خفيفا هذه المرة ! ونزل بها الطريق مسرعا في الظلال وفي نور البدر نحو الكوخ الصغير في بطن الوادي . وكان تحت الطابق الذي تعيش فيه الدجاج خزانة للطعام مغطاة ومحجوبة عن العيون ، فأخفى فيها أمه ، وزودها بكل ما تحتاجه ، وتابع المراقبة خشية انكشاف مخفاها . وتصرم الوقت ، وبدأ يشعر بالأمان إلا أن الوالي أرسل رسله ثانية حاملين مرسوما لا معقولية فيه ، بل بدت فيه مباهاة بقوته وسلطته حيث طلب من الرعية تزويده حبل رماد ! وارتجفت كل المقاطعة رعبا : لا مناص من تنفيذ المرسوم ، لكن من له في كل شاننج القدرة على صنع حبل رماد ؟ وفي ليلة ، وفي كربه العظيم ، همس الابن لأمه بالنبأ المكرب ، فقالت : رويدك ! دعني أتفكر !
وفي اليوم التالي نصحته بما يجب أن يفعل . قالت : كون حبلا من جديل القش ، ومده فوق صف من الحجارة المنبسطة ، وأحرقه في ليلة ساجية الريح !
فجمع الناس وفعل ما قالت ، ولما خمدت النار بدا فوق الحجارة حبل رماد من جديل القش رائع الصنع ، فانسر الوالي من ذكاء الشاب وفطنته إلا أنه استفهمه عن مصدر حكمته ، فبكى وقال : ويلاه ! ويلاه ! لا مناص من قول الحق .
وروى ما حدث منحنيا انحناء تاما أمام الوالي الذي أصغى إليه ، ثم راح يتأمل ما سمعه ساكنا ، ورفع رأسه ، وقال صارما : شاننج في حاجة إلى ما هو أكثر من القوة . آه ! نسيت الحكمة السيارة التي تقول : " إنما تأتي الحكمة من الرأس الأشيب . " ، ومن فوره أمر بإبطال المرسوم القاسي ، وأضحت تلك العادة الهمجية المقيتة جزءا من الماضي الذي تتلبث فيه الأساطير .

*للكاتب والشاعر الياباني ماتسو باشو .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف