ثقافة الفشل... الخوف منه او الاعتراف به
محمد علاونه
المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة، (برنامج اعداد القادة).
لم يتوان "ديفيد كاميرون" رئيس وزراء بريطانيا السابق في تقديم استقالته عقب اعترافه بفشله في دفع البريطانيين الى التصويت للبقاء في الاتحاد الاوروبي، والامر سيان مع رئيس الوزراء الايطالي السابق "ماتيو رينزي" الذي اعلن استقالته من منصبه بسبب فشله في التصويت لصالح التعديلات الدستورية التي بادر اليها السنة الماضية، والامثلة والشواهد على الاعتراف بالفشل كثيرة في الجزء الشمالي من العالم، اما الجزء الجنوبي فهو حتما لم يخض غمار الفشل ولم يمر به، لأننا لم نسمع عن واقعة حقيقية لقصة فشل فيه، ذلك بسبب ان الثقافة المتعددة التي ينشأ فيها الفرد تشكل جزءاً مهما من حياته، تدفعه الى اتخاذ كثير من القرارات خلال مسيرته الشخصية والمهنية، بصرف النظر عن المنصب الذي يتبوأه، فما الذي يدفع رئيس وزراء دولة عظمى للاعتراف بالفشل والاستقالة ويمنع غيره في أي دولة من دول العالم الثالث عن ذلك، انها الثقافة المتعلقة بقبول الفشل او الخوف منه في اداء المهام على اختلاف اشكالها، بل يلجأ الفاشل من الصنف الثاني انفاً الى تحميل الظروف مسؤولية الفشل دون ايماءة ولو صغيرة لدوره اذا تم اتهامه دون المبادرة منه بالاعتراف.
في اقليم بلادنا، لكل واحد منّا جانب مظلم في حياته، جانب لا يرغب الشخص في تسليط الضوء عليه مهما كانت الظروف، جانب سلبي لا نرغب باطلاع الاخرين عليه، انه ثقافة الخوف من الفشل التي قد تعترضنا في أي جانب من جوانب الحياة، الا ان هناك زاوية نظر اخرى لرؤية الفشل تبادر الى الاعتراف به و كشفه وتفحصه بعمق تحت المجهر، لأن تخبأته قد يكرره ويعيده مرة أخرى بأشكال ثانية، والفشل موجود في حياة جميع الافراد "بالتأكيد فشل جزئي"، حتى في حياة من نراهم على رأس سلم النجاح الوظيفي، وان عمد الى اخفائه فان المنطق يقتضي استشعار مناطق الفشل في حياته، لان الكمال لله وحده ولان ذلك هو الاقرب الى الواقع، ربما يخفي فشله وربما يبوح به، ان أخفاه فهذا شأنه، أما ان باح به ذلك هو المبتغى، فكيف لغيره من تأدية ذات المهمة على ذات الطريقة اذا علم أن غيره قد فشل في انجازها، يقول أينشتاين: "من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة" ، ولكن انعدام ثقافة الاعتراف بالفشل في مجتمعنا قادتنا لنصبح فلاسفة لنحاول اثبات خطأ مقولته بأن نحاول مرات ومرات للحصول على النجاح بذات الطريقة حتى لا نتهم بالفشل لان هذا ما اعتدنا على الخوف منه، وقيل في الأمثال "أسأل مجرّب ولا تسأل حكيم" كدليل على تقديم التجربة والخبرة على الحكمة، ومحور حديثنا هنا عن من سبق له التجربة اذا لم يقدم نتائج تجربته للآخرين سواء الناجحة او الفاشلة كيف لهم أن ينجحوا؟
يقول ونستون تشرشل: "النجاح.. هو ان تنتقل من فشل الى فشل بدون ان تفقد حماسك"، وتكريسا لهذه المقولة يقول أحمد زويل أن "الغرب ليسوا عباقرة ونحن اغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل"، وفي العالم المتحضر والمعاصر اليوم امثلة كثيرة تعمد ادارة الشركات الناجحة اليها بتكريم من تقدموا بأفكار وفشلوا في تنفيذها، او كلفوا بمهامٍ ولم يستطيعوا انجازها، والتكريم في هذا المقام لا يعني الاحتفاء بالفشل بقدر الاحتفاء بالتجربة وشرف المحاولة، فعرض التجربة أمام الاخرين قد يكشف مواطن خللها ويعدّل من تنفيذها ويقود للنجاح بالنهاية، ويحفّز الاخرين على الاستمرار في المحاولة حتى النجاح بدلا من احباطهم.
ويقول الكاتب أنيس منصور (أننا إذا دخلنا في منافسة أو معركة فنحن نؤمن بأننا سوف ننتصر على طول الخط، ولكن ليس في حسابنا ما الذي نفعله إذا انهزمنا، مع أننا يجب أن نحسب للفشل كل حساب لكي ننهض ونعاود المحاولة، وفي الحروب هناك خطة للنصر وخطة للهزيمة وكيف يجمعون فلولهم وينسحبون في نظام دون خسائر جديدة، على اعتبار أن النجاح محتمل، والفشل محتمل أيضاً، ألمانيا تقبلت الهزيمة والانهيار الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي ثم نهضت في كل المجالات حتى صارت اليوم أقوى دول أوروبا، والسبب أنها أدركت أن الفشل حقيقة وأنها لا تبكي على الماضي).
هناك اختلاف جوهري بين الخوف من الفشل والاعتراف به كالفرق بين الثرى والثريا، الاول يشير الى ثقافة سائدة قائمة على اننا نحمل "خاتم سليمان" وجميع الامور مسخرة لنا في تنفيذ كل الامور ولا يوجد بيننا من يفشلون في أي شيء، والثاني يشير الى ثقافة "انني استطيع" للحماسة والاندفاع في الاداء حتى اذا واجه الفشل امتلك الثقة والجرأة واعترف به لتصبح تجربته نبراسا لمن يأتي من بعده، وشتان ما بين الثقافتين...!!
محمد علاونه
المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة، (برنامج اعداد القادة).
لم يتوان "ديفيد كاميرون" رئيس وزراء بريطانيا السابق في تقديم استقالته عقب اعترافه بفشله في دفع البريطانيين الى التصويت للبقاء في الاتحاد الاوروبي، والامر سيان مع رئيس الوزراء الايطالي السابق "ماتيو رينزي" الذي اعلن استقالته من منصبه بسبب فشله في التصويت لصالح التعديلات الدستورية التي بادر اليها السنة الماضية، والامثلة والشواهد على الاعتراف بالفشل كثيرة في الجزء الشمالي من العالم، اما الجزء الجنوبي فهو حتما لم يخض غمار الفشل ولم يمر به، لأننا لم نسمع عن واقعة حقيقية لقصة فشل فيه، ذلك بسبب ان الثقافة المتعددة التي ينشأ فيها الفرد تشكل جزءاً مهما من حياته، تدفعه الى اتخاذ كثير من القرارات خلال مسيرته الشخصية والمهنية، بصرف النظر عن المنصب الذي يتبوأه، فما الذي يدفع رئيس وزراء دولة عظمى للاعتراف بالفشل والاستقالة ويمنع غيره في أي دولة من دول العالم الثالث عن ذلك، انها الثقافة المتعلقة بقبول الفشل او الخوف منه في اداء المهام على اختلاف اشكالها، بل يلجأ الفاشل من الصنف الثاني انفاً الى تحميل الظروف مسؤولية الفشل دون ايماءة ولو صغيرة لدوره اذا تم اتهامه دون المبادرة منه بالاعتراف.
في اقليم بلادنا، لكل واحد منّا جانب مظلم في حياته، جانب لا يرغب الشخص في تسليط الضوء عليه مهما كانت الظروف، جانب سلبي لا نرغب باطلاع الاخرين عليه، انه ثقافة الخوف من الفشل التي قد تعترضنا في أي جانب من جوانب الحياة، الا ان هناك زاوية نظر اخرى لرؤية الفشل تبادر الى الاعتراف به و كشفه وتفحصه بعمق تحت المجهر، لأن تخبأته قد يكرره ويعيده مرة أخرى بأشكال ثانية، والفشل موجود في حياة جميع الافراد "بالتأكيد فشل جزئي"، حتى في حياة من نراهم على رأس سلم النجاح الوظيفي، وان عمد الى اخفائه فان المنطق يقتضي استشعار مناطق الفشل في حياته، لان الكمال لله وحده ولان ذلك هو الاقرب الى الواقع، ربما يخفي فشله وربما يبوح به، ان أخفاه فهذا شأنه، أما ان باح به ذلك هو المبتغى، فكيف لغيره من تأدية ذات المهمة على ذات الطريقة اذا علم أن غيره قد فشل في انجازها، يقول أينشتاين: "من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة" ، ولكن انعدام ثقافة الاعتراف بالفشل في مجتمعنا قادتنا لنصبح فلاسفة لنحاول اثبات خطأ مقولته بأن نحاول مرات ومرات للحصول على النجاح بذات الطريقة حتى لا نتهم بالفشل لان هذا ما اعتدنا على الخوف منه، وقيل في الأمثال "أسأل مجرّب ولا تسأل حكيم" كدليل على تقديم التجربة والخبرة على الحكمة، ومحور حديثنا هنا عن من سبق له التجربة اذا لم يقدم نتائج تجربته للآخرين سواء الناجحة او الفاشلة كيف لهم أن ينجحوا؟
يقول ونستون تشرشل: "النجاح.. هو ان تنتقل من فشل الى فشل بدون ان تفقد حماسك"، وتكريسا لهذه المقولة يقول أحمد زويل أن "الغرب ليسوا عباقرة ونحن اغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل"، وفي العالم المتحضر والمعاصر اليوم امثلة كثيرة تعمد ادارة الشركات الناجحة اليها بتكريم من تقدموا بأفكار وفشلوا في تنفيذها، او كلفوا بمهامٍ ولم يستطيعوا انجازها، والتكريم في هذا المقام لا يعني الاحتفاء بالفشل بقدر الاحتفاء بالتجربة وشرف المحاولة، فعرض التجربة أمام الاخرين قد يكشف مواطن خللها ويعدّل من تنفيذها ويقود للنجاح بالنهاية، ويحفّز الاخرين على الاستمرار في المحاولة حتى النجاح بدلا من احباطهم.
ويقول الكاتب أنيس منصور (أننا إذا دخلنا في منافسة أو معركة فنحن نؤمن بأننا سوف ننتصر على طول الخط، ولكن ليس في حسابنا ما الذي نفعله إذا انهزمنا، مع أننا يجب أن نحسب للفشل كل حساب لكي ننهض ونعاود المحاولة، وفي الحروب هناك خطة للنصر وخطة للهزيمة وكيف يجمعون فلولهم وينسحبون في نظام دون خسائر جديدة، على اعتبار أن النجاح محتمل، والفشل محتمل أيضاً، ألمانيا تقبلت الهزيمة والانهيار الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي ثم نهضت في كل المجالات حتى صارت اليوم أقوى دول أوروبا، والسبب أنها أدركت أن الفشل حقيقة وأنها لا تبكي على الماضي).
هناك اختلاف جوهري بين الخوف من الفشل والاعتراف به كالفرق بين الثرى والثريا، الاول يشير الى ثقافة سائدة قائمة على اننا نحمل "خاتم سليمان" وجميع الامور مسخرة لنا في تنفيذ كل الامور ولا يوجد بيننا من يفشلون في أي شيء، والثاني يشير الى ثقافة "انني استطيع" للحماسة والاندفاع في الاداء حتى اذا واجه الفشل امتلك الثقة والجرأة واعترف به لتصبح تجربته نبراسا لمن يأتي من بعده، وشتان ما بين الثقافتين...!!