الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أخي بقلم:عبد السلام فايز

تاريخ النشر : 2017-03-21
أخي بقلم:عبد السلام فايز
  أخي 

    بقلم : عبد السلام فايز  

لا أعي تفاصيل الحكاية جيّداً ، إذ كنتُ آنذاك في الصف الثامن و ما يَعلقُ في ذاكرتي الضّئيلةِ حتى الآن أضغاثُ أحداثٍ مُتراميةٍ هنا و هناك..  

ففي عام ألفٍ و تسعمائة و تسعةٍ و تسعين ، حَزمَ أخي عبدالقادر أمتعتَه ليغادرَ أزقّةَ المخيّم و شوارعَها الضيّقة و يتّجهَ إلى العاصمة الإيرانيّة طهران للالتحاق ببعثةٍ دراسيّةٍ هناك،  وسطَ فقرٍ مُدقعٍ كان يُلمّ بعائلتنا.. 

كان أبي متخوّفاً نوعاً ما / لأنّ هذه المغامرةَ هي الأولى من نوعها و التي تُخَاض على مستوى الأسرة ولاسيّما أنّ الوضع المادي لم يكن يسمح بحصول أيّ أمرٍ طارئ،  ولكنّ عزيمةَ أخي القوية هي التي هدّأت من روعه..  

أمّا أمّي المسكينة فقد غدَت كتلك الأمّ التي وضعَت رضيعَها في اليَمّ و راحت تنتظرُ رحمةَ السماء،  خاصةً أنّ وسائل الاتصال تكادُ تكون معدومةً إلى حدّ ما، بل تتمثّلُ في هاتفٍ أرضيٍّ متوفّرٍ عند جارتِنا.. 

مازلتُ أذكرُ كيف بدأَتْ أمّي تَتَحَسّسُ الأخبارَ عن أخي هنا و هناك،  و تحاولُ جاهدةً الاتصالَ مع إدارةِ جامعتِه هناك رغمَ صعوبة التواصل بِحُكم اللّغة، بل إنها أحياناً كانت تأمرني أن أبعثَ له رسالةً خطّيّة ضمن ظرفِ الرسائل و أرسلها على العنوانِ الذي مازلتُ أحفظُه حتى الآن.. 

لكنّ هذه الرسالة لم تكن تصل كما تصل رسائل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم خلال لحظات،  بل كانت تستغرقُ اثنين و عشرين يوماً / و على أمّي الانتظار بعد ذلك أكثر من شهر كي يصل الرّدّ من أخي،  وكم كانت فرحتُها عظيمةً حين يطرقُ بابَنا بائعُ البقالية في حيّنا و يبشّرُها بوصول رسالة من عبد القادر..  

و كانت تُبرِق إليهِ أحياناً الصّوَرَ المُلتَقطةَ و أحياناً شريطاً مسجّلاً في آلة المذياع..  

تلك هي البدايات القاسية لمشوار أخي الذي بدورهِ كان يزوّدنا بأخباره عن طريق أيّ شخصٍ قادم من إيران إلى سورية..  

ذات مرّة كنتُ مع أمي في الحافلة ، و للصّدفةِ كانَ في الحافلةِ زائرٌ إيرانيٌّ لا يتكلّمُ العربيّةَ البتّة، و على الفور توجّهَت نحوه أمّي و كأنّه حمامةُ السلام،  و استخدمَتْ جميع الوسائل كي توصلَ إليه معلوماتٍ أنّ ولدي يعيش في مدينة قزوين و يدرس الصحافة هناك / و كم ضحكْتُ وقتَها و هي تشير بيدها إلى الجوّ مُطلِقةً صوتاً كصوتِ هدير الطائرة في محاولةٍ منها إلى إيصال فكرة أنّ أخي سافر إلى إيران.. 

ومع مرور السنوات بدأت أخبارُ أخي السارّة فيما يخصّ دراسته الصحفيّة تأتينا تباعاً ، وسطَ تساؤلٍ لم أجد له جواباً حتى الآن،  فكيفَ تمكّن عبدالقادر المناضل من تأمين تكاليف سنوات دراسته و كيف حاولَ التوفيق بين ذلك و الجامعة طوالَ هذه السنوات؟  

هذا مالم أجد له جواباً ... 

غادرَتنا كلُّ هذه السنين العِجَاف لنتلّقى خبراً مُثلِجاً أذهَبَ غشاوةَ السنوات السابقة،  و هو أنّ عبد القادر تخرّج من الجامعة صحفيّاً فلسطينيّاً و قد وجدَ عملاً في قناة العالَم.. 

هذا الأمر دفعَ والدي إلى النشوة و الاعتداد أمام أقرانِهِ بأنّ ولدَه صحفيّ و ربّما يظهر على شاشات التلفاز قريباً ..

كانت ليلةً من ليالي الشتاء حين هاتفَنا عبدالقادر و أخبرنا بأنه سيظهرُ اليوم ظهوراً بعيداً خلفَ المذيع الذي سيقدّم موجز الأخبار،  تلك الليلة كانت كالعُرسِ حين هرعت أمي تُخبِر الأقارب و الجيران بأنّ عبد القادر سيظهر الليلة على قناة العالَم من بعيد و من خلف المذيع.. 

و يا لهول ماحدث عندما ظهر أخي على الشاشة للمرّةِ الأولى حيث كنّا مجتمعين أمام التلفاز،  وعلَت صيحات الفرح و السرور و راح والدي البسيط يلوّح لأخي بيديه وكأنّ أخي يراه،  بينما رحنا جميعاً نشير إليه بأصابِعِنا و نقول بلهجِتِنا المحكيّة : هيّاتو / هيّاتو 

كان ذلك هو الظهور الأول لعبد القادر على الشاشات.. 

واليوم أين هو عبد القادر؟!  

إنه مدير شبكة الجزيرة في طهران،  صحفيٌّ فلسطينيٌّ بارزٌ و عَلَمٌ من أعلام الصحافة،  يلتقي كبار المسؤولين و السياسيّين و يُجرِي الحوارات الصحفيّة الناجحة و التي تنقلها جميع وكالات الأنباء.. 

يفتخرُ به أبناءُ المخيّم وكل من يعرفُه.. 

نجاحٌ يتلوه نجاح.. 

ولم يقتصر نجاحه في طهران فحسب،  بل من طهران إلى العراق / إلى ليبيا / إلى فيينّا / إلى اسطنبول / إلى أستانا / إلى جنيف.. 

ولكنّ المشهدَ الخالدَ في مخيّلتي هو مشهد والدي على فراش الموت عام ألفين و سبعة،  حين أطلّ عبدالقادر على شاشات التلفاز،  فراحَ والدي يلوّحُ له بيديه اللّتين غَلَبَتهُما سكراتُ الموت،  و كأنه يودّعه.. 

كان هذا هو اللقاء الأخير بين أبي و عبد القادر .. 

لأبي الرحمة و الغفران / و لعبدالقادر مزيداً من العلوّ و التوفيق..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف