الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحلقة الخامسة عشرة -أصابع مقيدة..بقلم: د.حنان عواد

تاريخ النشر : 2017-03-15
الحلقة الخامسة عشرة -أصابع مقيدة..بقلم: د.حنان عواد
أصابع مقيدة..    

وبعد، صبرا،عل الفجر يكون قريبا..

صمت ساعتين،وانا أقلب الأحداث،بحضور الوحي وخروجه في تكوينات الذكرى، ارتفعت أصوات النداء للعشاء،ذهبت الى غرفة الطعام،للبحث عن وسيلة ممكنة،قدموا لنا برتقالة،فرحت بها،أخذتها معي الى الغرفة،وبعد نصف ساعة حضرت "حوا"،استحلفتها أن تسمح لي بتقشير البرتقالة، فوافقت.أحضرت سكينا غير حادة،وظلت واقفة ترقبني،قمت بسرعة،قشرت البرتقالة والقلم،فانفرجت أساريري.

عاش قلمي لحظات من التجلي،وهو يهيم مختالا على تلك الورقة الصفراء،واشتد فيض الروح،ومكنونات الجروح..صار القلم ينبض مرسلا اشارات الهية في العشق البطولي،ثم توقف النبض..الورقة تمضي،تنتهي،الحلم يتوقف، والمكان عاد لصمته القاتل.

اشعاعات الظلمة ترفرف من أركان النافذة المعتمة،

صفير الهواء أخذ يتصاعد،ونبض القلب يشتد.

وماذا بعد!،تفرست عيوني بالقضبان الحديدية،تمنيت لو أستطيع قضمها وتحطيمها..

الحائط يغفو على نقوش وحفريات وأسماء غادرت،وعبارات يسهل فهمها..

أقرأ،وأستلهم من النص القرآني الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام،"اقرأ"،لأصيغ الأمر الموجه الي"اكتب..ما أنا بكاتب،انقش..ما أنا بناقش...

أكتب،عل الحائط يعوضك عن غياب الأوراق.."

بدأت ألهث وأكتب،والعرق يتصبب من جبيني،

أكتب،الوحي بصليل أجراسه يعانقني،         

أكتب،فالحزن خالد قبل الروح...

نقشت من أحاسيس الروح وعمق الجراح حلما توسد على الحائط،ليظل في ذاكرة الزمن.

الطعام حالة خاصة وراء القضبان،في الصباح الباكر،يقدمون لنا بيضة مسلوقة،وفجلة-لا أدري ما ضرورتها في الصباح-وكأس شاي فارقته الحرارة،لونه رمادي معتم مصنوع من البلاستك..

في أحد الأيام،فرضوا على الجميع الالتزام بمواعيد الطعام..وفي موعد الغداء،دخلنا غرفة الطعام ،واذا بالمائدة مزدانة بأنواع متعددة من الأطعمة،السلطات الطازجة،اللحوم الجيدة،الرز وأشياء أخرى..

كانت مفاجأتنا كبيرة،ما الأمر يا ترى؟                      

وبينما كنا نتناول طعام الغداء،واذا بعدد من الرجال يعبرون المكان ،يطالعون الأطعمة،ويوجهون السؤال للموقوفين عن مدى كفاية وملاءمة الأطعمة،ونحن لا ندري بماذا نجيب .علمنا لاحقا أن لجنة مراقبة السجون المبعوثة من الأمم المتحدة هي التي زارتنا،غادرت اللجنة،وفي اليوم التالي انتظرنا استمرار الرعاية،لنرى بقايا الأطعمة تقدم لنا،ولا أبالغ اذا قلت، أننا بقينا أسبوعا كاملا نعيش على البقايا،تخيل أن تبقى السلطة لمدة اسبوع!،امتنعت عن الطعام، واكتفيت بالبرتقالة.

وفي عتمة الليل الحزين،يتحرك المفتاح في الزنزانة،تأتي الشرطية بفتاة في ربيع عمرها،الدموع تكسو وجهها،تنظر حولها، وتزداد بكاء،ثم تنزوي على السرير الآخر.

لماذا أحضروها عندي؟،الصمت الحائر لدي في زاوية العزل،أفضل عندي..

من هي ؟وما هي قصتها؟

ولماذا أتت الى هنا؟

لا يبدو أنها فلسطينية،اذن لماذا وضعوها معي،سؤال حيرني،هل هي ناقلة أسرار؟

لم أنبس ببنت شفة،ولم التفت اليها،غاب الوعي في اللاوعي، وغبت في سبات عميق.

وفي الصباح،فتحت الزنزانة بنداء"خنان"..تحقيق.

ارتديت معطفا بسرعة،وعيوني لم تفترش ضياءها على روحي بعد.سرت مع الجنود،وصممت أن يتجاوزني القلق،حتى لا يظهر الاعياء على ملامح روحي ويوقعني في مأزق.

عاد أبو العبد ثانية في استفزازاته المعهودة،ولم يتوقف عند حدود ذاته،بل استدعى سبعة ضباط آخرين للتحقيق معي.وابتدأ الحوار المرير في غرفة حقيرة،تتوسطها طاولة مستديرة،وعلى اليمين يركن مكتب صغير.

أمرني أبو العبد بالجلوس على مقعد خشبي،وعلى يميني تقف مجندة للحراسة.جلس هو في الجانب المقابل مع عدد من المحققين،أحدهم به ملامح عربية-لا أدري كلما تنسمت ملامحا عربية،أشعر بطمأنينة للحظة،لأجد الطمأنينة مغادرة بعيدا،وأن معنى العروبة واللغة والملامح العربية ،ما هي الا ترسيم واهم أعد خصيصا لنا في لعبة الخداع الكبرى.ابتسمت بصمت،ثم نظر الي باستهزاء قائلا:"نو،لو زازنو"بمعنى(ماذا ألم نتقدم بعد)؟.

فأجبته بشجاعة:"لقد شرحت لكم موقفي العلمي بلغة واضحة لا تحتمل التأويل،وما قلته سابقا،سأظل أقوله،لأن كلامي لا يتغير ولا يتبدل،فلو قلبت صفحات القرآن الكريم جميعها،هل تجد بها فوارق في الأسلوب وفي الكلام؟؟.

وكأنما ذكر القرآن الكريم فجر في داخله أحقاد ثم قال:"حنان"،يبدو أنك لا تعرفين بما يمكن أن نقوم به،وأننا نستطيع تحويلك الى "ممسحة"،اذا لم تعترفي..

فأجبت بغضب شديد:"هذا هو المستحيل بعينه،وهذا الكلام ليس لمثلي،وأظنك ستندم على هذه العبارة".

 

وما كدت أنهي ردي عليه،حتى وقف أبو العبد بصورة استفزازية،رافعا يديه ملقيها على رأسي،اوقفته المجندة،ثم تدخل محقق آخر، وأعاد جميع الأسئلة بسرعة لاختبار صدقي،ثم قال لي محقق آخر:تحدثي بالعبرية،لأنك بالعربية تجيدين الخطابة وتتحدثين بلغة "أبوعمار"،فهل علمك الخطابة؟

فأجبته:لا يمكنني أن أتكلم العبرية،العربية هي لغتي،

"أبو عمار"لم يعلمني الخطابة،بالعكس،أنا التي علمته.".ضحك الجميع،واستعدت روحي قليلا.

كانوا في حدود الشك،ولم يكن لديهم أي دليل على علاقتي بالمنظمة،ولا أية نقطة يستندون عليها،وانما حاولوا بهذا التوجه الخبيث، الحصول على معلومة قد تفيدهم.

فاجأني أحدهم يسؤال:"اذا كنت بالحقيقة تدرسين في جامعة الأزهر،فماذا تدرسين؟

-أدرس الأدب الكلاسيكي والنقد،بالاضافة الى الدراسات الاسلامية ،وعلى رأسها القرآن الكريم.

-وهل حفظت القرآن؟

-بالطبع،وما كدت أنهي الجملة،حتى فتح الجرار، وأخرج مصحفا،أراد بذلك أن يتأكد من كلامي،وطلب مني قراءة سورة البقرة،فابتدأت بالقراءة السريعة حتى لا يستطيع المتابعة،وتذكرت في تلك اللحظة امتحان القرآن الكريم الشفوي في جامعة الأزهر، ومدى الرعب الذي لحق بي..

ولكنني الآن لا أراني خائفة،بل العكس انني أقرأ بكل شجاعة في لغة التحدي...

-ثم ماذا تعلمت؟

أدركت من هذه الأسئلة أن التحقيق قد وصل الى حائط مسدود..

-درست الأدب الجاهلي،والصفات العربية الأصيلة كما أوردها الشعراء..

-ما اسم الكتاب واسم المؤلف؟.

-اسم الكتاب"في الأدب الجاهلي"للدكتور أحمد الحوفي..

نظر الي طويلا ثم قال:"وهل تعتقدين بأنها حقائق؟"

قد تكون،وقد يكون قد تصورها المؤرخون..

-جواب سليم..

ما دمت موافق على هذا الرأي،اذن ما جاءك من معلومات عني،ليست حقيقية،وانما صورها المخبرون لك ،وما أكثرهم..

تفاجأ من الجواب،وأدرك أنه وقع في مأزق..

انهال علي بالضرب المبرح،وأوقفني رافعة يداي الى الأعلى..

وأمر باعادتي الى الزتزانة،وتمديد خمسة عشر يوما أخرى..

وهكذا استمر الزمن يعبر لحظاته، ما بين وقائع تحقيق وتهديد وتمديد،وما بين واقع وعي يكبر في أعماقي..اقتادوني ثانية الى الغرفة،عدت وفي داخلي أحاسيس شائكة، ما بين كبرياء يحافظ على نفسه،وما بين زمن تنطوي صفحاته وراء القضبان،وما بين قلم ملح بأن يبقى يافعا،وأن يسترسل في  وحيه المتميز،وما بين،وما بين...

ألقيت بالمعطف،واستلقيت على السرير البارد،وكأني لاحظت ذلك الوجه الحزين الصامت،دموعها تتساقط أنهارا على خدودها،حيرتني ذاتي ، بدأت بالمونولج الداخلي:"هل أقترب منها؟هل أتعرف على قصتها؟وماذا اذا كانت جاسوسة علي؟،ثم شدني البعد الانساني أكثر،طرحت عليها السلام واقتربت منها،فأخذت دموعها تنهمر أكثر،تخوفت بعض الشيء،لأنه في بداية الاعتقال،وضعوا في غرفتي امرأة من أصل كردي،قامت بدور المخبر،وحذرتني اذا لم أعترف فسيحضرون الي ماكنة تكشف الكذب،أهملت كلامها ولم التفت اليه.

ولكن!هل الاثنتان صورة لشخص واحد؟أم أن هنالك فوارق؟

لكنني أرى في عيون الفتاة شيئا من البراءة،فهل أحاول؟،تذكرت الشهيد غسان كنفاني ومواقفه الانسانية،وصممت أن أتحدث اليها،ثم صمت ثانية..

اقتربت منها،ابتعدت قليلا،ثم عدت ثانية لأسألها عن قصتها،وما كدت أنبس بالسؤال فاذا بها تنهار ودموعها أنهار..،فبدأت بسرد القصة .انها قصة بسيطة نسبيا،،ولكنها معقدة أيضا..عليها أن تدفع ما يعادل عشرة الآف ليرة آنذاك، واذا لم تدفع ستدخل السجن،استنجدت بأمها وبأهلها،فلم يساعدها أحد،وقد صدمني موقف الأم،وتذكرت عمر ابن الخطاب ،وهو يحنو على شيخ من أهل الكتاب أقعده الزمان .ثانية عاودني الشك والتردد.هل أنتصر للانسان ؟،ولكن كيف وأنا رهينة الظلم؟..

نسيت للحظات أنها  من الجانب الآخر،وتمنيت أن أخرج نقودي من الأمانات لأمنحها لها، اذا كان هذا يحل مشكلتها ويخرجها من السجن ..ولكن الدروب شائكة،والأمانات تبقى حتى الافراج..الروح تحلق باحثة عن حلول،والحل يحيطني باسلاك وأعمدة حديد وجدران،ليس فقط جدرانا حجرية،بل جدران الروح الموصدة أمام عظمة الانسانية،وصورة الاحتلال المعيقة لكل رؤيا بنقاء الروح،والانتصار للانسان.

وفي المساء سمح لها الضابط الاتصال بأمها،التي شغلها زواجها الآخر عن أي معيار انساني،عادت تبكي بحرقة..وما كادت شمس الصباح تلقي باشعاعها،حتى نهضت مسرعة،خرجت للافطار على غير عادتي في محاولة للابتعاد عن صور الظلم القاتمة ،وظلت الفتاة في السجن.

اشتدت الصرخات في الغرف المحيطة،كل صرخة تحمل قصة وحكاية..وجوه مبعثرة النظرات،معذبة،تراها تصرخ ساعة،وتضحك بهستيريا ساعات أخرى.

ينتابني القلق،يهتز قلبي،ثم أتوجه الى الله العلي القدير راجية أن يخرجني من هذا المكان.

في التوقيف في "المسكوبية"،تتعدد القضايا،السياسيون لهم غرف،والقضايا المدنية لهم غرف أخرى،وأحيانا تختلط القضايا المدنية بالسياسية.

في الليل تعيش فيلم رعب لكثرة الصراخ،فيفارق النوم العيون وتتلظى بنيران الألم.

أنظر الى النافذة المعلقة في الأعلى،يتسرب منها بعض الهواء البارد،ورغم البرد، تشعر بشيء من الأمل،وعند المساء، حين يحل الظلام،شعاع طفيف يدخل عبر النافذة،لعله القمر الذي أعشقه،ثم يختفي.

ما أصعب المواقف الأخرى،ساعة الاغتسال،وما يعترض المرأة من أمور.ذاك الحمام الأثري الذي رسم السواد ملامحه،لا يوجد عليه باب..أصبر قليلا،ثم يعاودني الغضب،أصرخ،أريد أن أمزق الأبواب والأغطية،ولكن عبثا،تتشنج الحنجرة وتصمت،يأتي النعاس بصعوبة.

وفي اليوم التالي،سمعت ضجيجا وصراخا يقترب من الزنزانة،فتح الباب بقوة،وادخل الى غرفتي خمس فتيات فلسطينيات في مقتبل العمر،أدخلتهم المجندة،ثم أخذن بالبكاء لساعات طويلة،انتابني الحزن الشديد،وأشفقت على روح الشباب  المصادرة،وأخذت أهدئهن،وأمنحهن بعض الأمل،الى أن صمتن. دخلنا في أحاديث كثيرة.وبدأ التحقيق اليومي معهن،ونتيجة لضعف التجربة،وقعن في بعض الاعترافات.وفي التحقيق التالي،وبعد ارشاداتي المتلاحقة،غيرن الاعترافات،أدرك المحقق حينها سبب التغيير.

عشنا معا عدة أيام حاولنا بها أن نتجاوز الصعب،ونتعايش في هذا الظرف القاسي،نحاول أن نرفه عن أنفسنا ببعض الأغاني، لنمسح شيئا من المعاناة وضراوة التحقيق.بالطبع،غاب عني الهدوء،واختلفت التجربة في الاطار الجمعي.

تحملت الضجيج والفوضى والصراخ والدموع،وعشت ما بينهن بكل محبة،أحاول دائما مساعدة كلا منهن للصمود بالتحقيق،وكان ذلك.

بنيت بيننا ألفة خاصة لا يدركها الا من عاش التجربة.

أحاول الآن أن أتذكر أسماءهن،ولكن الذاكرة تخونني.

وحينما أفرج عني،أخذنا بالعناق،وأخذت الدموع تسيل أنهارا،وأنا أعيش آلامهن،آملة الفرج القريب.

شعور غريب ينتابني،فرحة الحرية،وحزن القلق والوداع للشابات من وطني،وما يمكن أن يواجهن في هذا القبو الذي ينفث الظلم، ويقتل الروح.

عدت الى ذاتي ثانية،ما بين انسان يتجاوز كل قيد في أفقه الروحي،وما بين جسد مكبل في جدران عتيقة...هل سأرى النور ثانية؟ والأيام تمر بثقل في هذا المكان،اسبوع،اثنان ..ثمانية....ثلاثون..أربعون.قلقي على الدراسة يصل المدى.

وبينما كنت غارقة في هذه الأفكار،واذا بالباب الحديدي يفتح،"خنان،اجهزي للمحاكمة".

هذه هي المحكمة العاشرة،والتحقيق لم يثبت شيئا،ولم يتقدم قيد انملة.أقتادني أحد الحراس،ووقف المدعي العام، وعدد كبير من الضباط والمحققين،وعلى الجانب الآخر كان والدي والمحامي ابراهيم أبو عطا،أحسست بومضات فرح،أيعقل أن أخرج؟،هل سأعود ثانية الى أحضان والدي؟وهل سأحمل كتبي وأمضي الى مقاعد الجامعة؟؟،وهل..وهل؟،الآف الأسئلة تتراوح في مخيلتي..

محكمة.ابتدأت الجلسة.

تحدث القاضي متسائلا:"أين أنتم والتحقيق،هذه هي الجلسة العاشرة،ولم تقدموا دليل ادانة ،ما الأمر؟؟،وقف المدعي العام قائلا:"نريد التمديد ثانية لاستكمال التحقيق."

فأجاب القاضي:"األم تكف  الشهور الماضية"؟

أجاب المدعي العام:"لا زال هناك متسع من الوقت لاستكمال التحقيق،انها تريد أن تدمر اسرائيل وتلقيها في البحر".

التفت الي القاضي قائلا:"هلا اعترفت بما اقترفتيه ضد دولة اسرائيل".

من تخطيطات لالقاء اسرائيل في البحر."

تخيلت نفسي حينها قنبلة ذرية تفجر كل ما حولها، وتسحق الوجود كله..صمت قليلا،رفعت رأسي بكل كبرياء،وأجبت قائلة:" واعجبا ! أرجوك أن تصف لي كيف سأحمل اسرائيل وألقيها في البحر،هل أنا قنبلة ذرية ذكية؟أم أنا بطلة أساطيرالجان، أم أنني الاسكندر المقدوني، أم هانيبال ،أم  أنني وريثة الشاطر حسن"،ناظرة اليه باستهجان،كيف لقاضي أن يتفوه بمثل هذه العبارات،وهو المفترض أن لا يتجاوز المنطق.؟..

والحقيقة أن تلك العبارة تتكرر دائما على جميع المستويات،كما رأينا في شرطة الجسر والمحققين،ولا تتوقف هنا،بل تطلق من كتاب ومثقفين اسرائيليين،وتطرح،والأغرب،أن الكثيرين من أنصار اسرائيل يأخذون بها، ويرددونها،لدرجة أنه،وبعد سنسن طويلة،عندما بدأت بتأسيس فرع فلسطين للرابطة الدولية للقلم،وقف مندوب اسرائيل،وبعد أن ألقيت كلمتي التي لاقت تجاوبا كبيرا،محذرا من قبول فرع فلسطين،واصفا ايانا بارهابيين،نريد أن نلقي اسرائيل في البحر..

ثم تابعت:"نعم،اقترفت ذنوبا كثيرة،أولها عشقت العلم الذي وجهني والدي اليه،وثانيها أبحرت في رحلة القلم،كتبت عن فلسطين وطافت روحي الآفاق".

وبعد نقاش مع المدعي العام ،والذي أصر على التمديد،أعلن القاضي القرار:

"يتم الافراج عنها بدفع غرامة مالية بقيمة عشرة الآف ليرة،وتمنع من السفر لمدة سنة."

قفزت بفرح،وعانقت والدي،فاقتادوني بعيدا عنه،وخرج المدعي العام وقال لي:"أتمنى أن أقطع لسانك هذا مرة"،فقلت:"آمل أن لا تستطيع".كان صوتي الرقيق وفكري الحاد مستفزا،سرت بحراسة مشددة الى أن وصلت البوابات الحديدية،تسلمت أمتعتي والأمانات المحجوزة ،ودعت الأخوات والسيدة الحزينة الأخرى وانطلقت، .خرجت.وشذى الضوء والهواء البارد يلفني، الى أن وصلت السيارة التي أقلتني الى البيت.عانقت أمي واخوتي،ووشحني الدفاع بكل معايير المحبة والاحترام.وابتدأت باقات الورود تصل يوميا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف