الأخبار
حماس: ذاهبون إلى القاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى اتفاقإعلام إسرائيلي: جيشنا انهار في 7 أكتوبر رغم تدريباته لمنع هجوم مماثلكم تبلغ تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة؟تركيا تُوقف جميع التعاملات التجارية مع إسرائيلغزة: عطاء فلسطين تنفذ سلسلة مشاريع إغاثية طارئة للمتضررين من العدوانحمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرج
2024/5/4
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محنة الفكر الانساني(7) بقلم:عزيز الخزرجي

تاريخ النشر : 2017-03-12
محنة الفكر الانساني(7) بقلم:عزيز الخزرجي
محنة الفكر الأنساني(7)
(آلفكر) كما أشرنا نتاج آلثقافة التي تُمَثّل(ألحضارة)(1), و منابعها الأساسيّة تتلخّصُ بمجموعة مكونات تُشكّل ثقافة ألأنسان, و هي؛ تأثير ألعلاقة الزوجية؛ ألموروث العقائدي؛ التحولات التكنولوجية؛ ألمناهج التعليميّة؛ ألتربية المدرسيّة؛ ألآداب المكتسبة؛ ألفنّ و آلموسيقى؛ العلاقة بآلغيب؛ ألدِّين؛ أللغة؛ ألتأريخ؛ ألتّضاريس؛ ألعلوم الأجتماعية؛ العادات و التقاليد؛ اللباس؛ منابع و نوع التغذية؛ هندسة البيوت و نوع السكن؛ الذات الأنسانية؛ النظام الأجتماعي.

و سنبدأ بمناقشة و عرض ألمكوّن الأوّل بعنوان: تأثير آلعلاقة ألزّوجيّة.
بدايةً .. أتمنّى من كلّ باحث و مثقف في العالم أنْ يقرأ هذا البحث بدقّةٍ و تأنٍ,  بضمنهم أصدقائي المثقفين و الباحثين الأكاديميين الذين تجاوز عددهم العشرة آلاف حول العالم بضمنهم المتابعين عبر شبكة التواصل الأجتماعي, لأنها تُعالج أحد أهمّ مكونات الفكر الأنساني الذي عاش و ما زال يعيش المحن.
 
ألأسرةُ .. هي النّواة الرّئيسيّة و البذرة آلأولى التي تُشكل ثقافة الفرد و الحُصنَ الحَصِينَ أمامَ التهديداتُ الماديّة و المعنويّة, و قدْ تَحَمّـــــلَ هذا الحصنُ عبء التفسيرات و المُواجهاتِ المُؤلمةِ بين الجدال (ألفكر) الدّيني و الّلاديني و كذلك الجدال الديني – الديني - ممّا أدّى إلى لُحوق أضرارٍ كبيرة بهذا المكون,  و قد حاول الغرب أللاديني إعادة بناء الأسرة بعد فترة الرينوسانس و إلى اليوم على أسسٍ و أفكارٍ عديدةٍ و متنوعةٍ بعد القضاء على الكنيسة .. أساسها المادة و التكنــــولوجيا, حيث عـرّف كـــــلّ شيئ تعريفاً مادّياً (ديالكتيكياً), و ذلك لمصلحةٍ ماديّةٍ, أيّ : ألوصول إلى الرّخاء و الرفاهية, مع الغفلة عنْ أنّ العـــــالم المادّي لا يُحقق الرفاهية  المطلوبة, بلْ يُحَمّلنا الكثير من العناء و المشقة إذا فقدنا التوازن و آلأعتدال في التعامل مع المادّيات البحتة, و منْ هُنا نجدْ أنّ لَذّات العالم المادي ليستْ لذّات حقيقية, بل هي لذات زائفة سرعان ما تزول, ليبقى الأنسان عطشى الحب و الرّحمة و التآلف.

فالزواج رباط إلهي مُقدّس يُحقق تداوم البشرية, و الحياة  الأسريّة حياة ساميّة, يتقرّب في ثناياه الانسان إلى ربه و يحصـــــــــل على الكثير من  الأجر و العطاء في الدارين, و من هنا فأنّ تشكيل الأسرة ينبغي أن يقوم على أسس رفيعة و رصينة تتحقق من خلالها  الأهداف العالية, كي يؤمن له الديمـــومــــة و الاستمرار و الثبات, و قد غيّر مفهوم و فلسفة الحياة الأسريّة للأسف؛ ألجّوّ الفكريّ المُهيمن في العالم  الصناعيّ, و حولته إلى أداةٍ منْ أجل إشباع الغرائز و تحقيق أهداف الرأسمالين, في حين عَبّرَ الأسلام عن الأسرة بالمكان الآمن و السّكن الرّوحي و النقي, و المحطة آلآمنة لسلامة النفس و تربية الأبناء .. و تحقيق السعادة بين أفراد الأسرة لبناء المجتمع على أسس رصينة و سلمية يحقق السعادة للجميع بلا إستثناء.

لهذا لو بُنيت الأسرة على أساس الأسلام و مفاهيمه, فأننا سنشعر في أنفسنا بالأحتياج الدائم إليها و إلى تشكيلها أينما كان و في كل الظروف, و ستكون محط إهتمامنا, أمّا لو أصبحتْ الحياة الزوجيّة ذات بُعدٍ واحدٍ, يتركز على إشباع الغرائز الماديّة عند آلزوجين كما الحيوانات, فلن يُكتب لها البقاء و الأستقرار, و سرعان ما ينهار ألبناء الذي قام على أساسه, إذ بمجرد ما تنطفئ الغرائز الجنسية, فأنّ تلك العلاقة ستهبط و ستواجه آلأضرار و يفقد الزوجان بعدها الرّغبة في الأستمرار في الحياة  المشتركة.

تغيّرات عديدة طرأت على البناء و الرّوابط العائليّة مع الزمن و توالي الأحداث, لقد كانت الرّوابط محدودة و ضيقة في العهود آلسّابقة, مروراً بالقرون الوسطى, فآلأب كان هو الرئيس الأوحد و الزوجة تدير شؤون البيت كإعداد الغذاء و تربية الأبناء و تشارك زوجها في قضاء بعض الأعمال خارج البيت, كما إنّ العواطف كانت قوية فيما بينهم و الكل متعلق بعائلته و قريته, و لم تكن هناك علاقات واسعة و متشابكة بسبب طبيعة المعيشة البسيطة و محدودية العلاقات الأجتماعية و أنعدام المواصلات, و عدم وجود خطوط أتصال أو ربط بين القرى المُتناثرة, كما لم تكن هناك مدن شاخصة في عموم أوربا و أمريكا و غيرهما, لكن الأمور تبدلت بعد عصر النهضة و بدء الثورة الصناعية, حيث توسعت القرى و أنضمت بعضها مع البعض لتصبح مدناً فيها شوارع و قوانين, و نشطت حركة البرجوازية و التبادل التجاري التي أسست شبكة من العلاقات التجارية بين القرى و من ثمّ المدن, و توسعت العلاقات الأجتماعية و الروابط الأنسانية و سادت الحريات بعد ما كانت مكبوتة و محدودة بسبب تسلط الأقطاعيين و آلقساوسة و الأباطرة على مقدرات الحياة.

هذا التوسع و الأنفتاح سبّب ضعفاً كبيراً في العلاقات الأسريّة و الأجتماعية, و الرّوابط القبلية بدأت تتفكك شيئاً فشيئاً, حتى فقد الأب مركزيته شيئا ًفشيئا و الأم دورها بعكس ما كانا سابقاً, و هكذا خلّفت آلنهضة الأوربية إيجابيات عديدة بجانب سلبيات عميقة في الجانب الأنسانيّ سبّبت تدميراً في العلاقات الأسريّة و الأجتماعية .. ترادفت مع إيجابيّتها الكبيرة بإضطراد في الجانب العلمي و الصّناعي و توسع حركة التجارة, بحيث وصل الأمر في النهاية إلى عزوب الناس عن الزواج أو العيش في ظل العائلة, بسبب تعقيدات الحياة و صعوبة المعيشة و القوانين الكثيرة التي تراكمت شيئا فشيئاً و أرهقت الأنسان الذي إُستُغلَّ بآلكامل لصالح الشركات و البنوك الكبرى.

لم تقتصر تلك التطورات على الغرب, بل إنتقلت بسرعة إلى الشرق أيضاً, لتؤثر بآلصميم في طبيعة العلاقات الأسرية و الروابط الأجتماعية التي كانت تستند على الفطرة و المحبة و الأحترام و حسن آلمعاشرة و الأخلاق الكريمة التي أقرّتها الكتب السّماوية و بشكل أقوى مما كانت عليه في الغرب, إلّا أنّ مدّعي الدّين من الشيوخ و القساوسة و بعد ما غيروا منهج الدِّين و تعريفه لمصالحهم, فقد تسبب ذلك في إندلاع الثورة على مُدّعي الدّين و قوانين الكنيسة, بل أدّتْ النهضة مع تقدم الزّمن و تطور المدنية إلى قلب الأمور بحيث لم تَعُدْ للعائلة أيّة قدسيّة .. و لا للزّواج مكانة بين الشباب, خصوصا بعد حلول (عصر ما بعد المعلومات) مع بداية الألفية الثالثة, حتى لم يعد فيها للزواج معنى, و لهذا نرى أعتماد الغرب على المهاجرين لتغطية النقص الحاصل في عدد السكان. 

لو تفحّصنا علّة الأنقلاب على الزواج و على قيم الدّين و تعاليم السّماء عموماً .. ثمّ مسألة(فصل الدِّين نهائياً عن السّياسة و الأقتصاد), و حتى قبول الناس و رضوخهم لهذا الواقع؛ فأننا نرى بأنّ هناك أسباب رئيسية ثلاثة:

ألأول: أظهار الدِّين من قبل المُدّعين ألمغرضين, بكونهِ يختصّ بطبقة خاصّة, لتقديس بعض الوجوه, حتى أسماه البعض بـ (دين الوجاهة), بينما حقيقة الدِّين هو لمنفعة و صلاح و سعادة عامّة النّاس و لا تختص بطبقة الخواص من دون العوام و بحسب تقسيمات "علماء" الدين التقليديون.

الثاني: نمو و توسّع المصالح (البرجوازية) التي تستدعي التسلط على تفاصيل حياة الناس فرداً .. فرداً, و هذا يتطلب تفكيك العائلة قبل كل شيئ, كي يسهل التسلط و إستغلال الفرد حينما يكون وحيداً و ضعيفاً و تابعاً ذليلاً, و بما أنّ الزواج يُمثل القاعدة الأساسية التي تمدّ الفرد بآلقوة و تشعره بآلأنتماء للجّماعة, لذلك تمّ التخطيط لأنهاء الأسرة .. أو لنقل هكذا فعلت العولمة كتحصيل حاصل – سبب عزوف الناس عن الزواج, و إستُخدم العامل الأقتصادي بشكلٍ فعّال من قبل المنظمة الأقتصادية العالمية لتحقيق ذلك!

ألثالث: إظهار الدِّين و كأنّهُ منبع الأرهاب و الظلم و القتل و هضم حقوق الأنسان خصوصاً المرأة, حيث تفنّنوا في إظهاره – خصوصاً دين الأسلام –  بشكل مؤسف من خلال خلق و دعم الجماعات الأرهابية التي تضم المجرمين و المتعصبين و الشاذين و هي ترفع راية (لا إله إلا الله) للقيام بعمليات القتل و الذبح عبر وسائل الأعلام بإسم الجهاد و تطبيق شريعة الأسلام, ممّا عكس إنطباعاً سيئاً على الأديان السماوية لدى الناس .. و بآلتالي أوجبوا فصل الدّين عن الحياة السياسية, بل و القضاء عليه!

تجدر ألأشارة إلى أن المستكبرين, أشاعوا بداية القرن العشرين دعاية و فتنة خبيثة لضرب عقائد الناس و تسويق العلمانية .. مدّعين بكون الأديان طاهرة و (مقدسة) ثابتة و السّياسة (خبيثة) لا ثوابت فيها .. و لذلك لا يجوز خلط (الطاهر بآلخبيث), بل يجب إبعادهما عن بعض لحفظ قداسة الدين, و أشاعوا مقولة ساذجة مفادها: [ ما لله لله و ما لقيصر لقيصر]!
بل و أمرّ من ذلك أعلن لينين القول: [بكون الدين أفيون الشعوب]. و لا أدري هل عنى بذلك الدين المسيحي فقط أم كل الأديان!؟
المهم إختلطت الأمور و تشابكت الرؤى, و بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين و كان المسلمون في هذا الوسط كبش الفداء على الدوام, خصوصا بعد معاهدة (سايكس بيكو)!

و هكذا حاولوا إبقاؤهُ – أيّ الدِّين - بعيداً عن الحياة السّياسية و الأقتصادية و الإدارية و التربوية, و نجحوا في تحقيق الكثير من خلال تلك الشائعة المغرضة, لكن الأمور تغييرت بعد نجاح الثورة الأسلامية عام 1979م, و ظهر الأسلام كقوة عالميّة تستند على العلم و التكنولوجيا و آلآيدلوجيا, عند ذاك تغيرت القصّة(ألأيقونة), بعد ما تعرض المنهج الغربي لهزات عنيفة , لم تعد مُجدية مقولة[(عدم جواز خلط الطاهر(الدِّين) بآلخبيث(ألسّياسة)]؛ محاولين إظهار الأسلام هذه المرّة, بكونه يُمثل العنف و الأرهاب و الحركات التكفيرية و مصدر قلق للأمن العالمي, و لا بد من القضاء على الدِّين و محوه بشكل خاص و حجبه نهائياً عن الحياة السياسية و الأقتصادية و الأدارية .. ليخلو الجوّ أمام المستكبرين للتلاعب بمقدارت العالم كيفما شاؤوا بلا رادع أو رقيب!

و لهذا أعدّتْ (المنظمة الأقتصادية العالمية), بعد دراسات و مقدمات و إتصالات مكثفة؛ منظمات و أحزاب مختلفة لتلعب دوراً رئيسا في تحقيق ذلك, بحيث لا يعلم حتى الأعضاء المنتمين لتلك الحركات شيئا عن هذا المخطط, و دخلت طور التنفيذ مع عمليات الحادي عشر من سبتمر و تأسيس منظمة (القاعدة) التي تفرّخ منها الكثير من الحركات تباعاً, و بدأت أوّل عملية نوعية و بإشراف المخابرات الأمريكية تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك اللتان أوشكتا على الأنهيار بسبب العمر و تعرض أساساتها للأنهيار, حيث تمّ التدمير بصواريخ خاصة تشبه الطائرة المدنية في شكلها الخارجي, ليضربوا بذلك الحدث الكبير عصفورين بحجر واحد, كما يقول المثل أحدهما أهمّ من الآخر.

إن تلك (المنظمة) التي تُسيطر اليوم على أقتصاد العالم من خلال المال و التكنولوجيا و آلأعلام؛ ترى بأنّ إنتشار (الثورة الأسلامية) و بآلتالي تطبيق تعاليم الأديان السّماويّة الحقيقيّة كآلأسلام؛ يعني سحب البساط من تحت أرجلهم و إنهاء مصالحهم و منافعهم التي بُنيت على النهب و الفساد و القهر و سرقة حقوق الشعوب و الأمم بلا رحمة و لا ضمير بتعاون الأنظمة و الحكومات الوضعية التي وجدت لتحقيق ذلك بغطاء الديمقراطية المستهدفة!

لأنّ الدِّين يُؤكد على تحقق التماسك و آلتآلف الأجتماعي و تحقيق المساواة و (العدالة الأجتماعية), و نبذ ألأنانية و الظلم و الأستغلال و الطبقيّة و الرأسمالية و إحلال القيم و المكارم الأخلاقيّة و التواضع و الأيثار و المحبة بين الناس بدل العنف و الكراهية و الأباحية التي أباحها الغرب لتدمير الأنسان, بينما الأنظمة  الوضعية تعارض ذلك جملة و تفصيلاً, تحت ظلّ ألنّظام ألرّأسمالي ألذي ترعاهُ (آلمنظمة الأقتصاديّة العالميّة), و لا تريد حتى التحدث أو فتح مثل هذه الموضوعات مع الدولة الأسلامية المحاصرة اليوم من كل الجهات, و لهذا رفض النظام الأستكباري دعوة الحكومة الأسلامية بشأن زواج الحضارات التي أطلقها الأمام الخميني بداية الامر ثم دعا له تلامذته في القيادة الأسلامية.

بل و قفلت الغرب جميع الأبواب و أعلنت العداء لكل دعوة إنسانية مخلصة أو إتفاق للتقارب بين الحضارات,  لأنها لا تريد فسح المجال أمام آلدِّين و آلتعاليم السّماوية خصوصا تلك التي تتغذى من منابع الثورة الأسلاميّة كي لا تنتشر في العالم .. بسبب ألعوامل الآنفة التي أوجبت عليهم فصل (الدّين عن السياسة) نهائياً .. بمعنى فصله عن (الأقتصاد)؛ عن (الأدارة)؛ عن (التربية و التعليم)؛ عن القضاء؛ عن كلّ ما يتعلق بآلنظام الأجتماعيّ, بإستثناء حرية العبادات الشّخصية داخل المساجد و المعابد و الكنائس, و هذه الحالة هي من أهمّ و أكبر أسباب محنة الأنسان المعاصر التي سبّبت تحقق (الأصالة الفردية) التي تدفعه إلى تحقيق ذاته فقط بتشجيع و حماية النظام العالمي الجديد الذي يستنزفه من كل الوجوه لأنه لم يعد يحسّ الظلم بقلبه الآثم و وجدانه المُحطم, لأن جلّ وقته و سعيه يصب لتأمين لقمة العيش التي لم تعد سهلة المنال, لهذا يحتاج الكثير من ألنّظر والتركيز لتحقيق مصلحته الفرديّة ضمن توجهات القوانين الغربية الصارمة التي لا يجوز تجاوزها بأيّ شكل من الأشكال!

و النظام الغربيّ إنّما يؤكد و يشجع على الأصالة الفردية و محو الأصالة الأجتماعية و العائلية تقريباً و الأبتعاد عن الزواج الدائم لأسباب إقتصاديّة بحته, مُعتقدين بأنّ العائلة الواحدة المتعاونة تستهلك أقل ممّا لو كانت مفككة, بينما في حالة تفككها تصبح مجموعة من المستهلكين يُمكن إستنزافهم على حدة من كل جانب و مكان, ممّا يزيد من موارد أصحاب الشركات و البنوك و خدمات الأتصال الكبرى, بعد ما يصبح كلّ منهم على أنفراد مستهلك ثابت و مستقلّ بحدّ ذاته.

و نتجية تعقيدات الحياة و صعوبة المعيشة في العواصم و المدن بعد حالات التوسعة و زيادة السكان, و تسلط و تعقيدات النظام الرأسمالي – الدّيمقراطي – فقد تضررت القيم الأجتماعية و الأخلاقية إلى حدٍّ بعيد و أصبح كل فرد يحاول إثبات وجوده و إتباع كافة السّبل للبقاء حياً يتنفس فقط, لذلك تقلصت العلاقات الأجتماعية و أنخفض مُعدّل سنّ الزواج في عام 1912 في باريس إلى 30 سنة, و في العام نفسه في بريطانيا إلى 26, و كان سبب ذلك التأخير في الزواج في المدينة , حتى لم يقبل الكثير منهم الزواج, فمثلاً في عام 1911, لم يقبل 7 ملايين شاب الزواج من أصل 20 مليون شاب, و في كلّ يوم كان يرتفع عدد الهاربين من قيد الزواج, بينما كانت هناك الآلاف من الشابات جاهزات لتلبية الغرائز الجنسية بطرق غير شرعية, إذ كان إنجاب الاولاد مكلفاً و صعباً, فأذا كان بالامكان العيش في الشقق السكنية بدلاً من  البيوت الواسعة؛ فسوف لا يكون الهدف من الزواج إلاّ إرضاء الشهوات و إفراغ الميل الجنسي, و لا يكون له أيّ نفع سوى ذلك(2).

إنّ إخراج المُعتقد الدّيني و العلاقة مع الله تعالى من ساحة الحياة و الأسرة و المجتمع و تقليص دوره في المساجد و الكنيسة و المعابد و الأماكن الخاصة, و كما حدث في الغرب ثم تسرّب للشرق أيضاً عقب النهضة الاوربية - يُعتبر من عوامل هدم و تفكك الأسرة بل و المجتمع الذي تغيير أصوله و هدفه و متبنياته الأخلاقية بشكل لافت و خطير.

يضاف لذلك التفسير ألتجزيئيّ الخاطئ لمفاهيم الأسلام, خصوصاً تلك المتعلقة بحقوق المرأة و الزوجة و  الأطفال, لقد أشاعوا بأنّ الرَّجل هو سيّد الموقف و هو الرّئيس القوّام و هو القائد الأعلى في البيت بلا منازع .. مستدلين بقوله تعالى في سورة النساء: [ألرِّجال قوّامون على النّساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ...](3), و الحقيقة المؤسفة أن معظم المفسرين أخطؤوا في تفسير هذه الآية و قرائنها بما يتلائم مع تسلطهم و شهواتهم, ضاربين بذلك أسس العدالة الزوجيّة أحد أهم أركان الفكر الأنساني و حقوق المرأة من الأساس, و قد صدق من بينهم الفيلسوف الكبير .. أستاذي العظيم (جواد الآملي) حين تفرّدَ بتفسير تلك الآية تفسيرأً علميّاً عادلاً و منصفاً بقوله: [ألمراد الموضوعيّ من هذه الآية مع الأخذ بنظر الأعتبار الآيات المقارنة و دلالاتها, هو إنّ دور الرَّجل في البيت يُعدّ بمثابة ألجُّنديّ الأمين الوفي الواقف على بوابة موضع القائد للدفاع عنه و لدرأ الأخطار الخارجية], و إن الأسلام حدّد لكل منهما مسؤوليات تناسب الوضع السايكلوجي و البايلوجي للمرأة و الرجل, و فضل منهما ذلك الذي يكون عطاؤه أكثر للأبناء و العائلة و بآلتالي للمجتمع.

و قد دعم هذا التفسير أستاذي الفيلسوف الآعظم محمد باقر الصدر(قدس), حين عبّر عن حقوق المرأة في موقف فريد إستوقفني كثيراً, خلاصته أنّ زوجة أحد طُلّابه إشتكتْ عنده من سوء معاملة زوجها لها, و وعدها الأمام الفيلسوف بأنْ يفعل ما أمكنه لمساعدتها على حلّ تلك المشكلة, و عند بدأ جلسة الدّرس اليومي كآلمعتاد, تطرّق آلسّيد ألشّهيد إلى موضوع دور العلاقة الزوجيّة في بناء المجتمع و المعاملة المطلوبة بين الزوجين, و بعد مقدمات قال: [أنا و رغم إني تزوجت منذ سنوات طويلة, لكني للآن لم أستخدم صيغة الأمر مع زوجتي .. كأن أقول لها إعطيني ماءاً أو إجلبي شيئاً, حتى و إن كان لأمر ضروري و واجب, و لكن للأسف أسمع من هنا و هناك بأن آلبعض من الطلبة حتى في الحوزة العلمية يؤذون زوجاتهم و يُسيؤون المعاملة معهن, و هذا شيئ يبعث على الحزن و البعد عن تعاليم القرآن](4).

ألجّدير بآلذكر أنّ إسم الرَّجل ذكر في القرآن 59 مرّة, و كذلك إسم المرأة 59 مرّة مضافاً له سورة كاملة باسم (النساء), ممّا يُظهر أرجحية مكانة و دور المرأة في الهرم الأجتماعي, الذي أصابه التصدع و شيوع حالات الطلاق في كل بلدان العالم. 

إنّ كثرة  الطلاق و النساء و المُطلقات و عزوف الرِّجال عن الزواج في عالم اليوم, و كذلك تصاعد معاناة الأسر المُفكّكة غير التقليدية تُعتبر أفضل مثال على الأسرة آللادينية, و بالمقابل ستكون الأسر  الثابتة و المثالية هي الأسر المُلتزمة ألمتماسكة.

إنّ الفكر اللاديني أو (السكولاريزم) Secularism بصدد حذف الله , و المفاهيم المعنوية عن المجتمع و السياسة و الغرق في فلسفة العزل و الهجران للذين يعيشون في عالمٍ خالٍ من المفاهيم السماويّة, و الروحانية و الوحيانية للحياة, فاللادينية تريد جمود الفكر المعرفي و الوجدان و العاطفة و المحبة, و جلب حياةٍ تتّسم بلذات مادّية مُجردة من كلّ روح و لذة حقيقية.

فعندما إنتشرت العولمة (Globalization)  التي جلبت معها الرؤية اللادينية الكونيّة لم يبق جدوى لتقبل المسؤوليات من قبل الآباء و آلأمهات, و كذلك لا معنى لفرض القيود او الشروط في الزواج, و من الطبيعي أنْ تتقلّص نسبة الزواج , و الولادة في أمريكا و سائر البلدان الغربية, فمع وجود هذا الأساس الفكري و عندما يحكم المنطق السليم لا بد أن نعتمد إرادتنا, و أنْ نتجنبَ الحُلول آلأجتماعية للنظام الدّولي الجديد, و جميع الحكومات آلوضعية.

إنّ الدولة و المجتمع بحاجة إلى آلأطفال, كحاجة إمرأة ريفية من أفغانستان إلى أطفالها, و ذلك لمعاونتها من أجل شيخوختها, و الفرق الوحيد هو: أنّ الانسان المعاصر يفهم هذا الأستدلال متأخراً , و المشكلة تكمن في رؤية الفرد اللاديني بالنسبة إلى آلأطفال, و يُعتبر آلأنجاب بمثابة المخاطرة, و موجباً لهدر الوقت, و خسارة الأموال و المشاكل العصبية, و حلّ الدولة هو أن تدفع مبالغ طائلة لدور آلعجزة و المسنيين, و ليس هذا فقط؛ بل إستمرار الحياة يرتبط بالتوالد أساساً.

إن جذور مشكلات الغرب ترجع إلى تركهم للدِّين و تمسكهم بآلمقابل بأقوال بعض فلاسفة النهضة الأوربية كفوكوياما, و نيتشه الذي قال: [إذا كان الله ميتاً فإنّه يجوز فعل كلّ شئٍ], لذلك إنتشر الفساد و الأباحيّة و آلأعراض عن تحمّل مسؤوليّة الزواج و آلأبناء التي فرضها الله على المسلمين .

إن التبذير و الأسراف و المتطلبات العالية الخارجة عن المألوف تسبب تحمل عبء كبير لمشاكل و متطلبات الحياة على الرّجل, و قد أفضى ذلك إلى تقسيم العمل و آلمسؤوليات آلمالية بين الرّجل و المرأة ممّا زاد الطين بلّةً و التنافس بين الزوجين حِدّةً, و خلق أفكاراً و عقائِدَ حول تحديد النسل, بل إفناء بناء الأسرة شيئا فشيئاً.

 إنّ الأسلام يرى الحلّ لمواجهة الصعوبات المادّية بالقناعة و التدبير و التعاون بجانب السعي لطلب العلم و البناء, و هذه المعايير لم تعد لها قيمة في الحياة المادية الرأسمالية, و بالتالي فأنّ تحديد الضرائب على المُواطنين لا يتوافق مع هذه العقيدة القائلة بتحديد الزواج أو هدم أركان الأسرة, القرآن الكريم يقول : (...إن يكونوا فقراء يُغنيهم الله من فضله)(5), و يكون الضمان بلا عوض من قبل الله, لأنّهُ (واسعٌ عليمٌ), و قد بَيّنَ الرّسول الكريم (ص) ألموضوع بكلّ وضوحٍ بقولهِ :
[من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء بالله الظن], و قال أيضا: [تزاوجوا, تكاثروا, فأني غداً أباهي بكم الأمم](6).

يقول (وول ديورانت): [إنّ الفساد أو الانحراف بعد الزواج في أغلب الأحيان نتيجة للعادات قبل الزواج , و هي راجعة إلى أسباب سطحية قد تؤدي إلى الطلاق مثل : آلاشمئزاز من الانجاب , و التطلع نحو التنوع, و في  هذا اليوم تغيير إصالة الفرد في الحياة الجديدة, و كثرة المحركات الجنسية في المدن و تجارة اللذة الجنسية قد ضاعفتْ هذهِ المشاكل إلى عشرات أضعاف[(7).
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف