الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نظرية الحقول الدلالية وآثرها في التراث العربي

تاريخ النشر : 2017-03-01
 تقديم:
كانت الدلالة تدرس لغايات دينية وفلسفية و... لذلك لم تكن علما مستقلا بذاته كباقي العلوم، كما أنها لم تأخذ مكانة ضمن العلوم بشكل بحت، وإنما بدأت تأخذ أسسها ومبادئها كعلم قائم الذات؛ إذ يعد الفرنسي ميشيل بريل أول من أطلق على هذا العلم: "السيمانتيك" وذلك من خلال مقالة له بعنوان: essai de sémantique، وبعده أصبحت الدلالة تتدارسها علوم مختلفة، ثم إنها أمست ضرورية في كل حقل من الحقول، إلى أن أصبحنا نسمع ب "الدلالة الفلسفية، البنيوية، الاجتماعية...الخ.
فكانت نظرية الحقول الدلالية من بين الاجتهادات الدلالية، بل من بين التطورات التي لحقت بعلم الدلالة، ذلك يعزو إلى حاجة الناس الملحة لفهم دلالة العلامات الكثيرة والمعقدة، التي يتشكل منها الكون.
إذا، تعد نظرية الحقول الدلالية من بين النظريات الدلالية الغربية الحديثة، بيد أن هذه الفكرة لا يمكن أن نعتبرها قطعية، إذ هناك آراء متعددة، تقول بوجود امتدادات للنظرية في التراث العربي، ويكمن رأيهم في أننا نجد أثارها عند العلماء العرب، بداية بالمفسرين والأصوليين وعلماء اللغة والمنطق والفلاسفة. وفي المقابل هناك آراء تقول بفكرة أساس مفادها: أنه بالرغم من أن العرب عرفوا هذه الأبحاث إلا أن تلك الدراسات لم تعرف التبويب والتنظيم في ظل العلمية التي تنشدها اللسانيات، ومرد ذلك أن ما يشغل العرب القدماء آنذاك هو فهم النص القرآني ثم استيعاب معانيه. إذن: ما مفهوم نظرية الحقول الدلالية؟ وما آثارها في الفكر العربي، والدرس اللساني المعاصر؟


1- مفهوم نظرية الحقول الدلالية:
تنطلق هذه النظرية من تصور عام، وهو أن كلمات اللغة لم تضع مبعثرة، وإنما هناك نظام متجانس تكون فيه الكلمات على شكل مجموعات، تحظى كل مجموعة بمجال مفاهيمي يسمى ب" الحقل الدلالي"، بحيث إن هذا الأخير يتأسس على جمع الكلمات التي تكون لها معاني متقاربة، ذات السمات الدلالية المشتركة، ثم جعلها تحت لفظ عام وشامل يجمعها. مثلا: ألفاظ القرابة إذ توضع تحت لفظ عام وشامل يجمعها، وهو حقل القرابة وقس على ذلك.
إن عملية جمع الكلمات وتصنيفها ضمن حقل دلالي يستدعي خطوتين:
1- جمع المادة اللغوية ثم تصنيفها إلى حقول دلالية.
2- دراسة العلاقات الدلالية بين كلمات كل حقل.
2- نشأة نظرية الحقول الدلالية.
2-1: عند الغرب.
بدأت إرهاصات ظهور نظرية الحقول الدلالية من استعمال العلماء "الحقل" بشكل عام، ثم بدأت الفكرة تتطور شيئا فشيئا مع علماء من أمثال: هيمبولدت 1967 وهوردر 1855 وماير 1910، هذا الأخير الذي عد أول من وضع أفكارا بشكل منظم في هذا السياق.
وفي ظل هذه الإرهاصات انتبه اللغويون المحدثون إلى أن هذه الأفكار والمحاولات لم تكن لغوية بحتة. وبقيت غامضة المعالم، وبالتالي لم تشكل بداية حقيقة لنظرية الحقول الدلالية، ما جعلهم يرجعون بدايتها إلى اللساني السويسري فرديناند دي سوسير؛ إذ إنه أشار إلى أن الكلمات تندرج ضمن نوعين من العلاقات:
- علاقات مبنية على التشابه والتقارب من حيث اللفظ؛ ك" تعليم، تعلم.
- علاقات مبنية على التشابه في المعنى؛ ك" تعلم، تربية، تكوين. كما أن سوسير عرف اللغة على أنها" نظام من العلامات وأنها نسق، بمعنى أن هذه الكلمات لا يمكن أن تأخذ دلالتها إلا داخل النظام، ثم إن معنى الكلمة يتحدد من خلال علاقتها بالكلمات الأخرى. وهذا ما مهد الطريق أمام علماء الدلالة خاصة. ما ناجم عنه ظهور نظرية الحقول الدلالية كنظرية علمية.
‘‘وبرزت بعد نظرية سوسير عدة نظريات رائدة في مجال استنباط العلاقات الأساسية بين الأدلة واضعة معايير مختلفة، من ذلك:
أ- بناء حقول دلالية باعتبار العلاقات التراتبية من الأدلة اللغوية؛ كنسبة الفرد إلى الجنس، خضوع الجزء إلى الكل، خضوع الخاص للعام، من أمثلة ذلك: رأس/جسم، يدن زيد/ رجال.
ب- وضع حقول دلالية بناء على علاقة التقابل أو التضاد، مثال ذلك: ليل/ نهار، موت/ حياة . وهناك علاقات دلالية أخرى؛ كالتدرج أو التعاقب، ثم الترادف...الخ.
لقد مثلت نظرية الحقول الدلالية دورا مهما في حل جملة من المشكلات التي تعانيها المعاجم اللغوية، فاقترحت حلولا من بينها" الكشف عن الفجوات المعجمية التي توجد داخل الحقل الدلالي...أي عدم وجود الكلمات المناسبة لشرح فكرة معينة، كذلك إيجاد التقابلات وأوجه الشبه والاختلاف بين الأدلة اللغوية داخل الحقل الدلالي الواحد .
ومنه، فإنه لا يمكن أن نحصر إيجابيات النظرية في ما ذكرناه، ويعزو ذلك لما تقدمه من مساعدات للكاتب في حسن اختيار الألفاظ المتناسقة والمنسجمة والموضوع أو الرسالة.
2-2: في التراث العربي.
كنا قد أشرنا في ما سلف أن نظرية الحقول الدلالية تجد جذورها في التراث العربي القديم؛ بداية بالأصوليين والمفسرين واللغويين، بحيث إن العرب ألفوا المعاجم اللغوية عامة، ومعاجم المعاني على وجه الخصوص. وكانت معاجم المعاني في البداية عبارة عن رسائل صغيرة في موضوعات مختلفة، إذ كل موضوع يضم مجموعة من الألفاظ يجمعها مشترك لفظي، والموضوع بمثابة الوعاء الذي تصب في الكلمات، التي تدخل ضمن معنى واحد.
إن الدافع الأساسي من تأليف المعاجم في تلك الفترة هو التأليف المعجمي، ومر هذا الأخير من ثلاث مراحل:
" المرحلة الأولى: قام خلالها العلماء بجمع كلمات اللغة كيفما اتفق دون أن يتبعوا طريقة محددة...
المرحلة الثانية: وفيها تم جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في موضع واحد، وقد وضعت في هذه المرحلة كتب يمكن تسميتها ب" كتب الموضوعات ".
المرحلة الثالثة: إذ تعد هذه المرحلة من المراحل الأساسية في تأليف المعاجم؛ ففي هذه المرحلة ظهرت كتب المعاجم بدقة وعلمية وحسن الترتيب والتبويب، كمعجم العين للخليل الفراهيدي.
بناء عليه، لا يمكن أن ننكر أن العرب القدامى قد فطنوا إلى تصنيف الألفاظ في حقول دلالية منذ وقت مبكر، على الرغم من أنهم لم يستعملوا المصطلح كما استعمل حديثا لدى الغربيين.
وبهذا يصعب على الدارس أن يفصل بين المعاجم العربية ونظرية الحقول الدلالية نظرا لشدة الشبه بينهما. وفي هذا السياق يقول عمر أحمد مختار: "يلفت النظر- إلى حد كبير- الشبه الواضح بين معاجم الحقول الدلالية الحديثة ومعاجم الموضوعات القديمة(في اللغة العربية) فكلاهما يقسم الأشياء إلى موضوعات وكلاهما يعالج الكلمات تحت كل موضوع، وكلاهما قد سبق بنوع من التأليف الجزئي المتمثل في جمع الكلمات الخاصة بموضوع واحد ودراستها تحت عنوان واحد .
وبهذا يمكن القول بوجود شبه جلي بين معاجم المعاني ونظرية الحقول الدلالية. ما نستشف منه وجود شبه كذلك، في طريقة الاشتغال ثم في تصنيف الألفاظ، والنظر إلى علاقتها بعضها ببعض والحقل الدلالي ككل.
فاللغويون العرب اعتنوا بجمع الألفاظ‘‘ التي تتحدد موضوعاتها في كتب مستقلة، كالخيل والإبل والطير والجراد والمطر والنخل والسلاح وخلق الإنسان والنبات والزرع والأنواء والأزمنة .
من أشهر المؤلفات:
أ- خلق الإنسان: للأصمعي (216ه). تناول فيه أحوال الإنسان قبل ولادته، ثم وصف جسم الإنسان كاملا، وأكثر فيه من الشعر والأخبار.
ب- خلق الإنسان لأبي محمد ثابت بن الكوفي (250ه): هو كتاب شامل، تناول فيه كل عضو من أعضاء الإنسان.
لما كان الحيوان يتسم بمنافع كثيرة في حياة العرب وصلتهم به، فألفوا مؤلفات عدة تتناول الحيوان من حيث أسماؤه وأسنانه وأوصافه وطعامه وشرابه ودواؤه...الخ.
ومن تلك المؤلفات:
أ- كتاب الإبل للأصمعي؛ إذ تناول فيه أسماء الإبل وألوانها وأمراضها .
ب- خلق الفرس لأبي عبد الله محمد بن زياد الأعرابي(ت 332ه).
ج- كتاب الخيل للأصمعي.
والكتب في هذا الباب كثيرة، هذا دليل على مدى استيعاب العرب القدامى لطرق التعامل مع اللغة، من حيث تصنيفها وتبويبها... إلى جانب الاهتمام بدلالات الألفاظ ومعانيها لفهم القرآن الكريم.
في هذا السياق تجدر الإشارة إلى‘‘ أن الدراسات اللغوية العربية الحديثة لم تعرف المصطلح إلا بعد اطلاعها على الدراسات اللغوية الغربية...على الرغم من أن الدراسات العربية قد عرفت الحقول الدلالية تطبيقا وإجراء في أكثر من مصدر وعبر قرون متعاقبة .
خاتمة:
خلاصة القول، إن نظرية الحقول الدلالية أضافت الكثير إلى مجالات معرفية، ثم أضحت وسيلة لفهم دلالات النصوص وتحليل شخصية الكاتب في مجال النقد الأدبي. كما أنها تعد الوعاء الذي ينهل منه الكاتب الألفاظ
المتجانسة التي تخدم موضوعه.
3- نظرية الحقول الدلالية في قصيدة أنشودة المطر:
تحليل قصيدة "أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب في ظل نظرية الحقول الدلالية.
القصيدة مصنفة في ديون السياب" أنشودة المطر" الذي طبع سنة 2013.
أ- حقل أعضاء الإنسان: إذ استعملت الألفاظ الدلالة على الإنسان وأعضائه من مثل: العين، اليدين، فم...الخ.
ب- حقل الظلام: السواد، السحر، الخوف، المساء، النوم، الحزن، الضياع، الوحدة، الليل، الرحيل...الخ.
إن الكلمات التي تدخل ضمن حقل الظلام، يمكنها أن تكون حقلا دلاليا داخل القصيدة؛ فالحزن مثلا يحضر كحقل واحد داخل القصيدة: الأسى، الموت، البكاء، اللحود...الخ.
- العلاقات بين ألفاظ حقل الحزن:
1- الترادف: الأرق، الغرق، الخوف، الصمت، الدموع، البكاء.
2- الاشتمال:
شامل الحزن البكاء الموت الليل
مشمول الأسى الدموع اللحود الظلام

3- علاقة الجزء بالكل:
الدموع تدل على البكاء.
البكاء يدل على الحزن.
ج- حقل النور: النهار، القمار، النجوم، الضياء، الشروق...الخ.
-علاقة تدرج: الشروق، الضياء، النهار.
د- حقل الموت: اللحود، الموتى، الردى، البكاء، الروح.
ه- حقل الإنسان: الأطفال، البشر، العبيد، الرجال.
- علاقة اشتمال:
الشامل البشر
المشمول العبيد الرجال

و- حقل الطبيعة: الغابة، النخيل، الشتاء، الخريف، العصافير، الشجر، المياه، البحر، السهول، الجبال...
- علاقة اشتمال:
الشامل: الغابة
المشمول: النخيل، الشجر.
- علاقة تضاد، السبب والمسبب: سحاب/مطر...الخ.
ز- حقل السماء: القمر، النجوم، الضباب، الغيوم، السحاب، البرق، الرعد...الخ.
- علاقة ترادف: الضباب: الغيوم، السحب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- منقور عبد الجليل، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، منشورات دمشق 2000، ص: 80.
- المرجع نفسه، ص: 81.
- صفية بوقنة: معاجم المعاني في اللغة العربية، فقه اللغة وسر العربية للثعالبي أنموذجا، 2014-2015، ص: 14.
- أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ط 5، 1998، ص: 108.
- أحمد بن عبد الله الباتلي: المعاجم اللغوية وطرق تبويبها،ط 1992، ص: 15.
- أحمد عزوز: أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2000، ص: 12.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف