عاشق حرّيّة
عاشقُ بحرٍ ، خرج من أعماقِ اليابسة ، من ترابٍ شقّقَه العطش وأرضٍ جافّةٍ تئنُّ جوعاً الى نقطةِ ماء.
العاشقُ هو الإنسان العربيّ والبحرُ المعشوق هو الحرّيّة.
لم تكن الحياة بما نشتهيه قبل سنوات مضت، سمعنا عن الحريّة، درسنا وقرأنا عنها، شاهدناها في إعلامٍ موجّه، حلمنا بها الى أن وصلت الى عقر دارنا دفعةً واحدة ومن مصادر عدة ... فانبرى أكثرنا يلقي بنفسه في عباب أيّ مجرى حريّة يجده دون أن يعبأ بما سيواجهه خاصةً وأنهّ لا يجيدُ "السباحة" وما تعلمّها يوماً .
لم أكن لأشبّه الحريّة بالبحر الهادر لو لم أرَ ما وصلنا اليه اليوم من تخبّطٍ بشريّ هائل على كافّة المستويات وعلى شكل أنواء مختلفة تدعى: حريّة .
هذه الكلمة الرنّانة التي حُفرَت في ذهنِ كلّ تلميذ ، نوديَ بها على كلّ منبر وطالب بها كلّ كبيرٍ وصغير.
الحريةّ هذا الموضوع التعبويّ الذي ألقيَ لشعوبنا كلعبة مسليّة حيناً أو كهدف للنضال والجهاد وأكثر الأحيان كقضية إنسانيّة كبرى تحارب الشعوب في سبيلها.
بيد أنّ للحريّة دلالات أوسع مما نؤطرها به ، فهي تبدأ أولاً في الفكر وما لم يتحرّر الفكر من كل ما يحدّ من إعمال العقل فيه ستكون الحرية ، كما غيرها من المفاهيم، سيفاً ذا حدّين تتقاذفه العصبيات وتتنازع عليه سلطات المال والسياسة والدين .
لا شكّ أن الحريّة قيمة عظيمة ولا حياة دون حرية لكنها قد تصبح خطرة إن لم تكن حريّة مسؤولة مقترنة بالوعي والأخلاق والإلتزام الأدبي بالقيم والمبادىء العامة.
بدأت الحكاية عندما زُرِعت في عقولنا أفكار غريبة هجينة تتفلتّ من كلّ قيدٍ ونظام وقانون. واعتقدنا أنّها السمت المتّبع في البلدان المتقدّمة كلها، وعندما خرجنا الى العالم أدركنا أنّها عادات وأفكار الفئات المنحلةّ والفاسدة فحسب وليست سائدة على المجتمع الغربي بأكمله. بل إنّ بعض المجتمعات محافظة وملتزمة دينيّاً وأخلاقيّاً أكثر من بعض فئات مجتمعاتنا المتخبّطة بين القديم
البالي والجديد المبهر .
إنطلقَتْ شعوبُنا أشواطاً بعيدة وسريعة في الحرية اللامسؤولة وكما يُقال بالعاميّة )فلت المْلَقّ ( أو )ضاعت الطاسة( وأضعنا بوصلة المقاييس وعلى كافة المستويات.
إنتقدنا الضوابط ، تلاعبنا على القوانين، طالبنا بالوصول الى أمورٍ لا شأن لنا بها، الى أماكن لا تناسبنا، تخطيّنا الحواجز الأخلاقية والدينية والإجتماعيّة وتركنا أماكننا شاغرة فارغة ليحتلها من لم يكن يحلم بالوصول اليها.
واتّكلَ أصحاب الشّأن والمرجعيات الكبيرة على الضوابط الشّخصية للبشر ونسوا اولئك الذين لا يعرفون حدودهم ولا ضوابط لديهم وهم مهووسون بالعظمة والشهرة والتفرّد والأنانيّة.
وكما النار في الهشيم ، انتشر الفساد نتيجة غياب المرجعيّات المسؤولة وسقوط المؤسسات الراعية التي من شأنها بناء بيئة صالحة للإنسان ، بيئة واضحة المبادىء والمفاهيم يرتقي بها الى درجات من الوعي والحريّة بالحد اللازم والضروري الذي يجعله قادراً على الحفاظ على هويته الثقافية وحماية شخصيته من التفكك الناتج عن العولمة وثورة المعلومات.
قال الأميركي توماس جيفرسون :
"عندما تخشى الحكومة الشّعب ، هناك حرية .
عندما يخشى الشّعب الحكومة هناك طغيان".
غابت العدالة وحق الشّعوب في المحاسبة فلا حكومات تخشى شعوبها.
حالُنا الآن يتخبّط في مستنقع حرية زائفة مستوردة لا تشبهنا ولا تفي حاجاتنا وقد أمسينا على فوضى بين الطغيان والحريّة قد لا ينقذنا منها سوى القانون ... والعبرة في تنفيذه .
نازك الحلبي يحيى
أوهايو أميركا
عاشقُ بحرٍ ، خرج من أعماقِ اليابسة ، من ترابٍ شقّقَه العطش وأرضٍ جافّةٍ تئنُّ جوعاً الى نقطةِ ماء.
العاشقُ هو الإنسان العربيّ والبحرُ المعشوق هو الحرّيّة.
لم تكن الحياة بما نشتهيه قبل سنوات مضت، سمعنا عن الحريّة، درسنا وقرأنا عنها، شاهدناها في إعلامٍ موجّه، حلمنا بها الى أن وصلت الى عقر دارنا دفعةً واحدة ومن مصادر عدة ... فانبرى أكثرنا يلقي بنفسه في عباب أيّ مجرى حريّة يجده دون أن يعبأ بما سيواجهه خاصةً وأنهّ لا يجيدُ "السباحة" وما تعلمّها يوماً .
لم أكن لأشبّه الحريّة بالبحر الهادر لو لم أرَ ما وصلنا اليه اليوم من تخبّطٍ بشريّ هائل على كافّة المستويات وعلى شكل أنواء مختلفة تدعى: حريّة .
هذه الكلمة الرنّانة التي حُفرَت في ذهنِ كلّ تلميذ ، نوديَ بها على كلّ منبر وطالب بها كلّ كبيرٍ وصغير.
الحريةّ هذا الموضوع التعبويّ الذي ألقيَ لشعوبنا كلعبة مسليّة حيناً أو كهدف للنضال والجهاد وأكثر الأحيان كقضية إنسانيّة كبرى تحارب الشعوب في سبيلها.
بيد أنّ للحريّة دلالات أوسع مما نؤطرها به ، فهي تبدأ أولاً في الفكر وما لم يتحرّر الفكر من كل ما يحدّ من إعمال العقل فيه ستكون الحرية ، كما غيرها من المفاهيم، سيفاً ذا حدّين تتقاذفه العصبيات وتتنازع عليه سلطات المال والسياسة والدين .
لا شكّ أن الحريّة قيمة عظيمة ولا حياة دون حرية لكنها قد تصبح خطرة إن لم تكن حريّة مسؤولة مقترنة بالوعي والأخلاق والإلتزام الأدبي بالقيم والمبادىء العامة.
بدأت الحكاية عندما زُرِعت في عقولنا أفكار غريبة هجينة تتفلتّ من كلّ قيدٍ ونظام وقانون. واعتقدنا أنّها السمت المتّبع في البلدان المتقدّمة كلها، وعندما خرجنا الى العالم أدركنا أنّها عادات وأفكار الفئات المنحلةّ والفاسدة فحسب وليست سائدة على المجتمع الغربي بأكمله. بل إنّ بعض المجتمعات محافظة وملتزمة دينيّاً وأخلاقيّاً أكثر من بعض فئات مجتمعاتنا المتخبّطة بين القديم
البالي والجديد المبهر .
إنطلقَتْ شعوبُنا أشواطاً بعيدة وسريعة في الحرية اللامسؤولة وكما يُقال بالعاميّة )فلت المْلَقّ ( أو )ضاعت الطاسة( وأضعنا بوصلة المقاييس وعلى كافة المستويات.
إنتقدنا الضوابط ، تلاعبنا على القوانين، طالبنا بالوصول الى أمورٍ لا شأن لنا بها، الى أماكن لا تناسبنا، تخطيّنا الحواجز الأخلاقية والدينية والإجتماعيّة وتركنا أماكننا شاغرة فارغة ليحتلها من لم يكن يحلم بالوصول اليها.
واتّكلَ أصحاب الشّأن والمرجعيات الكبيرة على الضوابط الشّخصية للبشر ونسوا اولئك الذين لا يعرفون حدودهم ولا ضوابط لديهم وهم مهووسون بالعظمة والشهرة والتفرّد والأنانيّة.
وكما النار في الهشيم ، انتشر الفساد نتيجة غياب المرجعيّات المسؤولة وسقوط المؤسسات الراعية التي من شأنها بناء بيئة صالحة للإنسان ، بيئة واضحة المبادىء والمفاهيم يرتقي بها الى درجات من الوعي والحريّة بالحد اللازم والضروري الذي يجعله قادراً على الحفاظ على هويته الثقافية وحماية شخصيته من التفكك الناتج عن العولمة وثورة المعلومات.
قال الأميركي توماس جيفرسون :
"عندما تخشى الحكومة الشّعب ، هناك حرية .
عندما يخشى الشّعب الحكومة هناك طغيان".
غابت العدالة وحق الشّعوب في المحاسبة فلا حكومات تخشى شعوبها.
حالُنا الآن يتخبّط في مستنقع حرية زائفة مستوردة لا تشبهنا ولا تفي حاجاتنا وقد أمسينا على فوضى بين الطغيان والحريّة قد لا ينقذنا منها سوى القانون ... والعبرة في تنفيذه .
نازك الحلبي يحيى
أوهايو أميركا