الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المتحالفان "الصحراء والبحر" في ديوان "بين غيمتين" سليمان دغش بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2017-02-25
المتحالفان "الصحراء والبحر" في ديوان
"بين غيمتين"
سليمان دغش
أحيانا يسعفنا الوقت/الظرف ونستطيع الخروج من عجقة الحاضر وما في سرعة وكثرة الاصدارات الأدبية، فكل يوم هناك عمل أو أكثر يظهر للحياة، حتى بتنا لا نستطيع متابعتها، بالأمس القريب قدم لي الروائي "محمد عبد الله البيتاوي" دوان شعر "بين غيمتين" وقد وجدت فيه متنفس للهروب/الابتعاد قليلا إلى اصدارات القرن الماضي، وكأن هناك قوة تدفعني إلى ما كتب قبل أكثر من عشرين عام، ولا أدري لماذا يوجد هذا الحنين لما كتب في الماضي وليس ما يكتب الآن، ويمكن أن هناك شيء من الظلم وقع للأدباء وللأعمال الأدبية التي صدرت، فلم تأخذ حقها من النقد أو المتابعة والتحليل كما هو الآن، والآن نحاول أن ننصفها بعض الشيء، رغم أن منتجوها كتبوا بعدها الكثير، لكن لا بأس من التوقف قليلا والتأمل لعلنا نجد فيها شيء أفضل وأجود مما هو موجود بين أيدينا الآن.
هناك عقدة عند الفلسطيني من الصحراء، يمكن لأنها ابتلعت العديد من الابناء، إن كان أثناء البحث عن عمل في دول الخليج، أو أثناء محاولة العودة إلى الوطن، وقد كانت رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني أثرا في هذه النظرة السلبية، لكن البحر بقى يحمل صورة الفرح والحرية والفضاء الواسع، فهو يمثل بهجة المدن الساحلية، كيافا وحيفا وعكا وغزة، وقد يذكرنا البعض برواية "السفينة" لجبرا إبراهيم جبرا والتي تتحدث عن هجرة الفلسطيني في البحر، قائلا: لماذا لا يكون ـ أيضا ـ متماثل مع الصحراء في ابتلاع الابناء؟، نقول للبحر رونقه الخاص، فهو بطبيعته جميل، ويريح النفس، وكان يمثل العوالم البعيدة والمجهولة للفلسطيني، وكانت مصدر الخير المادي والمعرفي أيضا، فأردناه أن يبقى نقيا صافيا بعيد عن التلوث/السواد الذي اصابنا، ولأنه يذكرنا بما كانا عليه من هناء ونعيم قبل أن نبتعد عن الوطن مجبرين.
في هذا الديوان هناك ذكر كثيف للصحراء وللبحر، يبدأ الشاعر ديوانه بقصيدة "مدخل":
"لماذا اخترت أن تمضي
إلى أفق ضبابي
كصاعقة
من الومض
لماذا اخترت
أن تتزوج الأمواج
حين الموج لا يفضي
إلى رمل نحاسي
وشباك
أطل عليه في نبضي...
لماذا اخترت أن تتقمص الاعصار
أو تتزوج الفضي؟..
لأني اخترت أن ابقى على أرضي" ص 7-9، حضور البحر لم يأتي صريحا، بل جاء من خلال صفاته، خصائصه، ما يقام عليه/فيه من أعمال "الأمواج، فضي، شباك، " فالبحر هو الحاضر الأهم في ولهذا كانت الفقرة الأخيرة " لأني اخترت أن ابقى على أرضي" فالوطن والبحر هما مكملان لبعضهما، فليس هناك وطن دون البحر، لهذا وجدناه بهذا الحضور القوي.
البحر يمثل قوة ومنعة للفلسطيني، فهو ليس جغرافيا وحسب، بل أداة لقهر العدو، سلاح نقاتل به، نزيل به التشويهات التي حدثت على الأرض، هذا ما جاء في قصيدة "أيوب":
"...
آه
يافا القديمة
إنني
آتيك ليلا
كي نمارس عشقنا البدوي
فوق الرمل
أدخل شعرك الغجري
أمسح
أحمر الشفتين
والكحل المزيف
ثم ألقي
في مياه البحر
قبعة
تسمى
تل ـ أبيب..!!" ص16و17، لهذا تعامل الشاعر مع البحر بإيجابية، فهو مصدر من مصادر القوة، وهو من يقربه من حبيبته "يافا" ويلغي/ينهى وجود تلك التي "تسمى تل أبيب"
علاقة البحر بالمدن الفلسطينية علاقة أبدية، علاقة الحياة، فبدون البحر ما كانت لتلك امدن أن تكون بذاك الجمال:
"هل أنت
درتي الوحيدة
والفريدة
كي تخبئك البحار
ويشتهيك القادمون من البعيد" ص19، لهذا اعتقد بأن البحر كان وسيبقى جميلا وبهيا، فهو أكثر من شيء مادي، جغرافي، هو مكون أساسي من مكونات فلسطين، لهذا هو جزء منا، من حياتنا.
قصيدة "بين ليل ونهار" قصيدة خاصة عن البحر، فهو الملاذ إذا "ضاق الأرض بما رحبت"، وهو المخلص وقت الشدة، وهو من سيبعد/سيأخذ عنا ما جاءوا بحرباهم وأخذوا مكانا، هو ليس بحر وحسب بل أقرب إلى إله، يفعل المعجزات، ما لا نستطع نحن أن نفعله:
"يرحلون الآن
عنا
ويعودون قليلا
باتجاه البحر
كان البحر جاري
كلما ضاقت بي الأرض
رميت البحر
في روحي
وأعلنت
انتشاري
يرحلون الآن
عنا
ويعودون إلى البحر
طواويس انكسار
أيها البحر الذي
يشهد
ميلادي
وموتي
واحتضاري
ربما تذكر
إن عدت يوما
ربما يذكر شباك داري..؟
يرحلون الآن عنا
ولنا صحو قليل
كي نغني..
للفدائي
الذي يحمل من خمسين عام
قلبه الدامي
ويافا
للأمام
للفدائي
الذي عاد على برق ونار
يرحلون الآن عنا
ولنا صحو قليل
كي نغني للذي
أعلا بلادا للسماء
ومضى للقدس
مثل الانبياء
بين ليل ونهار
يرحلون الآن عنا
ولنا
أن ندخل الآن إلى ساحاتنا الأولى
عصافير انتظار
ولنا
أن نحلم الآن ببحر واسع
كالرمل فينا..
وبرمل دافئ للهو حينا
وبأصداف ودر في المحار
وبموج
وليس للموج خيار
آخر
عندما يخرج بحر بقرار..
يخرجون الآن منا
يرحلون الآن عنا
ويعودون قليلا باتجاه البحر
ليت البحر جاري
كلما ضاقت بي الأرض
رميت البحر في قلبي
وأعلنت انتشاري...
أيها البحر الذي يشعل ناري..
ربما .. تحملني إن عدت يوما
موجة جذلى
إلى بيتي ... وداري.." ص55- 63، قلنا في موضع غير هذا أن الطبيعة والمرأة والكتابة كلها عناصر تخفف من وطأة الضغط على الشاعر/الكاتب، وهنا يؤكد الشاعر "سليمان دغش" هذا الأمر، فنجده يتجه نحو البحر لتخلص من القسوة الواقع، لكنه لا يتعامل معه كجماد، كشيء خارجي، بل ككائن حي، كشيء مكمل لجسده، كشيء من الروحي التي تمنح الجسم الحياة والحيوية، فبدون الروح/البحر لا توجد هناك حياة، "كلما ضاقت بي الأرض رميت البحر في روحي وأعلنت انتشاري" لكن البحر ليس مهدئ للشاعر وحسب، بل سبب توتره أيضا، ابتعاده عن البحر، عدم قربه من البحر، يجعله يضطرب ويتوتر، لهذا نجده يخاطبه في آخر مقطع قائلا: " أيها البحر الذي يشعل ناري.. ربما .. تحملني إن عدت يوما موجة جذلى إلى بيتي ... وداري.." إذن هناتك علاقة جدلية بين الشاعر والبحر، فهو الحياة/الغاية/الوسيلة لكل أسباب الراحة والسكون.
اعتقد أن هذه القصيدة تحمل شيئا من مأساة أولئك الذي ابتلعهم البحر بعد "الخراب العربي" ولو أن الشاعر نشر هذه القصيدة الآن وعدل في بعض أبياتها لكانت من أهم القصائد التي تتحدث عن مأساتنا حاليا.
كما أخذ البحر مكانته في الديوان، نجد أيضا مكان للصحراء، وقد خصص الشاعر قصيدة "للصحراء أن تقرأ كفي" والتي جاء فيها:
"للعصافير التي
تحلم في صحراء ظلي..
لنخيل قادم
من عطش الرمل
إلى طقس التدلي
للقناديل التي
أطفأها البأس فنامت
(كالتعاويذ)
على حيطان أهلي
لبلاد أشتهيها وبلاد تشتهيني
أعلن الآن التجلي
في دمي
من آية الكرسي
ما يكفي لكي أنجو
وكي أرجو
من الصحراء أن تعقد صلحا
يسند الراية في كفي
ويعلي
نرجسا في الروح
هل للروح
أن تصهل فينا
قبل أن تغتسل الصحراء
من دمي وهمي
قبل أن تعترف الصحراء
أني قادم من غسق الليل
إلى برق ضروري
وأن الريح خيلي" ص107-110، صورة الصحراء مغايرة تماما لصورة البحر، فهي شيء خارجي، ليس له علاقة روحية بالشاعر، وهي ليست نقية/بيضاء كما هو حال البحر، لهذا أقرن وجودها النقي بهذا الفعل "هل للروح أن تصهل فينا قبل أن تغتسل الصحراء من دمي وهمي" فهي بالمطلق سوداء، لهذا أرادها أن تغتسل، لكن ليس بالماء ولكن بالدم، ففعل الاغتسال يمثل الانتقال من الحالة السلبية إلى الايجابية، فهي لكي تتغير من سلبيتها عليها أن تغتسل ليس بما هو عادي ـ الماء ـ ، بل بما هو موجع، الدم، وكأنه الشاعر يقول بأن الصحراء لا يمكن أن تكون طاهرة إلا بحدث عظيم وقاسي.
وإذا توقفنا عند الألفاظ التي استخدمها الشاعر في هذه القصيدة سنجد غالبيتها تمثل القسوة "الصحراء، عطش، أطفأها، البأس، دمي" وكأن هناك أثر وضعته الصحراء في لغة الشاعر، جعلته يستخدم هذا الألفاظ القاسية.
الديوان من منشورات دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 1997.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف