ذلك العجوز
بين هدير مركباتها و ضجيج صباحها ، تَصحو معشوقة الشمس بعد أن زَرعت نُجوم الليل في أهلها الأمل و الألم ، تُوقظ الملائكة أطفالها شيبها و شبابها ، تَمتلئ شوارع المدينة على أمل ، و بين الأمل و الألم قلب الميم باللام ، صباح يملئ الطرقات ، صباحُ الياسمين بلا زهر ، صباحُ اطفال المدارس و قد رَسمو على كراريسهم بسمةَ وطن ، صباحُ أُمٍ توقد النار تحت الحطب
صباحُ الخير يا وطن..
صباحُ العامل بلا عمل ، صباحُ المسافر بلا سفر ، صباحُ الفقر وقد انتشر ، صباحُ مريضٍ على سَريرِ الموت يَحتضر ، صباحُ فلاحٍ أشجاره تُقتلع .
صباحُ الخير يا وطن..
صباحُ صَوت المذياع بين البي بي سي و مونتيكارلو صباحُ اذاعات الوطن ولسانها بين هدم و تدمير ، اغلاق و تهويد ، قتل و تشريد ، شجب و تنديد ، معتقل و اسير ، وليس افضل حَال العرب
صباحُ الخير يا وطن..
الآن الآن وليس غَداً بصوتها فيروز تُنادي و نَشيد بِلادي تائه بين جانبي الوطن يُنادي بِحق القسم تحتَ ظِل العلم
صباح الخير يا وطن ..
في صباحاتها يَكاد لا يسمع في المدينة سِوى الضجيج و ضربات ذَلك العُكاز الخَشبي ، مَشية العجوز التسعيني الواثقة و الكُوفية المُرخاة على منكبيه ، ضَربات عُكازِه لا أدري مَصدرها صَوت العُكاز ام صوت الارض ، تِلك الضربات كأنها الحان الحياة و نبض باطنها ، معزوفة عشق لتراب وطن اثخنته آلام الزمن ، كأنها تَروي التاريخ لِتُنهضَ المستقبل ، كأن ذلك العجوز يُريد أيقاظ الارض بما عليها من حجر و شجر و بشر .
حين سألته لماذا لم تهزم قال " إن هذه الارض تَعيش بِداخلي فَكيك لإثنان أن يُهزما معاً"
رُغم الألم لا زال هنالك أَمل
صباحُ الخير يا وطن..
بقلم المحامي كنعان معتز الصوراني