الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في الذكرى الأولى لرحيل الوالد المربي الكاتب والمناضل بقلم:عبد القادر ابراهيم حماد

تاريخ النشر : 2017-02-25
في الذكرى الأولى لرحيل الوالد المربي الكاتب والمناضل
ذكريات عطرة من سيرته النضالية
د. عبد القادر ابراهيم عطية حماد
أستاذ مشارك في جامعة الأقصى
غزة- فلسطين

كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بقليل، عندما استيقظت وباقي أفراد العائلة على صراخ وطرقات عالية على باب المنزل، لنجد عشرات الجنود المدججين بالأسلحة الرشاشة وقد انتشروا في مختلف أنحاء المنزل بعد أن احتجزوا والدي المربي الفاضل ابراهيم عطية حماد " أبو جمال" رحمه الله في أحد الغرف في المنزل، بينما كنا نسمع صراخ الجنود عليه أثناء استجوابه.
لم يكن ذلك مسلسلاً تراجيدياً أو مشهداً عبثياً، بل كان حدثاً حقيقياً مازلت أتذكره بكل تفاصيله حتى الصغيرة منها رغم أنني في ذلك الوقت لم أتجاوز الخامسة من عمري، حيث انفجرت باكياً بصوت مرتفع وأنا أردد بعفوية " بدي أبويا" قبل أن يتقدم أحد الجنود الذي ما زلت أتخيله بعد مرور عدة عقود من الزمان: كان أبيض البشرة، طويل القامة، شمر عن ساعديه بطريقة توحي بالقوة، وطلب من والدتي " أم جمال" رحمها الله أن توقفني عن الصراخ والا فإنه سيطلق النار علي... فما كان من والدتي الا أن احتضنتني بقوة وهي تقول: ألا يوجد في قلوبكم رحمة؟، أليس لديكم أطفال؟ لماذا تريدون حرمان الطفل من أبيه؟.
ولم تفلح محاولات أمي في ثني جنود الاحتلال عن احتجاز والدري بل تعمدوا احتجاز شقيقي الكبيرين في أحد أركان المنزل بعيدا عن باقي أفراد العائلة، قبل أن يقتادوا والدي في أحد السيارات العسكرية الذي كنا نسميه " البور"، ولكن قبل أن يثخنوه بالجراح بعد أن وثقوا يديه خلف ظهره، وألبسوه كيساً أسود في رأسه.
وما أن أشرق صباح ذلك اليوم، حتى اصطحبتنا الوالدة رحمها الله الى أصدقاء والدي لتبلغهم بخبر اعتقاله، حيث أذكر أننا ذهبنا الى المرحوم رشاد الشوا وكان جالساً على مائدة الافطار، كما ذهبنا الى القائد المرحوم حيدر عبد الشافي، والمحامي فايز أبو رحمة، وبالطبع كان ترددنا الى مقر الصليب الشغل الشاغل لوالدتي للحصول على أية معلومات تتعلق بالوالد.
وبعد أشهر لا أتذكر عددها بالضبط، فرضت قوات الاحتلال حظر التجوال على الحي الذي كنا نقطن فيه في قلب مخيم جباليا " حارة النعالوة"، وانتشر الجنود المدججين بالسلاح حول المنزل وفي المناطق المجاورة قبل أن نشاهد أبي للمرة الأولى بعد اعتقاله وقد أوقفه جنود الاحتلال بجوار حائط المدرسة المقابلة لمنزلنا وانهالوا عليه بالضرب المبرح.
ولم نستطع للوهلة الأولى أن نتعرف على والدي أثناء اختلاسنا النظر اليه من ثقوب باب المنزل قبل أن يرتفع صوت والدتي بالدعاء لوالدي أن لا يصيبه مكروه، وأذكر أنني شاهدت والدي وقد انتفخ جسمه بشكل كبير، وبدا وكأنه رجل هرم بالكاد يقوى على الحركة، عندما طلب منه جنود الاحتلال الحفر بجانب الحائط اعتقادا منهم أنه أخفى سلاح للمقاومة في هذا المكان.
وبالرغم من محاولات والدتي وتوسلها للسماح لها بفتح باب المنزل للاطمئنان على والدي الا أن جميع محاولاتها فشلت وبقينا رهينة المنزل حتى انصراف الجنود بصحبتهم والدي بعد أن أوثقوا يديه وغمموا عينيه برباط محكم.
وكانت المرة الأولى التي نلتقي فيها بوالدي رحمه الله عندما اتصل المحامي أبو رحمة وأبلغنا أن بإمكاننا أن نزور الوالد في سجن غزة المركزي، حيث ذهبت مع والدتي وما أن شاهدت والدي حتى ارتفع صوتي بالصراخ مطالباً باحتضان والدي... ويبدو أن أحد السجانين رأف بطفولتي فأمسك بي ودخل بي الى الجانب الأخر حيث والدي وسمح لي بمعانقته وتقبيله قبل أن يأخذني مرة أخرى الى حيث والدتي.
ولا أنسى في ذلك الموقف أنني سألت والدي بعفوية الأطفال من الذي فعل بك ما أراه من انتفاخ جسمك ووجهك وما أصابهما من جراح... فرد فائلا: من الله يابني... حسبي الله على أولاد الحرام.
ولم تطل اقامة والدي في سجن غزة المركزي، حتى نقل الى سجن كفار يونا حيث كانت والدتي تواظب على زيارة والدي في ذلك السجن رغم المسافة البعيدة وعناء السفر، حيث كانت الزيارة تقتصر على استفسار والدي عن أحوال الأسرة في غيابه وحث أشقائي على الالتفات الى الدراسة.
ولفت انتباهي في زيارتنا الأولى لوالدي في سجن كفار يونا أن أصابع اليدين لوالدي رحمه الله قد اقتلعت منهم أظافره وظهرت أصابع اليدين وقد أدمتها الجراح قبل أن نعرف لاحقاً أن جنود الاحتلال أثناء التحقيق الرهيب الذي تعرض له قاموا باقتلاع جميع أظافر يديه.
وبعد سنوات خرج الوالد من السجن، حيث كنا نشاهد على جسمه آثار الضرب الذي كان يتعرضون له بالعصي أثناء التحقيق معهم، حيث أخبرنا أنهم كانوا يعلقونهم مثل الذبائح في سقف الزنزانة قبل أن ينهالوا عليهم بالضرب المبرح.
كانت هذه هي المرة الوحيدة التي أتذكرها بتفاصيلها حول اعتقال الوالد رحمه الله الذي كان مربياً فاضلا ومناضلاً صلبا لم تنل منه سنوات الاعتقال ولا بطش السجان، الذي سبق له أن اعتقله في نهاية الخمسينات من القرن الماضي وتحديدا في العام 1956 أثناء العدوان الغاشم على مصر الشقيقة، وكان بصحبته في السجن كما ذكر ذلك في مذكراته التي تركها منير الريس وفاروق الحسيني وزهير الريس وخالد شراب وجمال الصوراني، كما اعتقل بعد ذلك في العام 1968.
لم يكن والدي ذلك الصنف من الرجال الذي يحب التفاخر والمباهاة، فكان قليل الكلام، كثير الصمت خاصة ما يتعلق بالجوانب التي تتعلق بعمله النضالي. وكان يعشق القراءة بدرجة كبيرة،فكنت استيقظ في الفجر بعد سنوات من الافراج عنه وهو يقرأ في كتاب " في ظلال القرآن" للمرحوم سيد قطب، حيث كان يتفاخر بمكتبته التي تضم عناوين مختلفة ابتداءً من كتاب " في ظلال القرآن" مرورا بكتاب "ستالين القائد الفولاذي" وانتهاءُ بكتب المنفلوطي " النظرات" وغيرها من الكتب التي كان والدي رحمه الله يحرص عليها حرصه على ابناءه.
ويبدو أن حرصه على العلم كان يدفعه للشدة من الطلبة المتقاعسين طيلة أربعة عقود عملها مربياً في وكالة الغوث حيث تخرج على يديه آلاف المدرسين والأطباء والمهندسين والمناضلين الذين يشهود له بوطنيته وعلمه وحرصه على تنشئة مجتمع صالح.
تمر غداً الذكرى الأولى على رحيل الوالد والمربي والكاتب والمناضل والأب الحنون الذي غرس فينا مبادئ الوطنية الحقة البعيدة عن الرياء، وكذلك حب العلم والانتماء اليه... ولا نملك الا أن نقول: رحمك الله ياوالدنا الحبيب... نم قرير العين... وعهدا أن نواصل طريقك الذي رسمته لنا....
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف