في التاريخ والسِّيَر عظات وعِبَر!
1/3
استطاع المسلمون المؤمنون بقوة إيمانهم ووحدتهم أن يقيموا دولتهم العظمى، منذ فجر الإسلام حتى ضحاه؛ لتتسع وتمتد من حدود الصين شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، ومن بحر الخزر والأسود شمالاً حتى بحر العرب وأواسط أفريقية جنوباً! ولتصل مسامعنا في عهد الخليفة أو أمير المؤمنين الملقب بالرشيد، قولته المشهورة للسحابة العابرة من فوقه:" أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجُك!" فما الذي حدث بعد ذلك؟ بدأت العناصر الأجنبية من فارسية وتركية تظهر وتتغلغل في سير الحكم والسلطان في الدولة.. لكن الرشيد استطاع أن يقضي مبكراً على تلك العناصر فيما عُرفوا بالبرامكة من الفُرس.. إلا أنّ ولده المأمون عاد ليستقوي بهم في الشرق على أخيه الأمين؛ فينتهي بعزله وقتله.. ثم ليأتي المعتصم بالله فالواثق فالمتوكّل ابنا المعتصم، ليبدأ تواجد العنصر التركي.. ولما كان المتوكل أكثر ميلاً لابنه المعتز دون المنتصر الذي يكبره، فقد استعان هذا الأخير ببعض أولئك للخلاص من أبيه وتولّي الخلافة من بعده! لكنه لا يلبث في عذاب ضميره إلا أشهراً قليلة؛ حتى يطويه الموت دون أن يتمتع بما كاد له وضحّى بالعزيز من أجله!
ويستمر نفوذ الترك سارياً في عهد المستعين عم المنتصر، والذي تولى الخلافة من بعده؛ وليعملوا بالتآمر مع بعض أمرائه على خلعه وتولية المعتز الذي يقوم بإرسال من يقتله من الترك! كما يقوم بخلع أخيه الملقب بالمؤيد من ولاية العهد وحبسه مع أخٍ له ثم قتله شرّ قتلة! وتمضي الأيام بالمعتز قتلاً من أجل العرش ولهواً وتبذيراً بالمال؛ حتى يأتيه الجند ليطلبوا أرزاقهم، فلا يكون عنده ما يعطيهم، ويطلب من أمه بعض ما تدخره من مال كثير فتمنعه؛ فيجتمع الأتراك أنفسهم ممن كانوا سنداً له يجتمعون على خلعه، بل يضربونه بالدبابيس ويعذبونه بأنواع المثلات حتى الموت! وليس غريباً فالجزاء من جنس العمل والقاتل لا بدّ أن يذوق من الكأس التي سقى بها غيره!
ولم تختلف النتيجة ـ بوجود العناصر التركية ـ مع ابن عمه المهتدي بن الواثق من بعده عمن قبله.. مع أنّ خلافته كانت أكثر صلاحاً وبعداً عن الإسراف وقتل الأقربين استئثاراً بالخلافة؛ إذ كان يقول للأمراء: لست أريد إلا القوت فقط ولا أريد فضلاً على ذلك إلا لإخوتي فإنهم مستهم حاجة! وأمر بنفي القيان والمغنين وإبطال الملاهي وردّ المظالم.. وجلس للعامة فكان حقاً مهتدياً زاهداً عادلاً! وإنما حاول أن يتخلص من نفوذ الأتراك الذين أهانوا الخلفاء وأذلوهم وانتهكوا منصب الخلافة؛ وذلك بالإيقاع بينهم؛ لما كان لهم من عدد وسند.. فاجتمعوا على حربه وجمع لهم.. ورمى برأس أمير لهم بينهم! فخامرته الأتراك الذين معه وتركوه وانضموا إلى أصحابهم، فهزموه ومن معه.. وطُعن وأهين ثم قُتل وطْءاً بالأقدام، أقدام الدخلاء من الأجانب الذين سُمح لهم بتسنّم إمارة الجيوش والتحكم في مقاليد الخلافة والحكم! وما أشبه الليلة بالبارحة! فهل يتعظ الكثير من حكام العرب اليوم فلا يدَعوا الأيدي الأجنبية تعبث بمصائرهم ومصائر شعوبهم؟ وهل يأخذون العبرة.. هل يصحون؟؟
وإلى اللقاء مع سيَرٍ أخرى وعظات وعبر تؤخذ منها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستقلال ــ حقيقة وموقف ــ 1034
1/3
استطاع المسلمون المؤمنون بقوة إيمانهم ووحدتهم أن يقيموا دولتهم العظمى، منذ فجر الإسلام حتى ضحاه؛ لتتسع وتمتد من حدود الصين شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً، ومن بحر الخزر والأسود شمالاً حتى بحر العرب وأواسط أفريقية جنوباً! ولتصل مسامعنا في عهد الخليفة أو أمير المؤمنين الملقب بالرشيد، قولته المشهورة للسحابة العابرة من فوقه:" أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجُك!" فما الذي حدث بعد ذلك؟ بدأت العناصر الأجنبية من فارسية وتركية تظهر وتتغلغل في سير الحكم والسلطان في الدولة.. لكن الرشيد استطاع أن يقضي مبكراً على تلك العناصر فيما عُرفوا بالبرامكة من الفُرس.. إلا أنّ ولده المأمون عاد ليستقوي بهم في الشرق على أخيه الأمين؛ فينتهي بعزله وقتله.. ثم ليأتي المعتصم بالله فالواثق فالمتوكّل ابنا المعتصم، ليبدأ تواجد العنصر التركي.. ولما كان المتوكل أكثر ميلاً لابنه المعتز دون المنتصر الذي يكبره، فقد استعان هذا الأخير ببعض أولئك للخلاص من أبيه وتولّي الخلافة من بعده! لكنه لا يلبث في عذاب ضميره إلا أشهراً قليلة؛ حتى يطويه الموت دون أن يتمتع بما كاد له وضحّى بالعزيز من أجله!
ويستمر نفوذ الترك سارياً في عهد المستعين عم المنتصر، والذي تولى الخلافة من بعده؛ وليعملوا بالتآمر مع بعض أمرائه على خلعه وتولية المعتز الذي يقوم بإرسال من يقتله من الترك! كما يقوم بخلع أخيه الملقب بالمؤيد من ولاية العهد وحبسه مع أخٍ له ثم قتله شرّ قتلة! وتمضي الأيام بالمعتز قتلاً من أجل العرش ولهواً وتبذيراً بالمال؛ حتى يأتيه الجند ليطلبوا أرزاقهم، فلا يكون عنده ما يعطيهم، ويطلب من أمه بعض ما تدخره من مال كثير فتمنعه؛ فيجتمع الأتراك أنفسهم ممن كانوا سنداً له يجتمعون على خلعه، بل يضربونه بالدبابيس ويعذبونه بأنواع المثلات حتى الموت! وليس غريباً فالجزاء من جنس العمل والقاتل لا بدّ أن يذوق من الكأس التي سقى بها غيره!
ولم تختلف النتيجة ـ بوجود العناصر التركية ـ مع ابن عمه المهتدي بن الواثق من بعده عمن قبله.. مع أنّ خلافته كانت أكثر صلاحاً وبعداً عن الإسراف وقتل الأقربين استئثاراً بالخلافة؛ إذ كان يقول للأمراء: لست أريد إلا القوت فقط ولا أريد فضلاً على ذلك إلا لإخوتي فإنهم مستهم حاجة! وأمر بنفي القيان والمغنين وإبطال الملاهي وردّ المظالم.. وجلس للعامة فكان حقاً مهتدياً زاهداً عادلاً! وإنما حاول أن يتخلص من نفوذ الأتراك الذين أهانوا الخلفاء وأذلوهم وانتهكوا منصب الخلافة؛ وذلك بالإيقاع بينهم؛ لما كان لهم من عدد وسند.. فاجتمعوا على حربه وجمع لهم.. ورمى برأس أمير لهم بينهم! فخامرته الأتراك الذين معه وتركوه وانضموا إلى أصحابهم، فهزموه ومن معه.. وطُعن وأهين ثم قُتل وطْءاً بالأقدام، أقدام الدخلاء من الأجانب الذين سُمح لهم بتسنّم إمارة الجيوش والتحكم في مقاليد الخلافة والحكم! وما أشبه الليلة بالبارحة! فهل يتعظ الكثير من حكام العرب اليوم فلا يدَعوا الأيدي الأجنبية تعبث بمصائرهم ومصائر شعوبهم؟ وهل يأخذون العبرة.. هل يصحون؟؟
وإلى اللقاء مع سيَرٍ أخرى وعظات وعبر تؤخذ منها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستقلال ــ حقيقة وموقف ــ 1034