في رحاب آية
( تقليل المخدرات بتقتيل المروِّجين لها من الخبيثين والخبيثات )
] إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [
المائدة (33، 34)
بعد حادث رفح المفجع؛ حيثُ أقدم رجلٌ في الأربعين من عمره على قتل ثلاثة من ولده، ثم أشعل النار في نفسه، وأدَّى ذلك إلى انفجار جرة غازٍ في البيت، بعد تلك الجريمة ضَجَّ الناس من عجز إجراءات المكافحة عن تطويق جريمة ترويج المخدرات، وقصور العقوبات عن ردع المُتَّجِرِين بها، حتى بِتْنا نُفاجَأْ بكمياتٍ هائلةٍ منها يجري تهريبها إلى القطاع، ويجري القبض على نسبة منها بسبلٍ معقَّدة، بينما يُفلت كثير منها، ويصل إلى المُرَوِّجين والمتعاطين، ولما كان المتورطون في تناولها في حاجةٍ إلى أن يُهلكوا مالاً لبداً في أثمانها، وأكثرهم مُفْلِسون؛ فليس أمامهم إلا أن يَبْغُوا سُبُلاً عِوَجاً؛ للحصول عليها، وقد وصل الأمر بعددٍ منهم أن يقتلوا العجائز في بيوتها؛ لاستلاب ما لديها من الأموال، وهناك أكثر من مثال، فإلى متى يبقى هذا الحال في بلدٍ اقتحم حصارُها عامَه الحاديَ عشرَ، وشهد حروباً حامية الوطيس، ولا زال العدو يتجهَّمُ لنا، مع شرذمة من بني جلدتنا يَبْتَزُّوننا في حاجاتنا، وكهربائنا، ودوائنا، وغذائنا؟!!.
وليس خافياً على أحدٍ أن غَزْوَنا بالمخدرات ليس بهدف الحصول على المال بمقدار ما يرمي إلى إفساد شبابنا؛ حتى يُمسوا عاجزين عن مقارعة الاحتلال؛ فضلاً عن فقدان الأمن الداخلي، وهو شرطٌ لصمود الشعب مع العسكر، كما أن الحروب الباردة قد أضافت إلى المخدرات أبواقاً من الشائعات والحرب النفسية، مع ما يصاحب ذلك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وكل ذلك طريق زَلِقٌ؛ لتزلَّ أقدامُ أصحابه في رجس العمالة والخيانة؛ خوفاً من الافتضاح، أو ركضاً وراء سراب المال من قومٍ غُلَّتْ أيديهم، ويبخلون بما آتاهم الله من فضله، ولا يُؤتون الناس نقيراً، ما لم يقدموا أضعافاً مضاعفة من الجهد الأمني، ويسارعوا في ولاء الأعداء، فيكونوا سَمَّاعين للكذب أَكَّالين للسُّحْت، إذا انتهى دورهم تركهم أعداؤهم كالكلاب الضالة، وربما قاموا باغتيالهم؛ لتموتَ معهم أسرارهم.
ولذلك فإننا نجد آية المقال تقسو على تلك الشراذم في العقوبة ما لم يتوبوا من قبل أن يُقْبَضَ عليهم، وإلَّا فإن عقابهم في الدنيا بهدف إلحاق الخزي بهم، ولن يشفع ذلك من عقاب يوم القيامة، فلهم عذاب عظيم، ولو كان لأحدهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة، وبَدَا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، لكنهم لن يُقبل من أحدهم مِلْءُ الأرض ذهباً، ولو افتدى به، أولئك لهم عذاب أليم، ومالهم من ناصرين.
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية من حديث أنس رضي الله عنهما في الصحيحين أن أُناساً من عُكْلٍ أو عُرَيْنة، وكانوا ثمانية نفرٍ، قد جاؤوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم متظاهرين بالإسلام، فَاجْتَوَوُا المدينة، أيْ لم يتأقلموا مع جَوِّها، فأصابهم المرض، فأمر أن يخرجوا إلى أطراف المدينة، حيثُ ترعى إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى إذا صَحُّوا قتلوا الراعيَ، واستاقوا النَّعَمَ، وكفروا بعد إسلامهم، فجاء خبرهم في أول النهار، فما ارتفع النهار حتى جيءَ بهم بعد أن بعث في آثارهم، فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم أمر بمسامير، فأُحْمِيَتْ، وكَحَّلهم بها؛ أيْ أطفأ نور أعينهم، وطرحهم في الحرة يستسقون فما يُسْقَوْنَ حتى ماتوا.
ومن الملاحظ أن الآية التي نزلت بشأن أولئك العُرَنيِّين قد وصفتهم بأنهم يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فساداً، وأمرت لهم بأربع عقوبات، والمرجَّح أنها على الترتيب لا على التخيير، بحسب ما اقترف كلُّ امرئٍ منهم من الاثم؛ فمن أخاف الطريق، ورَوَّعَ الآمنين، دون أن يأخذ مالاً، أو يقتل رجالاً، فعقوبته النفي من الأرض، ويدخل فيها السجن المؤبد، أو المعنى أن يطارد في الأرض؛ ليضطر إلى الهروب بعيداً عن دار الإسلام، ومن أخذ المال، ولم يقتل، فهو الذي تقطع يده اليمنى ورِجْلُه اليسرى، أم اليد فلاغتصابه المال، وأما القَدَمُ فلقطعه السبيل، وإزعاجه الأمن، ومن قَتَلَ دون أَخْذِ المال فهذا الذي يُقتل، بينما لو أَخَذَ المال مع القتل فهو الذي يُقتل ويُصلب، على خلافٍ بين الفقهاء، هل يقتل أولاً، أم يصلب ويقتل وهو مصلوب؛ بل ذهب بعضهم إلى أن قتله بعد صلبه إنما يكون بَعْجاً بالخناجر.
وقد أغراهم في الآية الثانية بتعجيل التوبة قبل أن يقعوا في القبضة حتى يسلموا من العقوبة، ولسوف يجدون اللهَ تواباً رحيماً، ويمكن أن يُفتح باب التوبة للناشرين المخدَّرات، كما فُعل مع الجواسيس من قبلُ، وقد تَمَّ الستر عليهم، والعفو عنهم، بعد أن أَدْلَوْا بما لديهم من أسرار، وبشرط التعهد بعدم العود مطلقاً، وإلَّا فإنهم يؤخذون نكال الآخرة والأولى.
إن خطر المخدرات على المجتمعات لا تقلُّ عن خطر العدوان، ولذلك فإما أن تقوم السلطتان القضائية والتنفيذية بإجراءات صارمة، وبضغطٍ من السلطة التشريعية، وبالمُشفقين من الفصائل؛ حتى نجد آثار ذلك في خنق هذه الظاهرة، وضرب أَوْكارِها وذئابها؛ بل كلابها، وإِلَّا أصبح واجباً على المقاومة أن تحمل عِبْءَ ذلك، ولهم في القانون الثوري في مراحل التحرُّر ما يسوِّغ ذلك السلوك، ولا ننسى أننا قبل جريمة أوسلو، وإقامة سلطة حكم ذاتي خدمةً للاحتلال؛ كان مجموعةٌ أو اثنتان من المُلَثَّمين قد أَخْلَوا القطاع من مظاهر الفساد، عبر تأديب عددٍ محدودٍ على أعين الناس وهم ينظرون؛ لعلهم يتقون، وقد كان.
ومن حَقَّنا أن نتفاءل أن يحصل نوعٌ من الإرهاب لهؤلاء، ولأسيادهم الصهاينة، بعد صعود العسكر إلى سِدة القرار، بالشراكة مع رجال السياسة والدعوة في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإنَّ غداً لناظره قريب
وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون