
حــســـــن زايـــــــــد ... يـكـتـب :
مــن الـــذي دفـــع للـــزمَّــــــار ؟ ! .
هل يمكن أن تصاب معي بالفزع ؟ ! . الحقيقة أنني أشعر بالفزع لسبيين قد تعجب من فزعي منهما ، الأول : ويتعلق بوجود ما يسمي بـ : " نظرية المؤامرة " . الثاني : يتعلق بمدي الجهل والعَمَه اللذين أصيب بهما مثقفينا . أما عن السبب الأول ، والمتعلق بنظرية المؤامرة ، فسبب فزعي منه ، أنني أجد بين ظهرانينا من يختلف حول وجود هذه النظرية من عدمه . وكل من الفريقين يرجع وجودها من عدمه إلي أسباب متعلقة به هو، حيث يغلب عليها الطابع الشخصي . فإذا كان القول بوجودها يخدم وجهة نظره ، ذهب إلي القول بوجودها . وإذا كان القول بعدم وجودها يخدم تلك الوجهة ، قال بعدم وجودها . وسر فزعي من هذا التوجه أنه يمثل تعمية علي الحقيقة . فقد تكون المصائب التي تنصب كالرصاص المغلي فوق رؤوسنا ، والمآسي التي تعتصرحياتنا عصراً ، من وراءها جهلنا وتخلفنا وخيبتنا ، وقد يكون وراءها مؤامرة قد حيكت لنا بليل ، داخل الغرف المغلقة ، ممن لا يريد بنا خيراً . وقد يجتمع الأمران معاً . وقد يكون أحدهما سبباً ، والآخر نتيجة . ومن ثم فلا محل لنفي نظرية المؤامرة في الأمور التي تحتمل ذلك . لأن النفي يفضي في النهاية إلي التشخيص الخطأ للداء ، وبالتالي الخطأ في وصف الدواء . والتاريخ ـ بطوله وعرضه وعمقه ـ لا يخلو من المؤامرات استقرائيا . وهنا نتجابه بموقفين يمثلان تطرفاً يتعين بموجبه إقصائهما ، الأول ـ من يقول بنظرية المؤامرة مطلقاً . الثاني ـ من ينفي تلك النظرية مطلقاً . والسبب الثاني للفزع ، والمتعلق بمدي الجهل والعمه ـ وربما الخيانة علي نحو ما ذهب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه خيانة المثقفين ـ اللذين أصيب بهما مثقفينا . إذ ربما بجهلهم وعمههم ـ مع فرض حسن النية ـ أو بخيانتهم ، يصبحون أدوات وأبواق ومعاول هدم وتكسير وتفتيت لمجتمعاتهم ، في أيدي أصحاب المؤامرة الأصليين . يستوي في ذلك منهم ، كاتب المقال ، أو القصة ، أو الرواية ، أو المسرحية ، أو قصيدة الشعر ، أو المخرج ، أو المنتج ، أو الداعية في المسجد ، أو في الكنيسة ، أو الحقوقي المدافع عما يسمي حقوق الإنسان ، أو السياسي ، أو العالم والباحث في العلوم الإنسانية . كل هؤلاء الذين يمثلون الطليعة في مجتمعاتهم ، قد يصبح أي منهم ـ بوعي أو بغير وعي ـ أداة من أدوات المؤامرة علي مجتمعاتهم . وأنا قد لا استثني نفسي ـ إذا اعتبرني البعض مثقفاً ـ من هذا الحكم . وقد يمثل الفزع في هذا الجانب الفزع الأكبر بالنسبة لي ؛ لأنني قد جهلت هذا الأمر جهلاً مطبقاً . والواقع أن الذي لفت نظري إلي ذلك ، حلقة من برنامج : " بين السطور " ، الذي تقدمه الإعلامية / أماني الخياط من خلال شاشة قناة " ON tv " ، وكان ضيفها المخرج الكبير / محمد فاضل . وقد كان المحور الرئيس للحوار حول ما إذا كان يمكن استخدام الفن في المؤامرات السياسية علي المجتمعات من عدمه ؟ ! . وقد ذهب المخرج الكبير إلي القول بأن الفن يعد أداة من أدوات بناء المجتمعات ودفعها للأمام ، وفي ذات الوقت أداة من أدوات هدمها ، وتغيير وجهتها في اتجاه القوي المتآمرة . وقد ضرب مثلاً للتدليل علي ما ذهب إليه بمسلسل : " أنا وانت وبابا في المشمش " الذي تناول بقوة ـ بقلم السيناريست العبقري / أسامة أنور عكاشة ـ ملفات من ملفات الفساد ، التي تطاردها الرقابة الإدارية الآن ، بعد ربع قرن من إذاعة المسلسل في التلفاز المصري . ثم نوه عن نوعية الأفلام والمسلسلات والأغاني ، التي انتشرت علي الساحة المصرية بعد ثورة يناير 2011م . والتي تحس فيها بخيوط المؤامرة ، علي منظومة القيم والأخلاق الحاكمة ، في المجتمع المصري . فقد قدم نماذج شائهة للشباب ، والفتيات ، والرجل ، والمرأة ، والأسرة المصرية ، باعتبارهم النماذج السائدة ، هذا بخلاف التسطيح والتفاهة في القضايا المطروحة . وقدم البدائل في المسلسلات التركية ، والهندية ، والأفلام الغربية والأمريكية . والقصد ضرب الهوية المصرية ، وإعطاب النواة الأولي للمجتمع وهي الأسرة المصرية ، التي حافظت علي تماسك وبقاء الدولة المصرية علي مدار آلاف السنين . ومن الأمور المضحكة إلي حد البكاء أن المخرج الكبير قد كشف عن اسم كتاب يؤصل لنظرية المؤامرة التي نشير إليها ، فأسرعت بتسجيل اسم الكتاب حتي يتسني لي البحث عنه . وبالبحث في مكتبتي الإلكترونية اكتشفت وجود الكتاب ، إلا أنني لم أقرأه لسبب أو لآخر . واعتقد أن هذا حال معظم مثقفينا . والكتاب هو : من الذي دفع للزمار ؟ ! . الحرب الباردة الثقافية . المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب ، كتاب من تأليف : فرانسيس ستونر سوندرز . ترجمة : طلعت الشايب . المركز القومي للترجمة . الطبعة الرابعة : 2009م . وقد طبع بمطابع الهيئة العامة للمطابع الأميرية . وقد قدم له المؤرخ الكبير الدكتور / عاصم الدسوقي . ولم يتسن لي سوي قراءة تلك المقدمة حتي الآن ، إلا أنني بقراءتها ، اتضحت امام عيني ، بعض ملامح الصورة الغائمة ، لأمور كثيرة عرفناها ، وعاصرناها ، وعايشناها ، وخبرناها دون أن ندرك لها سبباً ، فكنا نرجعها إلي فكرة المؤامرة . فهل قرأ هذا الكتاب أحد من مثقفينا ، حتي يقول لنا : من الذي دفع للزمار ؟ ! .
حــســــــن زايــــــــــد
مــن الـــذي دفـــع للـــزمَّــــــار ؟ ! .
هل يمكن أن تصاب معي بالفزع ؟ ! . الحقيقة أنني أشعر بالفزع لسبيين قد تعجب من فزعي منهما ، الأول : ويتعلق بوجود ما يسمي بـ : " نظرية المؤامرة " . الثاني : يتعلق بمدي الجهل والعَمَه اللذين أصيب بهما مثقفينا . أما عن السبب الأول ، والمتعلق بنظرية المؤامرة ، فسبب فزعي منه ، أنني أجد بين ظهرانينا من يختلف حول وجود هذه النظرية من عدمه . وكل من الفريقين يرجع وجودها من عدمه إلي أسباب متعلقة به هو، حيث يغلب عليها الطابع الشخصي . فإذا كان القول بوجودها يخدم وجهة نظره ، ذهب إلي القول بوجودها . وإذا كان القول بعدم وجودها يخدم تلك الوجهة ، قال بعدم وجودها . وسر فزعي من هذا التوجه أنه يمثل تعمية علي الحقيقة . فقد تكون المصائب التي تنصب كالرصاص المغلي فوق رؤوسنا ، والمآسي التي تعتصرحياتنا عصراً ، من وراءها جهلنا وتخلفنا وخيبتنا ، وقد يكون وراءها مؤامرة قد حيكت لنا بليل ، داخل الغرف المغلقة ، ممن لا يريد بنا خيراً . وقد يجتمع الأمران معاً . وقد يكون أحدهما سبباً ، والآخر نتيجة . ومن ثم فلا محل لنفي نظرية المؤامرة في الأمور التي تحتمل ذلك . لأن النفي يفضي في النهاية إلي التشخيص الخطأ للداء ، وبالتالي الخطأ في وصف الدواء . والتاريخ ـ بطوله وعرضه وعمقه ـ لا يخلو من المؤامرات استقرائيا . وهنا نتجابه بموقفين يمثلان تطرفاً يتعين بموجبه إقصائهما ، الأول ـ من يقول بنظرية المؤامرة مطلقاً . الثاني ـ من ينفي تلك النظرية مطلقاً . والسبب الثاني للفزع ، والمتعلق بمدي الجهل والعمه ـ وربما الخيانة علي نحو ما ذهب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه خيانة المثقفين ـ اللذين أصيب بهما مثقفينا . إذ ربما بجهلهم وعمههم ـ مع فرض حسن النية ـ أو بخيانتهم ، يصبحون أدوات وأبواق ومعاول هدم وتكسير وتفتيت لمجتمعاتهم ، في أيدي أصحاب المؤامرة الأصليين . يستوي في ذلك منهم ، كاتب المقال ، أو القصة ، أو الرواية ، أو المسرحية ، أو قصيدة الشعر ، أو المخرج ، أو المنتج ، أو الداعية في المسجد ، أو في الكنيسة ، أو الحقوقي المدافع عما يسمي حقوق الإنسان ، أو السياسي ، أو العالم والباحث في العلوم الإنسانية . كل هؤلاء الذين يمثلون الطليعة في مجتمعاتهم ، قد يصبح أي منهم ـ بوعي أو بغير وعي ـ أداة من أدوات المؤامرة علي مجتمعاتهم . وأنا قد لا استثني نفسي ـ إذا اعتبرني البعض مثقفاً ـ من هذا الحكم . وقد يمثل الفزع في هذا الجانب الفزع الأكبر بالنسبة لي ؛ لأنني قد جهلت هذا الأمر جهلاً مطبقاً . والواقع أن الذي لفت نظري إلي ذلك ، حلقة من برنامج : " بين السطور " ، الذي تقدمه الإعلامية / أماني الخياط من خلال شاشة قناة " ON tv " ، وكان ضيفها المخرج الكبير / محمد فاضل . وقد كان المحور الرئيس للحوار حول ما إذا كان يمكن استخدام الفن في المؤامرات السياسية علي المجتمعات من عدمه ؟ ! . وقد ذهب المخرج الكبير إلي القول بأن الفن يعد أداة من أدوات بناء المجتمعات ودفعها للأمام ، وفي ذات الوقت أداة من أدوات هدمها ، وتغيير وجهتها في اتجاه القوي المتآمرة . وقد ضرب مثلاً للتدليل علي ما ذهب إليه بمسلسل : " أنا وانت وبابا في المشمش " الذي تناول بقوة ـ بقلم السيناريست العبقري / أسامة أنور عكاشة ـ ملفات من ملفات الفساد ، التي تطاردها الرقابة الإدارية الآن ، بعد ربع قرن من إذاعة المسلسل في التلفاز المصري . ثم نوه عن نوعية الأفلام والمسلسلات والأغاني ، التي انتشرت علي الساحة المصرية بعد ثورة يناير 2011م . والتي تحس فيها بخيوط المؤامرة ، علي منظومة القيم والأخلاق الحاكمة ، في المجتمع المصري . فقد قدم نماذج شائهة للشباب ، والفتيات ، والرجل ، والمرأة ، والأسرة المصرية ، باعتبارهم النماذج السائدة ، هذا بخلاف التسطيح والتفاهة في القضايا المطروحة . وقدم البدائل في المسلسلات التركية ، والهندية ، والأفلام الغربية والأمريكية . والقصد ضرب الهوية المصرية ، وإعطاب النواة الأولي للمجتمع وهي الأسرة المصرية ، التي حافظت علي تماسك وبقاء الدولة المصرية علي مدار آلاف السنين . ومن الأمور المضحكة إلي حد البكاء أن المخرج الكبير قد كشف عن اسم كتاب يؤصل لنظرية المؤامرة التي نشير إليها ، فأسرعت بتسجيل اسم الكتاب حتي يتسني لي البحث عنه . وبالبحث في مكتبتي الإلكترونية اكتشفت وجود الكتاب ، إلا أنني لم أقرأه لسبب أو لآخر . واعتقد أن هذا حال معظم مثقفينا . والكتاب هو : من الذي دفع للزمار ؟ ! . الحرب الباردة الثقافية . المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب ، كتاب من تأليف : فرانسيس ستونر سوندرز . ترجمة : طلعت الشايب . المركز القومي للترجمة . الطبعة الرابعة : 2009م . وقد طبع بمطابع الهيئة العامة للمطابع الأميرية . وقد قدم له المؤرخ الكبير الدكتور / عاصم الدسوقي . ولم يتسن لي سوي قراءة تلك المقدمة حتي الآن ، إلا أنني بقراءتها ، اتضحت امام عيني ، بعض ملامح الصورة الغائمة ، لأمور كثيرة عرفناها ، وعاصرناها ، وعايشناها ، وخبرناها دون أن ندرك لها سبباً ، فكنا نرجعها إلي فكرة المؤامرة . فهل قرأ هذا الكتاب أحد من مثقفينا ، حتي يقول لنا : من الذي دفع للزمار ؟ ! .
حــســــــن زايــــــــــد