الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فاجعة غزة استمرار لحالة الذهول الوطني بقلم: د. سامي محمد الأخرس

تاريخ النشر : 2017-02-20
فاجعة غزة استمرار لحالة الذهول الوطني بقلم: د. سامي محمد الأخرس
فاجعة رفح استمرار لحالة الذهول المجتمعية
إنّ لَم يَكن شيء يبرر أيّ جريمة ما، إلّا أنّ المبرر لِجل الجرائم أو الجنح الّتي يتمّ ارتكابها هي نتيجة خلل ما في البناء القيمي الاجتماعي، والأساس لمنظومة هذه القيم الّتي تُعتبر أيّ خروج عنها جريمة، فإن أيّ اهتزاز يحدث في أركان النّظام القيمي يكون الفلتان أحد مكوناته، والفلتان هنا في المقام الأول فلتان أخلاقي، تحول عبّر بعض الانحرافات السلوكية في سيكولوجيا الإنسان بطبيعته الوادعة، المسالمة واتزانه الإنفعالي العقلي، وقدرته على اتخاذ القرار في لحظة ما.
النظريات الإجتماعية والنفسية حللت وفسرت هذه الأسس والقواعد الأساسية، كمّا جاءت عميقًا ومطولًا على حالات الصراع والضغوطات والحاجات الّتي يتعرض لها الإنسان الكائن العاقل، والفعل وردة الفعل خاصة في المجتمعات غير المستقرة أو غير السوية. وهي المجتمعات الّتي تعاني من ظروف سياسية، وتقلبات اقتصادية، وكوارث بيئية، والعديد من مظاهر وظواهر الضغط النفسي والعصبي الذي يصل لذروته في العديد من الحالات لمستويات أعلى بكثير من مستويات القدرة لطاقة التحمل الإنسانية، فتتحول حسب الحالة من فقدان الإتزان العقلي والتهور، ويصبح الإنسان مريض عقلي غير قادر على التحكم بسلوكياته وقراراته وتصرفاته، وأفعاله ومسلكياته ومنها ما يتحول لنوبات هستيرية أو انحرافت سلوكية تضرب الإستقرار القيمي والأخلاقي للإنسان، وعليه إما اللجوء لمسلكيات خارج دوائر التحصين القيمي، ومنظومة العادات والتقاليد، كالإدمان، السرقة، الدعارة، الشذوذ، أو التهور بدوافع متعددة حتى يصل درجة القتل أو الإنتحار. هذا الشكل الإجمالي الطبيعي لوصف اهتزازات منظومة القيم في أيّ مجتمع غير مستقر سياسيًا أو قتصاديًا أو لسبب ما خارج نطاق السيطرة الذاتية.
مجتمعنا الفلسطيني يعتبر من أكثر المجتمعات على سطح المعمورة ومنذ بواكير وارهاصات القرن التاسع عشر وهو يتعرض لإهتزازت عنيفة في مكوناته ومنظومته العامة، وعدم استقرار في مستويات استقراره السياسي، والنفسي، والإقتصادي، وتعرض لمؤامرة كونية على وجودة كشعبٍ وكجغرافيا، وتمزيق لنسيجه المجتمعي بشكل عميق وعمدي وفاعل سواء من خلال اقتلاعه من أرضه وتحولة لشعب لاجئ سائح في الأرض، مشتت بين بلدان يعاني من أزمات اللجوء النفسية، وظروف الدول المستضيفة، وكذلك تعرضه لذوبان الإنسجام المجتمعي الذي كان يتمتع به مجتمعنا القروي أو الزراعي وهو مجتمع يتميز بالتماسك والصلابة والإنسجام والثبات، وقيم خاصة وفق منظومة تختلف عن باقي المجتمعات المدنية أو الحضرية، أضف لذلك الفعل والممارسات للإحتلال على مدار أكثر من 69 عامًا حاول خلالها جاهدًا وبكل الوسائل وشتى الطرق لضرب البناء والنسيج المجتمعي، ومنظومة القيم العامة، ورغم ذلك كان الإحتلال وممارساته دافعًا لتماسك وتصليب شعبنا وتلاحمة وتمسكه بقيمة وبمنظومته الإجتماعية، واتجه لحماية هذه المنظومة حول التعليم الذي تحول لمعركته في مواجهة الإحتلال، وهو ما خلق حالة انسجام ولحمة مجتمعية حافظت على منظومة القيم العامة، رغم تنوع وتعدد الثقافات والقيم والمشارب للجوء الذين هاجروا من عدة قرى ومدن والتحموا سويًا بمخيم فشكلت ثقافات فرعية متنوعة، إلَّا أنّ هذا الثبات والإتزان والتماسك لَم يكن صلب ومتين، بل جاء نتيجة رد فعل لفعل الإحتلال، وما يؤكد ذلك أنّ كلّ مجموعة أو قرية أو بلدة أو مدينة حافظت على بعض التقاليد والقيم الخاصة بها، ولَم تفلح السنين بخلق ثقافة موحدة تنصهر كلّ الثقافات الفرعية فيها، كذلك حالة التفتيت الّتي حدثت في البناء القيمي والإنقسام والصراع عندما عاد الآلاف من اللاجئين من الدول العربية عام 1994 مع قدوم السلطة الفلسطينية، وهو ما أحدث اهتزاز خطير في البناء القيمي اتخذ شكل الصراع بين الثقافات الوافدة، والثقافات المستقرة أو الكائنة في الوطن، وبدأت تظهر مظاهر هذا الصراع في تفشي العديد من المظاهر أهمها الرشوة، والمحسوبية، والواسطة وغيرها من المظاهر غير المألوفة زمن الإحتلال، أو من المظاهر الّتي لَم تكن منتشرة بشكل مألوف بين المواطنين في الداخل، إضافة للعديد من السلوكيات الأخرى الّتي اكتست بجوانب المصلحة الذاتية، والمادية ولَم يعد المجتمع يحمل الهم العام كمّا كان عليه في مواجهة الإحتلال كهمٍ مشترك وقاسم ثابت بين الجميع، بل أصبح هناك صراع على المصالح والمكتسبات الذاتية لكلِّ فرد أو عائلة أو عشيرة، وعليه تحول الصراع من عام إلى صراع في أدق أجزاء الأسرة الممتدة الّتي تحولت تدريجيًا إلى نووية غلب عليها المصلحة الفردية والأنانية الفردية، ثمّ تلا ذلك الصراع الداخلي بين القوى الحية السياسية، فأخذ الصراع بُعدًا آخر لما سبق الحديث عنه، وهو البُعد المصلحي ثم البُعد السياسي المرتبط بالحزبية وهو ما أثر على تركيبة الأسرة الفلسطينية وانسجامها، بما إنّها أسرة متعددة المشارب والولاءات والإنتماءات الحزبية، والمكتسبات الذاتية وتحول التعامل بناء على الإنتماء السياسي والفصائلي، وهو من ضمن حدود السياسات الّتي سعى لها الإحتلال ووجد لها الأدوات المناسبة(الأحزاب) في تعميق الصراع وتفسخ النسيج المجتمعي.
في ظلّ هذا الواقع المجتمعي، ومنظومة القيم الّتي شبه اندثرت كانت الظروف النفسية، والإقتصادية، والسياسية تشكل ضغوطًا خطيرة على صحة المواطن النفسية الّتي انحصرت خياراته وانعدم الأفق أمامه، وزادت الضغوط والتراكمات من حوله فأضحى وحيدًا في خوض معركة مسؤوليته السياسية، والإقتصادية، والتربوية وخاصة الأخيرة الّتي أصبحت بمثابة معركة قاسية وعنيفة مع إنعدام الدور التربوي للمدارس والجامعات والمؤسسات المدنية، وتحول المساجد ودور العبادة والأندية الرياضية لمقرات وصراعات حزبية، ممّا أفقدها دورها الريادي الّتي كانت تقوده وتؤثر فيه سابقًا. يضاف لذلك أهم عامل ألَّا وهو الإنقسام الفلسطيني- الفلسطيني عام 2007 والذي شكل عبء ليس على المستوى الوطني فحسب، وإنما على مستوى الفرد والأسرة والعائلة، وتعرض المنظومة المجتمعية ببعديها الأوسع والضيق لضغوطات حزبية، وربما ملاحقات أمنية بسبب الولاءات، وضغوطات أسرية وعائلية لنفس السبب مع ضغوطات مالية حياتية فرضتها متطلبات الظروف والعمل والتربية وملتزمات الحياة اليومية من مأكل وملبس ومشرب وتعليم، في وقع أصبح يشهد خصخصة لكلِّ شيء وعولمة لكلِّ شيء " تدفع تعيش، لا تدفع لا تعيش" فأصبح المواطن يلهث خلف لقمة عيشه وقوت أطفاله دون أنّ يستطيع الإستحصال عليه إلَّا بالإذلال، مع عدم تجاهل حالة الإعتداءات الصهيونية وتدمير المنازل والمصانع والبنى الإقتصادية المتزامنة مع انهدام للبنى القيمية والمجتمعية، فتفشت مظاهر البطالة والإهانة والتسول، والفساد الموحش الذي هيمن على مؤسسات المجتمع ، وإنعدام للأمن المجتمعي، فلَم يعد المجتمع أو الأسرة أو العائلة توفر الحصانة والحاضنة لأبنائها، فتأكلت الحالة النفسية للفرد ومن ثمّ للأسرة، وانعدمت سبل التفريغ النفسي، أيّ زادت حدة الضغوط النفسية والمجتمعية وتحول المواطن لأشبه بطنجرة الضغط تحت اللهب فإنّ لَم يفرغ بخارها حتمًا تنفجر، وهذا ما يحدث مع عشرات بل مئات الحالات من أبناء المجتمع الفلسطيني الذين انعدمت فرض التفريغ النفسي أمامهم، وحاصرتهم الضغوطات النفسية فانفجروا إما بشكل جريمة أو إنحراف أو انتحار، وهي مسلكيات كانت لا تعتبر ظاهرة في السابق، بل حالات عرضية فردية شاذة أما في وقتنا الراهن فقد اصبحت أقرب لظاهرة تكرر بشكل يومي، بل ويتم ملاحقة ومعاقبة هذا المضطرب النفسي مجتمعيًا وقانونيًا دون توفير فروض العلاج وفرص الإصلاح.
غاب الدور المجتمعي، وغابت العائلة فالمدرسة وسيادة العدالة القانونية والقضائية، وتغولت المؤسسات الخاصة والعامة على قوت المواطن، وافتقدت الأحزاب لدورها الطليعي فلجأ الفرد للخلاص وحيدًا.
إذن فما حدث في رفح من فاجعة وممارسة رب أسرة – حسب الرواية الرسمية- لعملية قتل ثلاثة من أطفاله وحرق نفسه ومنزله هي بعرف القانون جريمة، وبعرف المجتمع فاجعة مستهجنة وغريبة، ولكن لَم نفحص ونمحص الدوافع والأسباب الّتي أدت لحدوث هذه المسميات، وما هي العوامل الّتي حولت أسرة مستقرة أمنة، إلى أسرة تعاني الأزمات والإشكاليات، والتشرذم والتفكك ومن ثمّ القتل، فالقرار الهستيري الذي خلص له الأب في لحظة هو قرار لَم يخضع لحسابات العقل والإتزان العقلي والإنفعالي بل هو قرار اتخذ في لحظة هستيرية فقد بها لكلِّ مكونات الإستقرار والإتزان ثم الأمن الداخلي، في ضوء افتقاد منظومة القيم والضوابط الداخلية والعقلية، فحاول الهروب فكانت فلتان عقلي افتقد للوعي الكل ترجم بشكل جريمة أو فاجعة.
بعدما استفضنا بالتحليل القيمي والنفسي لأسباب الظاهرة ومردودها المجتمعي علينا أنّ نستفيض في قراءة هذه الفاجعة بعمق حتى لا نكتب مرة أخرى عن عشرات الجرائم الأخرى والكوارث المجتمعية الّتي يمكن أنّ تحدث. علينا أنّ نقف طويلًا ونكتب قليلًا أمام تفسير الأسباب والدوافع وعدم جلد الضحية يوميًا ولحظيًا، بل تقديم الحلول لضحايا آخرون بدءًا من تقويم منظومة العدالة المجتمعية، وإعادة الإعتبار للأسرة ولِحق المواطنة، وإعادة ترميم ما هدمناه من قيم مجتمعية، وإعادة الإتزان والثبات والأمن للمواطن وللعائلة وأفرادها، ومنحه حقوقه كمّا يتم مطالبته بواجباته، وحل أزمات المجتمع الحياتية. فالمقدمات تبنى عليها النهايات، فما هي المقدمات الّتي يمكن تقديمها لقراءة النهايات؟!
د. سامي محمد الأخرس
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف